إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
[آل عمران:102].
تكثر القصص في القرآن بشكل عام وفي كل قصة عبرة،
وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ
[العنكبوت:43]، وتحكي قصص القرآن صوراً من صور الصراع القديم بين الحق المؤيد من الله، والباطل المؤيد من الشيطان الذي يلوذ به الملأ والكبراء، خداعاً واستكباراً وحفظاً على الذوات، كما تكشف قصص القرآن عن مواقف المؤمنين وفوزهم، ونهاية الظالمين وخسارتهم.
لئن كانت القصص تشغل كثيراً من القرآن، فإن قصة موسى عليه السلام مع فرعون تتميز بكثرة عرضها وتنوع مشاهدها، وهي من أطول قصص الأنبياء عليهم السلام في القرآن، فما الحكمة من ذلك؟
قال المفسرون: لأنها من أعجب القصص، فإن فرعون حذر من موسى كل الحذر، فربى موسى عليه السلام في بيته، وعلى مائدته، وترعرع، وعقد الله له سبباً أخرجه من بين أظهرهم ورزقه النبوة والرسالة والتكليم، وبعثه إليه ليدعوه إلى الله تعالى، فتمرد فرعون واستكبر وأخذته الحمية بالإثم، ولم تزل المجادلة والآيات تقوم على يدي موسى مما يبهر العقول ويدهش الألباب، لكن فرعون يأبى،
وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا
[الزخرف:48].
وصمم فرعون وملأه قبحهم الله على التكذيب بذلك كله، حتى أحل الله بهم بأسه الذي لا يرد عن القوم الظالمين،
فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
[الأنعام:45].