إسلام ويب

شرح عمدة الفقه - كتاب النكاح [3]للشيخ : خالد بن علي المشيقح

  •  التفريغ النصي الكامل
  • النكاح ميثاق غليظ، فيشترط فيه أن يكون بولي وشهود، والولي له شروط لابد أن تتوافر فيه، وقد بين الفقهاء الأولى بالولاية. ولا تنكح الثيب حتى ستتأمر، ولا البكر حتى تستأذن.
    تقد لنا شيء من شروط صحة النكاح في الدرس السابق، فتقدم لنا شرط الولاية، وأن أهل العلم اختلفوا في اشتراط الولاية، هل الولاية شرط من شروط صحة النكاح أو ليست شرطاً؟ على رأيين، وذكرنا أن رأي جمهور العلم رحمهم الله: أن ولاية النكاح شرط من شروط صحته, وعند أبي حنيفة أن المرأة إذا كانت بالغة حرة عاقلة لها أن تزوج نفسها, وذكرنا أن الأقرب في هذه المسألة ما ذهب إليه الجمهور لحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل ).

    وأيضاً تقدم لنا الشرط الثاني شرط الشهادة, وهل الشهادة شرط من شروط صحة النكاح؟ ذكرنا في ذلك ثلاثة آراء، وأن جمهور أهل العلم أن الشهادة شرط من شروط صحة النكاح، والرأي الثاني أنه ليس شرطاً كسائر العقود تصح بلا شهادة, والرأي الثالث: التفصيل أنها ليست شرطاً عند العقد لكن لا بد منها عند الدخول.

    أيضاً تكلمنا عن مراتب الولاية في باب النكاح, من الأولى بتزويج المرأة فذكرنا أنهم يرتبون, يبدأ بالأصول الأب ثم الجد وإن علا ثم بعد ذلك الفروع الابن ثم ابن الابن وإن نزل، ثم بعد ذلك الحواشي الإخوة وبنوهم والأعمام وبنوهم, ثم بعد ذلك العصبة بالسبب, المعتق وفروعه ثم أصوله, المعتق أولاً إن كان موجوداً ثم بعد ذلك فروعه ثم بعد ذلك أصوله ثم بعد ذلك حواشيه.

    تابع مسقطات ولاية النكاح

    تكلمنا أيضاً عن مسقطات الولاية، وذكرنا شيئاً من هذه المسقطات.

    قال المؤلف رحمه الله: (إلا أن يكون صبياً).

    المسقط الأول: أن يكون الأقرب غير أهل للولاية لكونه صغيراً أو لكونه فاقد العقل أو لكونه ناقص العقل ونحو ذلك, فإذا كان ليس أهلاً للولاية فإن الولاية تنتقل إلى من بعده.

    المسقط الثاني من مسقطات الولاية: المخالفة في الدين, فإذا كان مخالفاً لدين المرأة فإنه لا ولاية له عليها, وتقدم الكلام على هذه المسألة.

    المسقط الثالث: العضل، الولي إذا عضل المرأة, وبينا متى يكون عاضلاً وذلك إذا منع كفئاً رضيته, إذا منع الولي كفئاً رضيته المرأة فإنه في هذا الحالة يكون عاضلاً لها, فتسقط ولايته وتنتقل إلى من بعده.

    قال المؤلف رحمه الله: [أو غاب غيبة بعيدة].

    هذا هو المسقط الرابع, إذا غاب الولي الأقرب غيبة بعيدة فإن الولي الأبعد يزوج, وقال المؤلف رحمه الله: (إذا غاب غيبة بعيدة), ولم يقدر هذا البعد, يعني: لم يذكر مقدار هذا البعد, وقد حده بعض العلماء بقوله: إذا كانت لا تقطع إلا بكلفة ومشقة, قالوا: إذا غاب الولي غيبة بعيدة لا تقطع إلا بكلفة ومشقة فإن ولايته تسقط وتنتقل إلى من بعده, وكونها لا تقطع إلا بكلفة ومشقة هذا يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة, فمثلاً: في وقتنا الحاضر يختلف عن الأزمنة فيما مضى لوجود الآن ما يتعلق بوسائل الاتصال، فيمكن أن يكون الشيء البعيد في الزمن السابق هو قريب بتقدم وسائل الاتصال في زمننا هذا.

