إذا استوفى ما يملك من الطلاق حرمت عليه حتى يطأها زوج في قبل ولو مراهقاً).
النكاح الثاني الذي يباح بسببه أن يرجع الزوج لزوجته يشترط له شروط:
الشرط الأول: وجود الوطء، ولا يكفي العقد. وهذا باتفاق الأئمة، خلافاً لـسعيد بن المسيب ، وسعيد بن جبير ، فإنهما قالا: يكفي العقد، لأن الله سبحانه وتعالى قال:
حَتَّى تَنكِحَ
[البقرة:229] وهنا نكحت.
والصواب في ذلك أنه لا يكفي العقد، وأنه لا بد من الوطء، ويدل على ذلك حديث عائشة في قصة امرأة رفاعة القرضي ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( تريدين أن ترجعي إلى رفاعة ، لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك ). فدل ذلك على أنه لا بد من الجماع ومن الوطء، وهذا في الصحيحين، ولا يكفي العقد، وكذلك أيضاً لا تكفي الخلوة، ولا يكفي الاستمتاع بها دون الوطء في الفرج، فإن هذا لا يكفي على الشرط الأول.
الشرط الثاني: أن يكون الوطء في زواج، وعلى هذا لو وطئها شخص وطء شبهة، يظن أنها زوجته فوطئها، فإنها لا تحل لزوجها الأول، فلا بد أن يكون الواطئ زوج؛ لقول الله عز وجل:
حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ
[البقرة:230].
وكذلك أيضاً لو حصل وطء عن طريق زنا، فإنها لا تحل.
الشرط الثالث: أن يكون الوطء في قبل، وعلى هذا لو وطئها في الدبر فإن هذا الوطء لا تحل به هذه المرأة، لأن هذا الوطء محرم، وجوده كعدمه، والدبر ليس محل الاستمتاع.
الشرط الرابع: أن يكون العقد صحيحاً، وعلى هذا لو وطئها في عقد باطل، كما لو عقد عليها في العدة، أو وطئها في عقد فاسد، كما لو اختل شرط من شروط صحة العقد، كالولي، فإن هذا الوطء لا عبرة به، لأن الشارع إنما يعلق الأحكام على الصحيح من العقود، فالأحكام لا تعلق بالفاسد، وهذا ما عليه جماهير أهل العلم خلافاً لبعض الشافعية، فالصحيح هو ما ذهب إليه جمهور أهل العلم.
الشرط الخامس. هل يشترط بلوغ الزوج الثاني، أو أن بلوغ الزوج الثاني ليس شرطاً؟ يقول المؤلف رحمه الله: لا يشترط بلوغ الزوج الثاني، لأن الله سبحانه وتعالى قال:
حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ
[البقرة:230]. وهنا نكحت زوجاً غيره، وهذا يشمل البالغ وغير البالغ، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: ( حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك ). وهذا يشمل ما إذا كان الزوج بالغاً أو غير بالغ.
والرأي الثاني: رأي المالكية، أنه يشترط البلوغ، لأن ذوق العسيلة إنما يكون من البالغ،
والصواب في ذلك ما عليه جمهور أهل العلم، وأنه لا يشترط البلوغ، كما ذكره المؤلف رحمه الله.
قال المؤلف رحمه الله: (ويكفي تغييب الحشفة أو قدرها مع جبٍّ)..
ذكرنا أنه يشترط الوطء، لحديث عائشة رضي الله تعالى عنها، لكن: ما هو ضابط الوطء.
ضابط الوطء، تغييب حشفة رأس الذكر في فرج هذه المرأة، فإذا حصل التغييب حلت لزوجها الأول.
فإذا كانت هذه الحشفة قد قطعت، فأن يغيب قدرها من بقية الذكر، ويؤخذ من كلام المؤلف رحمه الله تعالى أنه لا يشترط أن يغيب جميع الذكر.
قال المؤلف رحمه الله: (في فرجها مع انتشار)..
هذا هو الشرط السادس، والأئمة يتفقون على أنه لا بد من انتشار الذكر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك ). ومع عدم الانتشار، لا يحصل ذوق العسيلة.
والرأي الثاني: رأي عند الحنابلة، أنه لا يشترط الانتشار. والصواب في ذلك أنه يشترط الانتشار.
قال المؤلف رحمه الله: (وإن لم ينزل)..
هذا هو الشرط السابع، أن الإنزال ليس شرطاً، وهذا ما عليه أكثر أهل العلم أن الإنزال ليس شرطاً، وهو رأي الأئمة.
والحسن البصري يشترط الإنزال، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك ).
لكن الجمهور يقولون: لا يشترط الإنزال لأن ذوق العسيلة يحصل بتغييب الحشفة، كما أن ذوق العسيلة يحصل بالإنزال.
قال المؤلف رحمه الله: (ولا تحل بوطء دبر)..
لما تقدم من أنه لا بد من وطء الفرج.
قال المؤلف رحمه الله: (وشبهة، وملك يمين ونكاح فاسد)..
تقدم الكلام عليه. شبهة كما ذكرنا أنه لا بد أن يطأها زوج، أو ملك يمين، ونكاح فاسد، تقدم لنا أنه يشترط أن يكون النكاح الثاني صحيحاً.
قال المؤلف رحمه الله: (ولا في حيض ونفاس وإحرام وصيام فرض)..
هذا هو الشرط السابع: أن يكون الوطء مباحاً، وعلى هذا فإذا كان محرماً كما لو وطئها، الزوج الثاني في الحيض، فإنها لا تحل، أو وطئها في النفاس، أو وطئها وهي محرمة، أو وطئها وهي صائمة، فيشترط أن يكون الوطء مباحاً، وهذا هو رأي المالكية.
الرأي الثاني: رأي الشافعية والحنفية أنه لا يشترط أن يكون الوطء مباحاً، وعلى هذا لو وطئها في حال الحيض، أو في حال الإحرام، أو صيام الفرض فإنها تحل لزوجها الأول لحصول ذوق العسيلة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك )، وهنا قد حصل ذوق العسيلة.
والذي يظهر والله أعلم: هو ما ذهب إليه المالكية وأنه يشترط أن يكون الوطء مباحاً، بخلاف ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله، لأن وطء المحرم وجوده كعدمه، وهو وإن حصل له ذوق العسيلة حساً، إلا أنه لم يحصل له ذوق العسيلة شرعاً؛ لأن هذا وطء محرم ولا يجوز.