إن عداوة الشيطان لابن آدم بدأت بعداوته لأبيه آدم، وإنه لفرط حقده أقسم أنه سيقعد لابن آدم في كل طريق، فالواجب على المؤمن أن يستعد لعدوه، ويتحصن بشرع الله منه، والشيطان يأتي كل واحد من بني آدم بحسبه ولا يرضى منه غير الكفر، ولكنه إن يئس رضي منه البدعة، ثم ما
عباد الله! ذكر
ابن القيم رحمه الله تعالى أن عداوة الشيطان للإنسان تتمثل في ست مراتب، فتأملها وانظر فيما أنت منها، وجاهد نفسك.
المرتبة الأولى: الكفر والشرك بالله عز وجل، ومعاداة الله ورسوله عياذاً بالله من ذلك، فإذا ظفر الشيطان بذلك من ابن آدم برد أنينه، واستراح من تعبه معه، وذلك أول ما يريد من العبد، فإن ظفر به صيره من عسكره ونوابه، فصار من دعاته، فإن يئس من ذلك نقله للمرتبة الثانية: وهي البدعة؛ لأنها أحب إليه من الفسوق والعصيان؛ لأن ضررها متعد في الدين، وهي مخالفة لدعوة الرسل عليهم السلام، فإذا كان الشخص ممن يعادي أهل البدع نقله إلى المرتبة الثالثة: وهي الكبائر على اختلاف أنواعها، فيحرص أن يوقعه فيها خاصةً إذا كان عالماً متبوعاً لينفر الناس عنه، فإذا عجز عن هذا نقله إلى التي بعدها وهي الصغائر التي إذا اجتمعت ربما أهلكت صاحبها، ولا يزال يسهلها عليه حتى يستهين بها، فيكون صاحب الكبيرة أحسن حالاً منه، فإن أعجزه العبد عن هذا نقله للخامسة: وهي إشغاله بالمباحات التي لا ثواب فيها ولا عقاب، بل عاقبتها فوت الثواب الذي ضاع عليه باشتغاله بها، فإن أعجزه العبد عن هذا بأن كان حافظاً لوقته شحيحاً به نقله للمرتبة السادسة: وهي إشغاله بالعمل المفضول عن الفاضل ليزيح عنه الفضيلة، ويفوته ثواب العمل الفاضل، ويفتح له أبواب خير كثيرة، كما ورد أنه يأمر بسبعين باباً من أبواب الخير، إما ليتوصل إلى باب واحد من الشر، أو ليفوت به خيراً أعظم من تلك السبعين وأجل.
وهذه المرتبة لا يتوصل إلى معرفتها إلا بنور الله الذي يقذفه في قلب العبد، ويكون سببه تجريد متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وشدة عنايته بمراتب الأعمال عند الله وأحبها إليه وأرضاها له، وهذا لا يعرفه إلا من كان من ورثة الرسل ونوابهم في الأمة وخلفائهم في الأرض، والله يمن بفضله على من يشاء من عباده.
اللهم مُنَّ علينا بفضلك، ولا تجعل للشيطان علينا سبيلاً، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد.
يا عبد الله! سائل نفسك مع أي الأصناف أنت في المعترك مع الشيطان، فقد روي أن الشيطان تبدى لـيحيى بن زكريا عليه السلام بهيئة الناصح، فكذبه يحيى وطلب منه أن يخبره عن بني آدم، فقال: هم عندنا على ثلاثة أصناف: أما صنف منهم فهم أشد الأصناف علينا نقبل عليه حتى نفتنه ونستمكن منه، ثم يتفرغ للاستغفار والتوبة، فيفسد علينا كل شيء أدركناه منه، ثم نعود فيعود، فلا نحن نيأس منه، ولا نحن ندرك منه حاجتنا، فنحن من ذلك في عناء.
وأما الصنف الآخر: فهم في أيدينا بمنزلة الكرة في أيدي صبيانكم، نتلقفهم كيف شئنا، قد كفونا أنفسهم.
وأما الصنف الأخير: فهم مثلك -يعني يحيى- معصومون، لا نقدر منهم على شيء.
عباد الله! وللشيطان مداخل ومنافذ على الإنسان، ووسائل للإغواء والإضلال، ولا شك أن القلب أعظم مداخله وأوسع منافذه.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: ولما علم عدو الله إبليس أن المدار على القلب والاعتماد عليه أجلب عليه بالوسواس، وأقبل بوجوه الشهوات إليه، وزين له من الأحوال والأعمال ما يصده عن الطريق، وأمده من أسباب الغيب بما يقطعه عن أسباب التوفيق، ونصب له من المصائد والحبائل، فإن سلم من الوقوع فيها لم يسلم من أن يحصل له بها التعويق، فلا نجاة من مصائده ومكايده إلا بدوام الاستعانة بالله تعالى، والتعرض لأسباب مرضاته، والتجاء القلب إليه، وإقباله عليه في حركاته وسكناته، وبذل العبودية له سبحانه، كما قال سبحانه:
إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ
[الحجر:42].
عباد الله! ويبقى حديث عن وسائل الشيطان للإغواء والإضلال، وطرق الوقاية منه سنتكلم عليها إن شاء الله في جمعة قادمة.
اللهم إنا نعوذ بك من همزات الشياطين، ونعوذ بك ربنا أن يحضرونا، اللهم إنا نعوذ بك من همز الشيطان ونفخه ونفثه يا ذا الجلال والإكرام، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم عليك بأعداء الدين، اللهم عليك باليهود الظالمين، والنصارى الحاقدين، اللهم شتت شملهم، وفرق جمعهم، واجعل اللهم الدائرة عليهم.
اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا، وما أنت أعلم به منا، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت.
اللهم فرج كرب المكروبين، ونفس عسرة المعسرين، واشف مرضى المسلمين، اللهم فك أسرى المأسورين، اللهم ردهم إلى أهليهم وبلادهم سالمين غانمين يا أرحم الراحمين.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اجعلهم محكمين لكتابك وسنة رسولك محمد صلى الله عليه وسلم، ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنةً، وقنا عذاب النار.
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد ..