الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد, وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه, ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل, اللهم انفعنا بما علمتنا, وعلمنا ما ينفعنا, وزدنا علماً وعملاً يا كريم.
وبعد:
فنسأله سبحانه وتعالى أن يمن علينا بهداية وتوفيق وتسديد ورشاد من عنده سبحانه, وأن يوفقنا للاستمرار على العلم وتعليمه وتعلمه؛ فإن نعمة تعلم العلم وتعليمه من أعظم النعم, كما بين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في الحديث المتفق عليه, من حديث معاوية بن أبي سفيان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من يرد الله به خيراً يفقه في الدين ), فنسأله سبحانه وتعالى التوفيق والتسديد.
وقد كنا قد وصلنا إلى الحديث الثامن عشر من أحاديث باب الآنية, من أحاديث أمالي بلوغ المرام, ونقرأ هذه الأحاديث.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في كتابه بلوغ المرام كتاب الطهارة: باب الآنية: [ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( إذا دبغ الإهاب فقد طهر ) أخرجه مسلم.
وعند الأربعة: ( أيما إهاب دبغ ).
وعن سلمة بن المحبق رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( دباغ جلود الميتة طهورها ), صححه ابن حبان .
وعن ميمونة رضي الله تعالى عنها قالت: ( مر النبي صلى الله عليه وسلم بشاة يجرونها، فقال: لو أخذتم إهابها؟ فقالوا: إنها ميتة، فقال: يطهرها الماء والقرظ ), أخرجه أبو داود و النسائي ].
الطريق الثاني: يرويه سفيان بن عيينة عن زيد بن أسلم عن عبد الرحمن بن وعلة عن ابن عباس بلفظ: ( أيما إهاب دبغ فقد طهر ), وهذا الحديث رواه الشافعي و ابن أبي شيبة و أحمد و ابن ماجه و النسائي في الكبرى, بلفظ: ( أيما إهاب دبغ فقد طهر ), وقد وهم بعض أهل الحديث, حينما نسب لفظة: ( أيما إهاب دبغ فقد طهر ), بأن مسلماً قد رواه, كما ذكر ذلك الإمام الزيلعي رحمه الله, أن بعض أهل الحديث قديماً وحديثاً نسبوا هذا الحديث إلى مسلم , وهذا وهم من عندهم, وذكر من أمثلة ذلك الإمام البيهقي , فإن الإمام البيهقي رحمه الله حينما ذكر هذا الحديث في السنن الكبرى قال: أخرجه مسلم , وقد اعتذر الإمام ابن دقيق العيد عن سبب وهم الحافظ البيهقي بذلك, أنه إنما أراد أصل الحديث لا لفظه, ثم عقب ذلك بأنه ينبغي للفقيه أن يهتم بالألفاظ؛ لأن اهتمام الفقيه بالمتون أكثر من اهتمام أهل الحديث بذلك؛ ذلك أن أهل الحديث إنما يعتنون بالأسانيد, وأما اهتمامهم بالمتون فهي من حيث مخالفتها للأحاديث الأخرى.
وقد وهم أيضاً في بعض نسخ مجموع الفتاوى لـأبي العباس بن تيمية رحمه الله, فإنما هو نسب هذا الحديث: ( أيما إهاب ), إلى مسلم في صحيحه, والواقع أن مسلماً لم يروه بهذا اللفظ, وإنما رواه بلفظ: ( إذا دبغ الإهاب فقد طهر ).
الطريق الثالث: هو طريق مالك بن أنس وطريق سفيان الثوري وطريق عبد العزيز بن محمد الدراوردي , كل هؤلاء الثلاثة رووه عن زيد بن أسلم عن عبد الرحمن بن وعلة السبئي عن ابن عباس باللفظين كلاهما, يعني: أن مالك بن أنس رواه بلفظ: ( إذا دبغ الإهاب فقد طهر ), ورواه بلفظ: ( أيما إهاب ), وكذلك الثوري وكذلك عبد العزيز بن محمد الدراوردي , وقد ذكر الحافظ ابن حجر قال: [ وعند الأربعة: ( أيما إهاب دبغ ), ], ومن المعلوم أن أبا داود إنما رواه في سننه من طريق عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن زيد بن أسلم عن ابن وعلة عن ابن عباس بلفظ: ( إذا دبغ الإهاب ), فيكون قول الحافظ ابن حجر: (وعند الأربعة) فيه وهم؛ ذلك أنه لم يروه أبو داود , وإنما رواه الترمذي و النسائي و ابن ماجه , وهذا يدلك على أن العالم مهما بلغ من العلم, ومهما بلغ من الحفظ فإنه يهم, والله أعلم.
ولعل الحافظ ابن حجر ذكر مثل هذه الأحاديث إنما هي من حفظه؛ لأنه سوف يأتي أمثلة لذلك مرت, وأمثلة في هذا اليوم, وأمثلة لاحقة في شرحنا إن شاء الله للبلوغ, ومن الأوهام التي حصلت للحافظ في مثل هذا الدرس: هو أنه نسب حديث: ( أيما إهاب ), للأربعة, والواقع أن أبا داود لم يروه, وإنما رواه الثلاثة غير أبي داود وهم: ابن ماجه و النسائي و الترمذي رحمة الله تعالى على الجميع.
والحديث مع ذلك مداره على ابن وعلة السبئي وهو عبد الرحمن بن وعلة السبئي , وقد رواه مسلم بلفظ آخر من طريق أبي الخير قال: رأيت على ابن وعلة السبئي فرواً فمسسته, فقال لي: ما لك تمسه؟ إني سألت ابن عباس فقلت: إنا نكون مع البربر نؤتى بالكبش قد ذبحوه, ونحن لا نأكل ذبائحهم, ونؤتى بالفرو فقال ابن عباس : سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: ( دباغها طهورها ), وفي رواية قال: فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: ( لا بأس به ), وهذا يدل على أن مدار الحديث على ابن وعلة السبئي , وقد اختلف العلماء في عبد الرحمن هذا, فضعفه الإمام أحمد كما نقل ذلك الإمام أبو العباس بن تيمية رحمه الله والحافظ ابن حجر , فإن الإمام أحمد قال: حديث عبد الرحمن بن وعلة حديث في الدباغ حديث ضعيف, وقد وثق ابن وعلة بعض أهل الحديث كـيحيى بن معين و النسائي, بل قال ابن دقيق العيد: وليس يعلم في ابن وعلة مطعن.
والذي يظهر والله أعلم: أن حديث ابن وعلة قد وهم, إما أن يكون ذكر هو لفظ الحديث من عند نفسه؛ لأن مسلماً في الحديث الآخر قال: (لا بأس بذلك), وإما أن يكون لا بد فيه من ترجيح بعض الألفاظ على بعض, فمن المعلوم أن قولك: (إذا دبغ الإهاب فقد طهر), يختلف في ما لو قلت: ( أيما إهاب دبغ فقد طهر ), هذا زائد وإن كان بعضهم يقول: الإهاب يفيد العموم, ولكن قولك: أيما إهاب, هذا يدل على العمومية بطريق الأولوية, وعلى هذا فالحديث إما أن يقال: ضعيف, وإما أن يقال: إن الصحيح هو رواية مسلم , وهي: ( إذا دبغ الإهاب فقد طهر ), وهذا يقويه أن رواية: ( إذا دبغ الإهاب فقد طهر ), رواها عن زيد بن أسلم أربعة: سليمان بن بلال و مالك بن أنس و سفيان الثوري و عبد العزيز بن محمد الدراوردي , ورواية: ( أيما إهاب دبغ فقد طهر ), رواها أربعة: سفيان بن عيينة و مالك بن أنس و سفيان الثوري و عبد العزيز بن محمد الدراوردي , فدل ذلك على أن ابن وعلة وهم, والله تبارك وتعالى أعلم.
وإذا كان ذلك فإن لفظ: ( إذا دبغ الإهاب فقد طهر ), أقرب من حيث الروايات الأخرى والشواهد الحديثية الأخرى والله أعلم.
قال: وأما إذا دبغ صار شناً أو قربة أو غير ذلك, وقد اختار هذا القول غير علماء اللغة بعض أهل العلم, كـأبي عمر بن عبد البر والإمام البيهقي و أبي العباس بن تيمية رحمة الله تعالى على الجميع.
الحديث أخرجه أبو داود الطيالسي و ابن أبي شيبة و أحمد بن حنبل و أبو داود و النسائي و الطحاوي في شرح معاني الآثار, و ابن حبان كلهم من طريق قتادة عن الحسن البصري عن جون بن قتادة عن سلمة بن المحبق , والحديث في إسناده جون بن قتادة , و جون هذا قال فيه الإمام أحمد : لا أعرفه, وقال ابن المديني : لم يروه عنه إلا الحسن , وهو معروف, وقال الترمذي : لا نعرف لـجون حديثاً إلا هذا الحديث, ولا ندري من هو, فهذا يدل على أن هذا مجهول, وقاعدتنا في المجاهيل أنه إذا روى عن كبار الصحابة وروى عنه جماعة ولم يأت بما ينكر, فإنه يقبل, فهل هذا توفرت فيه الشروط أم في المرتبة الثانية؟ الذي يظهر والله أعلم: أنه لم يروِ عنه إلا الحسن , وأتى بلفظ فيه إشكال كبير, كما سوف يأتي بيانه.
واعلم أن الحافظ ابن حجر ذكر أن لفظ سلمة بن المحبق هو: ( دباغ جلود الميتة طهورها ), والذي يظهر والله أعلم: أن هذا لفظ حديث عائشة , وإلا فإن ابن حبان ذكر هذا الحديث بهذا الإسناد بلفظ: ( ذكاة الأديم دباغه ).
إذاً لفظ: ( دباغ جلود الميتة طهورها ), لفظ عائشة , فهذا من الأوهام الثانية من الحافظ ابن حجر رحمه الله, ولا يضره وهمه بعد أن جمع لنا وحفظ أحاديث عظيمة, حتى قال السخاوي : قد رزقه الله حافظة أشد من حافظة الذهبي , و الذهبي يصفه أحد أقرانه في سعة حفظه في الرجال قال: لو أن الله أوقف الإمام الذهبي على الصراط لعلم كل من يمر أنه فلان بن فلان, ضعيف وفلان وفلان ثقة, من شدة حفظ الحافظ الذهبي رحمه الله.
على كل حال؛ حديث: ( دباغ جلود الميتة طهورها ), لفظ حديث عائشة , وإلا فإن حديث سلمة لفظه: ( ذكاة الأديم دباغه ), وأخرجه الإمام أحمد و النسائي بلفظ: ( دباغها طهورها ), أو: ( دباغها ذكاتها ), هذا اللفظ الآخر, يعني: كم لفظة الآن من حديث سلمة ؟ لفظان: ( ذكاة الأديم دباغه ), واللفظ الآخر: ( دباغها طهورها ), أو: ( ذكاتها ), وقد أخرج النسائي و الطحاوي وغيرهما من طريق إسرائيل عن الأعمش عن إبراهيم النخعي عن الأسود بن يزيد عن عائشة رضي الله عنها, قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ذكاة الميتة دباغها ), وقد أخرجه ابن حبان -يعني: حديث عائشة - وغيره من طريق شريك بن عبد الله القاضي وهو ضعيف, عن الأعمش عن عمارة بن عمير عن الأسود بن يزيد عن عائشة مرفوعاً, باللفظ الذي ذكره الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام وهو: ( دباغ جلود الميتة طهورها ), وقد روى الدارقطني في العلل من طريق الثوري عن إبراهيم عن عائشة من قولها؛ ولأجل هذا اختلف أهل العلم, هل الصحيح في هذا الحديث الرفع, أم الصحيح الوقف؟ فذهب الإمام البخاري رحمه إلى أن الصحيح في هذا الحديث هو الوقف, كما ذكر ذلك الترمذي في العلل الكبير, واختار الإمام الدارقطني رحمه الله أن الصحيح في هذا الحديث هو الرفع؛ لأن إسرائيل يرويه عن الأعمش عن إبراهيم النخعي عن الأسود عن عائشة , ولا شك أن هذا الحديث مشكل, وله شواهد, كلها لا تخلو من وهم وضعف, مثل حديث المغيرة بن شعبة , وحديث ابن مسعود وحديث أبي أمامة وحديث ابن عمر وحديث زيد بن ثابت وحديث هزيل بن شرحبيل وحديث أنس وحديث جابر وكلها ضعيفة, وأحسنها حديث سلمة وحديث عائشة .
وقد اختلف العلماء في معنى حديث: ( ذكاة جلود الميتة دباغها ), فذهب بعض أهل العلم إلى أن معنى هذا الحديث أن جلود الميتة ممن يؤكل لحمه إذا دبغ كان ذلك بمثابة تذكيته, فإذا ذكي مأكول اللحم حل الجلد, فكذلك الدباغ يقوم مقام الذكاة, وهذا المعنى وجيه, وهو اختيار ابن تيمية و ابن المبارك و الأوزاعي و إسحاق , والمعنى الآخر لهذا الحديث -وهذا غريب- أنه كما أن جلد الميتة يطهر بالدباغ فكذلك الحيوان غير مأكول اللحم إذا ذكي فإنه يطهر, وهذا قولاً عند المالكية, والراجح أن هذا ليس بصحيح، وأن الأقرب والله أعلم أن معنى الحديث أن دباغ جلود الميتة ينفعها ويطهرها, كما تطهر الذكاة, والذكاة لا تنفع إلا في مأكول اللحم, والله تبارك وتعالى أعلم.
ومن المعلوم أن قول النبي صلى الله عليه وسلم إذا صح الحديث: ( يطهره الماء والقرظ ), فإنما خرج ذلك مخرج الغالب, وكذلك قشور الرمان, أو غيرها من الوسائل الكيميائية الحديثة, كل ذلك جائز إن شاء الله, وإنما خرج ذلك مخرج الغالب, والله تبارك وتعالى أعلم.
واستدل أصحاب هذا القول بحديث عبد الله بن عكيم , وحديث عبد الله بن عكيم هذا جاء من طرق كثيرة, واضطرابات في السند والمتن, فقد روى الحديث الحكم بن عتيبة عن ابن أبي ليلى عن عبد الله بن عكيم , ومرة عن الحكم بن عتيبة عن رجال مجهولين, عند عبد الله بن عكيم , ومرة الحكم بن عتيبة عن عبد الله بن عكيم بلا واسطة, ولا شك أن هذا الخلاف يجعل في النفس ريبة في تصحيح هذا الحديث؛ لأجل هذه الطرق اختلف أهل العلم في تصحيح هذا الحديث أو تضعيفهم له, فممن صححه: ابن حزم رحمه الله, فإنه قال: هذا خبر صحيح, وكذلك حسنه ابن حبان وحسنه الحازمي في كتابه الناسخ والمنسوخ, وحسنه الحافظ ابن حجر , وضعفه الأكثر, فممن ضعفه من أهل العلم: الإمام أحمد بن حنبل , وكذا الإمام البيهقي , وكذا الإمام ابن دقيق العيد ؛ وسبب الضعف هو أنهم قالوا: أولاً: أنه مرسل؛ ذلك أن في بعض الروايات أن عبد الله بن عكيم قال: أتانا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بخمس, وفي رواية: عن رجال من جهينة أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاهم, فهذا يدل على أن عبد الله بن عكيم لم يسمع من النبي, قالوا: فهذا إرسال يدل على الضعف.
الثاني: قالوا: إن فيه انقطاعاً, قالوا: إن مدار هذا الحديث على ابن أبي ليلى عن ابن عكيم و ابن أبي ليلى لم يسمع من ابن عكيم .
العلة الثالثة: قالوا: إن فيه اضطراباً في السند, فمرة يرويه الحكم بن عتيبة عن رجال مجهولين عن ابن عكيم ومرة عن الحكم بن عتيبة , عن ابن أبي ليلى عن عبد الله بن عكيم , ومرة عن عبد الله بن عكيم بلا واسطة, فهذا يدل على أن الحديث فيه اضطراب في السند، والله أعلم.
العلة الرابعة: أن فيه اضطراباً في المتن, فمرة يقول: أتانا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بعام, ومرة بخمس, وغير ذلك من الأشياء؛ ولأجل هذا الاختلاف اختلف العلماء في تصحيحهم لهذا الحديث وتضعيفهم, وقلنا: إن الأكثر والله أعلم على أن الحديث ضعيف، على هذا فأصح حديث في هذا القول هو حديث عبد الله بن عكيم , ولم نستفد منه شيئاً؛ لأنه ضعيف.
القول الثاني في المسألة: إن جلد مأكول اللحم يطهر بالدباغ, وأما جلد ما لا يؤكل لحمه ولو كان طاهراً في الحياة كالهرة, فإنه لا يطهر بالدبغ, وأما ما يؤكل لحمه فإذا مات طهر وحل استعماله, وهذا القول هو قول ابن المبارك و الأوزاعي وكذلك هو اختيار ابن تيمية رحمه الله.
القول الثالث في المسألة: هو أنه يستعمل في اليابسات ظاهراً لا باطناً, بمعنى أنه لا يصلى عليه, ولكن لا مانع أن يلف على الصبي إذا لم يبل عليه, وأن يستخدم في اليابسات ظاهراً لا باطناً, وهذا قريب من القول الأول؛ لأن المذهب عند الحنابلة يرون أنه لا يطهر جلد ميتة, وقالوا: يستعمل في اليابسات؛ لأن اليابس لا تنتقل نجاسته بسبب المصافحة وغير ذلك, وإذا كان الجلد رطب ومسسناه انتقلت النجاسة, وإذا كان يابساً ولمسناه فإنه لا يكون نجساً؛ لأنه لم تنتقل.
القول الرابع في المسألة: هو مذهب الشافعي أن جلد كل ميتة ما عدا الكلب والخنزير وما تولد منهما, فإنهم يرون أنه نجس, وما عدا ذلك فهو طاهر, فجلد الكلب نجس, وجلد الخنزير نجس, وجلد ما تولد منهما نجس, وما عدا ذلك ولو كان أسداً, أو دباً, أو حماراً, فإنه إذا دبغ طهر, وهذا قول محمد بن شهاب الزهري أيضاً, ويستدلون على ذلك برواية أهل السنن, ( أيما إهاب دبغ فقد طهر ), قالوا: وأما الكلب فقد خرجت نجاسته بسبب حديث أبي هريرة : ( طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبعا ), فقالوا: فإذا أمر أن يغسل من ولوغه فإن الغسل منه كاملاً من باب أولى وأحرى.
القول الخامس: قالوا: إن جلد كل ميتة يطهر ما عدا الخنزير, وهذا مذهب أبي حنيفة ؛ لأن الله حكم في الخنزير بأنه نجس, وأما الكلب فهو داخل في عموم: ( أيما إهاب ).
القول السادس: وهو أن جلد كل ميتة, ولو كان كلباً أو خنزيراً يطهر بالدبغ, وهذا هو قول داود الظاهري وجماعته, وهو اختيار الإمام الشوكاني , فقال: وينبغي إبقاء العام عليه من غير اقتصار, ( أيما إهاب ), هذه أهم الأقوال, والذي يظهر والله تبارك وتعالى أعلم: أن أحسن الأقوال هو القول الثاني في المسألة, وهو أن جلد مأكول اللحم إذا مات فإنه يطهر بالدبغ؛ وذلك لأن نجاسته ليست نجاسة عينية, وأما الحيوانات الأخرى فإن نجاستها نجاسة عينية.
وقد قووا ذلك بما رواه المقدام بن معد يكرب , أن النبي صلى الله عليه وسلم: ( نهى عن جلود السباع ), قالوا: فإن هذا دليلاً على منعها من باب التشبه, وجاء من حديث أبي المليح عن أبيه واختلف عليه, وجاء من حديث معاوية بن أبي سفيان واختلف عليه, والذي يظهر والله أعلم: أن الأقرب والأحوط هو قول أبي العباس بن تيمية ؛ أن ما كان يطهر بالذكاة يطهر بالدبغ, وما لا يطهر بالذكاة لا يطهر بالدبغ, هذا هو الراجح والله تبارك وتعالى أعلم.
تبقى مسألة مشهورة: هل الثعبان يدخل في هذا أم لا؟ الذي يظهر والله أعلم أن الثعبان كذلك, فهو من السباع؛ لأنه له نابان يفترس فيهما, وعلى هذا فجلده نجس, ويوجد كثيراً في الأسواق بعض أنواع الجلود وهي مما لا يؤكل لحمه, وعلى هذا فيكون نجساً, وهل يجوز استعماله في اليابسات؟ نقول: نعم إذا لم يتعرق الجلد؛ لأنه إذا تعرق فإنه ينقل.
أما الشعر والصوف هذا لا بأس به, كما ذكر ذلك ابن تيمية رحمه الله, وهذا موجود مع الأسف خاصة في روسيا, ونيوزيلندا, فإنهم يتباهون بالجلود, حتى إنه ربما صنعت بعض جلود السباع, وهذا محرم, والله تبارك وتعالى أعلم.
الفائدة الأولى: أن الأصل أن العام يبقى على عمومه, ما لم يرد ما يصرفه عن هذا العموم, ومما يدل على ذلك هو حديث: ( أيما إهاب دبغ فقد طهر ), ومن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تنتفع من الميتة بإهاب ولا عصب ), ففهم الصحابة أن الـ(أل) تفيد العموم, فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن مثل هذه فقال: ( هلاّ انتفعتم بإهابها؟ قالوا: إنها ميتة ), فاحتجوا بعموم اللفظ, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنما حرم أكلها ), والله أعلم.
والحديث أيضاً من فوائده: أن الدباغ فيها من القوة والنفوذ لدرجة أنها أصبحت كالمذكاة مما يؤكل لحمه.
أيضاً من الفوائد: أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( يطهرها الماء والقرظ ), مع أنهم أحيان يصنعون بخلاف ذلك, فدل ذلك على أن كل ما أمكن إزالة النجاسة به فإنه يجوز, لكن هل إذا دبغ الإهاب يكون طاهراً ابتداءً أم لا بد من إزالة ما علق؟ فيه قولان عند أهل العلم, وهما وجهان عند الحنابلة, فذهب الحنابلة في القول الأول إلى أنه لا بد من إزالة ما علق فيه أثناء معالجة؛ لأنه بمجرد الملاقاة صار نجساً, وقالوا أيضاً: لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( يطهرها الماء والقرظ ), فالماء لا بد منه.
والقول الثاني في المسألة قالوا: لا, يكون طاهراً بمجرد الدبغ, والراجح والله أعلم: أن مجرد الدبغ لا يكفي حتى يزيل الرطوبة العالقة في بدن الإنسان, أو ثوبه؛ بسبب عرق هذه الحيوانات.
ومن الفوائد أيضاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم أطلق على الجلد اسم الإهاب, فقال: ( هلاّ أخذتم إهابها؟ ), فدل ذلك على أن كل ما أمكن انتفاعه بالمآل جاز بيعه, فقال صلى الله عليه وسلم: ( هلاّ انتفعتم بإهابها ), من المعلوم أن الإهاب ما زال نجساً, فإذا دبغ طهر, فهو يمكن أن ينتفعوا به ولو كان ميتة, ومما يدل على ذلك، أعني: أن ما أمكن الانتفاع به في المآل يجوز بيعه كبيض النعام, فإنك تشتري هذه البيضة, أو شراء صغار السباع؛ لأجل تعويد الصيد, فإن العلماء قالوا: وإن لم ينتفع فيها في الحال فيجوز بيعه؛ لأن ما جاز في المآل جاز في الحال, والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم, لعلنا نقف عند هذا الحد.
الجواب: نعم، هو عبد الرحمن بن أبي ليلى ، وليس ضعيفاً، وإنما محمد بن أبي ليلى هو الضعيف, محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى , والده عبد الرحمن الذي يروي هذا الحديث, ابن أبي ليلى اثنان: عبد الرحمن بن أبي ليلى الذي أدرك جمع من الصحابة, فهذا ثقة ثبت إمام, وأما محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى فهو يكاد يتفق الأئمة على ضعفه كما أشار إلى ذلك أبو أحمد الحاكم .
الجواب: إذا استخدمت الملصقات أو ميدالية في السيارة, فالذي يظهر أنه لا بأس به, بشرط عدم اعتقاد أن ذلك يمنع العين والحسد أو غير ذلك.
الجواب: ذكرنا هذا, وقلنا: إن زيادة الثقة لا تقبل مطلقاً, ولكنهم يرون أن الرجل إذا روى حديثاً، ولم يجمع الرواة على مخالفته, وكان من المتقنين الحفاظ الذين يعتنون بأحاديثهم كـمالك بن أنس فإنها تقبل روايته ويقال: الزيادة من الثقة مقبولة, ومعنى الزيادة يعني: أن هذا الراوي أو الإمام سمع من شيخه ولو خالفه أكثر الناس, فهذا هو معنى ذلك, وأما مجرد أنه ثقة وخالف الأئمة فهذا لا يصح الاحتجاج به.
الجواب: جاء في ذلك حديث عند الإمام أحمد من حديث الشريد : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم رآه ينام على بطنه فركله برجله وقال: تنوم نومة الجهنميين ), وكذلك جاء في حديث ابن عمر , والصواب وقفه على ابن عمر , وهو يدل على كراهة ذلك, والله أعلم.
الجواب: هذا الحديث رواه أبو داود و الترمذي , وفي سنده رجلاً يقال له: محمد بن مسلم بن إبراهيم بن مهران , وقد تكلم فيه أبو حاتم , وضعفه ابن تيمية رحمه الله, وهذا هو الراجح أنه ضعيف.
نقف عند هذا والله أعلم, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد. #
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر