الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل.
وبعد:
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب: التغليظ في المرور بين يدي المصلي.
حدثني بسر بن سعيد أن زيد بن خالد الجهني أرسله إلى أبي جهيم رضي الله عنه يسأله: ماذا سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم في المار بين يدي المصلي؟ قال أبو جهيم : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن يمر بين يديه ) قال أبو النضر : لا أدري قال: أربعين يوماً أو شهراً أو سنة؟ ]
هذا الحديث متفق عليه.
منها المسألة الأولى: عظم خطورة المرور بين يدي المصلي، يعني: أنه لا بد أن يكون بين المصلي وبين القبلة سترة، وهذا يدل على أن المار قد وقع في إثم لكن هل هذه تعد كبيرة؟
المعروف عن كثير من السلف كما روي عن ابن عباس وهو قول سفيان الثوري وهو مذهب الإمام أحمد و أبي العباس بن تيمية أن كل ما ختم الله سبحانه وتعالى فيه من الوعيد بلعنة أو غضب أو نار فإن ذلك يعد كبيرة، وهذا هو مذهب الشافعية أيضاً، وعلى هذا فإنه جاء في غير رواية الصحيحين: ( ماذا عليه من الإثم ) وهذا يدل على أنها كبيرة، وبعضهم يقول: إنها ما زالت صغيرة لأنه لم يحدد ذاك الإثم، والذي يظهر والله أعلم أنه قد وقع في جرم عظيم، ولا أدل على ذلك من أنه يقاتل كما جاء في حديث أبي سعيد وغيره: ( إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليمنعه، فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان ).
الحالة الأولى: إذا لم يكن بين المصلي وبين القبلة سترة فهل يمنع من المرور لأنه هو الذي لم يؤد ذلك الواجب؟ الذي يظهر أنه لا يحق للمار أن يمر قبل مسافة ثلاثة أذرع من أصل رجل المصلي؛ وذلك لأن هذه المسافة حقه، وقد استدل العلماء على ذلك بما جاء في حديث ابن عمر أنه سأل بلال بن رباح : (أخبرني عن مكان صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في جوف الكعبة؟ فقال: هنا، قال
الحالة الثانية: إذا وضع المصلي سترة بعد أكثر من ثلاثة أذرع، فهل يحق للمار أن يمر بين الثلاثة أذرع وبين السترة؟ الذي يظهر أن له ذلك؛ لأنه ليس للمصلي حق فيما زاد على ثلاثة أذرع.
وقال بعضهم: ليس للمصلي حق فيما زاد على موضع الجبهة؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها)، وقد كان بين مصلاه وبين القبلة ممر شاة، ومعنى مصلاه: موضع سجوده، وأنت ترى أنه إذا كان بين موضع سجوده وبين القبلة ممر شاة فإن الذي يظهر أن ما بين قدميه إلى السترة ثلاثة أذرع وهذا حق للمصلي، وما زاد فليس له حق فيه هذا أظهر والله أعلم.
الحالة الثالثة: أن المرور بين يدي المصلي ولو وضع سترة موضع النقاش فيها إذا أمكن للمار أن يجد طريقاً غير هذا، فأما إذا لم يجد طريقاً غير هذا فإنه يرفع عنه الإثم؛ لأن غاية الواجبات تسقط مع العجز وعدم الإمكان، مثل الذين يصلون في صحن الحرم، فالراجح أنه ليس لخصوصية الحرم وإنما لخصوصية الزحام، فدل ذلك على أنه متى ما وجد زحام ولو في غير الحرم لدخل في حكمه، والله أعلم.
وعلى هذا: فإن كان المصلي قد صلى في مكان يشق على المارة أن يمتنعوا من المرور وهو قادر على أن يصلي في غيره فهو آثم والمار غير آثم، فإن لم يجد مكاناً إلا ذاك جاز للمار المرور وجاز للمصلي الصلاة، والله أعلم.
عن أبي صالح السمان قال: عن أبي سعيد رضي الله عنه يصلي يوم الجمعة إلى شيء يستره من الناس، إذ جاء رجل شاب من بني أبي معيط أراد أن يجتاز بين يديه فدفع في نحره، فنظر فلم يجد مساغاً إلا بين يدي أبي سعيد ، فعاد فدفع في نحره أشد من الدفعة الأولى، فمثل قائماً فنال من أبي سعيد ثم زاحم الناس فخرج، فدخل على مروان فشكر إليه ما لقي، قال: ودخل أبو سعيد على مروان ، فقال له مروان : ما لك ولابن أخيك؟ جاء يشكوك. فقال أبو سعيد : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه في نحره، فإن أبى فليقاتله، فإنما هو شيطان ) ].
هذا الحديث متفق عليه.
وقد اختلف العلماء في قطع الصلاة بالمرور بين يدي المصلي إذا كان بين يديه سترة، وهذه المسألة حقيقة من أشكل مسائل العبادات؛ وذلك لأنه يشكل خلاف الصحابة في هذه المسألة، ومن الغرائب أن الترمذي حينما ذكر هذا الحديث أو غيره، قال: والعمل في هذا عند أكثر أهل العلم أنه يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب الأسود، فنسبه إلى جمهور أهل العلم، و الخطابي في معالم السنن حينما ذكر هذه المسألة وذكر حديث أبي سعيد : ( لا يقطع الصلاة شيء، وادرءوا ما استطعتم ) قال: والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم، فالمشكلة ما هو قول أكثر العلماء؛ ولهذا فالذي يظهر بمصطلح والله أعلم أن المسألة تشكل، وإن كان في الظاهر أن جمهور الصحابة على أنه لا يقطع الصلاة شيء.
فأنا أحب دائماً لطالب العلم أن يجعل همته في الاستنباط، وسبب قول العلماء في هذه المسألة، كما قال الإمام الذهبي : لا يكاد الحق يخرج عن قول جمهور أهل العلم، لا أقول: إن ذلك حجة ولكن أقول: لا يكاد يخرج الحق عنهم؛ ولهذا ينبغي لطالب العلم أن يتروى ثم يتأنى ثم يتعظ إن كان يريد مخالفة جمهور السلف، والله أعلم.
وعلى كل فإن مسألة قطع الصلاة مشكلة، فالحنابلة الذين يرون قطع الصلاة إنما يرون قطع الصلاة فقط بالكلب الأسود البهيم، ويخرجون المرأة لحديث عائشة ، والحمار لحديث الأتان الذي مر بين يدي الناس، وإن كان له تخريج وهو أنه مر بين يدي المصلين ولم يمر بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم.
على كل حال جمهور أهل العلم على أن المرأة والحمار لا يقطعان الصلاة، حتى عند المذهب، فهو قول الأئمة الأربعة في المشهور عنهم، وإنما الخلاف في الكلب الأسود البهيم، والخلاف معروف؛ ولهذا أنا دائماً لا أحبذ مخالفة جماهير السلف، والله أعلم.
عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه قال: ( كنا نصلي والدواب تمر بين أيدينا، فذكرنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: مثل مؤخرة الرحل تكون بين يدي أحدكم، ثم لا يضره ما مر بين يديه ) ].
هذا الحديث رواه مسلم في صحيحه.
وهذا الحديث يفيد أن السترة إنما وضعت لأجل أن لا ينشغل الإنسان بما وراء ذلك، ولأجل أن يحترم المار قدر المصلي، وهذا يفيد أنه لا ينبغي أن يشغل المصلي بشيء، ولذلك ذهب أهل العلم إلى أن السنة عدم السلام على المصلي، وذلك كما جاء في حديث جابر الذي فيه: ( إنك سلمت آنفاً وأنا أصلي ) وهو موجه وجهه قبل المشرق، يعني: أنه ما كان لك أن تسلم، يعني: ( إن في الصلاة لشغلاً )، كما جاء في حديث ابن مسعود في الصحيح، والله أعلم.
