إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وارض اللهم عن صحابته ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين،
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ 
[آل عمران:102].
عباد الله! تقدم الحديث في الخطبة السابقة عن عداوة الشيطان وكيده وإضلاله، وسنتحدث في هذه الخطبة عن شيء من وسائله وطرائقه ومداخله على الإنسان.
عباد الله! للشيطان وسائل متعددة في إغواء الإنسان، فمن ذلك: تزيين الباطل وإظهاره بصورة حسنة، قال الله عز وجل عن الشيطان أنه قال:
لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ
[الحجر:39].
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: ومن مكائده أنه يسحر العقل دائماً حتى يكيده، ولا يسلم من سحره إلا من شاء الله، فيزين له الفعل الذي يضره حتى يخيل إليه أنه من أنفع الأشياء، وينفر من الفعل الذي هو أنفع الأشياء حتى يخيل إليه أنه يضره، فلا إله إلا الله! كم فتن بهذا السحر من إنسان! وكم حال به بين القلب وبين الإسلام! وكم زين الباطل وأبرزه في صورة مستحسنه، وشنع الحق وأخرجه في صورة مستهجنة!
تسمية المعاصي بغير اسمها من وسائل الشيطان
ومن وسائله في إضلال الإنسان: تسمية المعاصي بغير اسمها، وبأسماء محببة للنفوس، قال الله عز وجل عنه أنه قال لآدم عليه السلام:
هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى 
[طه:120].
وقد ورث أتباعه تسمية الأمور المحرمة بالأسماء التي تحب النفوس مسمياتها، فسموا الخمر بأم الأفراح، كما ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله تعالى، ولا يزال الشيطان يوحي إلى أوليائه تسمية الأمور المحرمة بغير مسمياتها، ففي وقتنا الحاضر يسمى الربا بالفائدة، ويسمى التبرج الفاضح بحرية المرأة، ويسمون الاختلاط المستهتر بالتقدم، ويسمون المغنية الفاسقة بالفنانة والشهيرة.
تسمية الطاعات بأسماء منفرة من وسائل الشيطان
من وسائل الشيطان: التدرج في الإضلال
وإذا عرفنا شيئاً من وسائله، فهذا شيء من مداخله، ومن أكبر مداخل الشيطان على الإنسان: الجهل، والغضب، وحب الدنيا، وطول الأمل، والبخل، والكبر، والرياء، والعجب، والجزع، والهلع، واتباع الهوى، وسوء الظن، واحتقار المسلم واحتقار الذنوب، والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمته.
الجهل من مداخل الشيطان
أما الجهل فباب عظيم للانحراف عن صراط الله المستقيم، ومدخل واسع من مداخل الشيطان، كيف لا، والجاهل يفعل الشر وهو يظنه خيراً، وينأى بنفسه عن الخير ويحسب أنه محسناً، وقد قيل:
وفي الجهل قبل الموت موت لأهله وأجسامهم قبل القبور قبور
وإن امرءاً لم يحيى بالعلم ميت فليس له حتى النشور نشور
الغضب من مداخل الشيطان
وأما الغضب فداء عضال، ومدخل عظيم من مداخل الشيطان، ومن خلاله يتلاعب الشيطان بالإنسان كالكرة في يد الغلام، يقول النبي صلى الله عليه وسلم لمن سأله أن يوصيه فقال: (
لا تغضب)، فردد الرجل مراراً والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (
لا تغضب)، زاد
أحمد في رواية: قال الرجل: ففكرت حين قال النبي صلى الله عليه وسلم ما قال، فإذا الغضب يجمع الشر كله.
إن الغضب مادة الشيطان تجرئه على فعل القبيح وتجاوز الحدود، وكم حصل بسببه من سفك للدماء، وتفريق للأسر، وإتلاف للأموال، ولو سكن غضبه لانتقد تصرفه، ولما أقدم على ما أقدم عليه.
إنه حالة ضعف، تحكم الإنسان فيها عواطفه، وتخف سيطرة عقله، ويغيب حلمه، وكم أوقع الشيطان الغضبان في حبائل من السوء، وأنواع من الشر، ما كان له أن يقع فيها لو كان هادئ الطبع مستعيناً بالله من الشيطان ونزغاته.
وإذا كان الغضب داء ومدخلاً للشيطان، فدواؤه تسكينه بالاستعاذة بالله من الشيطان، كما جاء في القرآن، وفي صحيح السنة: استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم، فغضب أحدهما واحمر وجهه وانتفخت أوداجه، فنظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)، رواه البخاري ومسلم.
قال العلماء: على الغضبان أن يغير حالته التي هو فيها، فإن كان واقفاً جلس، وإن كان جالساً اضطجع، وقد جاء في حديث أبي ذر وإن كان في إسناده شيء: (إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع), والواقع شاهد بذلك.
وأيضاً عليه أن يتوضأ، فالغضب جمرة يطفؤها ماء الوضوء بإذن الله عز وجل.
حب الدنيا من مداخل الشيطان
الكبر من مداخل الشيطان
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين.
ومن مداخل الشيطان على الإنسان الكبر، وهو بطر الحق وغمط الناس كما فسره النبي صلى الله عليه وسلم، وأين المتكبرون من قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر) رواه مسلم؟
وقال النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنه: إن للشيطان مصالي وفخوخاً، وإن من مصالي الشيطان وفخوخه البطر بأنعم الله، والفخر بإعطاء الله، والكبر على عباد الله، واتباع الهوى في غير ذات الله، وأنى للإنسان أن يتكبر وأوله نطفة مذرة، وآخره جيفة قذرة، وحشوه فيما بين ذلك بول وعذرة. انتهى كلامه رحمه الله.
اتباع الهوى من مداخل الشيطان
ومن مداخل الشيطان أيضاً: اتباع الهوى، فاتباع الهوى مدخل عظيم من مداخل الشيطان، وطريق للعقوبة والضلال، قال الله عز وجل:
وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ 
[ص:26].
قال ابن عباس رضي الله عنهما: ما ذكر الله عز وجل هوى في القرآن إلا ذمه. وقال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: أنتم في زمان يقود الحق الهوى، وسيأتي زمان يقود الهوى الحق.
وقال بعض العلماء: ركب الله الملائكة من عقل بلا شهوة، وركب البهائم من شهوة بلا عقل، وركب ابن آدم من كليهما، فمن غلب عقله على شهوته فهو خير من الملائكة، ومن غلبت شهوته على عقله فهو شر من البهائم.
وقال بعض الحكماء: العقل صديق مقطوع، والهوى عدو متبوع.
ويروى أن إبليس قال: أهلكت العباد بالذنوب فأهلكوني بالاستغفار، فلما رأيت ذلك أهلكتهم بالأهواء، فهم يحسبون أنهم مهتدون فلا يستغفرون.
الأمن من مكر الله والقنوط من رحمة الله من مداخل الشيطان
الاحتفال بالمولد النبوي بدعة لم يكن عليها النبي صلى الله عليه وسلم، ولا صحابته رضي الله تعالى عنهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث
عائشة رضي الله تعالى عنها: (
من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد).
وأول من أحدث هذه البدعة العبيديون بعد القرون المفضلة في منتصف القرن الرابع الهجري، تشبهاً بالنصارى، ومع أن هذا الاحتفال بدعة لم يكن عليها النبي صلى الله عليه وسلم ولا صحابته، ولا من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، فإنه يتضمن كثيراً من المنكرات التي تصل إلى الشرك بالله عز وجل، كالمبالغة في مديح النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه وهو غائب، وفي حديث ابن عمر في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد الله فقولوا: عبد الله ورسوله)، فإطراؤه عليه الصلاة والسلام والمبالغة في مديحه هذا ينقله من مرتبة العبودية إلى مرتبة الألوهية، وهذه خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم، مع ما يوجد أيضاً من المنكرات الأخرى، كالضرب بالدفوف، واختلاط الرجال بالنساء، والإسراف في المآكل والمشارب وغير ذلك، فحري بالمسلم أن يكون يقظاً على عقيدته، وأن ينكر مثل هذه الأشياء، وأن يأنفها ويكرهها.
اللهم جنبنا الأهواء المضلة، والأدواء المهلكة، واسلك بنا طريق سنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، فأنت السلام ومنك السلام، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم عليك بأعداء الدين، اللهم عليك باليهود الظالمين، والنصارى الحاقدين، اللهم شتت شملهم، وفرق جمعهم، واجعل اللهم الدائرة عليهم، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة رسولك وعبادك الصالحين يا قوي يا عزيز، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا، وما أنت أعلم به منا، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اجعلهم محكمين لكتابك وسنة رسولك محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم فرج كرب المكروبين، ونفس عسرة المعسرين، واقض الدين عن المدينين، اللهم اغفر لموتى المسلمين، اللهم اغفر لهم وارحمهم، وعافهم واعف عنهم، اللهم اشف مرضى المسلمين، اللهم عجل لهم بالشفاء العاجل، اللهم اجعل ما أصابهم كفارة لسيئاتهم، ورفعة لدرجاتهم, ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.