إسلام ويب

شرح صحيح مسلم - كتاب الطب والرقى [10]للشيخ : خالد بن علي المشيقح

  •  التفريغ النصي الكامل
  • ندب الشرع إلى قتل كل فاسق ومؤذ من الحيوان، ومن ذلك قتل الحيات غير حيات البيوت، وقتل الوزغ، لا النمل والنحل والصرد، كما جاء الأمر بالإحسان للحيوان، والنهي عن تعذيبه إذا لم يكن فاسقاً، ودخلت النار امرأة في هرة حبستها، ودخلت بغي الجنة في كلب سقته الماء؛ لأن
    قال مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه: [ وحدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن سرح ، قال: أخبرنا عبد الله بن وهب ، قال: أخبرني مالك بن أنس ، عن صيفي وهو عندنا مولى ابن أفلح ، قال: أخبرني أبو السائب مولى هشام بن زهرة ، أنه دخل على أبي سعيد الخدري في بيته فوجده يصلي].

    في هذا الحديث من المسائل: فيه عمارة البيت بالطاعة، وهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ولهذا سائر النوافل تستحب أن تكون في البيت، إلا ما شرعت له الجماعة فإنه يكون في المسجد.

    ويدل لهذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة)، بل إن من التطوعات ما يتأكد أن يكون في البيت، مثل سنة الفجر، ولهذا يذكر العلماء رحمهم الله من سننها أنها تفعل في البيت، وكذلك قال بعض العلماء: سنة المغرب يستحب أو يتأكد أن تكون في البيت.

    على كل حال الأفضل أن تفعل النوافل في البيت؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة)، قال عليه الصلاة والسلام: (صلوا في بيوتكم)، وأيضاً هذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم، فالنبي كان يفعل النوافل في بيته، يستثنى من ذلك النافلة التي تتعلق بالمسجد، مثل: تحية المسجد، أو تشرع لها الجماعة كصلاة الاستسقاء، وقبل ذلك الصلوات المفروضة، وكصلاة العيدين، وصلاة الكسوف ونحو ذلك، فهذه محلها المسجد.

    قال رحمه الله: [فوجدته يصلي فجلست أنتظره حتى يقضي صلاته]، وفي هذا انتظار صاحب الحاجة، وأن هذا سائغ، وهو مقتضى المروءة، وأن الإنسان إذا كان في حاجة فينبغي أن ينظر أو أن ينتظر حتى يقضي حاجته.

    قال: [فسمعت تحريكاً في عراجين في ناحية البيت]، العرجون هو عذق النخلة، [فالتفت فإذا حية، فوثبت لأقتلها، فأشار إليّ أن اجلس فجلست].

    في هذا الإشارة في الصلاة، وأن هذا جائز ولا بأس به، والنبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك كما ثبت في الصحيح، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما جحش في رجله وصلى جالساً، صلى الصحابة رضي الله تعالى عنهم خلفه قياماً، فأشار إليهم أن اجلسوا، وفي هذا دليل لقاعدة يذكرها العلماء رحمهم الله تعالى وهي أن الإشارة المفهومة بمنزلة العبارة المنطوقة.

    [فجلست، فلما انصرف أشار إلى بيت في الدار، فقال: أترى هذا البيت؟ فقلت: نعم، قال: كان فيه فتى منا حديث عهد بعرسه، قال: فخرجنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق]، يعني إلى غزوة الخندق، وهي غزوة الأحزاب، وسببها تآلب كفار قريش واليهود على حرب النبي صلى الله عليه وسلم، فأشار سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه على النبي صلى الله عليه وسلم أن يحفر خندقاً دون هؤلاء الأحزاب، والغزوة معروفة، وقد نصر الله عز وجل نبيه والمؤمنين فيها على أعدائهم.

    قال: [فكان ذلك الفتى يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنصاف النهار فيرجع إلى أهله]، يعني: إذا انتصف النهار يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم فيرجع إلى أهله؛ لأنه كان حديث عهد بعرس.