وقوله: ( مثل مؤخرة الرحل تكون بين يدي أحدكم، ثم لا يضره ما مر بين يديه ) وهذا يفيد أن مرور المار بين يدي المصلي حتى ولو قلنا لا يقطع الصلاة فإن فيها نقصاً والله أعلم؛ لأن عدم وجود السترة وحدوث المرور ضرر، وهذا يسمى: مفهوم المخالفة أو دليل الخطاب كما هو مذهب الجمهور في الجملة خلافاً لـأبي حنيفة.
عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج يوم العيد أمر بالحربة فتوضع بين يديه فيصلي إليها والناس وراءه، وكان يفعل ذلك في السفر فمن ثم اتخذها الأمراء)].
هذا الحديث متفق عليه.
المسألة الأولى: أنه لا بد للإنسان أن يضع بين يديه سترة، ولو غلب على ظنه أو تيقن أنه لم يمر أحد بين يديه؛ وذلك لأن وضع السترة سنة وهو قول عامة السلف والخلف، وإن كان ابن حزم أو بعض الظاهرية يرون وجوب ذلك وهو اختيار الشوكاني ، والذي يظهر والله أعلم أنه ليس بواجب؛ والصارف عن الوجوب أمور عدة هي:
الأول: أن الحكمة من وضعها معلومة، وهي قوله صلى الله عليه وسلم: ( مثل مؤخرة الرحل تكون بين يدي أحدكم، ثم لا يضره ما مر بين يديه )، هي لأجل أن لا يتضرر الإنسان إذا مر أحد بين يديه.
الثاني: أن السترة خارج الصلاة، وليست هي من شرطها وماهيتها، ومثل ذلك لا ينبغي أن يوجب إلا بشيء صريح، وهذه قرائن تفيد عدم الوجوب.
الثالث: أنه إن كانت الحكمة من ذلك عدم الانشغال فإن الإنسان إذا جلس أحد بعد السترة فإنه ربما ينشغل أكثر من انشغال المار؛ ولهذا فإن الذي يظهر هو عدم الوجوب، والله أعلم.
وأما أحاديث ( صلى يوم عيد إلى غير جدار ) أو غير ذلك فهذه لا تفيد شيئاً؛ لأن هذه الرواية فيها كلام عند أهل العلم.
وبعضهم يرى أن الحربة سنة وهذا ليس بصحيح، ولكن السنة هي وضع شيء مثل مؤخرة الرحل، وقد ذكر النووي أن مؤخرة الرحل قدرها ذراع أو ثلثي ذراع، والله أعلم.
عن ابن عمر رضي الله عنهما : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرض راحلته وهو يصلي إليها )
(يعرض) تأتي بفتح الياء وكسر الراء، وتأتي بالضم وتشديد الراء. ].
هذا الحديث متفق عليه.
وهل يصح أن تكون السترة إنساناً؟ الذي يظهر والله أعلم أنه لا بأس أن تكون السترة إنساناً شريطة أن لا يتكلم، وقد جاء في ذلك: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلى إلى نائم أو متحدث ) وهذا الحديث ضعيف، ويشهد لضعفه ما روي في خلاف ذلك كما جاء في حديث عتبان بن مالك كما في الصحيحين: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في بيت
وعلى هذا فلا حرج أن يعرض الإنسان دابته، والله أعلم.
عن عون بن أبي جحيفة : ( أن أباه رضي الله عنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبة حمراء من أدم، ورأيت
هذا الحديث متفق عليه.
استدل به بعض أهل العلم على عدة مسائل:
الذي يظهر والله أعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لبسه؛ لأنه من لبس الأعاجم الذي كانوا يضعون فيه الحرير، فإذا نهى عن لبسه لأن فيه الحرير فلا بأس. كما جاء ذلك في الحديث الآخر، والله أعلم.
