من وصايا لقمان لابنه مراقبة الله في السر والعلن، وإقام الصلاة بشروطها وأركانها وواجباتها، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعدم التكبر والإعجاب بالنفس، والقصد في المشي دون خيلاء ولا تمارت.
مراقبة الله في السر والعلن
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
هذه هي الوصية الثانية من وصايا لقمان رحمه الله لابنه حيث يوصيه بمراقبة الله عز وجل، يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ[لقمان:16] أي: وزن، حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ[لقمان:16] الخردل: نبات يضرب المثل بصغار حبه، فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ[لقمان:16] أي: في أخفى مكان، أَوْ فِي السَّمَوَاتِ[لقمان:16] أي: في أعلى مكان، أَوْ فِي الأَرْضِ[لقمان:16] أي: في أسفل مكان، فإن الله سيأتي بهذا العمل إن صالحاً فتجازى عليه، وإن كان غير ذلك فستعاقب عليه، يوصي ابنه بأن يراقب الله عز وجل، وأن أي عمل يعمله في أي مكان سواء كان ذلك المكان خفياً، أو كان في أعلى مكان أو أسفل فإن الله مطلع عليه وسامع له، فحري بالمسلم وجدير به وقمن أن يراقب الله عز وجل في أفعاله وأقواله، وأن يستحضر مراقبة الله.
لا بد يا عبد الله! أن تستحضر هذه المراقبة، وتمام هذه المراقبة، فإنك إذا استحضرت هذه المعاني العظيمة، فإن هذا سيحدث في قلبك رجوعاً إلى الله عز وجل، وحياةً في القلب، ورغبةً في التوبة والإنابة إلى الله سبحانه وتعالى.
وهكذا عباد الله! علينا أن نربي أنفسنا، وأن نربي أولادنا على مراقبة الله عز وجل، وأن الله سامع لأقوالنا، شاهد لأفعالنا، فإن هذا من أعظم الأسباب والدوافع إلى الرجوع والتوبة إلى الله عز وجل، وإقامة أمره، واجتناب نهيه.
الأمر بإقامة الصلاة بشروطها وأركانها وواجباتها
يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ[لقمان:17]، هذه هي الوصية الثالثة التي يوصي لقمان رحمه الله ابنه، يوصيه بأن يقيم الصلاة، والصلاة أمرها عظيم وشأنها كبير، يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ[لقمان:17]، أي: ائت بها مستقيمةً بشروطها وأركانها وواجباتها، ولم يأمره بأن يفعل الصلاة، بل أمره أن يأتي بها مستقيمة، فالصلاة لا تبرأ بها الذمة بمجرد الفعل، بل لا تبرأ الذمة إلا إذا أتى بها العبد مستقيمةً تامة الأركان والشروط والواجبات، وأول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة فيما يتعلق بحقوق الله عز وجل هو الصلاة، ووصية النبي صلى الله عليه وسلم وهو في آخر حياته: (الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم).
لا بد من السجود على الأعضاء السبعة التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالسجود عليها، كما جاء ذلك في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، لا بد من السجود على الجبهة والأنف واليدين والركبتين وأطراف القدمين، فبعض الناس يخل ببعض شروط الصلاة، ومن أهم شروط الصلاة التي يخل بها بعض الناس شرط الوقت، فتجد بعض الناس لا يصلي الفجر إلا بعد طلوع الشمس، وربما أخر العصر إلى اصفرار الشمس، وهذا كله إخلال بشرط هو أعظم شروط الصلاة، قال الله عز وجل: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا[الإسراء:78]، وكلنا يعلم أنه لو صلى أحد بلا وضوء فإن صلاته لا تصح، فكذلك أيضاً إذا صلى خارج الوقت فإن صلاته لا تصح، كلنا يعلم أنه لو صام في غير وقت الصيام أو حج في غير وقت الحج فإن عبادته لا تصح، فكذلك أيضاً الصلاة، أيضاً بعض الناس يخل ببعض واجبات الصلاة، ومن ذلك صلاة الجماعة، فيتأخرون عن صلاة الجماعة، وخصوصاً جماعة الفجر، وقد قال الله عز وجل: وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ[البقرة:43]، وفي حديث ابن أم مكتوم في قصة الأعمى الذي جاء يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي في بيته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أتسمع النداء؟ قال: نعم، قال: أجب لا أجد لك رخصة)، وفي حديث أبي هريرة في الصحيحين: (أن النبي صلى الله عليه وسلم هم أن يحرق عن المتخلفين بيوتهم بالنار).
وفي الصحيح من حديث أبي رقية تميم الداري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة) فحصر النبي صلى الله عليه وسلم الدين كله بالنصيحة، فحري بنا عباد الله! أن نربي أنفسنا على هذه الشعيرة العظيمة، وأن نكون مفاتيح خير، وأن نأمر بالمعروف، وأن ننهى عن المنكر، نبدأ بأنفسنا ونأمرها بالمعروف؛ نأمرها بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وننهاها عن المنكر؛ عن مشاهدة المحرمات، وسماع المحرمات من الغيبة والنميمة والغناء وغير ذلك، وأن نربي أولادنا على هذه الشعيرة العظيمة، وأن نأمرهم بها، وأن نأمر جيراننا وبقية إخواننا المسلمين.
أسأل الله سبحانه وتعالى بمنه وكرمه أن يجعلني وإياكم ممن يستمع الذكر، وممن يستمع القول فيتبع أحسنه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
اللهم! اجعلنا من المصلين، واجعلنا من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر.
أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
التحذير من الكبر والعجب
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، إياك نعبد وإياك نستعين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأصلي وأسلم وأبارك على من بعثه الله رحمةً للعالمين.
فحري بالمسلم أن يتأدب مع إخوانه المسلمين، وأن يأخذ بهذه الوصايا العظيمة، وأن يربي عليها أولاده من البنات والبنين، وأن يربيهم على هذه القواعد وهذه التوجيهات، فالله سبحانه وتعالى لم يذكرها إلا لكي نأخذ بها ونحتذيها.
حقاً! إنها قواعد كلية، ومسالك تربوية، حري بالمربين والآباء والمعلمين أن يربوا تلامذتهم وأولادهم عليها.
حقاً! إن من أخذ بها أفلح وأنجح وسعد، ومن تركها خاب وخسر، أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلني وإياكم ممن يستمع كتاب الله عز وجل ويتبعه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.