إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. عبد المحسن العباد
  5. سلسلة شرح سنن النسائي
  6. كتاب الأشربة
  7. شرح سنن النسائي - كتاب الأشربة - تابع باب ذكر الأخبار التي اعتل بها من أباح شراب السكر

شرح سنن النسائي - كتاب الأشربة - تابع باب ذكر الأخبار التي اعتل بها من أباح شراب السكرللشيخ : عبد المحسن العباد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • حرم الإسلام الخمر، سواء كان من التمر أو العنب أو الزبيب، وبيّن أن ما أسكر كثيره فقليله حرام، أما النبيذ فرخص فيه إذا انتبذ ثم شرب من الغد.

    شرح حديث: (... سبق محمد الباذق وما أسكر فهو حرام)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا قتيبة عن سفيان عن أبي الجويرية الجرمي قال: ( سألت ابن عباس رضي الله عنهما وهو مسند ظهره إلى الكعبة عن الباذق؟ فقال: سبق محمد الباذق، وما أسكر فهو حرام )، قال: أنا أول العرب سأله ].

    قد ذكر النسائي في الباب، وهو ذكر الأخبار التي اعتل بها من أباح السكر، ذكر جملة أحاديث، ومنها هذا الحديث، حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، أن أبا الجويرية الجرمي سأل ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وهو مسند ظهره إلى الكعبة، قال: (سأله عن الباذق)، وهو نوع من النبيذ، وهو الذي يقال له الطلاء، وقد مر فيما مضى، وسيأتي في ترجمة خاصة، فقال: ( سبق محمد صلى الله عليه وسلم الباذق )، يعني: أن الرسول عليه الصلاة والسلام قد جاء بالنصوص المستوعبة للحوادث والقضايا التي تجد، وأنه ما من أمر يجد ويكون له اسم سواءً كان معروفاً من قبل أو غير معروف من قبل إلا وفي نصوص الشرع وفي قواعد الشرع ما يستوعبه وما يشمله؛ لأن الشريعة كاملة تتسع لاستيعاب الحوادث والأمور التي تجد والنوازل التي تقع؛ وذلك لأن الشريعة جاءت بنصوص خاصة وبنصوص عامة، فالنصوص العامة فيها العموم والشمول ودخول ما هو موجود وما لم يوجد، ولكنه يطابق ويندرج تحت ذلك اللفظ العام، وكذلك أيضاً من حيث قواعد الشرع، وكذلك من حيث القياس، وإلحاق المثيل بالمثيل، والشبيه بالشبيه إلى غير ذلك من الأمور التي يتضح بها استيعاب الشريعة للحوادث والنوازل التي تقع.

    وقوله: ( سبق محمد الباذق )، يعني: أنه قد جاء عنه نصوص تشمل هذا الذي هذا اسمه، وغير ذلك مما جد ومما سيجد، وهذه العبارة مثل الحديث الذي فيه، حديث سلمان: ( أخبركم نبيكم عن كل شيء حتى الخراءة؟ قال: نعم، ثم ذكر أنه نهانا عن الاستنجاء برجيع أو عظم، وأن يمس الإنسان ذكره بيمينه ويستنجي بيمينه )، وذكر أموراً تتعلق بقضاء الحاجة، وأن الشريعة جاءت بذلك، وكذلك الحديث الذي يقول فيه الصحابي: ( توفي رسول الله عليه الصلاة والسلام وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا وأعطانا منه علماً؛ وذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير فهو حرام )، أتى بهذا الكلام العام الذي يندرج تحته كل ما كان من هذا القبيل، وما لم يكن من هذا القبيل فإنه يكون بخلاف ذلك، فهذه من النصوص العامة التي جاءت عن الرسول صلى الله عليه وسلم.

    قال: ( سبق محمد الباذق وما أسكر فهو حرام ) يعني: هذا مما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما أسكر فهو حرام)، سواء مما عرف اسمه، أو مما لم يعرف اسمه، وكذلك ما عرفت مادته وما لم تعرف مادته، (كل ما أسكر فهو حرام)، هذه قاعدة من قواعد الشرع، وهذا نص عام من نصوص الشرع يستوعب كل شيء وجد منه الإسكار، مما هو معروف للناس من قبل، ومما هو غير معروف لهم، ويدخل في ذلك ما كان سائلاً وما كان جامداً، وما كان من أشياء معروفة أو أشياء لا تعرف، كلما وجد الإسكار وجدت الحرمة؛ لأن الحكم أنيط بالإسكار.

    قال: (أنا أول العرب سأله) يعني: سأل ابن عباس ، ولعله سأله عن هذا الموضوع أو سأله في ذلك المجلس الذي كان جالساً ومسنداً ظهره إلى الكعبة رضي الله تعالى عنه.

    قوله: (مسند ظهره إلى الكعبة)، يعني: يدل على أن مثل ذلك جائز، وأنه ليس فيه امتهان أو إهانة، نعم، إذا وجد قصد الإهانة هذا هو الذي يكون معه التحريم، أما إذا لم يوجد شيئاً من ذلك فهذا يدل على الجواز.

    ومد القدمين أو الرجلين، عندما يكون الإنسان في الصف وعلى يمينه رجال وعلى يساره رجال، وهو بحاجة إلى أن يمد رجليه فلا بأس بذلك.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... سبق محمد الباذق وما أسكر فهو حرام)

    قوله: [أخبرنا قتيبة].

    هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن سفيان ].

    هو ابن عيينة المكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن أبي الجويرية ].

    هو: أبو الجويرية الجرمي ، وهو: حطان بن خفاف ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي.

    [ عن ابن عباس ].

    هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وهم: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو ، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    دلالة قوله: (وما أسكر فهو حرام)

    قوله: (وما أسكر فهو حرام)، يعني: معناه الذي لا يسكر فإنه يكون حلالاً، ومعناه: أن الشيء الذي يسكر هو الحرام، وما كان قليلاً لا يسكر فإنه لا يكون حراماً، لكن هذا اللفظ أو هذا الاستنتاج أو هذا الفهم يقابله نص خاص، وهو (ما أسكر كثيره فقليله حرام)، يعني: القليل الذي لا يسكر يكون حراماً؛ لأنه وسيلة إلى الأمر المحرم، ولأن الكثرة إنما جاءت ببناء الشيء بعضه على بعض؛ لأن الكثير أجزاء، وإذا كان المقدار الذي هو الشربة الثالثة تسكر فإن الثالثة مبنية على الأولى والثانية، وليس في الثالثة وحدها؛ لأنه لو كان المقصود به مقدار الثالثة ما حصل الإسكار، لكن الإسكار حصل بالمجموع، وعلى هذا فالتحريم أو المعنى واضح من جهة أن فيه ذريعةً ووسيلةً وشرب القليل يؤدي إلى شرب الكثير المسكر، والأمر الثاني: أن الكثير أو الشربة الثالثة مبنية على ما سبقها من أولى وثانية، وليس من الثالثة وحدها، بل منها مضمومة إلى ما تقدمها من الأولى والثانية.

    شرح أثر ابن عباس: (من سره أن يحرم إن كان محرماً ما حرم الله ورسوله فليحرم النبيذ)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا أبو عامر والنضر بن شميل ووهب بن جرير قالوا: حدثنا شعبة عن سلمة بن كهيل أنه قال: سمعت أبا الحكم يحدث، قال ابن عباس رضي الله عنهما: من سره أن يحرم إن كان محرماً ما حرم الله ورسوله فليحرم النبيذ ].

    أورد النسائي أثر ابن عباس رضي الله تعالى عنه: من سره أن يحرم إن كان محرماً ما حرم الله ورسوله فليحرم النبيذ، المقصود من ذلك النبيذ الذي يكون في الجرار التي جاء فيها النص، كالدباء والحنتم والنقير والمزفت.. وما إلى ذلك، هذا هو المقصود، وهو الذي جاء عن ابن عباس في طرق كثيرة أنه نهى عن ذلك، وذلك لما يؤدي إليه من الإسكار، ولكن قد عرف أن الانتباذ في تلك الأوعية لا بأس به، لكن بشرط أن لا يشرب الناس مسكراً.

    تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس: (من سره أن يحرم إن كان محرماً ما حرم الله ورسوله فليحرم النبيذ)

    قوله:[ أخبرنا إسحاق بن إبراهيم ].

