وأما في الشرع: فهو الإعلام بدخول وقت الصلاة بألفاظ مخصوصة، وهي: الله أكبر الله أكبر... إلى آخر الأذان.
والمعاني الشرعية يكون بينها وبين المعاني اللغوية في الغالب تناسب، باعتبار أن المعنى الشرعي جزء من جزئيات المعنى اللغوي، هذا هو الغالب في الألفاظ الشرعية؛ لأن الأذان في اللغة: الإعلام مطلقاً.
وأما في الشرع: فهو إعلام مخصوص، ليس إعلاماً عاماً، وإنما هو إعلام خاص، وهو الإعلام بدخول وقت الصلاة بألفاظ مخصوصة، هذا هو الأذان الشرعي، وهكذا -كما ذكرت-: الألفاظ الشرعية تعتبر معانيها جزء من جزئيات المعاني اللغوية، وهذا مضطرد في كثير من الألفاظ، فإذا جئنا إلى لفظ (الصوم) نجد أن الصوم في اللغة: الإمساك، وكل إمساك فهو صوم.
وأما في الشرع: فإمساك مخصوص، وهو: الإمساك عن الأكل والشرب وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فهو إمساك مخصوص، كذلك الحج، فالحج لغة: القصد، وأي قصد يقال له: حج، وفي الشرع: قصد البيت الحرام لأداء أعمال مخصوصة، هي: أركان الحج، وواجباته، ومستحباته، كذلك العمرة، العمرة لغة: الزيارة، وفي الشرع: زيارة البيت لأداء أعمال مخصوصة.
فالمعاني الشرعية جزء من جزئيات المعاني اللغوية، والأذان هو من هذا القبيل.
الباب: بدء الأذان، أي: كيف بدأ الأذان؟ وما هي بداية الأذان؟ كيف كانت؟
الأذان شرع في المدينة بعدما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كما جاء في هذا الحديث عن ابن عمر: (أنهم كانوا يتحينون وقت الصلاة)؛ أي: يتحرونه ويقدرون الوقت، وينظرون في الشمس والغروب، وظل الشيء مثله ومثليه، وما إلى ذلك، ففكروا وجعلوا يتذاكرون، فقالوا: لو أنهم فعلوا مثلما فعلت النصارى بأن اتخذوا ناقوساً، ومنهم من قال: بل نتخذ قرناً، وهو بوق ينفخ به، وكانت تفعل اليهود ذلك، فقال عمر رضي الله عنه: (لو بعث رجل ينادي للصلاة، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بلالاً فنادى بالصلاة)، وهذا النداء يحتمل أن يكون الأذان؛ وذلك كما جاء في حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه (أنه أري الأذان، فأخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم، فأمره بأن يلقيه على بلال)، أي: أن يخبر بلالاً به، فأذن بلال، وكان عمر رضي الله عنه وأرضاه قال: لو اتخذ منادياً ينادي في الأذان، فيحتمل أن يكون ذلك بعدما حصلت الرؤيا، وكان عمر أيضاً وقع في نفسه هذا الشيء فقاله، ويحتمل أن يكون هذا قبل رؤيا عبد الله بن زيد، ويكون المراد بالنداء هو غير الأذان المعروف بالتكبيرات، وذلك بأن يقال: الصلاة، أو الصلاة جامعة، أو ما إلى ذلك من العبارات التي فيها نداء وإخبار بالصلاة.
هو محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم، والمشهور أبوه بـابن علية، وهو ثقة، وخرج حديثه النسائي وحده، ومحمد هذا من أهل السنة على طريقة أبيه، كما أن أباه من أهل السنة، ولأبيه ولد منحرف عن منهج أهل السنة وهو إبراهيم بن إسماعيل، وهو الذي يأتي ذكره في مسائل الفقه الشاذة، فعندما يأتي شذوذ في بعض مسائل الفقه، فيقال: قال به ابن علية، يراد به: ابنه المنحرف عن منهج أهل السنة والجماعة، والذي ترجم له الذهبي في الميزان وقال: جهمي، هالك، و-كما قلت- يأتي في المسائل الشاذة في الفقه عزو بعض تلك المسائل إليه، ومن ذلك مسألة الإجارة، فالعلماء على مشروعيتها، والضرورة داعية إليها، ولا يستغني الناس عن الإجارة هذا هو المعروف عن العلماء أنهم يقولون: بمشروعية الإجارة، وابن علية هذا الجهمي الهالك، الذي هو إبراهيم بن إسماعيل، وأبو بكر بن الأصم المعتزلي يقولان: بأن الإجارة لا تجوز، وهي غير مشروعة، وهذا بلا شك شذوذ؛ لأن الإجارة لا يستغني الناس عنها.
هو أحد الصحابة المشهورين، وأحد العبادلة الأربعة المعروفين في الصحابة، وأحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرضي الله تعالى عنه وعن الصحابة أجمعين، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
تثنية الأذان
شرح حديث: (إن رسول الله أمر بلالاً أن يشفع الأذان وأن يوتر الإقامة)
أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة وهي باب تثنية الأذان.
أي: شفع الأذان، وقد أورد النسائي تحته حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بلالاً أن يشفع الأذان، ويوتر الإقامة)، وعندما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلالاً أن يشفع الأذان، ويوتر الإقامة؛ يعني: يجعله شفعاً، والإقامة يجعلها وتراً؛ أي: كلمة واحدة، وهذا إنما هو في الغالب، فالأذان مشفوع غالباً، وفيه كلمة التوحيد: لا إله إلا الله، وهي مرة واحدة ليست مشفوعة، فالأذان مكرر الألفاظ منه ما يكون أربع، وهو: الله أكبر في أوله، ومنه ما يكون اثنتين، وهو: أشهد أن لا إله إلا الله مرتين، وأشهد أن محمداً رسول الله مرتين، وحي على الصلاة مرتين، وحي على الفلاح مرتين، والله أكبر في آخره مرتين، ولا إله إلا الله مرة واحدة.
فإذاً: الشفع إنما للغالب؛ لأن كلمة التوحيد وكلمة الإخلاص التي هي ختام الأذان تكون مرة واحدة، فيكون الشفع محمولاً على الغالب، وليس على جميع الألفاظ.
وأما الإقامة فإنها تكون وتراً، وهذه أيضاً في الغالب؛ لأن منه ما هو مشفوع، مثل: الله أكبر في أول الإقامة وفي آخرها: الله أكبر الله أكبر، وقد قامت الصلاة مشفوعة أيضاً، والباقي يكون وتراً، مثل حي على الصلاة حي على الفلاح، وأشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله مرة واحدة، أي: تكون وتراً، ولكن إيتار الإقامة إنما هو في الغالب، مثل الأذان شفعه في الغالب.
تراجم رجال إسناد حديث: (إن رسول الله أمر بلالاً أن يشفع الأذان وأن يوتر الإقامة)
هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو من شيوخ النسائي الذين أكثر من الرواية عنه، وهو أول شيخ روى عنهم في سننه، وأول حديث في سنن النسائي شيخه فيه قتيبة بن سعيد، وقتيبة اسمه من الألفاظ المفردة التي لم تتكرر، ولم يشابهه أحد في ذلك؛ لأنه هو الشخص الوحيد في رجال الكتب الستة الذي يقال له قتيبة .
هو أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي تشرف بخدمة النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنوات، وذلك منذ أن قدم المدينة إلى أن توفاه الله عز وجل؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام لما قدم المدينة كان عمر أنس عشر سنوات، فكانت مدة خدمته إياه مدة كونه في المدينة، وهي عشر سنوات، وحديث أنس بن مالك عند أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث: (كان الأذان على عهد رسول الله مثنى مثنى، والإقامة مرة مرة ...)
ثم أورد النسائي حديث ابن عمر رضي الله عنهما: (أن الأذان كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم مثنى مثنى، والإقامة مرة مرة، إلا أنك تقول: قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة)، وهذا مثل حديث أنس: (أمر بلالاً أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة)، وهذا إنما هو على الغالب، والتثنية إنما هي على الغالب؛ لأن من ألفاظ الأذان ما هو أكثر من مرتين، وهو الله أكبر في أول الأذان، فإنها أربع مرات، إلا أن يكون المراد بالتثنية ما ينطق به؛ لأن الله أكبر الله أكبر ينطق بها مرة واحدة، فيكون معناه: النطق حصل مرتين، الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، كما جاء ذلك مبيناً في حديث عمر رضي الله تعالى عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إذا قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر، فقولوا: الله أكبر الله أكبر، وإذا قال: الله أكبر الله أكبر، فقولوا: الله أكبر الله أكبر)، وهو من هذه الحيثية مثنى، لكن هي من حيث الجمل، ومن حيث الألفاظ هي أربع، فتكون التثنية إنما هي في الغالب؛ فلهذا عندما يأتي في الأحاديث القادمة أن الأذان تسعة عشر كلمة، وهذا معدود على اعتبار أن كل واحدة جملة مستقلة، الله أكبر أربع مرات، فهي من جملة التسعة عشر، ومع الترجيع في الشهادتين، فتكون تسعة عشر، والإقامة مرة إلا قد قامت الصلاة، فإنها تكون مرتين، ومن المعلوم: أن الله أكبر تكون في أوله مرتين، والله أكبر قبل آخره تكون مرتين.
