إسلام ويب

شرح صحيح مسلم - كتاب الفضائل [2]للشيخ : خالد بن علي المشيقح

  •  التفريغ النصي الكامل
  • أيد الله سبحانه وتعالى رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بمعجزات باهرة دالة على صدق نبوته، وأنه رسول من عند الله حقاً، منها: إعلامه صحابته بهبوب ريح شديدة في طريق تبوك، وحفظ الله له من الأعرابي الذي رفع السيف عليه بينما كان يستظل تحت شجرة ولم يؤاخذه على ذلك
    قال الإمام مسلم رحمه الله تعالى في باب معجزات النبي صلى الله عليه وسلم: [حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي , قال: حدثنا سليمان بن بلال , عن عمرو بن يحيى عن ابن عباس , عن سهل بن سعد الساعدي , عن أبي حميد , قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك, فأتينا وادي القرى على حديقة لامرأة, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اخرصوها, فخرصناها وخرصها رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة أوسق, وقال: أحصيها حتى نرجع إليك إن شاء الله, فانطلقنا حتى قدمنا تبوك, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ستهب عليكم الليلة ريح شديدة, فلا يقم فيها أحد منكم، فمن كان له بعير فليشد عقاله, فهبت ريح شديدة فقام رجل فحملته الريح حتى ألقته بجبلي طيء, وجاء رسول ابن العلماء صاحب أيلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب وأهدى له بغلة بيضاء, فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهدى له برداً، ثم أقبلنا حتى قدمنا وادي القرى, فسأل النبي صلى الله عليه وسلم المرأة عن حديقتها كم بلغ ثمرها؟ فقالت: عشرة أوسق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني مسرع فمن شاء منكم فليسرع معي, ومن شاء فليمكث, فخرجنا حتى أشرفنا على المدينة, فقال: هذه طابة، وهذا أحد وهو جبل يحبنا ونحبه, ثم قال: إن خير دور الأنصار دار بني النجار, ثم دار بني عبد الأشهل، ثم دار بني عبد الحارث بن الخزرج، ثم دار بني ساعدة, وفي كل دور الأنصار خير, فلحقنا سعد بن عبادة فقال أبو أسيد : ألم تر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خير دور الأنصار فجعلنا آخراً؟! فأدرك سعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! خيرت دور الأنصار فجعلتنا آخراً؟! فقال: أوليس بحسبكم أن تكونوا من الخيار؟).

    قال: حدثناه أبو بكر بن أبي شيبة , قال: حدثنا عفان ، ح، وحدثنا إسحاق بن إبراهيم , قال: أخبرنا المغيرة بن سلمة المخزومي قالا: حدثنا وهيب ، حدثنا عمرو بن يحيى بهذا الإسناد إلى قوله: (وفي كل دور الأنصار خير) , ولم يذكر ما بعده من قصة سعد بن عبادة , وزاد في حديث وهيب : (فكتب له رسول الله صلى الله عليه وسلم ببحرهم) , ولم يذكر في حديث وهيب : (فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم) ].

    قوله رحمه الله: (حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب , حدثنا سليمان بن بلال عن عمرو بن يحيى عن عباس بن سهل بن سعد الساعدي عن أبي حميد قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك).

    غزوة تبوك في السنة التاسعة من الهجرة.

    قوله: (فأتينا وادي القرى), هذا الوادي بين المدينة وتبوك، (على حديقة)، أي: بستان، (لامرأة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اخرصوها), يعني: احزروا ما يجيء أو كم يجيء من تمرها.

    قوله: (فخرصناها وخرصها رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة أوسق), الوسق: يساوي ستين صاعاً.

    قوله: (قال: أحصيها حتى نرجع إليك إن شاء الله, وانطلقنا حتى قدمنا تبوك, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ستهب عليكم الليلة ريح شديدة فلا يقم فيها أحد منكم, فمن كان له بعير فليشد عقاله), العقال: هو ما يربط به البعير, (فهبت ريح شديدة فقام رجل فحملته الريح حتى ألقته بجبلي طيء), معروف الجبل، وجبلا طيء هما: (أجا وسلمى).

    هذا الحديث تضمن مسائل منها: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (اخرصوها), يعني: كم تجيء هذه الحديقة من التمر, وفي هذا اختبار المتبوع لأتباعه بمثل هذه الأشياء بالتمرين ولإذهاب السآمة عنهم, وأيضاً فعل ما يذهب السآمة عن الأتباع, وخصوصاً فيما يتعلق بالسفر.

    وفيه مشروعية الخرص, وقد مر معنا في الزكاة، كذلك في المعاملات في مسألة العرايا. (وانطلقنا حتى قدمنا تبوك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ستهب عليكم)، وهذه آية من آيات الله أيدها النبي صلى الله عليه وسلم, وهي إخباره عن حصول هذه الريح الشديدة.

    وقوله: (فلا يقم فيها أحد منكم), فيه: أنه إذا هبت الريح أنه ينبغي ألا يقوم الإنسان, وأن يكون جالساً؛ لأنه إذا كان جالساً فإنه يكون أثبت له، بخلاف ما إذا كان قائماً فإنه يكون أخف, وربما الريح أثرت عليه.