    وفي هذا مراعاة الأهل، وفيه أيضاً مراعاة من كان حديث عهد بعرس؛ لأن الإنسان إذا كان حديث عهد بعرس فإنه يكون مشتاقاً إلى أهله، وكذلك أهله يكونون مشتاقين إليه، وفي هذا حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم، حيث راعى هذه الحالة النفسية عند هذا الفتى، وعند أهله.

    قال: [فاستأذنه]، وفي هذا استئذان النبي صلى الله عليه وسلم، وهكذا أمر الله عز وجل باستئذان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان في أمر جامع، فإنه لا يفتات على النبي صلى الله عيه وسلم، وكذلك من يقوم مقام النبي صلى الله عليه وسلم في الولايات العامة، إذا كان في أمر جامع فإنه لا يفتات عليه، بل لا يتصرف الإنسان بالذهاب والمجيء إلا بالإذن.

    قال: [فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (خذ عليك سلاحك)]. في هذا النصيحة من النبي صلى الله عليه وسلم، وفي هذا أيضاً حمل السلاح عند حصول خوف من عدو، سواء كان هذا العدو إنساناً، أو كان حيواناً، فإنه يستحب للمسلم أن يحمل معه ما يحفظه من سلاح ونحو ذلك، أو أن يكون بصحبة غيره مما يحفظ عليه دمه.

    وفي هذا أيضاً الأخذ بالأسباب، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يأخذ عليه سلاحه.

    قال: [(فإني أخشى عليك قريظة)]. وفي هذا ما عليه قريظة، وقريظة هم الذين ألبوا الأحزاب، وخرجوا إلى بني النضير، وخرجوا إلى بقية كفار العرب وإلى قريش وحزبوا الأحزاب على النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن نقضوا العهد.

    قال: [(فإني أخشى عليك قريظة)، فأخذ الرجل السلاح، ثم رجع فإذا امرأته بين البابين قائمة]، يظهر والله أعلم أن هذا الباب له درفتان، فهي قائمة بين البابين، أو أن هذا الباب له درفة واحدة وهي قائمة بين الخشبتين، أي: قائمة بين طرفي الباب، يعني: بين الخشبتين اللتين تكونان بالباب يعلق عليهما الباب في خشبة، وفي الخشبة الأخرى يقفل الباب من جهتها.

    قال: [فأهوى إليها الرمح ليطعنها به وأصابته غيرة]. في هذا ما عليه السلف رحمه الله من الغيرة الشديدة، حيث إنه رأى زوجته خارجة قائمة على الباب، فأهوى بالرمح لكي يضربها، والذي يظهر والله أعلم أنه لا يريد أن يقتلها؛ لأنها لم تفعل ما تستوجب القتل، وإنما لكي يطعنها في الرمح في رجلها ونحو ذلك.

    وأيضاً يظهر والله أعلم أنه لا يريد أن يطعنها بالرمح المحدد، وإنما يريد أن يطعنها بالجانب غير المحدد، أو بعرض الرمح ونحو ذلك، هذا هو المظنون؛ لأن هذا الصحابي رضي الله تعالى عنه لم يظهر أنه يريد أن يسيء إلى زوجته؛ لأنها لم تفعل ما يستوجب الإساءة.

    قال: [وأصابته غيرة، فقالت له: اكفف عليك رمحك]، وأيضاً يحتمل احتمال آخر أنه إنما سارع إلى رمحه لكي يطعنها به لشدة الغيرة، وفيه أن مثل هذه الحالات النفسية أنه يخفف فيها على الإنسان، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يقض القاضي حين يقضي وهو غضبان). تقدم لنا في الطلاق أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول بأن الغضبان الذي لا يستطيع أن يملك نفسه، وإن كان يتصور ما يقول، أنه لا يقع عليه طلاق، فإذا لحقت الإنسان غيرة أو غضب فإنه يخفف عنه ما لا يخفف عن شخص في حالته العادية، ولهذا بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم لما حصلت الغيرة بأمهات المؤمنين، وحصل بينهن من التقاول بالكلام، النبي صلى الله عليه وسلم عذرهن في ذلك.

