إسلام ويب

شرح زاد المستقنع - كتاب البيع [25]للشيخ : خالد بن علي المشيقح

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الصلح بالنسبة للمدعي يعتبر بيعاً وبالنسبة للمدعى عليه يعتبر إبراءً، والصلح في الحقوق قسمان: قسم يتعلق بحقوق الله، وقسم يتعلق بحقوق الآدميين، فالأول: لا يجوز الصلح على إسقاطه، والثاني: يجوز الصلح على إسقاطه في الجملة.
    قال المؤلف رحمه الله: [ وهو للمدعي بيع يرد معيبه ويفسخ الصلح ويؤخذ منه بشفعة وللآخر إبراء، فلا رد ولا شفعة، وإن كذب أحدهما لم يصح في حقه باطناً وما أخذه حرام. ولا يصح بعوض عن حد سرقة وقذف ولا حق شفعة وترك شهادة، وتسقط الشفعة والحد، وإن حصل غصن شجرته في هواء غيره أو قراره، أزاله، فإن أبى لواه إن أمكن، وإلا فله قطعه، ويجوز في الدرب النافذ فتح الأبواب للاستطراق، لا إخراج روشن وساباط ودكة وميزاب، ولا يفعل ذلك في ملك جار ودرب مشترك بلا إذن المستحق، وليس له وضع خشبة على حائط جاره إلا عند الضرورة إذا لم يمكنه التسقيف إلا به، وكذلك المسجد وغيره، وإذا انهدم جدارهما أو خيف ضرره فطلب أحدهما أن يعمره الآخر معه، أجبر عليه، وكذا النهر والدولاب والقناة ].

    تقدم لنا: ما يتعلق بأن الصلح يكون على الدين، والصورة الثانية أن يكون على عين، وكذلك -أيضاً- صلح الإنكار؛ إما أن يكون على دينٍ أو أن يكون على عين، وذكرنا في صلح الإقرار أنه إذا ادعى عليه ديناً وأقر بالدين، ثم أسقط بعضه، فهو أسقطه تبرءاً، لكن لو أقر بالدين وصالحه على سيارة، أي: أن يعطيه بدل هذا الدين سيارة، فهذا حكمه حكم البيع، هذا بالنسبة لصلح الإقرار.

    وأما بالنسبة لصلح الإنكار: فهو للمدعي بيع؛ لأنه يأخذ المال المصالح عليه مقابل ما يعتقده من ماله، ويدعيه من ماله، فهو بالنسبة للمدعي بيع، وأما بالنسبة للمدعى عليه فهو إبراء، يعني المدعى عليه يبذل هذا المال لكي يبرئ نفسه من اليمين أمام القاضي، فإذا ادعى عليه ديناً وأنكر ثم صَالح وقال: خذ هذا الألف الريال، فهذا إبراء بالنسبة للمدعى عليه، لكن بالنسبة للمدعي فهذا حكمه حكم البيع؛ لأنه يأخذه مقابل ما يعتقده من أنه مال له.

    قال رحمه الله: (وهو للمدعي بيع يرد معيبه، ويفُسخ الصلح، ويؤخذ منه بشفعة، وللآخر إبراء فلا رد ولا شفعة).

    تقدم الكلام على هذا، فهو للمدعى عليه إبراء؛ لأنه يدفع هذا المال المصالح عليه افتداء ليمينه وإبراء لنفسه، ولهذا قال المؤلف: ( فلا رد ولا شفعة )، فلو حصل بهذا المال المصالح عليه عيب فإنه لا يملك الفسخ؛ لأنه ليس بيعاً، وإنما هو إبراء، كذلك أيضاً لا تجري فيه الشفعة.

    مثال ذلك: ادعى عليه ديناً قدره عشرة آلاف ريال فأنكر، قال: أنت لا تسألني شيئاً، أو سكت وهو يجهل، ثم بعد ذلك المدعى عليه صالح المدعِي، وأعطاه جزءاً له من أرض مشاعة، هل هذا في حكم البيع بالنسبة للمدعى عليه بحيث إن شريكه يملك أن يشفع المدعي، أو نقول بأنه ليس في حكم البيع؟ لو قلنا بأنه في حكم البيع فشريك المدعى عليه يشفع على المدعي؛ لأن هذا النصيب انتقل للمدعي.

    أعيد الصورة، قال المؤلف: (لا شفعة). هذا زيد ادعى على عمرو عشرة آلاف، وعمرو أنكر، ثم تصالحا على أن يعطيه نصيبه من الأرض التي هي مشتركة مع صالح، عمرو -المدعى عليه الذي أنكر الدين- سيعطي زيداً -المدعي- نصيبه من الأرض المشتركة مع صالح، اتفقا على ذلك، وأخذ زيد هذا النصيب، هل لصالح أن يُشفع على زيد أو ليس له أن يُشفع على زيد؟، نقول: ليس له أن يشفع على زيد؛ لأن هذا ليس في حكم البيع بالنسبة للمدعى عليه، هذا إبراء، هو ما باع، هذا معنى قول المؤلف رحمه الله: (لا شفعة).

    وأيضاً: ليس فيها رد بالنسبة للمدعى عليه؛ لأنه ليس في حكم البيع.

    مثال ذلك: زيد ادعى على عمرو، قال: هذا الكتاب الذي بيدك لي، فأنكر عمرو قال: لا، الكتاب ليس لك، ثم صالحه وقال: هذه عشرة ريالات، ثم إن المدعى عليه وجد في الكتاب عيباً، فهل له الحق في الفسخ أو ليس له الحق في الفسخ؟ نقول: ليس له الحق في الفسخ؛ لأن هذا بالنسبة للمدعى عليه إبراء، ليس له حق الفسخ، لكن لو كان العكس هل للمدعي الحق في الفسخ أو ليس له الحق في الفسخ؟ نقول: له الحق؛ لأنه بالنسبة للمدعِي بيع.

    فمثلاً: زيد ادعى على عمرو أنه يريد منه ديناً قدره عشرة آلاف، فأنكر عمرو ثم أعطاه كتاباً أو أعطاه سيارة فوجد المدعِي في هذا الكتاب أو في هذه السيارة عيباً، فهل له الحق في الفسخ أو ليس له الحق في الفسخ؟ له الحق؛ لأنه بيع بالنسبة للمدعي.

    وكذلك أيضاً لو أن المدعي أعطاه نصيبه المشترك مع صالح، فهل لصالح الشريك أن يُشفع أو ليس له أن يُشفع؟ له أن يُشفع؛ لأنه بالنسبة للمدعي بيع، أما المدعى عليه فكما تقدم أنه إبراء وافتداء لليمين.

    قال رحمه الله: (وإن كذب أحدهما لم يصح في حقه باطناً وما أخذه حرام).

    هذا صحيح، إذا كان أحدهما كاذباً ،كذب المدعي في دعواه أو كذب المنكر في إنكاره، فما أخذه من المال محرم ولا يجوز: ( ولا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة نفس منه )، فمثلاً: ادعى عليه ديناً، قال: لي عليك عشرة آلاف ريال وهو كاذب، والمدعى عليه -بدلاً من أن يذهب المدعي إلى القاضي ويحضره ويحلفه- قال: خذ هذه ألف ريال، والمدعي يعلم أنه كاذب، ما الحكم هنا بالنسبة لما أخذه من المال؟ نقول: حرام، والصلح في حقه محرم.

    وكذلك أيضاً لو أن المدعى عليه يعلم أن المدعِي صادق لكن أنكر لكي يسقط، نقول: ما أخذه من المال حرام، وما أُسقط عنه فإنه محرم ولا يجوز له.

    فمثلاً: قال: لي عليك عشرة آلاف ريال وأنكر وهو يعلم أنه صادق في دعواه، ثم تصالحا على أن يعطيه خمسة آلاف أو يعطيه سيارة قيمتها خمسة أو سبعة آلاف، هل هذا جائز بالنسبة للمدعى عليه أو ليس جائزاً؟ نقول: هذا ليس جائزاً ويحرم عليه أن يأخذ المال بهذه الطريقة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088518534

    عدد مرات الحفظ

    777080301