    قوله: (فقام رجل فحملته الريح حتى ألقته بجبلي طيء), وهذا يدل على أن هذه ريح شديدة؛ لأنها حملته حتى ألقته بجبلي طيء، يعني: (أجا وسلمى)، وفي هذا أيضاً: اعتناء النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه.

    (وجاء رسول ابن العلماء صاحب أيلة), أيلة: هي بيت المقدس.

    (وأهدى له بغلة بيضاء), وفي هذا قبول الهدية من الكفار, وأن هذا جائز ولا بأس به, فالنبي صلى الله عليه وسلم قبل هذه الهدية, فمادام أنه لا يترتب عليه محظور شرعي, فالأصل في ذلك الحل.

    (فكتب إليه), كتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم, والظاهر: أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إليه يدعوه إلى الإسلام, وفي هذا الدعوة إلى الله عز وجل بالكتابة, ودعوة الإمام أهل الكفر إلى الإسلام.

    (وأهدى له برداً), وفي هذا أيضاً: الإثابة على الهدية, وهذا هو السنة، أن تقبل الهدية وأن تثيب عليها, إذا أهداك شخص هدية أن تقبل منه وأن تثيبه على هديته.

    (ثم أقبلنا حتى قدمنا وادي القرى, فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم المرأة عن حديقتها كم بلغ ثمرها؟ فقالت: عشرة أوسق), وفي هذا: دليل على حذق النبي صلى الله عليه وسلم, وحسن خرصه.

    فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني مسرع فمن شاء منكم فليسرع معي), وفي هذا الإسراع في السفر, يعني: المقصود هنا: الإسراع المعتدل.

    ومن ذلك ما جاء في حديث جابر في دفع النبي صلى الله عليه وسلم في الحج: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يسير العنق, فإذا وجد فجوة نص), فإذا كان الإسراع لا يخل, ولا يترتب عليه ضرر, فإن هذا جائز ولا بأس به, بل إن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد إلى أن الإنسان إذا قضى نهمته من سفره فليسرع إلى أهله.

    (فخرجنا حتى أشرفنا على المدينة), يعني: في ضواحي المدينة قبل دخول المدينة.

    قوله: (هذه طابة), في هذا أن (طابة) اسم من أسماء المدينة. (وهذا أحد, وهو جبل يحبنا ونحبه)، تقدم الكلام على هذه المسألة, وفيه مشروعية محبة جبل أحد, وأنه ينبغي للمسلم أن يحب جبل أحد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يحبه؛ ولأن (أحداً) يحب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه, فنحب هذا الجبل, وفيه أن الجماد يحب, وأن محبة الجماد تليق به, كما أن تسبيحه لله بما يليق به: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ [الإسراء:44], كما أن خشيته لله بما يليق به.

    ثم قال: (إن خير دور الأنصار دار بني النجار), فيه أن دور الأنصار كلها فيها خير, لكنها تتفاضل في الخيرية, كما أن المسلمين يتفاضلون, وكما أن الصحابة رضي الله عنهم يتفاضلون, وأن أفضلها كما رتبها النبي صلى الله عليه وسلم, (ثم دار بني عبد الأشهل, ثم دار بني عبد الحارث بن الخزرج، ثم دار بني ساعدة, وفي كل دور الأنصار خير).

    ولا شك أن في كل دور الأنصار خير, وأن النبي صلى الله علي وسلم فاضل بينهم وخير بينهم بناءً على سابقتهم في الإسلام وعنائهم وجهادهم في الإسلام, يعني: هذا التخيير ليس مبنياً على مال أو حسب أو نسب, وإنما على السابقة والعناء ونحو ذلك.

    وفي هذا: أنه لا بأس من التخيير بين الناس وبين القبائل مادام أنه لا يترتب عليه محظور شرعي, وكان هذا من قبيل العدل, وأن التخيير بناءً على بذل الجهد في خدمة الإسلام والمسلمين, وأن هذا جائز ولا بأس به.

    قال: (فلحقنا سعد بن عبادة ): سعد سيد بني ساعدة.

    (فأدرك سعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! خيرت دور الأنصار فجعلتنا آخراً؟! فقال: أوليس بحسبكم أن تكونوا من الخيار؟!), يعني: يكفيكم أن تكونوا من الخيار, وفي هذا حسن جواب النبي صلى الله عليه وسلم.

    كذلك فيه إرضاء سعد رضي الله تعالى عنه, لأن النبي صلى الله علي وسلم أرضاه, بأن بين له أنه من الخيار, ويكفي أنه من الخيار.

    قوله: وزاد في حديث وهيب: (فكتب له رسول الله صلى الله عليه وسلم ببحرهم), يعني: ببلادهم, والبحر: هو القرى, ولم يذكر في حديث وهيب : (فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم).

    وفي هذا بيان لما كتبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى صاحب أيلة, فالذي يظهر أنه صلى الله عليه وسلم كتب له ببلدهم مع الدعوة إلى الإسلام, والذي يظهر أنه صلى الله عليه وسلم لا يغفل ذلك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088530176

    عدد مرات الحفظ

    777154774