أحصى الإمام المجدد
محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى أصولاً عشرة اعتبرها نواقض للإسلام، حذر الأمة منها ودعا إلى العلم بها، وقد كان الناس إلى عهد قريب يتدارسونها في المساجد، وتقرأ عليهم من قبل أئمة المساجد، قال رحمه الله: اعلم أن نواقض الإسلام عشرة:
الشرك في عبادة الله ناقض للإسلام
اتخاذ الوسائط بين الله وعبده ناقض للإسلام
عدم تكفير الكافر ناقض للإسلام
أيها المسلمون! وحين تغيب هذه الحقائق المهمة في المعتقد يضعف الإحساس بالولاء للمؤمنين، والبراءة من الكافرين، وتندثر في دنيا العلاقة المحبة في الله والبغض في الله، ويغيب التميز في الثقافات، وتنسى أصالة الفكر واختلاف المعتقدات، فهنا يقع الخلل، ويرتع الهمل، وتشيع بين الناس دعوات باطلة، وأفكار مضللة، ظاهرها التسامح والحرية، وباطنها الكفر وفرض التبعية، وتقام المؤتمرات العالمية، وتكثر الملتقيات والحوارات من أجل تقرير وحدة الأديان، ومقارنة الأديان، وإزالة الخلاف العقدي، وإسقاط الفوارق الأساسية بين الأديان، والتشبث بأمور بسيطة، يخدعون بها الدهماء من الناس، ويجعلونها أساساً للوحدة المزعومة، وربما سمعت ببعض المصطلحات الباطلة، كمصطلح الديانة الإبراهيمية، أو الديانة العالمية، وإبراهيم عليه السلام بريء من أي نوع من أنواع الشرك والوثنية، وقد برأه الله من اليهودية والنصرانية المحرفة، وألبسه لبوس الحنيفية المسلمة، قال سبحانه:
مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ 
[آل عمران:67]، وجعل أولى الناس به الذين اتبعوه، كما قال سبحانه:
إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ 
[آل عمران:68].
فهذه حاسمة الخلاف، والحق واضح لمن رامه، وكفى بالله شهيداً، وبالقرآن حكماً، أما المخدوعون بالسراب فربما ساغت لهم فكرة زمالة الأديان، وإمكانية التعايش والتعاون بين أصحاب الديانات المختلفة كما يدعوها بعض الناس.
ولا يخفى على أولي الألباب أن هذه الدعوات المحمومة نشأت في أحضان التنصير والصهيونية العالمية لتحطيم الإسلام، وتذويب الشخصية المسلمة؛ لأنهم يرون في الإسلام وأهله أكبر قوة تهددهم.
ومن ذلك ما يسمى بالنظام الدولي الجديد، فهو عامل رئيس في إحياء تلك الشجرة الخبيثة، إذ تعقد المجتمعات ويأتمر الملأ لهذا الغرض الخبيث، وينبغي أن يعلم الناس أن هذه الدعوات المشبوهة ليست وليدة اليوم، بل لجلجت في غابر القرون، ودعا إليها قوم آخرون، فهذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ينقل عن ملاحدة الصوفية كـابن سبعين ، وابن هود ، والتلمساني وغيرهم أنهم كانوا يسوغون للرجل أن يتمسك باليهودية والنصرانية كما يتمسك بالإسلام، ويجعلون هذه طرقاً إلى الله، بمنزلة مذاهب المسلمين، بل ذكر رحمه الله تعالى أن هؤلاء المخرفين ربما يميلون إلى دين النصارى أكثر من دين المسلمين لما فيه من إباحة المحظورات، كالخمر مثلا، ولأنهم أقرب إلى الاتحاد والحلول، بل ربما استحى الواحد منهم أن ينتسب للإسلام بحضرة هؤلاء الكفار، نعوذ بالله من الخذلان والردة بعد الإسلام.
