إسلام ويب

مختصر صحيح مسلم - كتاب الصلاة [10]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يشرع للمؤذن في الليلة المطيرة أن يقول بعد حي على الفلاح: ألا صلوا في رحالكم، ومن كان مسافراً فيشرع له التنفل على راحلته دون المكتوبة، فإذا قدم من سفره فيستحب له أن يبدأ بالمسجد فيصلي فيه ركعتين.

    1.   

    باب الصلاة في الرحال في المطر

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، اللهم انفعنا بما علمتنا، وعلمنا ما ينفعنا، وزدنا علماً وعملاً يا كريم.

    وبعد:

    قال المؤلف رحمه الله: [ باب: الصلاة في الرحال في المطر.

    عن ابن عمر رضي الله عنهما ( أنه نادى بالصلاة في ليلة ذات برد وريح ومطر فقال في آخر ندائه: ألا صلوا في رحالكم، ألا صلوا في الرحال، ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة أو ذات مطر في السفر أن يقول: ألا صلوا في رحالكم ) ].

    هذا الحديث رواه البخاري و مسلم دون زيادة: (ومطر) في قوله: (ليلة ذات برد وريح ومطر)، كلمة (مطر) تفرد بها الإمام مسلم ، وإلا فإن الحديث متفق عليه.

    وفي الحديث مسائل:

    حكم قول المؤذن: (ألا صلوا في رحالكم) في السفر والحضر

    المسألة الأولى: فالعلماء رحمهم الله قالوا: المحفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول ذلك في السفر، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد صحيح أنه قال ذلك في الحضر، وأحسن ما جاء في الباب هو ما رواه مسلم في صحيحه من حديث ابن عباس ( أنه أمر مؤذنه يوم الجمعة فقال له: إذا بلغت: حي على الصلاة حي على الفلاح فلا تقلها، وقل: صلوا في رحالكم، صلوا في رحالكم، فلما انتهى المؤذن قال: أما إن الجمعة عزمة ولكن كرهت أن يخرج الناس في الدحض والطين )، فهذا هو الثابت عن ابن عباس أنه قاله في الحضر، وأما عن النبي صلى الله عليه وسلم فقد جاءت في ذلك أحاديث لكنها غير ثابتة، وأحسن ما جاء وهو المحفوظ عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول ذلك في السفر، وعليه فإنه يجوز أيضاً أن يقول ذلك في الحضر.

    الأولوية في الليلة المطيرة بين الجمع أو قول المؤذن: صلوا في رحالكم

    المسألة الثانية: هل الأولوية فيما إذا كان المؤذن في ليلة مطيرة أن يقول في الحضر: صلوا في رحالكم، أم لا يقول ذلك ويجمع بين الصلاتين؟

    بعض الفضلاء من طلبة العلم رأوا أن الأفضل أن يقول المؤذن: صلوا في رحالكم، ولا يجمع بين الصلاتين، وأقول: مع أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ذلك في الحضر مع جوازه، لكن الأفضل أن يصلوا في المسجد، يقول ابن تيمية : وهذا هو السنة الثابتة عن السلف، يقول: وكونه يصلي في بيته جائز، لكن أن يجمع لأجل المطر أفضل من الصلاة في الرحال، وبهذا نعرف أن بعض طلبة العلم يرى أن قول: (صلوا في رحالكم) بلا جمع أفضل من قولها مع الجمع، يقول ابن تيمية : وهذا قول أكثر السلف، أن الجمع أحسن من أن يصلي الواحد في رحله، فتحصيل الجماعة مطلب، والله أعلم.

    الأسباب المبيحة للجمع

    المسألة الثالثة: قوله: ( في ليلة ذات برد وريح ومطر ) ذكر أن أسباب الجمع ثلاثة: كانت الليلة باردة، وذات ريح ومطر.

    أما المطر فالجمع فيه جائز كما جاء عن ابن عباس : إني كرهت أن يخرج الناس في الدحض والطين، وكما جاء في حديث نعيم أنه كان في رحله قال: كنت أتمنى أن يقول المؤذن: (صلوا في رحالكم)، فلما قال: (صلوا في رحالكم) فرحت، وكانت في ليلة مطر في سفر.

    وأما الريح الباردة فإن العلماء يقولون: هي الريح الباردة التي لا يمكن في الغالب أن يتقى منها.

    لكن السؤال: الليلة الباردة غير ذات الريح هل يجوز أن يجمع بين الصلاتين فيها؛ استدلالاً بعموم قول الراوي عن ابن عمر : إذا كانت ليلة باردة أو ذات مطر في السفر، وكأن البرد بحد ذاته جمع؟

    الحنابلة لا يرون البرد عذراً تترك له الجمعة والجماعة، أو يجوز بسببه الجمع، إلا إذا كان مع البرد ريح، يقولون: لأن البرد يمكن أن يتقى منه، أما الريح دون البرد، أو الريح الباردة فهذا يجوز له أن يجمع.

    أقول: ولا شك أن وجود هذه الأمثلة من باب تحقيق المناط، فإذا وجدت ليلة باردة فيها مشقة غير معتادة في هذا البلد فالذي يظهر والله أعلم أنه لا بأس أن يجمعوا؛ لأن البرد يكون عليهم فيه مشقة غير معتادة، والأصل في الجمع المشقة غير المعتادة، كما أشار إلى ذلك الشاطبي في الموافقات.

    موضع قول المؤذن: (ألا صلوا في رحالكم) في الأذان

    المسألة الرابعة: وقت قول المؤذن: صلوا في رحالكم.

    حديث ابن عمر وهو حديث الباب أنه قاله في آخر ندائه، فهذا قد يفهم منه أنه إذا انتهى من قول: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله قال: صلوا في رحالكم، والظاهر أن هذا غير مراد، وإنما كان يقول ذلك في آخر أذانه في الجملة، وأنه إذا قال: حيّ على الصلاة حيّ على الفلاح قال: صلوا في رحالكم، كما جاء ذلك مفسراً في بعض الروايات، وقد صح عن ابن عباس كما رواه مسلم أنه أمر المؤذن ألا يقول: حيّ على الصلاة حيّ على الفلاح، وأن يقول بدلها: صلوا في رحالكم، وهذا مشكل، والإشكال هو إسقاط أربع جمل وهي: حيّ على الصلاة حيّ على الصلاة، حيّ على الفلاح حيّ على الفلاح، أربع جمل من الأذان، وقد ذكر العلماء أن كل جملة واجبة.

    والظاهر والله أعلم أنه يقولها بعد حيّ على الصلاة حيّ على الفلاح؛ لأنه عند سماع حيّ على الصلاة حيّ على الفلاح فمن جاء فهو أفضل، ومن بقي فهو جائز، فيجب على الإنسان إذا أذن أن يجمع بينهما لمن أراد أن يأتي ولمن أراد أن يبقى.

    وهل يقول ذلك في الإقامة؟ المحفوظ أنه لا يقول؛ وذلك لأن الإقامة إنما هي دعوة الحاضرين للنهوض إلى الصلاة.

    حكم الجمع بسبب الغبار وذكر اختلاف المذاهب في أسباب الجمع

    المسألة الخامسة: بالنسبة للغبار فلم أجد عند المتقدمين كلاماً في جواز الجمع في الغبار، وأما الحنابلة فهم أوسع المذاهب من حيث تعداد الأعذار، فقد أوصلوها إلى تسعة أعذار، ثم بعدهم الشافعية، ثم بعدهم المالكية، فالمالكية يجعلون الأعذار أربعة، والشافعية يجعلونها خمسة لكنها ليست واحدة، فمن الأعذار عندهم: المرض والخوف والمطر والوحل، هذه عندهم موجودة، والريح الباردة عند الحنابلة والشافعية، والحنابلة يزيدون: أو خوف فوات رفقة، أو خاف على نفسه وماله وغير ذلك، أما أبو العباس بن تيمية فإنه لا يرى حصر الأعذار، وإنما يرى وصفها، والله أعلم.

    والفرق بين حصر الأعذار ووصفها: أننا إذا قلنا: إن الأعذار محصورة فلا يصح أن يزاد عليها، والقاعدة عند بعض الأصوليين تقول: الرخص لا يقاس عليها، ومن رأى أن الأعذار أوصاف فلا بأس بالقياس عليها، والله أعلم.

    إذاً يجوز الجمع للمطر والخوف والسفر، لكن المالكية لا يرون الجمع بالمرض، وأن الجمع لأجل المرض إنما هو عند الحنابلة وأحد القولين للشافعية.

    وباب الجمع بين الصلاتين فيه بحوث وأشهرها كتابان، أولاً وهو أقدمها: كتاب الجمع بين الصلاتين لـمشهور حسن، والكتاب الثاني: الجمع بين الصلاتين رسالة ماجستير من كلية الشريعة وهي جيدة في الجملة من حيث التقسيم، ومن حيث ذكر أقوال المذاهب، لكنها فقيرة في الآثار، والله أعلم.

    1.   

    باب ترك التنفل في السفر

    قال المؤلف رحمه الله: [ باب: ترك التنفل في السفر.

    عن حفص بن عاصم قال: صحبت ابن عمر رضي الله عنهما في طريق مكة، قال: فصلى لنا الظهر ركعتين، ثم أقبل وأقبلنا معه حتى جاء رحله وجلس وجلسنا معه، فحانت منه التفاتة نحو حيث صلى، فرأى ناساً قياماً فقال: ما يصنع هؤلاء؟ قلت: يسبحون، قال: لو كنت مسبحاً لأتممت صلاتي، يا ابن أخي! إني صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، وصحبت أبا بكر الصديق رضي الله عنه فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، وصحبت عمر رضي الله عنه فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، ثم صحبت عثمان رضي الله عنه فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله عز وجل، وقد قال الله: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21] ].

    الحديث رواه البخاري و مسلم من عند قول الحديث: ( صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر فلم يزد .. )، وأما قوله: (صحبت ابن عمر في طريق مكة وصلى لنا الظهر ركعتين، ثم أقبل وأقبلنا معه حتى جاء رحله وجلس وجلسنا معه) هذا رواه مسلم إلى قوله: (يا ابن أخي! إني صحبت ...) هذا تفرد به مسلم ، والذي رواه البخاري من قوله: (صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وأما قوله تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21] أيضاً لم يروه البخاري .

    هذا الحديث استدل به بعض العلماء على أن السنة ألا تصلى السنن الرواتب في السفر؛ استدلالاً بحديث ابن عمر أنه رأى قوماً يسبحون، فقال: لو كنت مسبحاً لأتممت صلاتي.

    والمعروف عن الأئمة الأربعة أنهم لا يرون أن السنة الترك، وإنما ذهب أبو حنيفة و الشافعي إلى استحباب السنن الرواتب في السفر كما هي في الحضر، وذهب مالك و أحمد إلى أن السنن الرواتب التي يسميها مالك نافلة فإنه جائز أن تصليها، وجائز أن تتركها، والحنابلة يرون أنها من قبيل المباح، وكذلك مالك.

    وذكر أبو العباس بن تيمية ، وقبله أبو عمر بن عبد البر أن السلف كانوا لا يرون بأساً بالصلاة كما لا يرون بأساً بالترك، وهذا ليس معناه ألا يصلي الإنسان في السفر، فإن الإنسان ربما إذا سافر قلت عبادته وليس كذلك، بل له أن يصلي الضحى كما صلى النبي صلى الله عليه وسلم ثمان ركعات في فتح مكة وهو مسافر، وله أن يصلي بين كل أذانين فإن الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة، كما رواه النسائي و ابن ماجه من حديث بريد بن أبي مريم عن أنس ، وكذلك الصلاة في الليل، والله أعلم.

    وأما قوله: (لو كنت مسبحاً لأتممت صلاتي)، -الحقيقة أنا لم أجده عند شراح الحديث، وقد استدل به بعض العلماء على أن المسافر إذا أتم الصلاة استحب له أن يصلي السنن الرواتب، وإن لم يتم الصلاة فلا يصلي السنن الرواتب، وهذا حقيقة إن كان ثمة دليل آخر غير هذا فهذا شأن آخر، لكن المحفوظ أن المعنى من قول ابن عمر : (لو كنت مسبحاً لأتممت صلاتي) معناه: أنه بدلاً من أن أصلي ركعتين مع أني قصرت لأتممت الفريضة أفضل من أن أصلي بعدها التطوع، هذا هو المراد والله أعلم.

    وأما من حيث النظر فالمقصود أيهما أفضل: أقصر الفريضة وأصلي بعدها النافلة، أم أتم الفريضة وأترك النافلة في السفر؟ هذا مراد ابن عمر أني أتم الفريضة ولا أصلي النافلة.

    1.   

    باب التنفل بالصلاة على الراحلة في السفر

    قال المؤلف رحمه الله: [ باب: التنفل بالصلاة على الراحلة في السفر.

    عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسبح على الراحلة قبل أي وجه توجه ويوتر عليها غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة ) ].

    هذا الحديث متفق عليه من حديث ابن عمر.

    قد استدل العلماء به على مسائل:

    حكم صلاة الوتر

    المسألة الأولى المعروفة المشهورة: هو أن صلاة الوتر ليست بفرض خلافاً للحنفية، فقد ذهب جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن الوتر ليس بفرض -خلافاً للحنفية- استدلالاً بهذا الحديث وهو أنه ( يوتر عليها غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة )، فدل ذلك على أن الوتر ليس بفرض.

    استقبال القبلة في الصلاة على الراحلة

    المسألة الثانية: في حديث ابن عمر إشارة إلى أنه صلى الله عليه وسلم لا يستقبل القبلة حين تكبيرة الإحرام، وقد جاء نحوه من حديث جابر ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي على راحلته نحو المشرق، فإذا أراد أن يصلي المكتوبة نزل فاستقبل القبلة )، وهذا ظاهر أن استقبال القبلة لا يكون حال الركوب، هذا هو المحفوظ.

    وقد جاء عند أهل السنن من حديث أنس ( أنه صلى الله عليه وسلم كان يستقبل القبلة فيكبر، ثم يسير حيث كان وجه ركابه )، وقد استدل العلماء على أنه يجب استقبال القبلة حال تكبيرة الإحرام، ثم يسير حيث كان وجه ركابه.

    وهذا الحديث ضعيف، والصحيح: أنه يجوز للإنسان أن يكبر ولو إلى غير القبلة، يقول ابن تيمية : وتكون قبلته حيث كان وجه ركابه، وعلى هذا الكلام فلو أنه كان وجه ركابه جهة القبلة، فكبر على غير وجه مسيره فإنه لا تصح منه؛ لأن قبلته هو وجه ركابه.

    لو أنني أسير جهة الغرب وأنا من أهل الرياض -يعني: جهة القبلة- فلا يسوغ لي أن أصلي إلى غير القبلة؛ لأن قبلتي هي وجه ركابي، وعليه فالذين في الباصات ويريدون أن يصلوا فإن استقبلوا على غير استقبال سيرهم فليس بصحيح، بل يصلون حيث كان وجه ركابهم، والله أعلم.

    إجزاء الإيمان في الصلاة عن الركوع السجود عند العجز

    المسألة الثالثة: أن السجود والركوع لهما بدل وهو الإيماء، فمن عجز عن الركوع فإنه يومئ، ومن عجز عن السجود فإنه يومئ، ويجعل السجود أخفض من الركوع؛ لقوله في رواية: ( ويومئ إيماءً ).

    صلاة النافلة على الراحلة للمقيم

    المسألة الرابعة: قد استدل العلماء بهذا الحديث وهو مذهب جمهور العلماء كما يقول ابن تيمية، على أن المقيم والمسافر الذي أقام لا يشرع له أن يصلي النافلة على الراحلة، وإنما هو خاص في من جد به السير وهو مسافر.

    وذهب بعض الحنابلة وقد ألف فيه شيخنا عبد الله بن عقيل رسالة: أنه يشرع أن يصلي الإنسان النافلة على الراحلة ولو كان مقيماً، يعني: مسافر أقام فلا بأس، والمعروف عن السلف أنهم لا يفعلون ذلك إلا في حالة ما إذا جد بهم السير، وهذا الأظهر والله أعلم.

    1.   

    باب إذا قدم من السفر صلى في المسجد ركعتين

    قال المؤلف رحمه الله: [ باب: إذا قدم من السفر صلى في المسجد ركعتين.

    عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: ( خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة فأبطأ بي جملي وأعيا، ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلي، وقدمت بالغداة، فجئت المسجد فوجدته على باب المسجد قال: الآن حين قدمت؟ قلت: نعم، قال: فدع جملك وادخل فصل ركعتين، قال: فدخلت فصليت ثم رجعت ) ].

    هذا الحديث متفق عليه.

    في هذا الحديث فائدة، -وهي من السنن المهجورة والله المستعان- وهي أنه يستحب لمن قدم من سفره أن يبتدئ في مسجد حيه أو مسجد بلده فيصلي فيه ركعتين قبل أن يأتي أهله، وقبل أن يدخل بيته، وهذه -والله المستعان- سنة مهجورة لأمرين: لعجز الناس، ولأجل أن المساجد الآن أصبحت تقفل، فلو صلى في باحة المسجد فهذا حسن.

    لكن هل يجزئ أن يصلي ركعتين في بيته؟

    والله ما أدري هل يصلي في البيت ركعتين؛ لأني لا أعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى في بيته، وهل المقصود إيقاع الركعتين والأفضل أن تكون في المسجد، أم المقصود إيقاعها في المسجد نفسه، بحيث لو فات المكان لفاتت السنة؟ الله أعلم.

    1.   

    باب ما جاء في صلاة الخوف

    قال المؤلف رحمه الله: [ باب: ما جاء في صلاة الخوف.

    عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: ( غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما من جهينة فقاتلونا قتالاً شديداً، فلما صلينا الظهر، قال المشركون: لو ملنا عليهم ميلة لاقتطعناهم، فأخبر جبريل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، فذكر ذلك لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وقالوا: إنه ستأتيهم صلاة هي أحب إليهم من الأولاد فلما حضرت العصر، صفنا صفين والمشركون بيننا وبين القبلة، قال: فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبرنا وركع فركعنا، ثم سجد وسجد معه الصف الأول، فلما قاموا سجد الصف الثاني، ثم تأخر الصف الأول وتقدم الصف الثاني فقاموا مقام الأول، فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبرنا وركع فركعنا، ثم سجد وسجد معه الصف الأول، وقام الثاني، فلما سجد الصف الثاني ثم جلسوا جميعاً سلم عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ) قال أبو الزبير : ثم خص جابر أن قال: كما يصلي أمراؤكم هؤلاء ].

    هذا الحديث رواه مسلم في صحيحه.

    وهذه إحدى صفات صلاة الخوف فيما إذا كان العدو بيننا وبين القبلة، فإن الصلاة حينئذٍ تكون على صفين، أو على حالين، الذين قبل الإمام يتابعونه في ركعة ثم يتأخرون، فيأتي الصف الثاني فيتقدمون ويتابعون الإمام.

    وقد ذكر الإمام أحمد أن أي صفة صلاها فهي جائزة.

    أقول: وكونه صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة الخوف جماعة مما ربما أدى إلى ترك بعض الأركان والحركة في الصلاة دليل على أن صلاة الجماعة واجبة، وهذا واضح بين، ولا إشكال أن صلاة الجماعة فرض عين، وكونه صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة الخوف مما يؤدي إلى الحركة الخارجة عن الصلاة والإخلال بمتابعة الإمام كل ذلك دلالة على أن صلاة الجماعة واجبة؛ لأنه تجوز في غيرها لتحصيلها.

    وأقول: إن هذا ليس هو مذهب الحنابلة، إلا إذا قيل: إن صلاة الجماعة فرض عين؛ وذلك لأن الشافعية يرون أنها فرض كفاية، والمالكية يرون أنها سنة، ومعنى السنة: أنهم يرون أن السنة -إذا قالوا لفظة: سنة- إذا تركها فإنه يأثم، وأما الذي لا يأثم فهي النافلة عندهم أو الرغيبة، وإن كانت الرغيبة أشد من النافلة، فهم يرون أن سنة الفجر رغيبة، والسنن الرواتب نافلة، وصلاة الجماعة شيء، وصلاة الجماعة في المسجد شيء آخر، وأما الصلاة في المسجد فإني أرى أنها واجبة في الجملة، فإذا وجد عذر فلا حرج.

    كما صح عن ابن مسعود عند مسلم أنه قال: (أصليتم العصر؟ قلنا: إنما انصرفنا ساعة من الظهر، قال: قوموا فأصلي بكم، قال: فذهبنا لنقوم خلفه فأخذ أحد عن يمينه والآخر عن شماله).

    وكذلك صح عند مسلم من حديث أنس (قلنا: إنما انصرفنا ساعة من الظهر، قال: قوموا فأصلي بكم العصر)، فهم صلوا جماعة في البيت لأجل حاجة، وهي حاجة تأخير الصلاة، أو كان الإنسان مريضاً فزاره الناس فأراد أن يصلي فصلوا معه كما ثبت في الصحيحين من حديث أنس : ( سقط النبي صلى الله عليه وسلم عن فرس فجحش شقه الأيمن فجئنا لنعوده فحانت الصلاة فصفنا فأممنا خلفه )، والمسجد قريباً منهم، فهذا يدل على أنه إذا كان هناك حاجة فلا حرج، لكن الأصل أن الصلاة في المسجد، لأثر: إذ قد رأيتنا وما يتخلف عن الصلاة إلا منافق قد علم نفاقه أو مريض، ومعنى يتخلف عن الصلاة في المسجد هذا هو الأصل في الجملة.

    وذهب الأئمة الأربعة إلى أنها سنة، وذهب ابن تيمية و ابن القيم إلى وجوبها كما هو معروف، ولعل القول بالوجوب أظهر، والله أعلم.

    وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

    1.   

    الأسئلة

    صفة صلاة الخوف

    السؤال: هل وردت روايات أخرى في صلاة الخوف؟

    الجواب: نعم وردت روايات، فإذا كان العدو بين القبلة وبين المسلمين يعني: قبل القبلة فإن الإمام مخير في عدة صور:

    الصورة الأولى: أن يصلي صف خلف الإمام، وصف ثان من خلفهم، بحيث إذا ركع الإمام ركعة ركع معه الصف الأول، فإذا قام إلى الثانية يكون الصف الأول قد صلوا معه ركعة، فإذا قاموا رجع الصف الأول إلى الصف الثاني، وتقدم الصف الثاني إلى الصف الأول، وصلى بهم الإمام ركعة، فإذا سلموا قام الصف الثاني فصلوا الركعة الثانية، هذه صفة.

    الصفة الثانية: أن يصلي بقوم ركعتين، والصف الباقي قبل العدو، فإذا سلم بهم جاء الطرف الثاني أو الكتيبة الثانية فصلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم، وفي هذا دلالة على جواز أن يؤم المفترض المتنفل.

    فيكون قد صلى ركعتين، وبعضهم يقول: لا، إنما صلى أربع ركعات، ركعتين مع قوم وركعتين مع الآخرين، ولكن الذي يظهر والله أعلم أنه صلى ركعتين ثم سلم؛ لأنه يلزم من ذلك أن يكون صلى الله عيه وسلم أتم الصلاة في السفر، ولم يحفظ عنه أنه تم، وقيل: أن ذلك إنما صنعه في الحضر، وهذه إحدى الصور في الحضر: وهي أنه يصلي بهم ركعتين ثم يرجع، وهم ما زالوا في صلاتهم، فيرجعون إلى الثغور، ثم يتقدم الآخرون فيصلون ركعتين، فإذا سلم قاموا فصلوا ركعتين، وأولئك في الثغور يصلون ركعتين، هذا في حديث صالح ..

    حكم قصر الصلاة لمن قطع مسافة القصر متتبعاً مواقع المطر

    السؤال: ما حكم قصر الصلاة لمن خرج يتتبع المطر حتى قطع مسافة القصر؟

    الجواب: لا، هناك فرق بين من يتتبع المطر حتى قطع المسافة، وبين من قصد مسافة تقصر لمثلها الصلاة، لينظر المطر.

    إن كان هناك جماعة خرجوا من الرياض ليتتبعوا القطر في مظانه، ثم قطعوا مسافة تقصر لمثلها الصلاة، فذهب بعض العلماء إلى أنه لا يقصر، قالوا: كالحشاش وباحث الضالة.

    وذهب بعض العلماء إلى أن العبرة هو قطع المسافة، وأنا أقول: إذا لم ينشئ سفراً ولم يقصد قطع المسافة فإن الأولى ألا يقصر، أما من ذهب ليتتبع القطر في مظانه وهو قاصد أن يقصد مكاناً تقصر لمثله الصلاة فلا حرج.

    فالعبرة بالمسافة لمن قصد قطعها أو أزيد، أي: قصد قطع مسافة تقصر لمثلها الصلاة؛ ولهذا يقول ابن قدامة ومن خرج من عامر قريته إلى ما تقصر لمثله الصلاة قصر، لا نعلم في ذلك خلافاً، يعني: نوى مكاناً تقصر لمثله الصلاة فلما فارق عامر قريته جاز له أن يشرع في قصر الصلاة.

    نكتفي بهذا وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767953098