وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ 
[لقمان:13].
هذه هي الوصية الأولى من وصايا لقمان الحكيم وهي الدرس الرابع الذي نأخذه من هذه الآيات، أن المسلم عليه أن يربي نفسه وأولاده على العقيدة الصحيحة، والتوحيد الخالص.
إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ
[لقمان:13]، أظلم الظلم هو الشرك بالله عز وجل، وما هو الشرك يا عباد الله؟!
الشرك الأكبر وصوره
الشرك شركان: شرك أكبر، وشرك أصغر، أما الشرك الأكبر فهو تسوية غير الله بالله فيما هو من خصائص الله، أن تسوي المخلوق بالخالق في الألوهية، أو في الربوبية، أو في الأسماء والصفات، في الألوهية أي: في العبادة، فتصرف شيئاً من أنواع العبادة لغير الله عز وجل، تصرف عبادة الدعاء، وقد قال الله عز وجل:
وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا 
[الجن:18]، فتدعو غير الله، تدعو الأموات، تدعو الأضرحة، تدعو القبور، تدعو الأصنام، لكشف الضر، أو جلب النفع، هذا كله من الشرك، أو أن تدعو مخلوقاً في أمر لا يقدر عليه إلا الله عز وجل فهذا من الشرك، أو أن تدعو الغائب البعيد عنك فهذا من الشرك، يا فلان! يا فلان! اكشف ضري، واذهب عني ما نزل بي من مرض.. ونحو ذلك؛ لأن اتساع السمع لسماع البعيد هذا من خصائص الله، فصرف شيء من خصائص الألوهية، أي: من أي نوع من أنواع العبادة لغير الله عز وجل هذا شرك أكبر مخرج من الملة. وقد ذكرنا عبادة الدعاء.
ومن العبادات التي يقع بها بعض الناس يصرفونها لغير الله عز وجل عبادة الذبح، وقد قال الله عز وجل:
فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ
[الكوثر:2]، وقال سبحانه:
قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
[الأنعام:162]، فالذبح للقبور، أو الذبح للأضرحة والأولياء ونحو ذلك هذا من الشرك الأكبر المخرج عن ملة الإسلام، وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث علي رضي الله تعالى عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن من ذبح لغير الله)، أي: دعا عليه بالطرد والإبعاد عن رحمة الله عز وجل.
ومن الشرك عباد الله!: أن تصرف شيئاً من خصائص الربوبية لغير الله عز وجل، كأن تعتقد أن أحداً يخلق كما يخلق الله، أو يدبر كما يدبر الله، أو يملك كما يملك الله، أو أنه يستطيع أن يدبر بلا إذن الله ولا إرادته ولا مشيئته.
المخلوق يخلق ويدبر ويملك، لكن خلقه محصور، لا يستطيع أن يخلق كل شيء، ولا أن يدبر كل شيء، ولا أن يملك كل شيء.
الذي يملك كل شيء هو الله سبحانه وتعالى، الذي يخلق كل شيء هو الله سبحانه وتعالى، الذي يدبر الكون هو الله سبحانه وتعالى.
ومن الشرك الأكبر: أن تصرف شيئاً من خصائص الأسماء والصفات لغير الله عز وجل، كأن تصرف صفة علم الغيب لغير الله عز وجل، وبهذا نعرف خطأ ما يفعله بعض المسلمين عندما يذهبون إلى السحرة والكهنة ويسألونهم ويصدقونهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أتى كاهناً فسأله فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد)، وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً في الحديث الآخر: (لم تقبل له صلاة أربعين يوماً).
فمن أتى الساحر وسأله وصدقه في الغيب المطلق بمعنى أنه يعلم ما في السموات وما في الأرض فهذا كفر أكبر مخرج من الملة، قال الله عز وجل:
وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ
[الأنعام:59]، وقال سبحانه:
قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ
[النمل:65].
كذلك أيضاً لو أتى الساحر وسأله وصدقه عن الغيب النسبي -أي المضاف- كأن يسأله عن سبب المرض، وعن مكان الضالة والضائع وعن مكان السحر.. ونحو ذلك ويصدقه وهو يعتقد أنه يستقل بذلك، وأن الشياطين لا تخبره، فهذا كفر مخرج من الملة، وإن اعتقد أن الشياطين تخبره، وأنه لا يستقل بذلك فهذا كفر أصغر، وأيضاً لا تقبل له صلاة أربعين يوماً.
الشرك الأصغر وصوره
وأما الشرك الأصغر يا عباد الله! فهو كل ما كان وسيلةً إلى الشرك الأكبر من الأقوال، والأفعال، والاعتقادات، وجاء في النص تسميته شركاً، وفي الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (
أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر).
ومن أنواعه يا عباد الله: التفات القلوب إلى الأسباب، نعم اتخاذ الأسباب هذا لا يقدح في التوكل، كاتخاذ الطبيب للعلاج، واتخاذ الوظيفة لطلب الرزق ونحو ذلك، هذه الأسباب أمر الله عز وجل بها في كتابه، والنبي صلى الله عليه وسلم في سنته، قال الله عز وجل:
هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ
[الملك:15]، لكن المحذور يا عباد الله! هو أن يلتفت القلب إلى السبب، وأن ينسى المسبب الذي هو الله عز وجل، فعليك دائماً وأبداً يا عبد الله! أن تعلق قلبك بالله عز وجل محبةً ورغبةً ورهبةً وتوكلاً ورجاءً، وألا يلتفت قلبك إلى السبب، لا يلتفت قلبك إلى الطبيب، ولا يلتفت قلبك إلى من جعل الله عز وجل رزقك على يده، بل تنظر إليه أنه مجرد سبب، وأن الذي بيده النفع والضر هو الله عز وجل.
ومن أنواع الشرك الأصغر: الحلف بغير الله عز وجل، قال الله عز وجل:
فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ
[البقرة:22]. قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: هو قول الرجل: وحياتي وحياة أبي.. إلى آخره.
فالحلف بحياته أو بحياة أبيه، أو الحلف بالأمانة، أو الحلف بالكعبة ونحو ذلك، هذا كله من الشرك الأصغر، وإن اعتقد أن المحلوف معظم به كتعظيم الله عز وجل فهو شرك أكبر.
ومن الشرك الأصغر عباد الله: الرياء، وهو أن يقوم ويعمل العمل لأجل مراءاة الناس، من أجل نظر فلان إليه، وإذا طرأ عليك الرياء وأنت في عبادة فعلق قلبك بالله عز وجل، ولا يضرك بإذن الله عز وجل.
ومن صور الشرك الأصغر يا عباد الله! تعليق التمائم من الخيوط والحجارة على الأبدان، وعلى الأطفال، وعلى المراكب، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من تعلق تميمةً فقد أشرك)، وهذه كلها من الخرافة التي جاء الإسلام بتحرير العقول منها، فهي خيوط وحجارة لا تضر ولا تنفع، فاتخاذها وتعليقها هذا من الشرك الأصغر، وإن اعتقد أنها تنفع وتضر من دون الله عز وجل فهو شرك أكبر.
أسأل الله سبحانه وتعالى بمنه وكرمه أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن ينفعنا بكتابه وما فيه من وصايا وتوجيهات وقواعد، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.