شرح حديث: (يا رسول الله! إن فلاناً لا يفطر نهاراً الدهر قال: لا صام ولا أفطر)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [النهي عن صيام الدهر، وذكر الاختلاف على
مطرف بن عبد الله في الخبر فيه.
حدثنا علي بن حجر أخبرنا إسماعيل عن الجريري عن يزيد بن عبد الله بن الشخير عن أخيه مطرف عن عمران رضي الله عنه أنه قال: قيل: (يا رسول الله، إن فلاناً لا يفطر نهاراً الدهر، قال: لا صام ولا أفطر)].
يقول النسائي رحمه الله: النهي عن صوم الدهر. هذه الترجمة سبق أن هناك ترجمة تشبهها وهي: النهي عن صوم الأبد، والعنوان الذي جاء وهو ذكر الاختلاف على خبر عطاء فيه.
قلت: العنوان لا علاقة له بالباب الذي قبله، وعلى هذا فالعنوان فيه نقص، وهو النهي عن صوم الأبد، وذكر الاختلاف على عطاء بن أبي رباح فيه، وقلت: إن الترجمة لعلها مثل الترجمة التي تليها، وإنما حصل الفرق بينهما من أجل كلمة الأبد، وكلمة الدهر، وهذا احتمال، وهناك احتمال آخر، وقد رأيته لما اطلعت على السنن الكبرى للنسائي، وإذا فيها أن الباب الذي هو النهي عن صوم الدهر مقدم، ثم الفصل الذي هو ذكر الاختلاف على عطاء فيه مؤخر، وعلى هذا فيكون فيه تقديم وتأخير، وإذا كانت الأحاديث المتعلقة بالأبد متأخرة عن هذا الباب، فما يبقى إشكال، بل يبقى الوضع على ما هو عليه، والضمير يرجع إلى الدهر الذي سبق أن تقدم في الباب، فهما احتمالان: احتمال أن يكون هناك تقديم وتأخير، ويوضح هذا ما جاء في السنن الكبرى للنسائي، فإن باب النهي عن صيام الدهر مقدم على الفصل الذي هو ذكر الاختلاف على عطاء فيه، وذكر الاختلاف على عطاء جاء بعد ذلك، وعلى هذا يكون الترتيب مستقيماً، والاحتمال الثاني: أن يكون فيه النهي عن صوم الأبد، والاحتمال الذي يتفق مع ما جاء في السنن الكبرى هو الأقرب؛ لأن الصغرى التي هي سنن النسائي يقال لها: المجتبى وهي منتقاة أو مختصرة من الكبرى، وإن كانت في الصغرى أشياء ليست في الكبرى ولكنها قليلة، لكن في الغالب أو في كثير من المواضع أن الأبواب تتفق، والترتيب يتفق، ولكنه يحصل اختلاف في الترتيب، ومن ذلك ما جاء فيما يتعلق بالدهر والأبد، فإن الباب الذي نبدأ به الآن مقدم على الباب أو الفصل الذي قرأناه بالأمس، باب النهي عن صيام الدهر، ثم يأتي بعد ذلك ذكر الاختلاف على خبر عطاء فيه، فيكون فيه الضمير يرجع إلى الدهر الذي مر في الباب.
والمقصود بالنهي عن صيام الدهر كما عرفنا من قبل، أي: ذمه، وأنه مذموم، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء عنه ما يدل على ذمه، وعرفنا السبب في ذلك، وهو ما يترتب عليه من إضعاف النفس وإنهاكها، وعدم قيام الإنسان بما هو مطلوب منه، وبما ينبغي له أن يقوم به، وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم، في بعض الأحاديث المتعلقة بهذا ستأتي: (إن لعينك عليك حقاً، وإن لأهلك عليك حقاً، وإن لضيفك عليك حقاً، وإن كذا..)، ومن المعلوم أنه إذا حصل صوم الدهر بصفة دائمة، وقيام الليل بصفة دائمة فإن العين تتأثر، وكذلك الأهل لهم حق، ولا يحصل لهم ذلك مع الصيام، وكذلك الضيوف وما إلى ذلك، فالإنسان لا ينشط لاستقبالهم، ولإكرامهم، وللأكل معهم وما إلى ذلك، فيكون فيه محاذير، ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم جاء عنه ما يدل على عدم صيام الدهر، بل جاء عنه ما يدل على أن الإنسان إذا عمل أعمالاً هي قليلة، ولكن الإنسان يداوم عليها، تكون بمثابة صيام الدهر، ومن ذلك الصيام ثلاثة أيام من كل شهر، فإن فيها صيام الدهر؛ لأن اليوم بعشرة أيام، والحسنة بعشر أمثالها، فيكون كصيام الدهر، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، ما يدل على ذلك، وأن هذا كصيام الدهر، ثم جاء: (من صام رمضان وأتبعه ستة من شوال، فكأنما صام الدهر)، فيكون الإنسان يصوم الدهر مرتين، إذا صام رمضان وأتبعه ستة من شوال، وصام ثلاثة أيام من كل شهر، يكون حصل منه أمور تؤدي المطلوب من صيام الدهر، وذلك بحصول الأجر؛ لأن الحسنة تكون بعشر أمثالها، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، اليوم عن عشرة أيام، فيكون الإنسان كأنه صام الدهر، كما جاء ذلك مبيناً في بعض الأحاديث التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: (يا رسول الله، إن فلاناً لا يفطر نهاراً الدهر)، أي: دائماً صائم، فقال عليه الصلاة والسلام: (لا صام ولا أفطر)، وقد عرفنا أن معناه: أنه ما صام الصيام المشروع، ولا أفطر الإفطار الذي يحصل به ترويح للنفس، وتمكينها من أداء الحقوق المترتبة عليها، أو أنه دعاء عليه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، والاحتمالان يدلان على ذم صيام الدهر، وقد مر ذكر صيام الأبد، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال عمن صام الأبد: (لا صام ولا أفطر)، والأبد هو: الدهر، والكلام هنا كالكلام الذي مر، وهذا هو حاصله.
تراجم رجال إسناد حديث: (يا رسول الله! إن فلاناً لا يفطر نهاراً الدهر قال: لا صام ولا أفطر)
شرح حديث: (ذكر عنده رجل يصوم الدهر، قال: لا صام ولا أفطر) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده
شرح حديث: (قال في صوم الدهر: لا صام ولا أفطر) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده
حديث: (يا نبي الله! هذا لا يفطر منذ كذا وكذا، قال: لا صام ولا أفطر) من طريق رابعة وتراجم رجال إسناده
شرح حديث: (... وسئل عمن صام الدهر فقال: لا صام ولا أفطر...)
تراجم رجال إسناد حديث: (... وسئل عمن صام الدهر، فقال: لا صام ولا أفطر...)