إسلام ويب

مختصر صحيح مسلم - كتاب الصلاة [6]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • شرع الله صلاة النافلة لتكمل ما نقص من صلاة الفرض، كالرواتب وصلاة الليل، وينبغي مع ذلك أن يصلي المسلم ما يطيق ولا يكلف نفسه فوق طاقته، والأحرى له أن تكون صلاته في بيته إلا المكتوبة.

    1.   

    تابع باب بين كل أذانين صلاة

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل.

    وبعد:

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب: بين كل أذانين صلاة.

    عن عبد الله بن مغفل المزني رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( بين كل أذانين صلاة -قالها ثلاثاً- قال فى الثالثة: لمن شاء )].

    الحديث متفق عليه.

    وقد استدل بهذا الحديث الشافعي وهي رواية عند الإمام أحمد اختارها أبو العباس بن تيمية رحمه الله: على أن الصلاة بعد طلوع الفجر وقبل صلاة الفجر لا بأس بها، استدلالاً بحديث عبد الله بن المغفل : ( بين كل أذانين صلاة )، وصلاة نكرة في سياق الإثبات، والنكرة في سياق الإثبات تفيد الإطلاق، وأما النكرة في سياق النفي فتفيد العموم، وقالوا: إنه لم يثبت حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه المنع من الصلاة، وإنما هو فعله، وفعله وهو الترك يدل على الاستحباب والجواز؛ لحديث عبد الله بن المغفل وحديث عمرو بن عبسة كما عند أبي داود : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أي الليل أسمع؟ قال: جوف الليل، فصل فإن الصلاة مشهودة حتى تصلي الصبح )، وأما حديث ( إذا طلع الفجر فلا صلاة إلا سجدتي الفجر )، فهذا جاء من حديث ابن عمر ومن حديث عائشة ، ولا يصح في الباب حديث بالمنع، وعلى هذا فالذي يظهر والله أعلم جواز الصلاة من غير استحباب.

    1.   

    باب في التنفل بالليل والنهار

    قال المؤلف: [ باب: في التنفل بالليل والنهار.

    عن عبد الله بن شقيق قال: ( سألت عائشة رضي الله عنها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تطوعه، فقالت: كان يصلي في بيتي قبل الظهر أربعًا ثم يخرج فيصلي بالناس، ثم يدخل فيصلي ركعتين، وكان يصلي بالناس المغرب ثم يدخل فيصلي ركعتين، ويصلي بالناس العشاء ويدخل بيتي فيصلي ركعتين، وكان يصلي من الليل تسع ركعات فيهن الوتر، وكان يصلي ليلًا طويلًا قائمًا وليلًا طويلًا قاعدًا، وكان إذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم، وإذا قرأ قاعدًا ركع وسجد وهو قاعد، وكان إذا طلع الفجر صلى ركعتين ) ].

    هذا الحديث رواه مسلم.

    الحث على صلاة النافلة في البيت

    والحديث يفيد أن صلاة الراتبة القبلية في الظهر تصلى أربعاً، وهذه إحدى السنن، واستدل بهذا الحديث على أن الأفضل الصلاة في البيت ما عدا الفريضة؛ لحديث عائشة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل بيتها فيصلي ركعتين )، وقد قال صلى الله عليه وسلم من حديث زيد بن ثابت المتفق عليه: ( فإن صلاة المرء في بيته أفضل إلا المكتوبة ) فهذا يفيد أن الصلاة المكتوبة في المسجد أفضل، وقد قال صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم من حديث جابر كما سوف يأتي: ( إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده فليجعل في بيته من صلاته، فإن الله جاعل في صلاته من بيته خيرًا )، وقال في حديث جرير : ( لا تجعلوا بيوتكم قبوراً ).

    سجود التلاوة لمن يقرأ القرآن وهو جالس

    والحديث قد استدل به جمهور الفقهاء على أن القارئ إذا قرأ سجود التلاوة وهو جالس فإنه يسجد من غير قيام، وأما الحديث الوارد عن أم سلمة الذي رواه البيهقي وغيره وفي سنده جهالة، حيث أن الراوي عن أم سلمة مجهول، وهي كانت تروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( أنه كان إذا قرأ آية فيها سجدة فإذا أراد أن يسجد قام )، وقد رجح ذلك أبو العباس بن تيمية واستحبه، وقال: إن ذلك هو ظاهر القرآن؛ لأن الله يقول: وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ [الإسراء:109]، والخرور من الأعلى أفضل من الخرور من الأسفل، والذي يظهر والله أعلم أنه إن قام فهذا حسن، لكن الاستحباب لا يثبت إلا بدليل.

    وقول عائشة رضي الله عنها: ( وكان إذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم، وإذا قرأ قاعدًا ركع وسجد وهو قاعد ) فهذا يفيد أنه على حسب حاله، والله أعلم.

