إسلام ويب

شرح عمدة الفقه - كتاب البيع [12]للشيخ : خالد بن علي المشيقح

  •  التفريغ النصي الكامل
  • حرم الإسلام الربا ورغب في الدَّين إعانة للمحتاجين وتنفيساً عن المكروبين, وأحكام الدين كثيرة تتعلق بحلوله وتأجيله, وحكم المدين إذا كان معسراً أو موسراً, وحكم مطل الغني والحجر عليه حتى يوفي ما عليه.
    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا تقبل هدية المقترض إلا أن يكون بينهما عادة قبل القرض].

    الهدية من المقترض للمقرض لا تخلو من أمرين:

    الأمر الأول: أن يكون ذلك بعد الوفاء، فإن هذا جائز، سواء كانت الزيادة والهدية في الكمية أو كان ذلك في الكيفية، مثاله في الكمية: اقترض منه ألف ريال، ثم بعد ذلك عند الوفاء رد ألفاً ومائة، في الكيفية اقترض منه مثلاً بُرَّاً متوسطاً فرد براً جيداً، ودليل هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم (استسلف بكراً ورد خيراً منه رباعياً، وقال عليه الصلاة والسلام: خيركم أحسنكم قضاء).

    فنقول: الهدية من المقترض للمقرض إذا كان ذلك بعد الوفاء أو مع الوفاء، أتاه بالدراهم وزادها، فنقول: بأن هذا جائز ولا بأس به؛ لما ذكرنا من الدليل على ذلك.

    الأمر الثاني: أن تكون الهدية قبل الوفاء، فيأتي المقترض ويهدي للمقرض، فهذا غير جائز سواء كان ذلك بشرط، أو كان ذلك بغير شرط، وسواء كان ذلك في الأعيان، أو كان ذلك في المنافع، مثاله بشرط: أن يقول: أقرضتك عشرة آلاف ريال بشرط أن تعطيني كتاباً، هذه هبة عين، نقول: بأن هذا لا يجوز، أو يقول: بشرط أن تعيرني سيارتك أركبها لمدة يوم أو يومين، هذه هبة منفعة، نقول: هذه غير جائزة.

    وذكرنا الدليل على ذلك، وهو قول النبي عليه الصلاة والسلام: (لا يحل سلف وبيع)، وأيضاً ما ورد عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم أن كل قرض جر نفعاً فهو رِبا.

    مثاله إذا كان بغير شرط: أهداه مثلا كتاباً، أو أهداه قلماً أو ثوباً أو طعاماً أو نحو ذلك من الهدايا، فهل هذا جائز أو ليس جائزاً؟ أو المنافع، أهداه مثلاً أن يسكن بيته، أن يستعمل سيارته قبل تمام الوفاء.

    قال المؤلف رحمه الله: (ولا تقبل هدية المقترض إلا أن يكون بينهما عادة قبل القرض).

    نقول: حالات الأصل أن الهدية للمقرض من قبل المقترض أنها محرمة ولا تجوز؛ لما ذكرنا من الدليل على ذلك، يستثنى من ذلك:

    الحالة الأولى: إذا كان بينهما عادة بالتهادي، يعني هذان قريبان، أو متجاوران وبينهما عادة في التهادي، هذا يهدي إلى هذا وهذا يهدي إلى هذا، فهنا الهدية ليست بسبب القرض، وإنما بسبب ما بينهما من قرابة أو من جوار وتهادي، فنفهم أن الهدية هنا ليست بسبب القرض، فنقول: بأن هذا جائز، هذه الحالة الأولى.

    الحالة الثانية: إذا كان سيحتسب هذه الهدية من الدين، كما ورد ذلك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، فنقول: بأن هذا حكمه جائز، مثلاً هذا رجل اقترض من زيد، فجاء المقترض وأعطى المقرض كتاباً أو أعطاه قلماً أو ثوباً أو نحو ذلك من الهدايا من الأعيان أو المنافع، فنقول: إذا كان المقرض سيحتسب ذلك من الدين، مثلاً أقرضه ألف ريال، هذا الكتاب قيمته تساوي عشرين ريالاً، أو تساوي ثلاثين ريالاً، وسيحسب هذا من الدين، يطرح عشرين ريالاً قيمة الكتاب، فنقول: بأن هذا جائز ولا بأس به إن شاء الله، ما دام أن المقرض سيحسب هذا من الدين.

    ويدل على ذلك أن هذا وارد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، فإن رجلاً اقترض منه سماك، يعني رجل يبيع السمك، فكان السماك يعطيه من السمك، فسأل هذا الرجل الذي أقرض هذا السماك ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن هذا السمك الذي يأخذه منه؟ فقال: إن كنت تريد أن تحسبه من دينه وإلا فرده عليه، فنقول: بأن هذا جائز إذا كان يريد أن يحسبه من دينه.

    الحالة الثالثة: إذا كان هذا الشيء مما جرت به عادة الناس، وهذا يكون في الدعوات، يعني لو أن المقترض أضاف المقرض في بيته، يعني دعاه إلى البيت وأدخله البيت وأطعمه، أحضر له مثلا تمراً أو أحضر له مشروباً ونحو ذلك، هل يحسب هذا التمر الذي يأكله؟ المقرض الآن أكل هذا التمر في بيت المقترض، أو شرب هذا الشراب في بيت المقترض، هل يحسب ذلك أو لا يحسب ذلك؟

    هذا موضع خلاف، قال بعض العلماء: يحسب مثل هذه الأشياء، فإذا أكل عنده تمراً يحسب قيمة التمر، وإذا شرب عنده شيئاً يحسب قيمة هذا الشراب، فهذه الأشياء يقوم بحسبانها .

    والرأي الثاني: أن هذا يرجع إلى العادة، إذا كانت مثل هذه الأشياء تبذل، يعني إذا كان هذا المقترض بذل هذا الشيء للمقرض، ولو لم يقرضه لبذل له ذلك، هذه أمور جرت بها العادة، فنقول: بأن هذه لا تحتسب، أما إذا كانت خارجة عن العادة فإنه يقوم بحسابها, إذا تكلف له شيئاً خارجاً عن العادة، فنقول: بأن المقرض يقوم بحساب هذا الشيء الذي أكله عند المقترض ويخصمه من الدين.

    فتلخص لنا أن الهدية إذا كانت قبل الوفاء فالأصل أنها لا تجوز، وذكرنا الدليل على ذلك إلا في ثلاثة مواضع:

    الموضع الأول: إذا كان بينهما تهادي.

    الموضع الثاني: إذا كان يريد أن يحسبه من الدين.

    الموضع الثالث: فيما يتعلق بالدعوات والإضافة، هذا نقول: فيه تفصيل، إن كان هذا الشيء مما جرت به العادة، فإن المقرض لا يحسبه، وإن كان هذا الشيء خارج عن العادة فإنه يحسبه.

    مواد ذات صلة

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088571314

    عدد مرات الحفظ

    777396565