قال
مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه:
[حدثنا يحيى بن يحيى قال: أخبرنا هشيم، ح، وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال: حدثنا شريك بن عبد الله وهشيم بن بشير عن يعلى بن عطاء عن عمرو بن الشريد عن أبيه، قال: (كان في وفد ثقيف رجل مجذوم، فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم: إنا قد بايعناك فارجع)].
الجذام سبق لنا تعريفه، وهو من الأمراض المُعدية، وفي هذا الحديث تجنب النبي صلى الله عليه وسلم مخالطة المجذوم، وفي حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل مع المجذوم، فكيف الجمع بين هذين الحديثين؟ في حديث جابر النبي صلى الله عليه وسلم أكل مع المجذوم وقال: (كل ثقة بالله وتوكل عليه)، وكذلك في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهذا المجذوم: (إنا قد بايعناك فارجع).
الجمع بين هذين الحديثين نقول بأن التباعد عن المجذوم هو الأصل؛ لما في ذلك من حفظ النفس، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فر من المجذوم فرارك من الأسد)، فالأصل أن المسلم يتباعد عن أسباب المرض.
لكن هذا الحديث يدل على الجواز، وأن الإنسان إذا خالط هؤلاء الذين يُعدون توكلاً على الله عز وجل وثقة بما عنده سبحانه وتعالى؛ لأن هذا مجرد سبب، والأسباب لا يمكن أن تؤثر بذاتها، ولا تؤثر إلا بإذن الله عز وجل، فهذا الحديث يدل على الجواز، وإلا فإن الأصل هو التباعد وهو حفظ النفس والبعد عن أسباب المرض.
أيضاً هذا الحديث يدل لمسألة موجودة اليوم، وهي ما يسمي بالحجر الصحي، أعني: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( فر من المجذوم فرارك من الأسد ).
وفيه أيضاً أن المجذوم يُمنع من مخالطة الناس لما في ذلك من الضرر عليهم؛ لأن قول النبي صلى الله عليه وسلم (ارجع)، دليل على أنه يُمنع من مخالطة الناس.
ويترتب على ذلك أنه لا تجب عليه الجمعة، ولا تجب عليه الجماعة.
وفيه أيضاً أن المجذومين ونحوهم ممن يصابون بأمراض مُعدية تُعمل لهم أماكن خاصة، سواء كان للتعلم أو للأكل أو نحو ذلك؛ لئلا يؤدي ذلك إلى ضرر الناس.
وفي هذا إثبات البيعة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبايع الناس على الإسلام.
قال رحمه الله تعالى: [وحدثنا
أبو بكر بن أبي شيبة ، قال: حدثنا
عبدة بن سليمان و
ابن نمير عن
هشام ح، وحدثنا
أبو كريب قال: حدثنا
عبدة، قال: حدثنا
هشام عن أبيه عن
عائشة قالت:(
أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقتل ذي الطفيتين؛ فإنه يلتمس البصر ويصيب الحبل).
في هذا قتل الحيات، وهو الأصل؛ لأنها مؤذية، ولحديث عائشة أن النبي قال: (خمس فواسق يُقتلن في الحل والحرم، وذكر منها الحية)، ويتأكد قتل ذي الطفيتين والأبتر كما سيأتينا.
والطفيتان: خطان أبيضان يكونان على ظهره.
والأبتر قيل بأنه مقطوع الذنب، وقيل بأنه قصير الذنب، وهو نوع من الحيات أزرق، وإنما يتأكد قتل هذين النوعين لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بأنهما يلتمسان البصر ويسقطان الحبل.
ما معنى يلتمس البصر؟ قال بعض العلماء: إنه يتقصد البصر باللسع، وهذا يدل على أنه فاسق، وأنه مؤذ، وقيل بأنه من شدة السمية التي فيه يؤدي ذلك إلى ذهاب البصر كما ذكر الزهري كما سيأتينا في صحيح مسلم .
وقولها أيضاً (يسقط الحبل). أي: الحمل، ما معنى أنه يُسقط الحمل؟ قال بعض العلماء: إن المراد بذلك: أن المرأة إذا رأته ارتاعت وخافت فسقط حملها.
وقيل أيضاً ما يتعلق بسميته: أنه من شدة السمية الموجودة فيه أن هذا يؤدي إلى إسقاط الحمل.
وقال بعض العلماء في قوله: (يلتمسان البصر): إنه بمجرد النظر إلى هذه الحية يؤدي ذلك إلى خطف البصر بإذن الله عز وجل.
إذاً: فأصبح قوله: (يلتمسان البصر) فيه ثلاثة تأويلات:
التأويل الأول: المراد بذلك السم.
والتأويل الثاني: أنه يتقصد لسع البصر.
والتأويل الثالث: أنه بمجرد ما يحصل النظر إليه يخطف البصر بإذن الله عز وجل، والله أعلم.
قال: [وحدثنا إسحاق بن إبراهيم ، قال: أخبرنا أبو معاوية ، قال: أخبرنا هشام بهذا الإسناد، وقال: الأبتر وذو الطفيتين.