    1.   

    باب صلاة النافلة في المسجد

    قال المؤلف رحمه الله: [ باب: صلاة النافلة في المسجد.

    عن زيد بن ثابت قال: ( احتجر رسول الله صلى الله عليه وسلم حجيرةً بخصفة أو حصير، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيها، قال: فتتبع إليه رجال وجاءوا يصلون بصلاته قال: ثم جاءوا ليلةً فحضروا وأبطأ رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم، قال: فلم يخرج إليهم فرفعوا أصواتهم وحصبوا الباب، فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مغضبًا، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما زال بكم صنيعكم حتى ظننت أنه سيكتب عليكم، فعليكم بالصلاة في بيوتكم فإن خير صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة ) وفي رواية: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ حجرةً في المسجد من حصير ) ].

    الحديث متفق عليه.

    لكن في البخاري نص صريح أن ذلك في رمضان.

    هذا الحديث فيه فائدة وهي أن العالم يجب أن يكون حليماً مع أهل الخير، فإن أهل الخير أحياناً يشددون على أنفسهم، ويرغبون في الخير ويبالغون فيه، فلربما تصرف تصرفات ليس فيها من الحكمة، حيث إن بعض الصحابة وليسوا من كبارهم بدءوا يحصبون الباب، ويضربون الباب، يريدون أن يخرج النبي صلى الله عليه وسلم يصلي، فكان صلى الله عليه وسلم يتأبى خوفاً من أن تفرض، وكان صلى الله عليه وسلم معهم حليماً؛ ولهذا ينبغي للعالم والداعية أن يترفق بمتبوعيه أكثر من ترفقه بغيرهم، إلا إذا كانوا من أشداء متابعيه وأشداء أهل الخير فإنه لا حرج أن يغلظ عليهم، كما أغلظ على معاذ بن جبل وغيره، والمشاهد من بعض الدعاة أنهم يبالغون في النقد على مريد الخير والراغب فيه، وإن أخطئوا فينبغي أن يكون ذلك همساً لا رفعاً وعلواً.

    1.   

    باب صلاة النافلة في البيوت

    قال المؤلف رحمه الله: [ باب: صلاة النافلة في البيوت.

    عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده فليجعل لبيته نصيبًا من صلاته، فإن الله جاعل في بيته من صلاته خيرًا ) ].

    هذا الحديث رواه مسلم في صحيحه.

    وهو يفيد أن صلاة المرء في بيته فيها فضيلة كبيرة، ولا ينبغي للإنسان أن يجعل سننه في المسجد بل يجعل سننه في البيت، وإذا كان يقول: أنا لو لم أتسنن وأسبح بعد الصلاة فأنا قدوة، فلربما رآني الناس أخرج فيظنون أني لا أصلي، فنقول: لا حرج وهذا حسن منك، فتصلي تطوعاً من التطوعات المطلقة، وتجعل السنة الراتبة في البيت. فبهذا تجمع بين خيري الخيرين.

    فإن كان يخاف أن ينسى فالأولى به أن يكون حازماً مع نفسه فيصلي، لكن لو أن شخصاً قال: أنا أريد أن أصلي في البيت وقادر، فنقول: صل هذا التطوع المطلق، فإذا رجعت إلى بيتك صل السنة الراتبة، فإذا كنت تقول هذه فروض نفسك، فإذا وصلت بيتك ونسيت فعاهد نفسك أن تصلي في المسجد.

    وأما ما جاء عند الإمام أحمد من حديث حذيفة رضي الله عنه أنه قال: ( صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم المغرب، ثم أخذ ناحية من المسجد فلم يزل يصلي حتى أذن العشاء ) فهذا يفيد على أنه صلى الله عليه وسلم أحياناً يصليها في المسجد، وهذا الحديث إسناده جيد، والله أعلم.

    وقد ذهب الحسن البصري وغيره إلى تفسير قوله تعالى: إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ [المزمل:6] قال: هي الصلاة ما بين المغرب والعشاء.

    1.   

    باب ليصل أحدكم نشاطه فإذا فتر فليقعد

    قال المؤلف رحمه الله: [ باب: ليصل أحدكم نشاطه, فإذا فتر فليقعد.

    عن أنس رضي الله عنه قال: ( دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد وحبل ممدود بين ساريتين، فقال: ما هذا؟ قالوا: لـزينب تصلي، فإذا كسلت أو فترت أمسكت به، فقال: حلوه، ليصل أحدكم نشاطه فإذا كسل أو فتر قعد ) ].

    هذا الحديث متفق عليه.

    الحديث يفيد أن الإنسان لا ينبغي له أن يشدد على نفسه، فإنه يكون كالمنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( ليصل أحدكم نشاطه ).

    ومن المسائل: أن الإنسان ينبغي له أن يعرف نفسه، فيكون فقيه البدن قبل فقيه الشرع؛ لأن فقه الشرع لا يتأتى إلا مع فقه البدن، فلا ينبغي له أن يشدد على نفسه ولا يشدد على الناس.

    ومن جميل ما يروى في الأثر أن البراء عندما ذكر: ( أربع لا تجوز في الأضاحي. فقال له الراوي: إني أكره كسيرة القرن، قال: فما كرهته فاجعله على نفسك، ولا تجعله عذاباً على الناس ).

    وهذا يفيد أن بعض المفتين هداهم الله إذا كانوا لا يرون شيئاً من الأشياء المستحدثة ويجدون غضاضة، وليس عندهم شيء يحرمه، فيقول: لا يمنعون، لكن ينبغي له أن يقول: إن نفسي تعافه، إن نفسي تكرهه، وليس فيه ما يدل على المنع، فهذا أفضل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الضب: ( إني أجد نفسي تعافه، وليس هو بأرض قومي ) فينبغي أن يفرق بين كراهية نفسه لما تربى عليه، وكراهيته لما فقهه من الشرع. والله أعلم.

    1.   

    باب أحب الأعمال إلى الله أدومها

    قال المؤلف: [ باب: أحب الأعمال إلى الله أدومها.

    عن علقمة قال: ( سألت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، قال: قلت: يا أم المؤمنين! كيف كان عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هل كان يخص شيئًا من الأيام؟ قالت: لا، كان عمله ديمةً، وأيكم يستطيع ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستطيع؟! ) ].

    هذا الحديث متفق عليه.

    قد أخذ من هذا الحديث بعض العلماء فائدة وهي أن المداومة على الطاعة وإن قلت أفضل من العبادة الكثيرة المتقطعة؛ ولهذا كان عمله ديمة، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم اختص على هذه الأمة أنه ما من عمل يعمله إلا يداوم عليه، ( وكان إذا صلى صلاة أثبتها )، يعني: داوم عليها، فلما صلى بعد العصر ركعتين كان قد شغل عنها بعد الظهر أثبتها، فكان ذلك من خصوصياته.

    1.   

    باب خذوا من العمل ما تطيقون

    قال المؤلف رحمه الله: [ باب: خذوا من العمل ما تطيقون.

    عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم: ( أخبرته أن الحولاء بنت تويت بن حبيب بن أسد بن عبد العزى مرت بها وعندها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: هذه الحولاء بنت تويت ، وزعموا أنها لا تنام الليل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تنام الليل! خذوا من العمل ما تطيقون، فوالله لا يسأم الله حتى تسأموا ) ].

    الحديث متفق عليه.

    أهمية الإخلاص والعناية بأعمال القلوب

    وهذا الحديث يدل على أن العبرة ليست بكثرة العبادة، وإنما العبرة بالإخلاص والمتابعة، وما أشدها منه شروط، فأم المؤمنين رضي الله عنها عجزت أن تصنع مثل الحولاء بنت تويت ، ومع ذلك فإن أهل السنة والجماعة يعلمون أن أم المؤمنين أفضل من الحولاء هذه، فكثرة العبادة ليست بأفضل من الإخلاص والمتابعة، ومن هنا قال ابن مسعود لأصحابه: إنكم لتعملون كثيراً أكثر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وإنهم لخير منكم، قالوا: لم؟ قال: لأنهم أزهد فيما عندهم من الدنيا وأرغب في الآخرة. وهذا كله عبادة قلبية؛ ولهذا ينبغي للجاد في سيره بطلب رضا الله -خاصة طالب العلم- أن ينظر إلى أعمال القلوب، الله الله في أعمال القلوب.

    والغريب أن الإنسان يجاهد نفسه على أعمال الجوارح ولا يجاهد نفسه على أعمال القلب، من ترك الغل وترك الحسد وترك البغضاء وعفة اللسان ومحاولة تطهير القلب من الغل والحقد والحسد، عليه أن يجاهد نفسه في ذلك، ولقد ذكر ابن حزم في مداواة النفوس وهو كتاب عظيم في بابه أنه ربما جاهد نفسه فكان رقيد الفراش من شدة المجاهدة! وهذا الذي ينبغي أن يكون.

    معنى قوله عليه الصلاة والسلام: (لا يسأم الله حتى تسأموا)

    قوله صلى الله عليه وسلم: ( خذوا من العمل ما تطيقون، فوالله لا يسأم الله حتى تسأموا )، هل معنى هذا الحديث أن الله يسأم، تعالى الله عن ذلك؟

    اختلف أهل العلم في هذا، فبعضهم قال: تمر كما جاءت، وهذا ليس صحيحاً بأن يقال: تمر كما جاءت، وإنما تمر كما جاءت عند العوام الذين لا يعرفون، أو عند الذي لا يدرك، فإنه من المعلوم أن من عقائد السلف أن بعض الآيات المتشابهة التي لا يفهم أنها من الصفات أم لا في حقه سبحانه وتعالى؟ يقال: أمروها كما جاءت، كما نقل عن الثوري و سفيان ، وأما أهل العلم فإنهم يعلمون، فليس ثمة في الصفات شيء متشابه، وإنما المتشابه هو الذي لا يعلم تأويله إلا الله، ولهذا يقول الراسخون: آمنا به كل من عند الله، وأننا لا نكيف شيئاً لم نره ولم يدركه العقل ولم يأتنا بمثال.

    القول الثاني: إن ذلك من باب المقابلة، فقوله: ( فإن الله لا يسأم حتى تسأموا )، كما يقال: فإن فلاناً لا ينقطع عن حجته حتى ينقطع الخصم، فبانقطاع الخصم يقف العالم، لكنه لم تنقطع حجته، فكان ذلك من باب المقابلة، كما قالوا: في وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ [آل عمران:54].

    وقال بعضهم: إن هذا على سبيل المجاز، بمعنى: أن الله لا ينقطع عن الثواب حتى تنقطعوا عن العمل، والذي يظهر والله أعلم هو المعنى الثاني، ( فوالله لا يسأم الله حتى تسأموا ) يعني: لا ينقطع حتى تتوقفوا، ويكون القول الثاني من باب اللازم، والله أعلم، فليس هذا إثبات للسآمة، تعالى الله عن ذلك؛ ولهذا قال الله تعالى: لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ [البقرة:255] وقال: الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة:255] فالحي القيوم هو القائم على أعمال الناس لا يمل، بل هو صمد تصمد له الخلائق تبارك وتعالى وجل في علاه.

    1.   

    باب في صلاة النبي ودعائه

    قال المؤلف رحمه الله: [ باب: في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه.

    عن ابن عباس رضي الله عنه قال: ( بت ليلةً عند خالتي ميمونة فقام النبي صلى الله عليه وسلم من الليل فأتى حاجته، ثم غسل وجهه ويديه ثم نام، ثم قام فأتى القربة فأطلق شناقها، ثم توضأ وضوءًا بين الوضوءين ولم يكثر وقد أبلغ، ثم قام فصلى فقمت فتمطيت كراهية أن يرى أني كنت أنتبه له، فتوضأت فقام فصلى فقمت عن يساره، فأخذ بيدي فأدارني عن يمينه، فتتامت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل ثلاث عشرة ركعةً، ثم اضطجع فنام حتى نفخ، وكان صلى الله عليه وسلم إذا نام نفخ، فأتاه بلال فآذنه بالصلاة فقام فصلى ولم يتوضأ، وكان في دعائه: اللهم اجعل في قلبي نورًا وفي بصري نورًا وفي سمعي نورًا وعن يميني نورًا وعن يساري نورًا وفوقي نورًا وتحتي نورًا وأمامي نورًا وخلفي نورًا وعظم لي نورًا قال كريب : وسبعًا في التابوت، فلقيت بعض ولد العباس فحدثني بهن فذكر: عصبي ولحمي ودمي وشعري وبشري وذكر خصلتين ) ].

    هذا الحديث متفق عليه.

    وفيه مسائل: ‏

    صلاة المرء إماماً دون نية الإمامة من أول الصلاة

    المسألة الأولى: استدل بعض العلماء في بعض رواياته: أن الإنسان لو لم ينو الإمامة في ابتداء الصلاة أن صلاته صحيحة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ابتدأ الصلاة منفرداً، فجاء ابن عباس فصلى معه؛ ولهذا يقول: ( فقمت فتمطيت كراهية أن يرى أني كنت أنتبه إليه ) أو (له)، وهذا يفيد أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينو الإمامة، فدخل معه ابن عباس ، وهذا هو مذهب الشافعي ورواية عند الإمام أحمد اختارها أبو العباس بن تيمية رحمه الله، خلافاً لجمهور الفقهاء الثلاثة الذين قالوا: يشترط في الإمامة أن ينويها في ابتداء الصلاة.

    صلاة المأموم عن يسار الإمام

    المسألة الثانية: استدل بعض أهل العلم بهذا الحديث على أن صلاة المرء عن يسار الإمام صلاة صحيحة، وهو مذهب مالك واستدل على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم حينما صلى ابن عباس عن يساره وكبر، قال: ( فأخذ بشحمة أذني فأدارني حتى أقامني عن يمينه )، وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره أن يقطع الصلاة ويبتدئ الصلاة من جديد، فلما صحت تكبيرة الإحرام عن يسار الإمام دل على صحة ذلك، وإنما أداره للأفضل.

    وأما الجمهور: فإنهم يرون عدم الصحة إذا وجد مكان عن اليمين.

    والقول الثالث في المسألة: هو اختيار أبي العباس بن تيمية ورواية عند الإمام أحمد : أن الصلاة عن يسار الإمام لا تصح إلا مع الحاجة، مثل أن يكون ضيق وحرج فيصح، وأما مع العدم فلا تصح، وأما الجمهور فلا يرون الصحة مطلقاً.

    عدد ركعات صلاة الليل

    المسألة الثالثة: أن قوله: ( فتتامت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل ثلاث عشرة ركعةً ) استدل به بعض أهل العلم على أن قول عائشة : ( ما كان صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ) قد يقال: إن الركعتين هي ركعتا الاستفتاح التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليها كما قالت أم المؤمنين، فلم تحسبها أم المؤمنين؛ لأنها عندما قالت: ( ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ) قالت: ( يصلي أربعاً، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن... ) الحديث، فلم تذكر الركعتين التي أخبرت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستفتح الصلاة بركعتين خفيفتين، فلعل ابن عباس جمعها، والله أعلم. والمسألة على سبيل الأفضلية على فعل خير البرية، صلوات ربي وسلامه عليه، بأن يكون العدد قليل، والإطالة في العبادة كثير، وهذا الذي جعلنا نرجح أن الأفضل القيام في الليل.

    وقد ذكر أبو عمر بن عبد البر و العراقي في طرح التثريب: إجماع العلماء على أن الصلاة أكثر من إحدى عشرة ركعة من الليل جائزة، خلافاً للشيخ الألباني رحمه الله، والله أعلم.

    وذكر أبو العباس بن تيمية رحمه الله: أن مذهب جمهور الفقهاء على أن صلاة التراويح ثلاثاً وعشرين ركعة أفضل.

    موضع دعاء: (اللهم اجعل في قلبي نوراً)

    المسألة الرابعة: قوله: ( وكان في دعائه: اللهم اجعل في قلبي نوراً... ) الحديث، فقد جاء في بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأه إذا خرج إلى الصلاة فيكون ذلك من أحاديث الخروج من المنزل، وهذا ضعيف لا يصح، وإن صححه الشيخ الألباني لكنه لا يصح، ولكن الراجح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان من دعائه من الليل، وينبغي لطالب العلم أن يكثر من هذا الدعاء: ( اللهم اجعل في قلبي نورًا وفي سمعي نورًا وفي بصري نورًا... ) الحديث.

    إذاً الذي في مسلم : ( وكان في دعائه )، وهناك رواية ذكرها مسلم من باب المتابعة، ولم يذكرها على أنها أصل، فكأن مسلماً يريد أن يبين أمراً فتابع في ذلك، ودائماً قاعدة المتابعات عند مسلم لا تؤخذ بكل ألفاظها، وإنما تؤخذ بما وافقت الأصل، والله أعلم.

    وهذا الدعاء كان يقوله من الليل، سواء كان في الصلاة أو يقوله بعد الصلاة.

    ومعنى: ( ولم يتوضأ ) أي: لم يبالغ مثل وضوئه، يسبغ الوضوء ثلاثاً ثلاثاً، إنما كان مرة مرة.

    قال المؤلف: [ عن عائشة رضي الله عنها قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل ليصلي افتتح صلاته بركعتين خفيفتين ) ].

    هذا رواه مسلم.

    هذا الحديث يفيد أن هذا ليس من العدد في صلاة الليل، ولهذا أم المؤمنين ذكرت صلاة ركعتين خفيفتين، ثم قالت: ( يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن ولا طولهن )، فلم تذكر هذه الركعتين من الإحدى عشرة ركعة.

    1.   

    باب دعاء النبي إذا قام من الليل

    قال المؤلف رحمه الله: [ باب: دعاء النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل.

    عن ابن عباس رضي الله عنهما: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا قام إلى الصلاة من جوف الليل: اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض، ولك الحمد أنت قيام السموات والأرض، ولك الحمد أنت رب السموات والأرض ومن فيهن، أنت الحق ووعدك الحق وقولك الحق ولقاؤك حق، والجنة حق والنار حق والساعة حق، اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت، أنت إلهي لا إله إلا أنت ) ].

    هذا الحديث متفق عليه.

    وقد استدل به بعض أهل العلم على أن هذا من دعاء الاستفتاح. وقال بعضهم: إن هذا ليس من دعاء الاستفتاح، وإنما هو: إذا أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينهض للصلاة يدعو، فكأن هذا نوع من طلب الإعانة والتوفيق، والذي يظهر والله أعلم أنه يقوله إذا كبر.

    1.   

    باب كيفية صلاة الليل وعدد ركوعها

    قال المؤلف رحمه الله: [ باب: كيفية صلاة الليل وعدد ركوعها.

    عن عائشة رضي الله عنها قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، يوتر من ذلك بخمس لا يجلس في شيء إلا في آخرها ) ].

    الأفضل في صلاة النافلة الموافقة للهدي النبوي

    هذا الحديث بهذا اللفظ رواه مسلم ، وجاء في الصحيحين: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة ).

    قوله: ( يوتر من ذلك بخمس لا يجلس في شيء إلا في آخرها )، هذا الحديث يرويه هشام بن عروة عن أبيه عن أم المؤمنين، وقد تكلم الحفاظ على هذه الرواية، وقد أنكرها الأثرم تلميذ الإمام أحمد ، ورأى أنها شاذة كما ذكر ذلك محمد بن نصر المروزي في كتاب قيام الليل.

    والحقيقة إنما ضعفها لأنها خلاف المشهور، من أنه كان يصلي ركعتين ركعتين، فإذا خشي أحدكم من الصبح صلى ركعة واحدة، وأنا حقيقة يشكل علي هذا، لكني أقول: ثبت في صحيح مسلم من حديث عن سعد بن هشام عن عائشة : ( أنه كان صلى الله عليه وسلم يوتر أكثر من واحدة ) فلربما أوتر بتسع يجلس في الثامنة ثم يقوم، وربما أوتر بسبع، وربما أوتر بواحدة، وربما أوتر بثلاث، هذا الثابت، وربما أوتر بخمس وتكلم في إسناده، وأما ما يذكره الحنابلة أنه أوتر بإحدى عشرة فلم يصح فيه حديث، والله أعلم.

    وعلى هذا فلا ينبغي للإنسان أن يزيد عما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    وأما ما جاء في كتاب الترمذي من حديث عاصم بن ضمرة عن علي : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من النهار يعني صلاة الضحى أربع ركعات، يصلي على الملائكة المقربين ). فقد استدل به إسحاق وغيره على أن صلاة النهار تصلى أربع ركعات بسلام واحد، وهذا الحديث فيه كلام طويل، خاصة أنه من مفاريد عاصم بن ضمرة و عاصم بن ضمرة يقبل حديثه إذا لم يأت بما ينكر، وأما زميله الحارث الأعور فإنه منكر، يعني ضعيف، والله أعلم.

    وعلى هذا فقد ذهب جمهور العلماء إلى أن السنة والأفضل في النهار أن يصلي ركعتين فيسلم، ركعتين فيسلم، كما جاء في صحيح مسلم من حديث عائشة وإن كان في سنده كلام: ( وكان يجلس في كل ركعتين التحية ). وعلى هذا فالأفضل أن يصلي ركعتين ركعتين.

    وأما من الليل فإن الخلاف أشد، فقد ذكر بعض الحنابلة: أنه إن قام إلى ثالثة من صلاة الليل فكأنما قام إلى ثالثة من الفجر، وهذا قول شديد، والذي يظهر والله أعلم أن ذلك على سبيل الأفضلية.

    ومما يدل على ذلك: أن قوله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين: ( صلاة الليل مثنى مثنى ) وفي رواية مسلم : ( إذا صلى أحدكم من الليل فليصل ركعتين ركعتين ) وهذا ليس على سبيل الوجوب، بدليل أنه صلى الله عليه وسلم صلى تسع ركعات بسلام واحد، وسبع ركعات بسلام واحد كما في صحيح مسلم من حديث سعد بن هشام ، فدل على أن قوله: ( إذا صلى أحدكم من الليل فليصل ركعتين ) هذا على سبيل الأفضلية، بدليل أنه ليس على عمومة لوجود الناسخ وهو حديث سعد بن هشام عن عائشة ، فهذا يدل على الاستحباب خلافاً للحنابلة، وهذا هو الرواية الصحيحة عن أحمد كما ذكرها الأثرم، والله أعلم.

    الأفضل في صفة صلاة الوتر

    هل السنة في صلاة الوتر إذا صلى ثلاثاً أن يصليها مثل صلاة المغرب أم لا؟

    ذهب أبو حنيفة إلى أن يصليها مثل صلاة المغرب، وجاء في رواية عن ابن عمر : ( ولا تشبهوها بالمغرب )، والحديث ضعيف ولكن الأفضل ألا يفعل، والأفضل أن يجعلها بتشهد واحد وسلام واحد أو سلامين، والسلامين أفضل.

    وأما إذا قام ساهياً من صلاة الليل، وقلنا: إن الراجح هو أن الأفضل أن يصلي ركعتين ولو صلى أربعاً جاز، فإذا كان قد سها فالأفضل في حقه أن يجلس، فإن استمر جاز، ومنه تعلم أنه إن صلى إماماً بالناس صلاة الليل ثلاث ركعات سهواً ثم سلم، فذكر، قالوا: صليت ثلاثاً، فلا يقوم ويصلي ركعة، ولا يسجد للسهو، فإن لم يسجد للسهو وصلى بعدها ركعتين، فأخبر أنه قد صلى ثلاثاً قبلها فإنه ولا يلزمه شيء، ولكن لو سجد للسهو كما هو رأي ابن أبي موسى في كتابه (الإرشاد) وهو اختيار ابن تيمية : أن سجود السهو جبران فيسجد ولو تذكر بالأمس أنه لم يصل، يقول ابن تيمية : إن سجود السهو جبران مثل جبران الدم في الحج، وهذا القول إن فعل به حسن ولكنه ليس بظاهر والله أعلم، كما هو مذهب عامة أهل العلم على أنه إذا فصلها بفاصل طويل انقطع سجود السهو، والله أعلم.

    1.   

    باب صلاة الليل مثنى مثنى والوتر ركعة من آخر الليل

    قال المؤلف رحمه الله: [ باب: صلاة الليل مثنى مثنى والوتر ركعة من آخر الليل.

    عن ابن عمر رضي الله عنهما: ( أن رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعةً واحدةً توتر له ما قد صلى ) ].

    هذا الحديث متفق عليه.

    يقول العلماء: إن هذا خبر من باب الأمر، (صلاة الليل مثنى) يعني: من باب: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ [البقرة:228] فهذا خبر بمعنى الأمر وهو أقوى، وقد جاء في رواية مسلم ما يفيد ذلك: ( إذا صلى أحدكم من الليل فليصل ركعتين ركعتين )، وكما قلت: إن ذلك على سبيل الاستحباب، والله أعلم.

    1.   

    باب صلاة الليل قائماً وقاعداً

    قال المؤلف رحمه الله: [ باب: صلاة الليل قائماً وقاعداً.

    عن عائشة رضي الله عنها قالت: ( ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في شيء من صلاة الليل جالسًا حتى إذا كبر قرأ جالسًا، حتى إذا بقي عليه من السورة ثلاثون أو أربعون آيةً قام فقرأهن ثم ركع ) ].

    هذا الحديث متفق عليه.

    استدل ابن تيمية بهذا الحديث على أن الأفضل أن يكون الركوع والسجود قائماً، وكما قلت: إن هذا يفعله في بعض أحواله، وإلا فقد ثبت في الصحيحين: ( أنه كان إذا قرأ وهو قاعد ركع وسجد وهو قاعد )، وهذا يفيد أنه يفعل ثلاث حالات:

    الحالة الأولى: إذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم.

    الحالة الثانية: إذا قرأ وهو قاعد ركع وسجد وهو قاعد.

    الحالة الثالثة: وهو بعد ما كبر: إذا قرأ وهو قاعد حتى إذا لم يبق من السورة إلا ثلاثون أو أربعون آيةً قام، فهي ثلاثة أحوال، والله أعلم.

    1.   

    باب كراهة أن ينام الرجل الليل كله لا يصلي فيه

    قال المؤلف رحمه الله: [باب: كراهية أن ينام الرجل الليل كله لا يصلي فيه.

    عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: ( ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل نام ليلةً حتى أصبح، قال: ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه، أو قال: في أذنه ) ].

    هذا الحديث متفق عليه.

    معنى (حتى أصبح) يعني: حتى طلع الصبح، ومعنى: (حتى طلع الصبح) أي: نام عن صلاة الفجر حتى تعدى الإسفار، هذا هو الذي يظهر والله أعلم، وقد ذكره البخاري ، وقال بعضهم: إن هذا فيمن فاته صلاة الليل، وليس بجيد، والذي يظهر أن هذه العقوبة وهي بول الشيطان لا يكون إلا لفعل منكر وهو ترك صلاة الفجر عن وقتها، والله أعلم.

    1.   

    باب إذا نعس في الصلاة فليرقد

    قال المؤلف رحمه الله: [ باب: إذا نعس في الصلاة فليرقد.

    عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا نعس أحدكم في الصلاة فليرقد حتى يذهب عنه النوم، فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لعله يذهب يستغفر فيسب نفسه ) ].

    الحديث متفق عليه.

    هذا الحديث يفيد مثلما يفيد حديث أنس : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فرأى حبلاً ممدوداً بين ساريتين.. ) الحديث.

    استدل بعض العلماء بهذا الحديث على أن الإنسان إذا دعا على خلاف المشروع فلربما يستجاب عليه دعاؤه، استدلالاً بقوله: ( لعله يذهب يستغفر فيسب نفسه )، واستدلوا على ذلك أيضاً بما جاء في الصحيحين: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل الأعرابي: هل كنت تدعو دعاء؟ قال: كنت أقول: اللهم إن كنت معذبي في الآخرة فعجله لي في الدنيا ) أو ( فعذبني فيه في الدنيا ) قال: ( سبحان الله! لا تطيقه ).