كما أن التتار قديماً نادوا بمساواة الأديان، وقال الأكابر من وزرائهم: إن دين الإسلام كدين اليهود والنصارى، وأن هذه بمنزلة المذاهب الأربعة عند المسلمين، قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى معلقاً على ذلك: ومعلوم بالاضطرار من دين المسلمين وباتفاق جميع المسلمين، أن من سوغ اتباع غير دين الإسلام، أو اتباع شريعة غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر، ككفر من آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض، كما قال تعالى:
إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا * أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا
[النساء:150-151].
نفعني الله وإياكم بهدي القرآن وهدانا لاتباع شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد.
الحكم بغير الإسلام ناقض له
عباد الله! احذروا من مسلك خطير، واستعمال محذور ألا وهو محاولة تطبيق الأحكام الشرعية النظرية على الواقع من قبل أناس لا يملكون أدوات التطبيق، وليس لهم من فهم قواعد الشريعة وكلياتها ما يستطيعون به تنزيل النصوص منازلها الحقة، فلا ينبغي أن تدرج قضية التكفير على كل لسان، ومصيبة أن يتجرأ فيها سفهاء الأحلام بغير علم ولا برهان، وأهل السنة قديماً وحديثاً يحتاطون لذلك كثيراً، ولذلك نجد العلماء رحمهم الله يفرقون بين التكفير المطلق وتكفير المعين، ووضعوا شروطاً للتكفير وموانع يعذر بها الجاهل والمتأول، إلى غير ذلك من ضوابط يعيها الراسخون في العلم.
وإليكم شيئاً من احتياطهم وحذرهم من تكفير المعين، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: وليس لأحد أن يكفر أحداً من المسلمين وإن أخطأ وغلط، حتى تقام عليه الحجة، وتبين له المحجة، ومن ثبت إسلامه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك، بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة، وإزالة الشبهة.
وقال رحمه الله مبيناً بعض الأعذار التي تمنع من تكفير المعين، قال: الأقوال التي يكفر قائلها قد يكون الرجل لم تبلغه النصوص الموجبة لمعرفة الحق، وقد تكون عنده ولم تثبت عنده، أو لم يتمكن من فهمها، وقد يكون قد عرضت له شبهات يعذره الله بها، فمن كان من المؤمنين مجتهداً في طلب الحق وأخطأ فإن الله يغفر له خطاياه، كائناً ما كان، سواء في المسائل النظرية أو العملية، هذا الذي عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وجماهير أئمة الإسلام.
وقد كان الإمام أحمد رحمه الله تعالى كما نقل الشيخ يكفر الجهمية المنكرين لأسماء الله وصفاته، ولكن ما كان يكفر أعيانهم، وكذلك نقل ابن تيمية عن الإمام الشافعي رحمه الله.
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى: ومسألة تكفير المعين مسألة معروفة، إذا قال قولاً يكون القول به كفراً، فيقال: من قال بهذا القول فهو كافر، ولكن الشخص المعين إذا قال ذلك لا يحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها، قال الله عز وجل:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
[النساء:94].
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يرمي رجلٌ رجلاً بالفسوق ولا يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك)، وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أيما رجل قال لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما).
اللهم اعصمنا من الزلل، ووفقنا لسلوك الطريق الأقوم، وأصلح سرائرنا وعلانيتنا يا ذا الجلال والإكرام، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم عليك بأعداء الدين، اللهم عليك باليهود الحاقدين، والنصارى المعتدين، اللهم شتت شملهم، وفرق جمعهم، واجعل اللهم الدائرة عليهم، اللهم فرج كرب المكروبين، ونفس عسرة المعسرين، واقض الدين عن المدينين، اللهم اغفر لموتى المسلمين، اللهم اغفر لهم وارحمهم، وعافهم واعف عنهم، وأكرم نزلهم، ووسع مدخلهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد، ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم أصلحنا وأصلح بنا وأصلح لنا، اللهم اشف مرضى المسلمين، اللهم اجعل ما أصابهم كفارة لسيئاتهم، ورفعة لدرجاتهم، اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا، وإذا أردت بقوم فتنة أن تقبضنا إليك غير مفتونين، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اجعلهم محكمين لكتابك وسنة رسولك محمد صلى الله عليه وسلم، آمرين بالمعروف، ناهين عن المنكر، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد.