إن التربية والتعليم عملية تكاملية، فما دور الآباء والأمهات في هذا التكامل؟ وما دور وسائل الإعلام في التربية والتوجيه، والنصح والتعليم؟ وهل أدى الأمانة من أيقظ ابنه للمدرسة، وأهمله في صلاة الفجر والعصر؟ وهل رعى المسئولية من جلب الفضائيات إلى بيته لتناقض صريح مقومات التربية التي تجاهد المدرسة في إرسائها وبنائها؟ إنها لم تعد التربية اليوم مقصورة على مقاعد الدراسة، فمع التطور الهائل والانفتاح لوسائل الاتصال، أصبحنا في وقت ينازعنا غيرنا في تربية أجيالنا، وسائل لهدم القيم والعقائد في حرب مع الدين والقيم، ليستنبت جيل في هذه المستنقعات، قد شرب من هذا الكدر.
إن على المربين على اختلاف طبقاتهم أن يدركوا مثل هذه المخاطر،
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ
[التحريم:6]، والأمر بالوقاية للوجوب، ومن لم يق أهله فإنه سيسأل، ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ).
أيها المربون! أنتم مؤتمنون على تربية الأجيال، ومواكبة الجديد مع الأصالة والثبات المستمد من شريعة الإسلام، الهادف إلى تعبيد الناس لرب العالمين، والولاء لهذا الدين، وتنشئة الفرد الصالح المنتج الواعي السالم من مسالك الانحراف.
إن مبادئ الإسلام الثابتة كانت الانطلاقة الصحيحة للحضارة الإسلامية التي باركها الله على أهل الأرض جميعاً، وما ضعفت إلا حينما كانت المنطلقات غير شرعية في تنكر للدين، أو تحجر لا يتحمله الإسلام، فكل أمة تنشئ أفرادها وتربيهم على ما تريد أن يكونوا عليه في المستقبل.
إذاً فالتربية في حقيقتها صناعة الأجيال، وصياغة الفكر، وتشكيل المجتمع وتأهيله، ومن هنا ندرك أهمية التربية، وعظم المسئولية الملقاة على المربين، وندرك أيضاً أن استيراد التربية من أمة أخرى بكل عجرها وبجرها خطيئة كبيرة، وتبعية خطيرة، تعني نشأة جيل مغيب عن دينه، مقطوع الصلة بعقيدته، يسهل قياده واستعباده.
وهذا لا يعني هجر الإفادة من تجارب الآخرين، فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أولى بها.
وفي قول الله عز وجل:
إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ
[فاطر:28]، دليل على أن العلوم النافعة هي المقربة إلى الله عز وجل، ولو كانت من علوم الدنيا، وذلك باصطباغها بصبغة الإيمان، والتقرب بها إلى الله عز وجل، وخدمة الدين والبلاد وعمارة الأرض كما أراد الله، في توازن وشمول ووسطية واعتدال، فتعمر الدنيا والآخرة.
اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً يا عليم يا حكيم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله أوجدنا من العدم، وربانا بالنعم، وجعل الوحي لنا نوراً نهتدي به في حالك الظلم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه الأقوم، أما بعد:
فإن العلم الشرعي الصافي ضمان بإذن الله من الانحرافات الفكرية والعقدية، فالواجب على ذوي الاختصاص مراعاة ذلك، وتبصير الأجيال بما يجب عليهم مع التفصيل والوضوح، النافي للخلط أو التضارب؛ لأن العقول أو القلوب أوعيه، إن لم تبادر وتملئ بالحق والصواب تسرب إليها الفهم المغلوط، وإنني أوصي طلاب العلم بإخلاص النية لله عز وجل في طلب العلم، والجد والمثابرة في التحصيل، واحترام المعلمين المربين وتوقيرهم، والقيام بحقهم، والحذر من رفقة السوء وضعاف الهمة، وقد قال الله عز وجل لنبيه يحيى:
يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ
[مريم:12]، وقال لموسى عليه السلام لما آتاه الله الألواح فيها التوراة:
فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ
[الأعراف:145].
أوصيهم أن يرجعوا إلى كتاب ربهم، وأن يتدارسوه، وأن يحفظوه، وأن يلازموا حلق المدارس فهي أصل التربية وأساس التعليم، والله تعالى هو المسئول أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه، وأن يعز دينه، وأن يعلي كلمته.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم عليك بأعداء الدين، اللهم عليك باليهود الظالمين، والنصارى الحاقدين، اللهم احفظ الإسلام والمسلمين، اللهم احفظ المسلمين في كل مكان، اللهم احفظهم بحفظك التام، واحرسهم بعينك التي لا تنام، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اجعلهم محكمين لكتابك وسنة رسولك محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم فرج كرب المكروبين، ونفس عسرة المعسرين، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا، وما أعلنا، وما أنت أعلم به منا، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت، اللهم اشف مرضى المسلمين، اللهم عجل لهم بالشفاء العاجل، اللهم اجعل ما أصابهم كفارة لسيئاتهم ورفعة لدرجاتهم، اللهم اغفر لموتى المسلمين، اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم، وأكرم نزلهم، ووسع مدخلهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد، ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد.