الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المؤلف رحمه الله: (الناقض الثاني من نواقض الإسلام: من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة، ويتوكل عليهم كفر إجماعاً).
تقدم أن الدعاء ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: دعاء العبادة.
والقسم الثاني: دعاء مسألة.
أما دعاء العبادة: فهذا صرفه لغير الله عز وجل شرك أكبر، مثل: الصلاة، فالصلاة دعاء عبادة؛ لأنك إذا سألت هذا المصلي: لماذا صليت؟ قال: أرجو مغفرة الله، ورحمته، ورضوانه، وجنته، وإذا سألته: لماذا زكى؟ ولماذا صام؟ .. إلخ، أو لماذا ركع؟ أو لماذا سجد؟ لماذا ضحى؟ قال: أرجو ثواب الله.. إلخ، فهذا دعاء العبادة دعاء بالحال.
دعاء المسألة ينقسم إلى أقسام:
القسم الأول: في المطلوب، أن يكون مما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل، يعني: إذا دعوت مخلوقاً شيئاً لا يقدر عليه إلا الله عز وجل، فهذا شرك أكبر مخرج من الملة، كما لو طلبت من شخص أن يرزقك ولداً، أو ينزل الغيث أو يجري السحاب أو غير ذلك، فهذا لا إشكال شرك أكبر؛ لأنه ما دعاه أو سأله هذا السؤال إلا وهو يعتقد أن له تصرفاً خفياً في الكون، ولأنه الآن صرف شيئاً من خصائص الربوبية لغير الله عز وجل.
القسم الثاني: في كيفية الطلب، وذلك أن يسأله بكمال ذل وكمال حب لا يكون إلا لله عز وجل؛ لأن كمال الذل، وكمال الحب يكون لله عز وجل فقط، ولهذا ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أن العشق فيه نوع من الشرك؛ لأن هذا العاشق قام في قلبه من الذل للمعشوق ما لا يكون إلا لله عز وجل.
فالقسم الثاني: إذا سأل بكمال ذل، وكمال حب.. إلخ، فنقول بأن هذا شركٌ أكبر.
القسم الثالث: أن يكون برغبة أو رهبة لا تكون إلا لله عز وجل، يعني: أن يسأل هذا المخلوق برغبة أو رهبة لا تكون إلا لله عز وجل، فهذا أيضاً نقول: بأنه شرك أكبر.
القسم الرابع: أن يكون المدعو بعيداً عن الداعي، مثلاً: هو في مكة وتسأله: أعطني ماءً، يا فلان! أعطني ماءً، ومن ذلك الناس الذين يسألون الأولياء، تجد أن الولي في مكان كذا ويسأله، هذا لو كان حياً يكون شركاً أكبر، فكيف أيضاً وهو ميت؟! وإذا كنت بجانبه وهو ميت كما سيأتينا في الأقسام؟ هذا شرك أكبر، فإذا كان المدعو بعيداً عن الداعي هذا شرك أكبر؛ لأن اتساع السمع لسماع البعيد هذا من خصائص الله عز وجل، لا أحد يتمكن من سماع البعيد إلا الله عز وجل، فالله عز وجل هو الذي يعلم ويسمع كل شيء، أما المخلوق فإنه لا يسمع كل شيء، فاتساع السمع لسماع البعيد هذا خاصٌ بالله عز وجل، ولأن كونه أيضاً يدعوه وهو في مكان بعيد هذا فيه شيء من كونه اعتقد الآن أن له تصرفاً في الكون.
القسم الخامس: أن يكون المدعو ميتاً، فإذا دعوت هذا الميت حتى لو كان في ما يقدر عليه في حال حياته، لو قلت لهذا الميت: اسقني ماءً.. إلخ، فنقول بأن هذا شرك أكبر مخرج من الملة، وكونه شركاً أكبر هذا ظاهر؛ لأنه ما دعا هذا الميت الذي الآن فقد الأسباب الحسية للمباشرة، ما دعاه إلا وهو يعتقد أن له تصرفاً خفياً في الكون.
القسم السادس: أن يدعوه، أو أن يسأله شيئاً يقدر عليه؛ لكن مع اعتقاد استقلاله بإيجاد المطلوب، أن تسأل زيداً أن يعطيك هذا الكتاب وهو يقدر الآن أن يناولك هذا الكتاب؛ لكن كونك تعتقد أنه يستقل بهذا دون الله عز وجل، نقول: شركٌ أكبر؛ لأنه ما من شيء إلا بإرادة الله ومشيئته، فلا يمكن أن يحدث أي شيء في هذا الكون خارجٌ عن إرادة الله عز وجل ومشيئته، فكونه يعتقد استقلال المدعو بهذا الشيء، أو بتحقيق هذا المطلوب دون الله عز وجل، نقول بأن هذا شرك أكبر، ولو كان قادراً عليه.
القسم السابع: الدعاء بجاه النبي صلى الله عليه وسلم، أو بجاه الصالحين، أو الأولياء، أو غير ذلك.. إلخ، نقول: بأن هذا شرك؛ لكنه ليس شركاً أكبر، وإنما هو شركٌ أصغر؛ لأنه وسيلة للشرك الأكبر.
القسم الثامن: أن تدعو غير الله أمراً لا يقدر عليه، يعني: هو في مقدور المخلوق؛ لكن هذا الشخص لا يقدر عليه، تسأله شيئاً لا يقدر عليه، فهذا جعله بعض أهل العلم من الشرك الأصغر؛ لأنه من باب ظن الشيء سبباً وليس بسبب.
قال: (وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة)، طلب الدعاء من الميت، يعني: إذا ذهب الإنسان لقبر شخص ولي، أو صالح، أو غير ولي.. إلخ، وسأله أن يشفع له عند الله عز وجل، أن يدعو له عند الله عز وجل أن يغفر له، هل هذا شرك أكبر أو نقول بأنه ليس شركاً أكبر؟ هذا اختلف فيه أهل العلم رحمهم الله، تطرقنا لهذه المسألة وقلنا: في هذه المسألة رأيان:
الرأي الأول: أنه شرك أكبر، وهذا قال به الشيخ عبد الرحمن بن حسن ، أيضاً الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن من أئمة الدعوة.
والرأي الثاني: أنه ليس شركاً أكبر، وهذا رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهذا القول هو الصواب: أنه ليس شركاً أكبر.