    فيؤخذ من هذا أن الإنسان إذا لحقته غيرة أو نحو ذلك من هذه الأمور النفسية، فإنه يخفف عنه في الحكم، ولا يكون كشخص حالته عادية.

    قال: [فقالت له: اكفف عليك رمحك وادخل البيت حتى تنظر ما الذي أخرجني؟! فدخل فإذا بحية عظيمة منطوية على الفراش، فأهوى إليها بالرمح فانتظمها به]، يعني: قلتها، [ثم خرج فوكزه في الدار، فاضطربت عليه، فما يدرى أيهما كان أسرع موتاً الحية أم الفتى؟

    قال: فجئنا للرسول صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له وقلنا: ادع الله يحييه لنا، فقال: (استغفروا لصاحبكم)]، الصحابة رضي الله تعالى عنهم من باب الشفقة والرحمة بأهل هذا الفتى، وكذلك من باب المحبة له والشوق إلى لقائه، سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله أن يحييه، وهذا السؤال في غير مكانه؛ لأن من آيات الله الكونية القدرية أن الإنسان إذا مات لا يعود مرة أخرى إلى الحياة، وإلا لكان أحق الناس بذلك هم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأتباع الأنبياء ونحو ذلك.

    فالصحابة رضي الله تعالى عنهم خفي عليهم ذلك فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يحييه، ولا حياة بعد الممات إلا عند البعث، وهذا لجميع الناس، وليس خاصاً بأحد دون أحد.

    وفي هذا أيضاً حسن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أرشدهم إلى ما هو أنفع لميتهم، وأنفع لهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (استغفروا لأخيكم)، يعني: كونه يحيا أو لا يحيا، الله سبحانه وتعالى أدرى بالمصلحة، سواء كانت هذه المصلحة للفتى أو لأهله أو لكم، ولهذا أرشدهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما ينبغي أن يكونوا عليه وهو الاستغفار، والدعاء للميت، وهكذا ينبغي للمربي إذا حصل سؤال أو استفسار أو نحو ذلك مما لا ينبغي أن يكون، فينبغي أن يرشد لما هو أحسن وأفضل.

    وكذلك يؤخذ من هذا أيضاً الدعاء للميت، وأنه ينبغي الاستغفار للميت، وهذا هو السنة، والله عز وجل يقول: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر:10].

    في حديث مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث)، قال: (أو ولد صالح يدعو له)، هذا هو الأفضل، أما بقية الصور غير الدعاء فهذه مباحة، ويصل أجرها إن شاء الله، لكن لا يكثر منها الإنسان، والأفضل أن يأتي بالدعاء، وهذا ما أرشده النبي عليه الصلاة والسلام، قال: (استغفروا لصاحبكم).

    ثم قال: [(إن بالمدينة جناً قد أسلموا، فإذا رأيتم منهم شيئاً فآذنوه ثلاثة أيام)]. في هذا كما تقدم لنا أن حيات البيوت لا تقتل إلا بعد أن يحرج عليها ثلاثة أيام، فإذا ظهرت بعد اليوم الثالث فإنها تكون معتدية وليست مسلمة، بل كافرة تقتل، ويستثنى من حيات البيوت ذو الطفيتين الأبتر، هاتان الحيتان تقتلان في كل مكان، في البيوت وفي خارج البيوت؛ لأنهما نجسان، يعني: نجاستهما مؤكدة، فهما يسقطان الحبل، ويخطفان البصر كما تقدم.

    وفي هذا أن هذه الحيات التي توجد في البيوت لا تقتل، وإنما يحرج عليها ثلاثة أيام، فإن عادت بعد اليوم الثالث فإنها تقتل.

    قال: [(فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه، فإنما هو شيطان)].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088540309

    عدد مرات الحفظ

    777217622