إسلام ويب

إصلاح ذات البينللشيخ : خالد بن علي المشيقح

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن المؤمنين كالجسد الواحد فقوتهم باجتماعهم وتفرقهم ضعف وفشل، ومن أجل ذلك شرع الله عز وجل الإصلاح بين الناس وأمر به، ولأهمية ذلك أباح الشرع الأخذ من الزكاة لسد حاجة هذا الباب، وأجاز الكذب للإصلاح بين المتخاصمين، وإذا ترك الناس هذه الخصلة سادت الفوضى، واتسع
    الحمد الله الذي لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك والخلق، وخلق كل شيء فقدره تقديراً، له الحمد، أعظم علينا المنة بالقرآن والسنة، ووفقنا برحمته للاتباع وعصمنا من الابتداع، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً.

    أما بعد:

    فيا أيها المسلمون! اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم، وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين.

    عباد الله! إن المؤمنين جسد واحد، وهم كالبنيان يشد بعضهم بعضاً، فإذا مرض عضو من ذلك الجسد ولم يبادر بالإصلاح، أوشك أن يردى بقية الجسد، وإذا تهدم ركن من البنيان ولم يتم تشييده أوشك أن ينهار.

    عباد الله! هناك مرض خطير إذا دب في المجتمع أوشك أن يقضي عليه، وهذا المرض هو فساد ذات البين، بما يقع من المشاكل والخلافات والتقاطع بين الأقارب والأزواج والجيران، وإنك لتسمع عجباً، تسمع التقاطع بين الأقارب بما يدوم أشهراً، وقد يصل إلى سنة، كل ذلك بأسباب تافهة، وقد يكون بأسباب مالية، كميراث ونحوه، وتسمع أيضاً التقاطع بين الأصدقاء والخلان، والتقاطع بين الجيران.

    عباد الله! لقد أمر الله سبحانه بإصلاح ذات البين، فقال سبحانه: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ [الأنفال:1]، وذلك أولاً: لأن المؤمنين جسد واحد وكيان متماسك، فإذا انهدم منه ركن، أو اعتل منه جزء فسد حاله، وضعف شأنه، قال الله عزوجل: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا [آل عمران:103].

    وثانياً: لأن قوة المسلمين دائماً في تماسكهم واتحادهم، وفشلهم في تفرقهم وانفراطهم، قال الله عز وجل: وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ [الأنفال:46]، ولهذا كان الإصلاح بين المسلمين وإزالة ما بينهم من ضغائن من أعظم القربات وأجل الحسنات، روى أبو الدرداء رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصدقة والصلاة؟ قال: قلنا: بلى! قال: إصلاح ذات البين، وفساد ذات البين هي الحالقة)، وفي رواية: (لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين)، والله عز وجل يقول: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:114] ويقول: وَالصُّلْحُ خَيْرٌ [النساء:128]، ويقول: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الحجرات:10].

    وكما حث النبي صلى الله عليه وسلم على الإصلاح فقد فعله بنفسه، ففي صحيح البخاري ( أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى بني عمرو بن عوف؛ لكي يصلح بينهم ).

    معاشر المسلمين! إن إصلاح ذات البين هو السياج الواقي للأخوة الإسلامية، والدرع الحصين لوحدتهم وأمنهم، وفساد ما بين المسلمين هو الضياع، كما تقدم في قوله عليه الصلاة والسلام: (إن فساد ذات البين هي الحالقة) أي: الماحية المزيلة لكل معاني الفضيلة والقوة.

    بلغ من أهمية الإصلاح في الإسلام: أن أباح أخذ الزكاة من أجل أن يصلح بين الناس، ولو كان بين أهل الذمة، وشرع إبطال الأيمان والحنث فيها للقيام بالإصلاح، فإذا حلف على عدم القيام بالإصلاح فينبغي له أن يحنث في يمينه ويكفر ويزاول ما أحجم وحلف عليه، قال الله عزوجل: وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:224]، وسبب نزول هذه الآية: أن الرجل كان يحلف على ترك الخيرات، من صلة الرحم أو إصلاح ذات بينٍ أو إحسان ٍإلى أحد، ثم يقول: أخاف الله أن أحنث في يميني فيترك عمل البر والخير، فقيل له: لا تجعل هذا الحلف مانعاً من عمل الخير والإصلاح بين الناس، وهذا لخطر ترك الإصلاح وفعل الخير بين المسلمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088547845

    عدد مرات الحفظ

    777260371