ونحن في هذه البلاد ولله الحمد تحت ولاية مسلمة تدين بالحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وفي أعناقنا بيعة لها على ذلك، ووقوع الخطأ لا يجيز الخروج على ولاة الأمر، وبناء على ذلك فإنه لا يجوز الخروج في المظاهرات التي يخرج فيها بعض الناس، قال الشيخ
ابن باز رحمه الله تعالى: فالمسيرات في الشوارع، والهتافات والمظاهرات ليست هي طريق الإصلاح والدعوة، فالطريق الصحيح هي المناصحة بالزيارة والمكاتبة التي هي أحسن الطرق.
ولما يترتب على هذه المظاهرات من مفاسد، فمن مفاسد هذه المظاهرات:
أولاً: أن فيها الخروج على ولي الأمر، والخروج على ولي الأمر من كبائر الذنوب، قال الله عز وجل:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ
[النساء:59]، وثبت من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من كره من أميره شيئاً فليصبر عليه، فإنه ليس أحد من الناس خرج من السلطان شبراً إلا مات ميتةً جاهلية )، رواه البخاري في صحيحه.
فالخروج على ولي الأمر محرم ولا يجوز، وهو من كبائر الذنوب التي دل على ذلك كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد جاء في بيان هيئة كبار العلماء في هذه البلاد ما يلي: وبما أن المملكة العربية السعودية قائمة على الكتاب والسنة والبيعة ولزوم الجماعة والطاعة، فإن الإصلاح والنصيحة فيها لا تكون بالمظاهرات والوسائل والأساليب التي تثير الفتن، وتفرق الجماعة، وهذا مما قرره علماء هذه البلاد قديماً وحديثاً من تحريمها، والتحذير منها، والهيئة إذ تؤكد على حرمة هذه المظاهرات في هذه البلاد، فإن الأسلوب الشرعي الذي يحقق المصلحة ولا يكون معه مفسدة هو المناصحة التي سنها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وسار عليها صحابته الكرام وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم جنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا يا ذا الجلال والإكرام.
أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:
عباد الله! تقدم أن هذه المظاهرات تترتب عليها مفاسد كثيرة، ومن مفاسدها ما تقدم أنه خروج على ولي الأمر، وهذا محرم بالكتاب والسنة.
ومن مفاسدها: إراقة الدماء، وسفك الدماء يعتبر من أعظم الجرائم بعد الشرك بالله تعالى، قال الله تعالى:
وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ
[الأنعام:151]، وقال سبحانه:
وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ
[البقرة:195]، وقال سبحانه:
وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ
[الأنعام:151].
ومنها: اختلال الأمن، وهذا من أعظم البلايا والمصائب، فإنه لا طعم للحياة مع الخوف، ولا يمكن أن يقام بشرع الله عز وجل مع الخوف، وإذا اختل الأمن ذهبت الأنفس، وسفكت الدماء، وانتهكت الأعراض، وسلبت الأموال، وقد امتن الله تعالى على قريش بقوله تعالى:
الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ
[قريش:4].
ومن مفاسد هذه المظاهرات: اختلال الحياة كلها، فيختل التعليم، وتختل الصناعة، وتختل الزراعة والتجارة.
ومن مفاسدها: فتح المجال لتدخل الدول الأجنبية الكافرة، وسيطرتها وهيمنتها على المسلمين، وإذلال شعوبها، واستغلال خيراتها.
ومن مفاسد هذه المظاهرات: فتح المجال للمفسدين في الأرض، من عصابات كالسراق ونحوهم، وعصابات المنتهكين للأعراض، وغيره من الفتن التي لا أول لها ولا آخر، التي تأتي على الأخضر واليابس.
لهذا ولغيره لا يجوز الخروج في مثل هذه المظاهرات، ويحذر من المشاركة فيها أو الحث أو التأييد أو التجمهر؛ لأن هذه الأمور من عظائم وكبائر الذنوب.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يحمي بلادنا منها، وأن يوفق ولاة أمرنا لما يكون سبباً في حفظ الأمن من الاستقامة على دين الله، وتحكيم شرعه، وإصلاح ما يحتاج إلى إصلاح، وأن يثبتنا على دينه القويم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم عليك بأعداء الدين، اللهم عليك باليهود الظالمين، والنصارى الحاقدين، اللهم شتت شملهم، وفرق جمعهم، واجعل اللهم الدائرة عليهم.
اللهم احفظ المسلمين في كل مكان، اللهم احفظ عليهم دماءهم، واحفظ عليهم أموالهم، واحفظ عليهم أعراضهم، اللهم فك أسرى المأسورين، اللهم ردهم إلى أهليهم وبلادهم سالمين غانمين يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اشف مرضى المسلمين، اللهم اجعل ما أصابهم كفارة لسيئاتهم، ورفعة لدرجاتهم، اللهم اغفر لموتى المسلمين، اللهم اغفر لهم وارحمهم، وعافهم واعف عنهم، وأكرم نزلهم، ووسع مدخلهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد، ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس،
رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا
[الفرقان:74]، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم صل على نبينا محمد.