فإذاً: عدم الإفراد ليس خاصاً بـ(قد قامت الصلاة)، وإنما أيضاً مثلها الله أكبر في الأول، والله أكبر قبل الآخر.
تراجم رجال إسناد حديث: (كان الأذان على عهد رسول الله مثنى مثنى، والإقامة موترة ...)
هو الفلاس، المحدث، الناقد، الثقة، المعروف كلامه بالجرح والتعديل، وهو من النقاد، وكثيراً ما يأتي في تراجم الرجال: وقال الفلاس كذا، فالمراد به: عمرو بن علي الفلاس، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
هو ابن الحجاج، وهو الثقة، الثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهذا -كما ذكرت مراراً- من الأوصاف العالية التي هي من أعلى صيغ التعديل، والتي لم يظفر بها إلا عدد يسير من المحدثين، منهم: شعبة بن الحجاج، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة، وهي: باب خفض الصوت بالترجيع في الأذان.
الترجيع في الأذان: هو إعادة أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله مرتين بعدما يفرغ من الشهادتين، ويعود إليهما ذاكراً لهما بصوت منخفض، هذا هو الترجيع في الأذان، وعلى هذا تكون الألفاظ تسعة عشر، لكن هذا اللفظ الذي موجود معنا ليس فيه التكبير في أول الأذان إلا مرتين، وقد قال الشيخ ناصر الدين الألباني: إن هذه الرواية منكرة؛ لأنها تخالف الرواية الأخرى الثابتة عن أبي محذورة عند النسائي وغيره، وفيها: (الله أكبر في أول الأذان أربع مرات)؛ يعني: كما عند غير أبي محذورة، وهو أن الله أكبر تكون أربع مرات في أول الأذان، وفي هذه الرواية: (الله أكبر في أول الأذان مرتين)، وبقية الألفاظ موافقة لما جاء في حديث أبي محذورة من أن الشهادتين يؤتى بهما، ثم يؤتى بالترجيع، ثم حي على الصلاة مرتين، وحي على الفلاح مرتين، ثم الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، فتكون على هذا سبعة عشر جملة، وليس تسعة عشر جملة، والذي جاء عن أبي محذورة تسعة عشر جملة؛ يعني: بذكر الله أكبر أربع مرات في أول الأذان، ويكون على هذا عدد ألفاظ الأذان مع الترجيع في حديث أبي محذورة تسعة عشر جملة، وهذه الرواية مخالفة للرواية الأخرى التي جاءت عن أبي محذورة، والتي فيها أن التكبيرات في أول الأذن تكون أربعاً.
تراجم رجال إسناد حديث أبي محذورة في خفض الصوت في الترجيع في الأذان
السؤال: هل يجب علي أن أقرأ في الركعة الأولى من صلاتي سورة متقدمة عن السورة التي أقرؤها في الركعة الثانية حسب ترتيب المصحف؟
الجواب: القراءة في الصلاة الأولى أن تكون السور على حسب ترتيبها في المصحف، بحيث يقرأ الإنسان سورة ثم يقرأ بعدها سورة تليها، فهو ليس بلازم أن تكون بعدها مباشرة، لكنها مما يكون بعدها، وليس مما يكون قبلها، هذا هو الأولى، ولو قرئ بسورة قبل سورة متقدمة عليها، فإنه لا بأس بذلك؛ لأنه قد جاء في الحديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ البقرة، ثم النساء، ثم آل عمران)، وجاء أيضاً في قصة الرجل الذي كان يؤم قومه، ويقرأ في كل ركعة: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، ثم يقرأ سورة أخرى، ومن المعلوم: أن قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] ليس بعدها إلا سورتان في المصحف، ومعنى هذا: أنه يقرأ سورة قبلها، والنبي صلى الله عليه وسلم أقره على ذلك، لكن الأولى أن يكون الترتيب كترتيب المصحف، وإن فعل خلاف الترتيب، فإنه جائز، وهذا هو الدليل الذي يدل على جوازه.
حكم براز الحمام
السؤال: هل براز الحمام طاهر غير نجس؟ وما الدليل على ذلك؟ جزاكم الله خيراً.
الجواب: براز الحمام طاهر؛ لأن بول وروث كل ما يؤكل لحمه طاهر، فأرواث الإبل وأبوالها، والغنم وأبوالها، وكل ما يؤكل لحمه يكون طاهراً.