رؤيا الأنبياء وحي، وقد ورد من منامات النبي صلى الله عليه وسلم عدة رؤى رواها الصحابة عنه، وذكروا تفسيره صلى الله عليه وسلم لها، ومن ذلك رؤياه طابة وأنها قد طابت، ورؤياه أمر مسيلمة والأسود العنسي، ورؤياه ما حدث لأصحابه في أحد، وقد كان يقبل على الصحابة بعد ص
قول
مسلم رحمه الله: [حدثنا
عبد الله بن مسلمة بن قعنب قال: حدثنا
حماد بن سلمة عن
ثابت البناني عن
أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (
رأيت ذات ليلة فيما يري النائم كأنا في دار عقبة بن رافع فأتينا برطب من رطب ابن طاب ..)].
الرطب: هو التمر الجديد.
(من رطب ابن طاب): رطب ابن طاب هذا رطب معروف في المدينة، وينسب إلى ابن طاب ، وهو رجل من أهل المدينة.
(فأولت الرفعة لنا في الدنيا، والعاقبة في الآخرة، وأن ديننا قد طاب). يعني: كمل. واستقرت أحكامه وقواعده.
تقدم لنا أن الرؤيا تنقسم إلى ثلاثة أقسام، وأن من أقسام الرؤيا: الرؤيا الصالحة، وأن الإنسان إذا رأى ما يسر فإنه يقصها على من يحب.
والنبي صلى الله عليه وسلم رأى هذه الرؤيا التي فيها ضرب المثل بالرفعة، واكتمال الدين، فقصها النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه.
وفي هذا أن من رأى ما يحب أو إذا رأى الرؤيا الصالحة فيستحب أن يقصها على من يحب.
وفي هذا أيضاً تأويل الرؤيا، وتعبير الرؤيا، وأن النبي صلى الله عليه وسلم هو سيد المعبرين والمؤولين، وأن تعبير الرؤيا جائز، وفعله النبي صلى الله عليه وسلم, وهي ضرب من كشف الغيب.
وفيه: أن الرؤيا التي تعبر هي التي تكون على ضرب المثل، كما تقدم لنا أن الرؤيا: إما حمل من الشيطان -إفزاع من الشيطان- وإما حديث النفس، أو ما يتعلق من أمر الدنيا، أما رؤيا صالحة.
وبينا الحكم فيما يتعلق بالقسمين الأولين، وأما الرؤيا الصالحة كضرب المثل فتعبر، وهذا القسم الذي رآه النبي صلى الله عليه وسلم.
وفيه أيضاً أن تعبير الرؤيا يكون من نفس الرؤيا، يعني: المعبر الحاذق الذي يجيد تعبير الرؤيا، ويلهمه الله عز وجل تعبير الرؤيا، يعبرها من نفس الرؤيا؛ لأن الرؤيا هي ضرب مثل، ليست على سبيل التعجيز، لكن ليكتشف هذا المثل، فالنبي صلى الله عليه وسلم عبر كونه رأى هذا الرطب من رطب ابن طاب ، أن الدين طاب، وأن الدين كمل، وأيضاً عبرها بالرفعة في الدنيا والعاقبة في الآخرة؛ لأن هذا الرطب في بيت عقبة بن رافع ، فأخذ من هذا الرفعة والعاقبة وأن الدين اكتمل؛ ففيه أن تعبير الرؤيا إنما يكون من نفس الرؤيا، ومن اشتقاق هذا المثل.
قال: [وحدثنا
محمد بن بشار قال: حدثنا
وهب بن جرير قال: حدثنا أبي عن
أبي رجاء العطاردي عن
سمرة بن جندب قال: (
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح أقبل عليهم بوجهه فقال: هل رأى أحد منكم البارحة رؤيا)].
قوله: (البارحة) في هذا أنه يجوز أنك تقول لليلة الماضية البارحة، وإن كان ذلك قبل الزوال؛ لأن بعض أهل اللغة يقول: ما تقول البارحة لليلة الماضية إلا إذا كان بعد الزوال، وأما قبل الزوال فقل: الليلة.
وقوله: (إذا صلى الصبح أقبل عليهم بوجهه)، فيه: أن المشروع للإمام إذا صلى الصبح أن يقبل على المأمومين بوجهه، خلافاً لما ذكره بعض الفقهاء أنه ينحرف ويجعل وجهه إلى تلقاء المكان الذي سيخرج منه.
وفي هذا أيضاً أنه لا بأس أن يستدبر القبلة وهو يلقي العلم، فالنبي صلى الله عليه وسلم انحرف واستقبل الصحابة، والصحابة وجوههم تجاه القبلة، والنبي صلى الله عليه وسلم ظهره إلى القبلة.
وفي هذا السؤال عن الرؤيا، والمبادرة إلى تأويلها وتعجيلها أول النهار؛ لأن عهد الرائي قريباً بها، ولم يتشعب بها ذهنه بأشغال الدنيا.
وفي هذا أيضاً التحديث والكلام في العلم بعد صلاة الصبح، وتفسير الرؤيا، ونحو ذلك.
والله أعلم.