    هو: إسحاق بن إبراهيم بن راهويه، ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو محدث فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.

    [أخبرنا أبو عامر ].

    هو أبو عامر العقدي، وهو: عبد الملك بن عمرو ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ والنضر بن شميل ].

    و النضر بن شميل، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ ووهب بن جرير ].

    وهو: وهب بن جرير بن حازم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ حدثنا شعبة ].

    هو شعبة بن الحجاج الواسطي، ثم البصري ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [عن سلمة بن كهيل ].

    وهو أيضاً ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن أبي الحكم ].

    هو عمران بن الحارث السلمي، وهو ثقة أخرج حديثه مسلم والنسائي .

    [ عن ابن عباس ].

    وقد مر ذكره.

    شرح أثر ابن عباس: (اجتنب ما أسكر من تمر أو زبيب أو غيره)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد بن نصر حدثنا عبد الله عن عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه أنه قال: قال رجل لـابن عباس : إني امرؤ من أهل خراسان وإن أرضنا أرض باردة، وإنا نتخذ شراباً نشربه من الزبيب والعنب وغيره، وقد أشكل علي فذكر له ضروباً من الأشربة فأكثر حتى ظننت أنه لم يفهمه، فقال له ابن عباس : إنك قد أكثرت علي، اجتنب ما أسكر من تمر أو زبيب أو غيره ].

    أورد النسائي أثر ابن عباس رضي الله عنه لما جاءه ذلك الرجل من خراسان، وسأله، وذكر له جملةً من الأشربة وأكثر عليه، حتى ظن من سمعه أنه لم يفهمه لكثرة ما يلقي عليه، ولكنه بعد ذلك أعطاه قاعدةً عامةً، قال: (اجتنب ما أسكر من تمر أو زبيب أو غيره)، مادام أنه يسكر اجتنبه، والذي لا يسكر لا بأس به.

    تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس: (اجتنب ما أسكر من تمر أو زبيب أو غيره)

    قوله: [أخبرنا سويد بن نصر ].

    هو سويد بن نصر المروزي ، ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي .

    [ حدثنا عبد الله ].

    هو ابن المبارك المروزي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن عيينة بن عبد الرحمن ].

    هو عيينة بن عبد الرحمن بن جوشن ، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن.

    [ عن أبيه].

    وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن.

    [ عن ابن عباس ].

    وقد مر ذكره.

    شرح أثر ابن عباس: (نبيذ البسر بحت لا يحل )

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو بكر بن علي حدثنا القواريري حدثنا حماد حدثنا أيوب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: نبيذ البسر بحت لا يحل ].

    أورد النسائي أثر ابن عباس: نبيذ البسر بحت لا يحل، بحت يعني: خالص، يعني: وحده ليس معه شيء، وهذا من جنس النصوص التي سبق أن مرت، يعني: نهى نبيذ البسر وعن نبيذ التمر ونبيذ البلح ونبيذ كذا، وإذا كان مخلوطاً مع غيره، وإذا كان وحده، وقد عرفنا أن الحكم في ذلك هو المنع من كل ما وصل إلى حد الإسكار وإجازة كل شيء لم يصل إلى حد الإسكار.

    تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس: (نبيذ البسر بحت لا يحل )

    قوله: [أخبرنا أبو بكر بن علي ].

    هو أحمد المروزي، ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.

    [حدثنا القواريري ].

    هو عبيد الله بن عمر ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي .

    [ حدثنا حماد ].

    هو ابن زيد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [حدثنا أيوب ].

    هو: أيوب بن أبي تميمة السختياني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن سعيد بن جبير ].

    سعيد بن جبير ، ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن ابن عباس ].

    ابن عباس وقد مر ذكره.

    قوله: نبيذ البسر بحت لا يحل.

    الكلام على نبيذ البسر عند السندي

    يعني: هذا ليس بواضح الدلالة على الترجمة؛ لأن هذا إذا أريد به ما جاء عن ابن عباس وعن غيره الانتباذ في تلك الأوعية فلا يحل من أجل ما يخشى من أن يتبادر إليه الإسكار، ولكن عرفنا بأنه نسخ ذلك، وأن المقصود منه ما كان يسكر، وأما ما لا يسكر فالذي هو في آخر الأمر جوازه، فهو ليس بواضح الدلالة على قضية الإباحة بالنسبة لهم، مثلما جاء فيما نهى عن نبيذ الحنتم، والمزفت، والمقير، وكذا إلى آخره، هذا من جنسه.