    المهم الرأي الثاني: قالوا: بأن الولي إذا غاب غيبة لا تقطع إلا بمشقة وكلفة فإنه تسقط ولايته وتنتقل إلى من بعده, قالوا: إذا غاب غيبة يفوت فيها الخاطب الكفء, فإن ولايته تسقط وتنتقل إلى من بعده فلو مثلاً: أخو المرأة غاب غيبة بحيث لا يمكن أن يقدم إلا بعد أن يفوت الخاطب, الخاطب إذا لم يعط ولم يزوج فإنه ينتقل إلى غير هذه المرأة، فلمن بعده في الولاية كابنه أن يزوج, وهذا القول: هو الأقرب, نقول في تحديده: إذا كان الخاطب الكفء يفوت بسبب غيبة الولي فإن ولايته تسقط وتنتقل إلى من بعده, وتقدم لنا أن أشرنا أن الولاية في عقد النكاح إنما شرعت لمصلحة المرأة, وإلا فإن المرأة تقدر على أن تزوج نفسها, كما أنها تقدر على أن تبيع وأن تشتري وأن تعقد العقود المالية.. إلخ.

    وعلى هذا فإذا كان الولي غائباً فإنه ليس من مصلحة المرأة أن ننتظر هذا الولي, بل تنتقل الولاية إلى من بعده، فالصواب في ذلك نقول: إذا غاب الولي غيبة يفوت فيها الخاطب الكفء فإن ولايته تسقط وتنتقل إلى من بعده, فإذا كان هذا الخاطب قال: أنا لا أنتظر إلا يومين, ونعرف أن الولي الأقرب لا يقدم إلا بعد ثلاثة أيام أو لا يقدم إلى بعد عشرة أو بعد شهر..إلخ وقال هذا الخاطب: أنا لا أنتظر إلا يومين أو ثلاثة..إلخ فنقول: بأن ولاية الأقرب تسقط وتنتقل إلى من بعده.

    أثر المخالفة في الدين في ولاية النكاح

    قال المؤلف رحمه الله: [ولا ولاية لأحد على مخالف لدينه إلا المسلم إذا كان سلطاناً أو سيد أمة].

    يقول المؤلف رحمه الله: لا ولاية لأحد على مخالف لدينه, هذه المسألة تحتها أمران:

    الأمر الأول: ولاية الكافر على المسلمة, فنقول: بأن الكافر ليس له ولاية على المسلمة مطلقاً, هذا هو الصواب, لقول الله عز وجل: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا [النساء:141]، وأيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( الإسلام يعلو ولا يعلى عليه )، فلو كان عندنا نصرانية أسلمت وأبوها ليس مسلماً لم يزل نصرانياً فإنه لا ولاية له عليها في تزويج النكاح, وحينئذ يتولى تزويجها المسلمون، إن كان هناك أحد من أوليائها مسلم فإنه يتولى تزويجها، فإن لم يكن أحد من أوليائها مسلم فإنه يتولى تزويجها سلطان المسلمين أو رئيس المسلمين أو المسئول عنهم في تلك الديار.

    الأمر الثاني: إذا كان العكس, إذا كان الولي مسلماً والزوجة كافرة فهل يتولى المسلم تزويجها أو لا؟ عكس المسألة السابقة, إذا كان الأب مسلماً أو الأخ مسلماً أو العم مسلماً, وموليته نصرانية تريد أن تتزوج فهل له أن يتولى عقد النكاح لها أو ليس له أن يتولى عقد النكاح لها؟

    ظاهر كلام المؤلف رحمه الله أنه لا يتولى عقد النكاح لها, ولهذا قال: ولا ولاية لأحد على مخالف لدينه, ولم يستثن من ذلك إلا مسألتين، والصواب في هذه أن المسلم يتولى على الكافرة, لما تقدم من قول الله عز وجل: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا [النساء:141]، وقد جعل الله عز وجل للمؤمنين على الكافرين سبيلاً، وأيضاً قول النبي عليه الصلاة والسلام: ( الإسلام يعلو ولا يعلى عليه )، فإذا كان الإسلام يعلو فإن المسلم يتولى تزويج الكافرة.

    فالصواب في هذه المسألة أن المسلم إذا كان ولياً وكانت موليته كافرة فإن المسلم يتولى تزوجها؛ ولأنه مؤتمن عليها.

    استثنى المؤلف رحمه الله السلطان فقال: (إلا المسلم إذا كان سلطاناً أو سيد أمة), يعني: يقول: المسلم إذا كان سلطاناً فإنه يزوج الكافرة، والصواب في ذلك كما سبق لنا أن المسلم يزوج الكافرة سواء كان سلطاناً أو غير سلطان.

    قال: (أو سيد أمة), سيد الأمة أيضاً يقوم بتزويجها حتى ولو كان كافراً، والصواب في ذلك أن سيد الأمة إذا كان كافراً لا يملك تزويجها؛ لما تقدم أن الكافر لا يكون ولياً على مسلمة, وإذا كان سيد الأمة مسلماً والأمة كافرة فإنه يتولى تزويجها.

    الخلاصة في ذلك: ولاية المسلم على الكافرة صحيحة, وولاية الكافر على المسلمة غير صحيحة.

    مواد ذات صلة

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088535310

    عدد مرات الحفظ

    777186221