جاء في الأحاديث الصحيحة اعتبار الرؤى المنامية، وهي أقسام ثلاثة تختلف باختلاف حال الرائي، فقد تكون رؤيا صادقة، وقد تكون من الشيطان يحزن بها المؤمن، وقد تكون حديث نفس، وقد أرشد الشرع الكريم المكلف إلى ما يفعله إزاء كل نوع، وقد ثبت أن الرؤيا الصادقة جزء من ا
أقسام الرؤى التي يراها النائم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله، وبعد:
الرؤيا: هي ما يراه النائم في منامه، وما يراه النائم في منامه ينقسم إلى هذه الأقسام الثلاثة:
القسم الأول: أفزاع من الشيطان، وذلك بأن يرى ما يكره، فإن الشيطان يتسلط على النائم حال نومه كما يتسلط عليه حال يقظته.
القسم الثاني: حديث النفس، وهو أن يرى ما يجري له في حياته العادية.
والقسم الثالث: الرؤيا، وهي ضرب مثل، يضرب له ما سيحدث له على سبيل المثل، كما ( رأى النبي صلى الله عليه وسلم أن في سيفه ثلمة) وهي: موت عمه حمزة، ورأى أن بقراً تذبح، وهي: استشهاد أصحابه في غزوة أحد، إلى غير ذلك، وسيأتينا إن شاء الله من ذلك.
والذي يعبر من هذه الأقسام هو ما يتعلق بضرب المثل، وأما يتعلق بالفزع من الشيطان، فهذا بين النبي صلى الله عليه وسلم موقف المسلم منه، يعني: إذا رأى ما يكره في منامه فإنه ينفث عن يساره ويتحول عن جنبه الذي كان عليه، وكذلك أيضاً يستعيذ من الشيطان ثلاثاً، ولا يحدث بذلك أحداً، وحينئذٍ لا تضره.
(أعرى منها) يعني: أنه تصيبه منه رعدة، أو يصبيه منها نفض الحمى، والمقصود بذلك أنه يفزع منها ويخاف منها، حتى تصيبه منها هذه الرعدة، أو ينتفض كما ينتفض المحموم. قال: [(غير أني لا أزمل)] يعني: لا أغطى.
الرؤيا تقدم لنا، والحلم أيضاً تقدم لنا، وكل من الرؤيا والحلم من الله سبحانه وتعالى، لكن أضاف الحلم إلى الشيطان؛ لأن الشيطان يفرح بذلك ويسر به، ويكون بسببه.
فالرؤيا هي: ما يراه من ضرب المثل مما يسر به، والحلم هي ما يراه من المكروه مما يفزع به الشيطان النائم.
قال: [(وليتعوذ بالله من شرها فإنها لن تضره)]. يؤخذ من هذا الحديث مسألتان: منها أنه يوجد نوعان من الأنواع التي يراها النائم في منامه، وأنها الرؤيا أو الحلم، والرؤيا كما تقدم هي: ضرب المثل بما يسر، والحلم هي أفزاع من الشيطان بما يكره النائم.
قال: وفي ذلك أيضاً إرشاد النبي صلى الله عليه وسلم بما يراه المسلم إذا رأى الحلم، وأنه يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم من شرها، وأنه ينفث عن يساره ثلاثاً ثلاثاً، أي: يستعيذ ثلاثاً، وينفث ثلاثاً، وسيأتي زيادة على ذلك.
وفيه فعل الأسباب، وأن مثل هذا العمل إنما هو من فعل السبب، وقد يحصل المسبب وقد لا يحصل المسبب، لكن نحن مأمورون بفعل الأسباب، فإذا رأى المسلم ما يكره فلكي يداوي ذلك يطبق السنة، فيستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ومن شر ما رأى، وينفث عن يساره، ويتحول عن جنبه، هذا السبب؛ ونحن مأمورون بفعل الأسباب.. لكن قد يتخلف السبب إما لوجود مانع أو لفقد شرط؛ لكن إذا توكل المسلم على ربه وفعل الأسباب فإن الله سبحانه وتعالى يوفقه.
وفي هذا تطبيق السلف رحمهم الله تعالى لسنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لما سمع حث النبي صلى الله عليه وسلم في النفث عن يساره ثلاث مرات ويتعوذ من شرها فإنها لا تضره، قال: لا أباليها، أي: لا أبالي الرؤيا بعد أن أفعل السبب.
الرؤيا الصالحة المراد بها: الرؤيا التي يسر بها المسلم، والرؤيا السوء هي التي يساء بها ويكرهها، كما تقدم لنا قول: (من الله)، (من الشيطان)، فإضافتها إلى الله عز وجل إضافة تشريف، وإلا فإن الكل من خلق الله عز وجل. وإضافتها إلى الشيطان؛ لأن الشيطان يفرح بها ويسر، ويحضرها.
في هذا بيان موقف المسلم إذا رأى رؤيا حسنة، وموقف المسلم إذا رأى رؤيا تسوءه، إذا رأى رؤيا يفزع منها فإنها من الشيطان، يعني: أنها بسبب الشيطان، والموقف -كما في السنة- أنه يستعيذ بالله من شرها ومن شر الشيطان ثلاثاً، وكذلك أيضاً ينفث عن يساره ثلاثاً، ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ومن شر ما رأى ويتحول عن جنبه، ولا يذكر ذلك لأحد.
هذه خمسة أمور لموقف المسلم إذا رأى ما يسوءه: ينفث عن يساره ثلاثاً, ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ومن شر ما رأى، ويتحول عن جنبه، ولا يخبر أحداً.
وإن رأى رؤيا حسنة يستبشر بذلك ولا يخبر إلا من يحب، وإنما لا يخبر إلا من يحب؛ لأنه قد يحصل له بذلك نوع من الحسد إذا أخبر من لا يحب.
في هذا الحديث كما تقدم لنا: موقف المسلم من الرؤيا التي تسوءه: أنه ينفث عن يساره ثلاثاً، ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ومن شر ما رأى، ولا يحدث أحداً، ويتحول عن جنبه، وهذه خمسة أمور، وهنا أمر سادس وهو أن يقوم ويصلي، إذا حصلت هذه الأمور بإذن الله عز وجل أنه لن تضره، كما تقدم لنا أن هذا من باب فعل السبب.
وفي هذا الحديث: أنه إذا اقترب الزمان فإن رؤيا المسلم لا تكاد تكذب، بمعنى أنها تقع.
الأمر الأول: أن مسلماً أخرجها في صحيحه، وأكثر الرواة على ذلك.
والأمر الثاني: ما ذكره الخطابي وغيره: أن النبي صلى الله عليه وسلم جلس في البعثة ثلاثاً وعشرين عاماً يوحى إليه، وأول الوحي كان رؤيا، وقالوا: كانت مدة الرؤيا ستة أشهر، فتكون الرؤيا جزءاً من ستة وأربعين جزءاً من النبوة. إذا قلت: ستة أشهر نصف سنة، فثلاثة وعشرون في اثنين يساوي ستة وأربعين.
فقالوا بأنها جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة.
ولكن يعكر على هذا أن القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان في أول الأمر يرى لمدة ستة أشهر، هذا يحتاج إلى دليل، وليس هناك شيء ثابت، لكن ربما يقال بأن قوله: (جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة) أن هذا يدل على أن رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم كانت في أول الأمر قبل أن يوحى إليه كانت ستة أشهر، ربما يؤيد ذلك.
وثانياً: أن المعنى يؤيده، كان النبي صلى الله عليه وسلم جلس يوحى إليه ثلاثاً وعشرين سنة، وكان في أول الأمر لمدة ستة شهور يرى الرؤيا في المنام، ويراها تماماً في اليقظة كفلق الصبح.
المسلك الثاني: العمل بكل الروايات الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم, وأن هذا الاختلاف راجع إلى اختلاف الرائي، فالمؤمن تكون رؤياه جزءاً من ستة وأربعين جزءاً، والفاسق تكون رؤياه جزءاً من سبعين جزءاً من النبوة.
وقيل: إن الخفي منها جزء من سبعين، والظاهر جزء من ستة وأربعين.
يظهر -والله أعلم- أن الرأي الأول هو أحسن الآراء، وأن الرؤيا جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة، وكما ذكر الخطابي وغيره، وعلى هذا يرجح على بقية الأحاديث الواردة.
وفيه: أن ما يراه النائم ينقسم إلى ثلاثة أقسام كما تقدم لنا:
رؤيا صالحة، وهي ضرب المثال، وإذا كانت تسر فهي صالحة.
ورؤيا تحزين، وهي إفزاع من الشيطان وهي الحلم.
ورؤيا حديث النفس، يعني: الرؤيا مما يحدث المرء نفسه.
قال: (وأحب القيد). يعني: إذا رئي القيد في المنام، لأنه يدل على الثبات، يعني: إذا رأى الإنسان في منامه أنه حصل له قيد إلى آخره، فهذا يدل على الثبات على الدين والكف على المعاصي.
قوله: (فلا أدري هو في الحديث أم قاله ابن سيرين )؛ يعني: هل الراوي عن ابن سيرين هل هو في الحديث أم قاله ابن سيرين من نفسه؟
قال: [وحدثني محمد بن رافع ، قال: حدثنا عبد الرزاق ، قال: أخبرنا معمر عن أيوب بهذا الإسناد, وقال في الحديث قال أبو هريرة: فيعجبني القيد وأكره الغل. والقيد ثبات في الدين.