    يعني: كأن المقصود كونه (بحت)، يعني: إن وجد خالصاً، وأن كتابتها بغير ألف ليس بصحيح، بل الصحيح كونها بألف وأنها تكون بحتاً يعني: خالصاً، يعني: حالة كونه كذا.

    وقول السندي في الشرح: (ومحمله المسكر والكائن في الأوعية المعلومة). معناه أن المسكر وحتى غير المسكر، ما دام الأوعية منع من الانتباذ فيها ولو لم تسكر، وذلك لأنها وسيلة للإسكار دون أن يعرف الإسكار، ولكنه بعد ذلك نسخ كما عرفنا، لكن الأمر الذي استقر هو المسكر، يعني: الإسكار هو الذي يكون مع تحريم، وبدون الإسكار يحل ولو انتبذ في أي وعاء، سواءً كان غليظاً أو رقيقاً كالجلود والأسقية.

    البسر: طلع النخل قبل أن يزهي، قبل أن يكون زهواً مادام أخضر، سبق أن مر بنا أنه يكون بسراً ويكون زهواً، ويكون مذنباً بعضه أرطب وبعضه ما أرطب، ورطب وتمر.. كل هذه تتعلق بالنخل.

    شرح أثر ابن عباس: (أنه جاءته امرأة تسأله عن نبيذ الجر فنهى عنه...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال: أخبرنا محمد بن بشار قال: حدثنا محمد قال: حدثنا شعبة عن أبي جمرة أنه قال: كنت أترجم بين ابن عباس وبين الناس، فأتته امرأة تسأله عن نبيذ الجر، فنهى عنه، قلت: يا أبا عباس إني أنتبذ في جرة خضراء نبيذاً حلواً فأشرب منه فيقرقر بطني، قال: لا تشرب منه، وإن كان أحلى من العسل ].

    أورد النسائي الأثر عن ابن عباس : [أنه جاءته امرأة تسأله عن نبيذ الجر، فنهى عنه، قلت: يا أبا عباس إني أنتبذ في جرة خضراء نبيذاً حلواً فأشرب منه فيقرقر بطني، قال: لا تشربه]، يعني: أنه داخل ضمن كون الرسول نهى عن الدباء والحنتم الذي هو الجرار الخضر، والمزفت والمقير والنقير، وقد عرفنا فيما مضى أنه احتمال أن يسارع إليه الإسكار دون أن يعلم، ولكنه بعد ذلك نسخ كما جاء في حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه، وهو غير واضح الدلالة على الترجمة.

    قوله: (فيقرقر بطنه)، معناه يطلع له صوت، يعني: الصوت الذي في الأمعاء هذه هي القرقرة، وهي سماع صوت لجريان الشيء في الأمعاء.

    تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس: (أنه جاءته امرأة تسأله عن نبيذ الجر فنهى عنه...)

    قوله: [أخبرنا محمد بن بشار ].

    محمد بن بشار، هو: الملقب بندار ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة.

    [حدثنا محمد ].

    هو محمد بن جعفر، الملقب غندر ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [حدثنا شعبة عن أبي جمرة ].

    شعبة مر ذكره، وأبو جمرة ، هو: نصر بن عمران الضبعي ، وهو ثقة: أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن ابن عباس ].

    وقد مر ذكره.

    ويذكر أنه ليس هناك في الصحابة من كنيته أبو العباس إلا عبد الله بن عباس هذا، وإلا سهل بن سعد الساعدي ، فإن هذين يقال لهما أبو العباس، وقال بعض أهل العلم: أنه ليس في الصحابة من يكنى أبو العباس إلا هذين.

    شرح حديث: (... وأنهاكم عن أربع: عما ينبذ في الدباء والنقير والحنتم والمزفت)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال: أخبرنا أبو داود قال: حدثنا أبو عتاب وهو سهل بن حماد قال: حدثنا قرة قال: حدثنا أبو جمرة نصر قال: ( قلت لـابن عباس رضي الله عنهما: إن جدة لي تنبذ نبيذاً في جر أشربه حلواً، إن أكثرت منه فجالست القوم خشيت أن أفتضح، فقال: قدم وفد عبد القيس على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: مرحباً بالوفد ليس بالخزايا ولا النادمين، قالوا: يا رسول الله إن بيننا وبينك المشركين، وإنا لا نصل إليك إلا في أشهر الحرم، فحدثنا بأمر إن عملنا به دخلنا الجنة وندعو به من وراءنا، قال: آمركم بثلاث وأنهاكم عن أربع؛ آمركم بالإيمان بالله، وهل تدرون ما الإيمان بالله؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأن تعطوا من المغانم الخمس، وأنهاكم عن أربع: عما ينبذ في الدباء والنقير والحنتم والمزفت ) ].

    أورد النسائي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه وفد عبد القيس.

    يقول: [كانت جدة لي تنبذ نبيذاً في جرة فأشربه حلواً، إن أكثرت منه فجالست القوم خشيت أن أفتضح]، يعني: أنه يظهر فيه مبادئ إسكار، [فخشيت أن أفتضح]، يعني: يظهر عليه شيء يدل على الإسكار أو مبادئ الإسكار، فأخبره بأن الرسول صلى الله عليه وسلم جاءه وفد عبد القيس، وهذا فيه أنه عند ذكر السؤال أو الاستفتاء يؤتى بالحديث أو يؤتى بالدليل، وهذا مما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، كانوا إذا سئلوا أجابوا بالأثر، يعني: فيقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، والجواب موجود ضمن قول الرسول صلى الله عليه وسلم، فيكون بذلك أعطاه الحكم والدليل، بهذه الطريقة اختصر الطريق، بدل ما يقول له ما هو الدليل، وأعطاه الدليل، أعطاه الحكم، وهو الدليل المشتمل على الحكم. فجاءه وفد عبد القيس، ووفد عبد القيس من ربيعة، وكانوا في البحرين، يعني: كان هذا في أول الهجرة، أول ما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.

    [فقالوا: يا رسول الله إن بيننا وبينك المشركين، ولا نستطيع أن نصل إلا في الأشهر الحرم]، يعني: لا نصل إليك إلا في الشهر الحرام، وذلك أن الكفار يعظمون الأشهر الحرم، ولا يحصل منهم الأشياء التي تحصل في غير الأشهر الحرم؛ لأن عندهم لها احترام، فكانوا ينتهزون هذه الفرصة وهي وجود الأشهر الحرم حتى لا يؤذيهم أحد من المشركين، وسألوا الرسول صلى الله عليه وسلم [أن يأمرهم بأمر إذا عملوا به دخلوا الجنة، ويدعون من وراءهم]، وهذا يبين لنا ما كان عليه أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام من الحرص على معرفة الحق، والحرص على العمل به، والحرص على الدعوة إليه؛ لأن هذا مشتمل على الأمور الثلاثة؛ لأن معرفة الحق كونهم طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يأمرهم بأمر، وهذا الأمر الذي يأمرهم به إذا عملوه دخلوا الجنة، فهذا فيه العلم أولاً ثم العمل ثانياً، ثم قال: وندعو إليه من وراءنا، بأن نبلغه الناس الذين جئنا منهم حتى يستفيدوا كما استفدنا.

    فهذه الأمور الثلاثة اشتمل عليها الحديث، وهي: العلم والعمل بالعلم، والدعوة إلى العلم أو إلى الحق والهدى، حيث قال: [نعمل به وندعو به من وراءنا]، وكذلك أيضاً فيه حرص الصحابة على معرفة الأسباب التي توصل إلى الجنة وتبلغ الإنسان إلى الجنة، ولهذا قالوا: إذا عملنا به دخلنا الجنة.

    وهذا فيه دليل على بطلان ما يحصل من بعض المتصوفة الذين يقولون: إنهم ما يعبدون الله رغبة في الجنة ولا خوفاً من النار، وإنما يعبدونه شوقاً إليه، فإن هؤلاء أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم يقولون: إذا عملنا به دخلنا الجنة، فهم يبحثون عن شيء يدخل الجنة، وإبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام يقول: وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ [الشعراء:85].

    فإذاً: هذا الكلام وهذه المناهج الجديدة والطرق الجديدة المحدثة التي ليست هي طريق خير هذه الأمة الذين هم الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، كما قال ذلك مالك بن أنس إمام دار الهجرة رحمة الله عليه، لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.

    فإذاً: الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم كانوا يسألون عن الأعمال التي توصل إلى الجنة، ويبحثون عن الجنة، ويعبدون الله رغبةً في الجنة، ومن المعلوم أنهم يحبونه ويعظمونه ويعبدونه، ولكن كونهم يطلبون ويسألون الجنة شرع الله لهم ذلك، يعني: شرع لهم أن يدخلوا الجنة ويتعوذوا من النار: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201].

    قوله: (آمركم بثلاث وأنهاكم عن أربع، آمركم بالإيمان بالله وحده، أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: أن تشهدوا أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وأن تؤدوا الخمس من المغنم)، فهذه الثلاث التي حصل الأمر بها يمكن أن يكون المقصود بها الثلاثة التي هي إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وتأدية الخمس من المغنم، على اعتبار أن تلك هي الأصل التي هي الشهادة، ويمكن أن يكون المقصود الشهادة والأولى والثانية معها التي هي إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، التي هي ثابتة ومستقرة، وأما تلك فإنما تأتي بالمناسبة التي هي تأدية الخمس من المغنم، يعني: مع الجهاد في سبيل الله عز وجل، إذا وجد الجهاد ووجدت المغانم فإنهم يؤدون الخمس من المغانم.

    وهذا فيه دليل على دخول الأعمال في مسمى الإيمان؛ لأنه فسر الإيمان بأمور ظاهرة، وهذا لا ينافي ما جاء في حديث جبريل الذي فيه تفسير الإيمان بأنه (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسوله واليوم الآخر والقدر خيره وشره)، وكلها أمور باطنة؛ لأنه في حديث جبريل ذكر الإيمان وفسره بالأمور الباطنة، وذكر الإسلام وفسره بالأمور الظاهرة، وأما هنا جاء مستقلاً ليس مقروناً، الذي هو الإيمان ليس مقروناً بالإسلام، ومن المعلوم أن الإسلام والإيمان من الألفاظ التي إذا جمع بينها في الذكر فرق بينها في المعنى، وإذا أفرد أحدهما عن الآخر اتسع للمعاني التي وزعت عند الاجتماع بأن يشمل الأمور الظاهرة والباطنة، فإن الإسلام عندما يأتي إطلاقه ليس مقروناً معه الإيمان يدخل فيه الأمور الظاهرة والباطنة: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا [آل عمران:85]، إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ [آل عمران:19]، يفهم بذلك الظاهر والباطن، الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسوله، وشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وغير ذلك الأمور الظاهرة والباطنة، ولكن يفرق بين الظاهرة والباطنة إذا ذكر الإيمان والإسلام، فيفسر الإيمان بما يناسبه وهو من الأمور الباطنة، ويفسر الإسلام بما يناسبه وهو الأمور الظاهرة، لأن المعنى اللغوي للإيمان وللإسلام، الإيمان يتعلق بالقلب في الأصل، والإسلام يتعلق بالجوارح، لكن عندما ينفرد أحدهما عن الآخر يتسع استيعاب الأمور الظاهرة والأمور الباطنة.

    ثم قال: (وأنهاكم عن أربع: عن الانتباذ في الدباء والنقير والحنتم والمزفت)، هذه أربع، يعني: أوعية نهى عن الانتباذ بها، وهذا نسخ كما عرفنا في حديث بريدة بن الحصيب : ( كنت نهيتكم عن الانتباذ في أوعية فانتبذوا في كل وعاء، ولا تشربوا مسكراً ).

    تراجم رجال إسناد حديث: (... وأنهاكم عن أربع: عما ينبذ في الدباء والنقير والحنتم والمزفت)

    قوله: [أخبرنا أبو داود ].

    هو سليمان بن سيف الحراني ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.

    [ حدثنا أبو عتاب وهو سهل بن حماد ].

    أبو عتاب، وهو: سهل بن حماد ، وهو صدوق أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن.

    [ حدثنا قرة ].