المسألة الثانية: أن بعض أهل العلم استدل بأن النهي عن لبس الأحمر إنما إذا كان خالصاً، وأما إذا لم يكن خالصاً فإنه لا حرج، وقالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم لبس الحلة الحمراء، والحلة الحمراء هي المخططة اليمانية كما جاء في رواية البخاري قال: ( فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في حلة حمراء بردان إزار ورداء يمانيان ) والبرد والبردة لا تكون لوناً خالصاً بل مخططاً، وهذا اختيار ابن القيم في زاد المعاد.
وقال بعضهم: إن اللون الأحمر إذا كان مصبوغاً فإنه ممنوع، وأما إذا كان منسوجاً فلا حرج، كما أشار إلى ذلك بعض شراح الحديث، وقد أشار إلى ذلك الخطابي وغيره.
والذي يظهر والله أعلم أن لبس الأحمر للرجل لا بأس به، ولم يرد حديث بخصوصه.
ويفيد أيضاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ صلى ركعتين، والله أعلم.
عن أبي هريرة : عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( أنه نهى أن يصلي الرجل مختصراً ) ].
هذا الحديث متفق عليه.
والاختصار: أن يضع يديه على خصريه، والنهي إنما كان لأجل فعل اليهود، هذا الذي يظهر والله أعلم، وهل النهي في الصلاة وغيرها، أم هو في الصلاة فقط، الذي يظهر أن ذلك في الصلاة، وإن كان الأولى أيضاً تركه خارج الصلاة.
عن أبي هريرة رضي الله عنه: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في قبلة المسجد، فأقبل على الناس فقال: ما بال أحدكم يقوم مستقبل ربه فيتنخع أمامه؟ أيحب أحدكم أن يستقبل فيتنخع في وجهه؟ فإذا تنخع أحدكم فليتنخع عن يساره، تحت قدمه، فإن لم يجد فليقل هكذا ) ووصف القاسم فتفل في ثوبه ثم مسح بعضه على بعض. ].
هذا الحديث متفق عليه من حديث أبي هريرة ومن حديث أبي سعيد ، وإن كان ظاهر ما رواه أبو سعيد فيه خلاف في ألفاظه.
لكن هذا يفيد أنه لا يجوز أن يتنخع الإنسان قبل وجهه إذا كان يصلي؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن الله سبحانه وتعالى قبل المصلي، وجاء في حديث أبي ذر : ( إذا صلى أحدكم إلى القبلة فإن الله قبل وجه عبده ما لم يلتفت، فإذا صلى أحدكم فلا يلتفت ) وهذا يدل على أن الله قبل وجه عبده، فلا ينبغي له أن يتنخع أمامه، وإنما يتنخع تحت قدمه أو عن يساره.
وهذا يفيد أن الالتفات لحاجة لا حرج فيه، وهل معنى ذلك أن الإنسان له أن يتفل ولو كان في المسجد؟ لا، لا يتفل إذا كان في المسجد، والله أعلم.
ويدل الحديث على أن النخاعة طاهرة ولا إشكال في ذلك.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا تثاءب أحدكم في صلاته فليكظم ما استطاع، فإن الشيطان يدخل ).
وفي رواية: ( فليمسك بيده على فيه فإن الشيطان يدخل )].
هذا الحديث رواه مسلم وجاءت رواية عند البخاري و مسلم من حديث أبي هريرة : ( التثاؤب من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع )، وهذا متفق عليه.
بينت السنة مسائل كثيرة في مسألة التثاؤب منها:
أولاً: أن السنة أن يكظم ما استطاع، بأن لا يفتح فيه.
ثانياً: أنه لا فرق بين أن يضع اليمنى أم اليسرى، ( أن يضع يده على فيه، فإن الشيطان يدخل ).