    وذهب بعض أهل العلم إلى أن الإنسان إذا دعا على نفسه من غير شعور ومن غير علم ظاناً أن ذلك ينفعه فإن الله لا يستجيبه؛ لأن الله يعلم ما في قلب المرء، كما كان ابن عمر يصنع ذلك، ويقول: لا ينبغي للمرء أن يذكر كل ما في قلبه، لكن الذي يظهر والله أعلم أنه إذا دعا ظاناً أن ذلك ينفعه عن اجتهاده الخاطئ وألح فربما استجاب؛ لأن الله وكله إلى نفسه، وأما إذا دعا وهو غافل مثل (فيسب نفسه) فالذي يظهر والله أعلم أن ذلك لا يستجاب؛ لأن ذلك لم يكن من قلبه، وقد قال الله تعالى: (قد فعلت) في قراءة: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286] وهذا منها، والله أعلم.

    1.   

    باب ما يحل عقد الشيطان

    قال المؤلف رحمه الله: [ باب: ما يحل عقد الشيطان.

    عن أبي هريرة رضي الله عنه: ( يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم ثلاث عقد إذا نام، بكل عقدة يضرب عليك ليلًا طويلًا، فإذا استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، وإذا توضأ انحلت عنه عقدتان، فإذا صلى انحلت العقد فأصبح نشيطًا طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان ) ].

    الحديث متفق عليه.

    هذا الحديث يدل على أن ترك ذكر الله يصيب المرء بالخمول وهذا أمر مجرب؛ ولهذا يكره نفسه، وأنت جرب، انظر إذا تركت الوتر أو تركت قراءة القرآن أو تركت الأوراد تجد أنك تعاف نفسك، وقد ذكر العلماء فائدة: أن النبي صلى الله عليه وسلم في صلاتي العشي كما في الصحيحين: ( أنه قام إلى سارية من سواري المسجد كأنه غضبان )، قال بعض العلماء: لأنها قلت عبادته، فظهر ذلك في وجهه بأبي هو وأمي، إذا كان ذلك حال النبي صلى الله عليه وسلم فحال غيره من باب أحرى وأخلق؛ ولهذا ينبغي للإنسان أن يعرف نفسه فيكثر، يقول أحد السلف: ما زلت أرى البركة في وقتي إذا أنا زدت في حزبي، فما زلت أزيد في حزبي حتى بدأت أقرأ عشرة أجزاء كل يوم؛ لأنه قال: لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث.

    1.   

    باب في الليلة ساعة يستجاب فيها

    قال المؤلف رحمه الله: [ باب: في الليلة ساعة يستجاب فيها.

    عن جابر رضي الله عنه: قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن في الليل لساعةً لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله خيرًا إلا أعطاه إياه وذلك كل ليلة ) ].

    هذا الحديث رواه مسلم.

    وما هذه الساعة من الليل؟ هل هو أول الليل أو وسطه أو آخره؛ لأن عائشة تقول: من كل الليلة قد أوتر الرسول صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين، زاد مسلم : ( من أوله وأوسطه وآخره، فانتهى وتره إلى السحر )، وقوله: ( فانتهى وتره إلى السحر ) من رواية مسلم.

    أقول: إن الذي يظهر والله أعلم، أن الساعة هي الثلث الأخير، لما روى أبو داود من حديث عمرو بن عبسة أنه قال: ( يا رسول الله! أي الليل أسمع؟ قال: جوف الليل الأخير، فصل فإن الصلاة مشهودة مقبولة ).

    1.   

    باب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل والإجابة فيه

    قال المؤلف رحمه الله: [ باب: الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل والإجابة فيه.

    عن أبي هريرة رضي الله عنه: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ينزل الله إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يمضي ثلث الليل الأول، فيقول: أنا الملك أنا الملك، من ذا الذي يدعوني فأستجيب له؟ من ذا الذي يسألني فأعطيه؟ من ذا الذي يستغفرني فأغفر له؟ فلا يزال كذلك حتى يضيء الفجر ) ].

    هذا الحديث متفق عليه، وأما رواية: ( حين يمضي ثلث الليل الأول ) فهي رواية منكرة، والله أعلم، وأما الرواية الصحيحة: (حين يبقى ثلث الليل الآخر )، كما ذكر ذلك ابن تيمية و ابن القيم عندما ذكرها في الصواعق المرسلة.

    استدل العلماء بهذا الحديث على أن الدعاء في آخر الليل مستجاب، ومما يؤكد ذلك ما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة : ( من تعار من الليل فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير غفر له، فإن قام وصلى غفر له ) أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

    ومما يدل على ذلك أيضاً: أنه قال: ( يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم ثلاث عقد إذا هو نام، فإذا ذكر الله انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدتان، وإن صلى انحلت العقد ) وهذا يفيد أنه ينبغي للإنسان أن يوقت الساعة، حتى ولو لم يقم الليل، يوقتها من الليل، يعني قبل الفجر بعشر دقائق، فإذا انتبه قام فذكر: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ودعا ربه ولو كان على فراشه، يعود نفسه وهي سهلة ميسورة.

    نكتفي بهذا، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767953198