    هو قرة بن خالد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ حدثنا أبو جمرة عن ابن عباس ].

    وقد مر ذكرهما.

    وممن روى عن ابن عباس أبو حمزة وهو القصاب ، وأبو جمرة وأبو حمزة بينهما اشتباه، يعني: في الرسم والشكل، وإنما الفرق بالنقط، يعني: هذا جمرة وهذا حمزة ، أبو جمرة وأبو حمزة ، فكل منهما يروي عن ابن عباس ، وأبو جمرة هو الذي يروي عنه حديث وفد عبد القيس، وأبو حمزة القصاب هو الذي يروي عنه حديث: ( لا أشبع الله بطنك ) في قصة معاوية الذي رواه مسلم في صحيحه، فإن مثل هذه الألفاظ من المؤتلف والمختلف، وهي الاتفاق في الرسم والشكل، واختلاف في النقط أو النطق، يعني: بحيث يكون مثل عقيل وعقيل، يعني: هذه بالشكل، وجمرة وحمزة بالنقط.

    شرح حديث ابن عباس في النهي عن النبيذ إذا غلى وسكن

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال: أخبرنا سويد قال: أخبرنا عبد الله عن سليمان التيمي عن قيس بن وهبان أنه قال: سألت ابن عباس رضي الله عنهما قلت: إن لي جريرة أنتبذ فيها حتى إذا غلى وسكن شربته، قال: مذ كم هذا شرابك؟ قلت: مذ عشرون سنة أو قال: مذ أربعون سنة، قال: طالما تروت عروقك من الخبث ].

    قوله: (غلي) بالمقصورة ليس غلا، وغلى يغلي، وذاك غلا يغلو، إذا كانت بالألف غلا، تصير غلا يغلو من الغلو واوية، وأما إذا كانت يائية أي: من الغليان غلى يغلي، فهي غلى بالياء، إذا كانت أصلها واو تكون بالألف، مثل غلا، يعني: لام ألف، وأما إذا كانت ياء، تصير لام ياء، يعني: غلى، وهذا كثير مثل سما يسمو، ونبا ينبو، وعلا يعلو، بخلاف رقى يرقي، وغلى يغلي.

    قال: مذ كم هذا شرابك؟ قلت: مذ عشرون سنة.

    قوله: (طالما تروت)، يعني: هذه المدة الطويلة وعروقك تتروى من الخبث، هذا الذي إذا غلى هذه علامة الإسكار، إذا غلى واشتد وقذف به الزبد قالوا: هذه علامة الإسكار.

    قال: قيس بن وهبان قلت: سألت ابن عباس رضي الله عنهما قلت: إن لي جريرة أنتبذ فيها.

    جريرة تصغير جرة، (إذا غلى وسكن شربته)، يعني: معناه أنه وصل إلى حد الإسكار، أو قارب الإسكار؛ لأن الغليان هي علامة الإسكار، (قال: هذا الشراب الذي تشربه منذ كم سنة؟ قال: منذ عشرون أو أربعون، قال: طالما تروت عروقك من الخبث)، يعني: هذه المدة الطويلة وأنت تستعمل فيها هذا الخبيث، معناه أن ذلك لا يسوغ ولا يجوز، وقد مر أن الجرة واتخاذ الجرار أن ذلك محرم؛ لأنه يبادر إليه الإسكار ولا ينتبه له بخلاف الأسقية التي يطفو على جلودها وعلى ظهورها من الخارج إذا حصل شيء في داخلها، وقد أوكي عليها، فإنه يتبين، بخلاف تلك فإنها قد تسكر ولا يتبين، لكن ذلك نسخ.

    تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في النهي عن النبيذ إذا غلى وسكن

    قوله:[ أخبرنا سويد قال: أخبرنا عبد الله عن سليمان التيمي ]

    سليمان بن طرخان التيمي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن قيس بن وهبان ].

    قيس بن وهبان ، وهو مقبول أخرج حديثه النسائي وحده.

    [ عن ابن عباس ].

    وقد مر ذكره.

    يعني: الإسناد فيه المقبول هذا، لكن كما هو معلوم معناه متفق مع النصوص الأخرى التي فيها النهي عن الانتباذ في الجرار.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088785470

    عدد مرات الحفظ

    779032537