ثالثاً: أنه لا يقول: هاه، ( فلا يقول أحدكم: هاه، فإن الشيطان يدخل ) وقوله: ( فلا يقول أحدكم: هاه ) ولو وضع يده على فيه؛ لأن ذلك نوع من الكسل والخمول، وقد تعوذ النبي صلى الله عليه وسلم من الكسل، كما في حديث أبي أمامة عند أهل السنن: ( اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن, وأعوذ بك من العجز والكسل )، وجاء في حديث سعد بن أبي وقاص عند البخاري : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول دبر كل صلاة: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن, والعجز والكسل )، وفي حديث ابن مسعود كما في الصحيحين: ( كان يقول إذا أصبح وإذا أمسى: أصبحنا وأصبح الملك لله، والحمد لله، ولا إله إلا الله وحده لا شريك له، اللهم إني أسألك خير ما في هذا اليوم وخير ما بعده، وأعوذ بك من شر ما في هذا اليوم وشر ما بعده، اللهم إني أعوذ بك من الكسل والهرم ).
عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه قال: ( رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يؤم الناس و
هذا الحديث متفق عليه.
وإن خيف أن يبول الطفل في المسجد فإذا كان قد وضع له حفاظة فلا حرج، أما إذا كان سيوسخ المسجد فإنه ينبغي أن يمنع.
عن معيقيب رضي الله عنه قال: ( ذكر النبي صلى الله عليه وسلم المسح في المسجد يعني: الحصى، قال: إن كنت لا بد فاعلاً فواحدة ) ].
هذا اللفظ رواه مسلم ، وعند البخاري : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الرجل يسوي التراب حيث يسجد: إن كنت لا بد فاعلاً فواحدة ) وهذا هو المراد، فإن بعض الناس إذا سجد في أماكن التراب تجده يمسح جبهته، وقد جاء حديث عند أحمد وغيره: ( أن من الجفاء مسح الأعضاء قبل تمام الصلاة )، وهذا الحديث وإن كان سنده ضعيف، لكن عليه العمل عند أهل العلم، حيث أن الإنسان لا يسوغ له أن يمسح أعضاء سجوده إذا كان قد سجد، والعجيب أن بعض الناس إذا سجد بدأ يمسح جبهته وهو في الصلاة، ويضرب إحدى يديه بالأخرى ليزيل التراب، فتكون صلاته مشغلة وكأنها مبخلة، يعني: بخيل بهذه الصلاة، فينبغي للإنسان أن لا يحرك شيئاً، وقد جاء في أثر وإن كان في سنده ضعف: ( أن الحصى يتقاتلن أيهن يسجد عليها المؤمن )، هذا الحديث ليس له يعني إسناد يعول عليه، لكن يفيد أن هذا له أهمية، وقد أشار إليه الغزالي في إحياء علوم الدين، وقد تكلم فيه العراقي في مغني الأسفار.
عن عبد الله بن الشخير رضي الله عنه قال: ( صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيته تنخع فدلكها بنعله ) ].
هذا الحديث رواه مسلم.
وقد اختلف العلماء في حكم النخاعة في المسجد على أقوال:
القول الأول: النخاعة في المسجد الذي لا يتأثر بها مثل الرمل، إذا تنخع تحت قدمه فدلكها أو دفنها فلا حرج، قالوا: وأما ما جاء عند البخاري من حديث أنس: ( النخاعة في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها )، قالوا: مجرد الدفن يذهب الإثم، جمعاً بينه وبين حديث عبد الله بن الشخير .
والقول الثاني: النخاعة في المسجد ممنوعة ولو دفنها؛ لأنها خطيئة، وأما إن اضطر إلى ذلك مثل أن تبدره النخاعة إلى فمه فإنه يصعب عليه أن يبتلعها؛ لأنه حينئذٍ يكون ابتلع شيئاً وهو في الصلاة وهذا منهي عنه، فإذا عجز أن يضعها في ثوبه فيدلكها فإنه يتنخع تحت قدمه أو عن يساره فيدلكها، وأما إذا كان مسجد فيه فراش أو بلاط وغير ذلك فإنه لا يسوغ ذلك، حتى ولو وعجز أن يمسكها في فمه حتى ينهي صلاته، فإنه لا يسوغ له ذلك، والله أعلم.
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: ( أنه رأى
هذا الحديث رواه مسلم.
وهو يفيد أن الإنسان يمنع أن يربط رأسه إذا أراد أن يصلي؛ لأن وقوع شعره على الأرض فيه أجر، ولكن هل هذا المنع في حق الرجال والنساء أم هو خاص بالرجال؟ الذي يظهر أن المنع خاص بالرجال؛ لأن المرأة العادة أنها تعقص رأسها؛ وذلك لما جاء في الصحيحين من حديث أم سلمة : ( يا رسول الله! إني امرأة أشد شعر رأسي ) وهذا هو الأصل، ( أفأنقضه لغسل الجنابة؟ ) وهذا يفيد أن الأصل في المرأة أن تشد شعر رأسها، والله أعلم.
عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا قرب العشاء وحضرت الصلاة فابدءوا به قبل أن تصلوا صلاة المغرب، ولا تعجلوا عن عشائكم ) ].
هذا الحديث متفق عليه من حديث أنس و ابن عمر و عائشة.
ويستفاد منه أنه لا ينبغي للإنسان إذا قرب العشاء أن يتركه حتى يقضي نهمته، وهذا إن كان لأجل إدراك جماعة المسجد، فإن كانوا جماعة هم أنفسهم فإنهم لا يصلون حتى يقضوا نهمتهم، حتى ولو لم يقرب الأكل لأجل أن لا تنشغل النفوس.
ويستفاد منه أيضاً: أنه إذا كان لا تنشغل نفسه بالطعام فإنه يقدم على الصلاة ويقبل.
ويستفاد أيضاً: أنه إذا جلس للأكل خوفاً من انشغال نفسه، فإنه يأكل حتى يقضي نهمته، والله أعلم.
وكذلك مما يستفاد من هذا الحديث: أنه لا ينبغي أن يكون ذلك على سبيل الدوام، فإن بعض الناس يكون عشاؤه قبل أذان العشاء، فهو في الغالب أنه يتأخر وهو يقيم الصلاة، فيقول: ( إذا قربت العشاء وحضرت الصلاة فابدءوا ... ). وهذا إنما كان على سبيل العارض، وأما أن يكون ديمومته فإن ذلك ممنوع.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثاً أم أربعاً؟ فليطرح الشك وليبن على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمساً شفعن له صلاته، وإن كان صلى إتماما لأربع كانت ترغيماً للشيطان )].
هذا الحديث رواه مسلم .
والقول الثاني في المسألة: إذا شك في صلاته فإن لم يكن عنده غلبة ظن فإنه يبني على الأقل، ويسجد للسهو قبل السلام، وأما إن كان عنده غلبة ظن سواء قلت هذه الغلبة أم زادت فإنه يبني على هذه الغلبة، ثم يسلم ويسجد للسهو ثم يسلم، فيكون سجود السهو مع غلبة الظن بعد السلام، وأما مع اليقين فإن سجود السهو يكون قبل السلام؛ وإنما قلنا ذلك لأنه جاء في الصحيحين من حديث ابن مسعود : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا سها أحدكم في صلاته فلا يدري كم صلى، فليتحر الصواب وليبن عليه، ثم ليسلم ويسجد للسهو ثم يسلم )، وهذا يفيد أنه إن كان معه غلبة ظن فيعمل به ويجعل سجود السهو بعد السلام، والله أعلم.
وقد استدل بعض أهل العلم بهذا الحديث على أن اليقين لا يزول بالشك، وفي ذلك مسائل كثيرة جداً، في الطهارة وفي اشتباه الثياب، وفي اشتباه طاهر بطاهر، وغير ذلك من المسائل التي ذكرها الفقهاء، والله أعلم.
قال: وأخبرت عن عمران بن حصين : أنه قال: ( وسلم ) ].
هذا الحديث متفق عليه.
وفيه مسائل:
المسألة الاولى: أن الإنسان إذا صلى ثم سلم قبل إتمام صلاته فإنه حينئذٍ يكمل صلاته إذا لم يطل الفصل، ثم يجعل سجود السهو بعد السلام، هذا هو مذهب الحنابلة، واختيار الشيخ محمد بن عبد الوهاب و أبو العباس بن تيمية ، إلا أن ابن تيمية قال: إنه يستدل بهذا الحديث على أنه إن زاد في صلاته جعل سجود السهو بعد السلام، وهذا والله أعلم هو قول إسحاق ولكن ليس بظاهر.
والراجح هو مذهب الحنابلة أن سجود كل سهو قبل السلام إلا في حالتين:
الحالة الأولى: أن يسلم من صلاته قبل إكمالها، فإن تذكر قبل أن يطول الفصل أكمل صلاته ثم سلم ثم سجد السهو ثم سلم.
الحالة الثانية: كما ذكرنا في حديث أبي سعيد : أنه إن كان عنده غلبة ظن فإنه يبني على غلبة الظن، ثم يجعل سجود السهو بعد السلام، وما عدا ذلك فإنه يسجد للسهو قبل السلام، زاد أم لم يزد، والله أعلم.
وقال بعضهم: ما لم يحدث أو يصلي. والراجح: أنه ما لم يطل الفصل ولم يأت بناقض من حدث؛ وذلك لأنه في حديث عمران : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ثلاثاً صلاة الظهر، ثم دخل بيته، ثم أخبر، ثم خرج يجر إزاره ).
إذاً: الرسول دخل بيته وربما تكلم مع أهله وربما خلع ثيابه، فيفيد أنه إذا لم يطل الفصل خمس دقائق سبع دقائق، إن شاء الله لا حرج.
وإذا لم يعلم الإمام أنه سها في صلاته وأنقص الصلاة إلا بعد أن رجع الناس إلى بيوتهم فإن عليه أن يذكر الناس أن يعيدوا صلاتهم.
المسائل كثيرة لكن ما نستطيع أن نأخذ من المسائل إلا الظاهرة، وإلا فإن حديث ذي اليدين ألف كتاب كامل في فوائده.
عن ابن عمر رضي الله عنهما: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ القرآن، فيقرأ سورة فيها سجدة فيسجد ونسجد معه حتى ما يجد بعضنا موضعاً لمكان جبهته ) ].
هذا الحديث متفق عليه.
وفيه مسائل:
المسألة الثانية: أن السلام لم يصح.
هذا الحديث متفق عليه.
وهذا يفيد أن سجدة إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ [الانشقاق:1] ثابتة، ويستحب السجود عندها.
واستدل العلماء بهذه الأحاديث على أن المستمع للقراءة يسجد، كما في حديث ابن عمر : ( فسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسجدنا، فلم يجد أحدنا موضعاً لمكان جبهته ).
لكن السؤال: إذا لم يسجد القارئ هل يسجد المستمع؟ جاء في حديث رواه البيهقي بسند جيد عن ابن مسعود أنه قال: ( إنما أنت إمامنا فلو سجدت لسجدنا )، وهذا يفيد أنه إذا لم يسجد فإنه لا يسجد، ولعل هذا هو ظاهر قول ابن عمر و ابن مسعود .
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
الجواب: ما ورد فيها شيء، وبعضهم يقول: إن الله يقول: وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ [الأعراف:200]، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( التثاؤب من الشيطان )، فهذا يدل على أنه نزغ من الشيطان فيتثاءب، وهذا قياس، وأنا أرى أنه إن تثاءب وقال: أعوذ بالله لا حرج، لكن ليس من السنة.
نكتفي بهذا وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر