إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
أوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله عز وجل، فاتقوا الله ما استطعتم، فمن ابتغى غنى من غير مال وعزاً من غير جاه، ومهابة من غير سلطان فليتق الله، فربكم سبحانه معز من أطاعه واتقاه، ومذل من خالف أمره وعصاه، سبحانه وبحمده لا يذل من والاه ولا يعز من عاداه، لا إله غيره ولا رب سواه.
عباد الله! الأمن مطلب عزير وكنز ثمين، هو قوام الحياة كلها، وأساس الحضارة المدنية أجمعها، تتطلع إليه المجتمعات، وتتسابق لتحقيقه السلطات، وتتنافس في تأمينه الحكومات، وتسخر له الإمكانات المادية والوسائل العلمية، والدراسات الاجتماعية والنفسية، وتحشد له الأجهزة الأمنية، وتستنفر له الطاقات البشرية، فمطلب الأمن يسبق طلب الغذاء، وبغير الأمن لا يستساغ طعام ولا يهنأ عيش ولا يلذ بنوم، ولا ينعم براحة.
قيل لحكيم: أين تجد السرور؟ قال: في الأمن، فإني وجدت الخائف لا عيش له.
في ظل الأمن تحفظ النفوس وتصان الأعراض والأموال، وتؤمن السبل وتقام الحدود ويسود العمران، وتنمو الثروات وتتواصل الخيرات، ويكثر الحرث والنسل.
في ظل الأمن تقوم الدعوة إلى الله عز وجل، وتعمر المساجد، ويفشو المعروف ويقل المنكر ويحصل الاستقرار.
إن نعم الله على الخلق كثيرة لا تعد ولا تحصى،
وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ
[إبراهيم:34].
وأعظم النعم بعد الإيمان العافية والأمن، فالأمن ضد الخوف، والأمن طمأنينة القلب وسكينته وراحته وهدوؤه، فلا يخاف الإنسان مع الأمن على الدين، ولا على النفس والعرض والمال.
الأمن أصل من أصول الحياة البشرية، لا تزدهر إلا به، وما قيمة المال إذا فقد الأمن؟ وما طيب العيش إذا انعدم الأمن، وكيف تنتعش مناشط الحياة بدون الأمن؟
فالأمن تنبسط معه الآمال، وتطمأن معه النفوس على عواقب السعي والعمل، وتتعدد أنشطة البشر النافعة، ويتبادل الناس في ظلاله المصالح والمنافع، وتكثر الأعمال المتنوعة التي يحتاج الناس إليها في حياتهم.
في الأمن تحقن الدماء وتحفظ الأموال وتتيسر الأرزاق، وتسعد وتبتهج الحياة في جميع مجالاتها، وقد امتن الله على الخلق بنعمة الأمن، وذكرهم بهذه النعمة، ليشكروا الله عليها وليعبدوه في ظلالها، فقال سبحانه:
أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ
[القصص:57]، وقال سبحانه:
فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ
[قريش:3-4].
وروى عبيد الله بن محسن الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها) رواه الترمذي وحسنه.
إذا تبين هذا يتضح لنا أن الإخلال بالأمن، وسفك الدم الحرام، وقصد المعصومين بالتخويف والترويع والإيذاء والقتل، والتفجير والتخريب من أشد أنواع الفساد في الأرض، والإفساد في الخلق،
وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ 
[البقرة:205].
وإن من الحكمة النظر في آثار مثل هذه التصرفات ونتائج هذه المسالك، لا بد من وقفة حساب وموقف محاسبة من أجل النظر فيما جرت هذه التصرفات، وما جرى لأهل الإسلام.
إن هؤلاء الضلال الذين هاجموا بلادهم، وسفكوا الدم الحرام، وخفروا ذمة ولاة أمورهم، وروعوا الآمنين، إنهم سلكوا مسالك الجهالة، ويحهم هل يريدون جر الأمة إلى ويلات تحرق الدين، وتزعزع الأمن، وتشيع الفوضى، وتعطل مشاريع الخير ومسيرة الإصلاح؟! ويلهم ثم ويحهم! هل يريدون أن يذل الأحرار، وتدنس الحرائر، ويخرج الناس من ديارهم؟ هل يريدون أن يكثر القتل، وتنتهك الحرمات، ويتفرق الناس في الولاءات وتتعدد في المرجعيات، حتى يغبط الأحياء الأموات كما هو واقع في بعض الديار التي عمتها الفوضى وافترسها الأعداء؟ هل يريدون إثارة فتن وقودها الناس والأموال والثمرات، ونتاجها حلق الدين ونشر الخوف والجوع، والفرقة وانتهاك الأعراض، فإلى الله المشتكى، وعليه التكلان، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اهدِ ضال المسلمين، اللهم ردهم إليك رداً جميلاً، يا ذا الجلال والإكرام، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد.
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين.
عباد الله! أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، فاتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
عباد الله! إذا اضطرب الأمن ظهرت الفتن، وتزلزل المجتمع، وتخلخلت أركانه، وكثر الخبث، والتبس الحق بالباطل، واستعصى الإصلاح على أهل الحق، وإذا اختل الأمن حكم اللصوص وقطاع الطريق، وسادت شريعة الغاب، وعمت الفوضى، وهلك الناس.
وتأملوا رحمكم الله بلدان من حولكم، اختل فيها الأمن فهلك فيها الحرث والنسل، وسلبت الأموال وانتهكت الأعراض، وفسد المعاش.
من أجل هذا فإن كل عمل تخريب يستهدف أمن المجتمع، ومعصومي الدماء والنفوس، فهو عمل محرم وكبيرة من كبائر الذنوب، مخالف لأحكام شرع الله، فكيف إذا كان القتل والتخريب والإفساد في بلد مسلم، بلد يعلي كلمة الله وترتفع فيه راية الدين؟! ثم كيف إذا كان في مهبط الوحي ومبعث الرسالة؟!
فاتقوا الله أيها المسلمون! وحققوا وسائل الأمن بتربية أبنائكم على أهميته، وبالتوبة والإنابة إلى الله عز وجل.
إن من أعظم وسائل تحقيق الأمن: توحيد الله عز وجل، ونبذ الشرك، كما قال سبحانه:
الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ
[الأنعام:82].
ومن أعظم وسائل تحقيق الأمن: إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ومن أعظم وسائل تحقيق الأمن: حفظ الله عز وجل بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، فبحفظه يحفظ العبد، كما في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف) رواه الترمذي.
اللهم اهد ضال المسلمين، اللهم ردهم إليك رداً جميلاً، يا ذا الجلال والإكرام. اللهم آمنا في أوطاننا، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اجعلهم محكمين لكتابك وسنة رسولك محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين، واحفظنا بالإسلام قاعدين، واحفظنا بالإسلام مضطجعين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم عليك بأعداء الدين، اللهم عليك باليهود المغتصبين، والنصارى الظالمين، اللهم شتت شملهم، وفرق جمعهم، واجعل اللهم الدائرة عليهم يا ذا الجلال والإكرام. اللهم فرج كرب المكروبين، ونفس عسرة المعسرين، واقض الدين عن المدينين، اللهم اشف مرضى المسلمين، اللهم اجعل ما أصابهم كفارة لسيئاتهم، ورفعة لدرجاتهم يا كريم.
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم إنا نسألك أن تغفر لنا وترحمنا، وإذا أردت بقوم فتنة أن تقبضنا إليك غير مفتونين، اللهم اغفر لموتى المسلمين، اللهم اغفر لهم وارحمهم، وعافهم واعف عنهم، وأكرم نزلهم، ووسع مدخلهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد، ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد.