الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:
حديث حمران مولى عثمان قال ابن حجر رحمه الله: [ وعن حمران رضي الله عنه (أن
اعلم أن هذا الحديث عمدة في باب الوضوء، ولأجل هذا ذكره الحافظ ابن حجر رحمه الله، ولعل ذكر الحافظ له مع أن بعض ألفاظ الحديث لم تذكر فيه إلا لأنه ذكر فيها الوضوء ثلاثاً ثلاثاً، والثواب الوارد فيه، فذكره وإلا فإن في حديث علي مسائل أكثر من مسائل حديث عثمان ، وقال عنه الترمذي كما سوف يأتي: إنه أحسن شيء في الباب وأصح، إلا أن الحافظ ابن حجر ذكر هذا لاشتماله على أمرين: الوضوء ثلاثاً ثلاثاً، والثاني: الثواب في الركعتين التي بعده.
وقد ذكر الشوكاني رحمه الله في نيل الأوطار أنه لا بد من مجه، وهذا يحتاج إلى دليل، والله أعلم.
قوله: (واستنشق)، الاستنشاق: هو جذب الماء إلى داخل الأنف عن طريق التنفس، وأما الاستنثار: فهو إخراج الماء من الأنف، ولم يرد ذكر عدد المضمضة والاستنشاق في حديث عمران ، وإنما جاء ذلك عند أبي داود من طريقين، وإن كان بعضهم يتكلم فيها، وجاء من حديث أبي هريرة ، ومن حديث علي قال: (ثم تمضمض واستنشق من كف واحدة فعل ذلك ثلاثاً)، هذا حديث علي، ومثله حديث عبد الله بن زيد رضي الله عن الجميع.
قال: (ثم غسل وجهه) الوجه من الوجاهة، وهو ما يستقبل به المقابل، والوجه في الوضوء الواجب من منابت شعر الرأس المعتاد إلى اللحية والذقن طولاً ومن الأذن إلى الأذن عرضاً، وعلى هذا فكل ما كان من الوجه فإنه يدخل، وهل يدخل البياض الذي يكون هنا؟ بعضهم قال: لا يدخل؛ لأنه ليس في مقابل الوجه، والذي يظهر والله أعلم أن البياض المعتاد الذي ليس فيه شعر فإنه داخل في الوضوء، والله أعلم.
وأما قوله: (لا يحدث فيهما نفسه) المراد لا يحدث نفسه بشيء من أمور الدنيا، وأما أن يتعظ ويتذكر الجنة والنار ويحدث نفسه في ذلك فهذا مقصود للشارع، وعلى هذا فالتحديث المنهي عنه هو كل ما لا يتعلق بأمر الصلاة، فإن تحدث في أمور الدنيا بشيء عارض ثم صرف نفسه في ذلك فإنه داخل في ثواب هذا الحديث والله أعلم؛ لأن الرسول قال: ( لا يحدث )، و (لا يحدث) فعل مضارع يفيد الاستمرار، فإن قطع وارده وهاجسه بشيء فلا حرج، والله أعلم.
وقوله: ( غفر له ما تقدم من ذنبه )، جاء في بعض رواية مسلم : ( ما من مسلم يتوضأ فيحسن الوضوء أو قال: فيسبغ الوضوء إلا غفر الله له ذلك ما لم تغش كبيرة )، وذهب عامة أهل العلم من المتقدمين والمتأخرين إلى أن هذه الأعمال الصالحة تكفر الصغائر، وأما الكبائر فلا بد فيها من التوبة، هذا قول عامة أهل العلم، وقد ذكره الإمام أبو عمر بن عبد البر قال: ولولا أن يكون أحد قال ذلك وإلا فإن القول به جهل بين، قال الحافظ ابن رجب : وكأنه يريد الرد على ابن حزم ، والغريب أن ابن تيمية و ابن القيم نصروا قول ابن حزم ، والذي يظهر كما قال الحافظ ابن رجب أن قوله: (ما لم تغش كبيرة)، وقوله تعالى: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [النساء:31]، دليل على أن الكبائر لا تكفر إلا بالتوبة، أو تحت المشيئة كما قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، ومما يدل على هذا وجود النص ( ما لم تغش كبيرة ) فهو دليل على أن الكبيرة لا بد فيها من التوبة، ولكن يمكن ألا يعذب المرء بفعل الكبيرة ولو لم يتب وذلك بالموازنة، فلو أن عنده أعمالاً صالحة مثلاً عشرة وعنده كبيرة، فيقال: ذنب الكبيرة مقداره كذا، فيحذف من الحسنات بمقدارها ولا يثاب على الحسنات، فهذا قد يقال به كما أشار إلى ذلك الإمام ابن رجب ، وهذا هو مقصود حديث البطاقة، والله أعلم، وعليه يدل قوله تعالى: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [الأنبياء:47]، فمعناه أن الإنسان إذا كان عنده كبائر فإنه يؤخذ من حسناته بمقدارها، ومما يدل على ذلك حديث: (... فيأتي وقد شتم هذا وأكل مال هذا )، وكل هذه كبائر، ( فيؤخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته )، هذا من باب الموازنة، ( فإذا فنيت حسناته أخذ من سيئات هؤلاء فوضعت عليه فطرح في النار ) والعياذ بالله، وهذا هو الراجح.
ومما يدل الحديث عليه: حرص الصحابة رضي الله عنهم على تعليم الناس العلم، وحرصهم على تعليم أمور دينهم العامة المهمة، وهذا هو العالم الرباني الذي يعلم صغار العلم قبل كباره كما قال تعالى: كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ [آل عمران:79]، وهذا الحديث -كما قلنا- أصل في صفة الوضوء.
الاستعانة بمعنى أن يستعين بشخص يأتي بالماء ويصب له، وهذا جائز وموجود في السنة، كما جاء في الصحيحين من حديث المغيرة قال: ( فأتيت إلى إداوة فصببت عليه ) الحديث.
النوع الثاني: أن يستعين بشخص ليقوم بفعل الوضوء عنه، وهذا لا يشرع ولا يستحب، بل هو بدعة إذا قصد بها التكبر أو غيره، ولكنه يجوز إذا كان الإنسان مريضاً محتاجاً إلى ذلك فأحب أن يعينه قريبه في ذلك فلا حرج والله أعلم.
ومعنى الغسل هو إمرار الماء على الكفين، وأما أن يغسل الكف من غير إمرار الأخرى فهذا واجب؛ لأن غسل اليد لا بد أن يكون من الأصابع إلى المرفق، والله أعلم.
واعلم أن السنة في المضمضة والاستنشاق -كما سوف يأتي- هو أن يأخذ من غرفة واحدة فيجعل بعضها في فمه وبعضها في أنفه، وأما الفصل كما يفعله العوام فهذا ليس من السنة، وأما ما جاء في حديث طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده (أن النبي صلى الله عليه وسلم فصل بين المضمضة والاستنشاق)، فإن هذا الحديث منكر، يقول يحيى بن معين : لم يعرف طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده إلا في هذا الحديث، والله أعلم.
واستدل بهذا الحديث على وجوب المضمضة والاستنشاق في الوضوء وكذا الجنابة؛ لأنه إذا وجب في الوضوء فالجنابة من باب أولى؛ لأنه إذا وجب في الصغير فالكبير من باب أولى، كما أشار إلى ذلك الحفاظ والعلماء كما ذكر ذلك الإمام ابن رجب في كتاب القواعد رحمة الله تعالى على الجميع، وهذا هو مذهب الحنابلة: أن المضمضة والاستنشاق واجبتان في الوضوء والغسل، وهذا هو قول ابن عباس ، فقد روى ابن المنذر بسند صحيح أن رجلاً سأل ابن عباس أنه أجنب فاغتسل ولم يتمضمض فقال: تمضمض الآن، فهذا يدل على وجوب المضمضة، ويدل على عدم اشتراط الموالاة بينهما في الغسل كما هو مذهب عامة أهل العلم، والله تبارك وتعالى أعلم.
واستدل الحنابلة على ذلك بما جاء عند أبي داود والإمام أحمد وغيرهما من حديث لقيط بن صبرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا توضأت فمضمض ) وقالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحفظ عنه ولا في حديث واحد أنه ترك المضمضة والاستنشاق، فهذه المداومة بيان لمطلق الأمر في القرآن، فيكون في حكم الوجوب والله أعلم، هذا مذهب الحنابلة، والمروي عن ابن عباس رضي الله عنه، وهو قول إسحاق و الزهري وغيرهما.
والقول الثاني في المسألة: مذهب مالك و الشافعي على أن المضمضة والاستنشاق مستحبتان في الوضوء والاغتسال، وقالوا: إنه لم يرد المضمضة والاستنشاق إلا من فعله عليه الصلاة والسلام، وإن القرآن لم يذكر فيه المضمضة والاستنشاق، وقد قال صلى الله عليه وسلم في حديث المسيء في صلاته: ( توضأ كما أمرك الله )، والله لم يأمره بالمضمضة والاستنشاق، ويمكن أن يجاب على هذا بأن يقال: إنه صلى الله عليه وسلم قال: ( توضأ كما أمرك الله ) وما يأمره الله منه ما هو في القرآن، ومنه ما هو من السنة كما قال صلى الله عليه وسلم عند أبي داود : ( ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه ).
والثاني: أن المضمضة والاستنشاق داخلان في الوجه، فكما أن المرء يجب عليه أن يغسل أواخر وجهه إلى أذنه؛ لأنه داخل في عموم الوجه، فكذلك يتمضمض ويستنشق لأنه داخل في عموم الوجه، وأما قولهم: أنه لم يرد، فهذا إنما قالوا ذلك على حسب ما بلغهم علمهم، وإلا فإن الحديث ثابت أن المضمضة مأمورة بها في الوضوء.
القول الثالث في المسألة: أن المضمضة والاستنشاق واجبتان في الغسل لا في الوضوء، واستدلوا بحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن تحت كل شعرة جنابة؛ ألا فاغسلوا الشعر وأنقوا البشرة )، وهذا الحديث منكر لا يصح، ضعفه جمع كثير من أهل العلم في كـالدارقطني وغيره و أبي داود وغيره، وروي عن علي رضي الله عنه نحوه، ولا يصح أيضاً.
والقول الرابع: أن الاستنشاق واجب، وأن المضمضة مستحبة، وهذا رواية عند الإمام أحمد قالوا: لأن الأحاديث التي جاءت في الأمر بالاستنشاق آكد وأكثر من أحاديث المضمضة فإن أحاديث المضمضة لا تخلو من ضعف، وأما الاستنشاق فقد جاء الأمر بها كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماءً ثم لينتثر )، وهذا هو الاستنشاق والاستنثار، وبعضهم تكلم: يلزم من ذلك الاستنثار، ولا داعي للدخول في التفاصيل؛ لأن المقصد هو ذكر المسألة.
إذا عرفت هذا فاعلم أنه لا يعرف القول عند الأئمة أن المضمضة والاستنشاق واجبة في الوضوء دون الغسل، وإنما ذكرت هذا لأن بعض الفضلاء المعاصرين يقول بها، وهذا قول محدث لا يعرف عند المتقدمين، ولا يعرف هذا القول عند العلماء الذين ذكروا الخلاف في المسائل.
والراجح هو مذهب الحنابلة أن المضمضة والاستنشاق واجبتان في الغسل والوضوء، والدليل على ذلك أن الأمر بالمضمضة ثابت، والاستنشاق ثابت، وإذا ثبت في الوضوء فالغسل من باب أولى، وهو قول ابن عباس ولا يعرف عن الصحابة بإسناد صحيح خلاف قول ابن عباس عندما أمر الرجل الذي سأله أن يتمضمض، والله أعلم.
وفي حديث آخر ولعله اختصار: ( غسل وجهه ثلاثاً، وغسل يديه مرتين، ومسح رأسه مرة )، وهذا مختصر، وهذا الحديث روي مختصراً والله أعلم.
وذهب الإمام الشافعي رحمه الله إلى أنه يستحب أن يمسح رأسه ثلاثاً، واستدلوا بما جاء في صحيح مسلم عن عثمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثاً ثلاثاً، قالوا: فهذا يدل على أن: (ثلاثاً ثلاثاً) يفيد أن كل عضو من أعضاء الوضوء فعله ثلاثاً، وهذا يسمى عند علماء الأصول الاستدلال بعموم اللفظ، وهو يدل على أن الاحتجاج بعموم اللفظ أصل معروف عند الأئمة، وقد ذكر الإمام الشافعي في الرسالة أنه يستدل بعموم اللفظ، وهذه طريقة الأئمة كما ذكر ذلك الإمام ابن كثير رحمه الله، ولكن هذا الاستدلال بشرط ألا يأتي نص صريح يخالف هذا العموم، وقد جاء نص صريح يخالف هذا العموم، وهو مسح برأسه مرة واحدة في حديث علي ، وقول عبد الله بن زيد : ( ومسح برأسه فبدأ بمقدم رأسه حتى انتهى بقفاه، ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه )، وهذا هو الصحيح؛ وهو أن المسح يكون مرة واحدة.
الفائدة الأولى: الحديث دليل بدلالة الإيماء، أو الإشارة على عدد المسحات، فإن قوله: ( بدأ بمقدم رأسه حتى انتهى بهما إلى قفاه ) دلالة على أن ذلك إنما كان مرة واحدة، والله أعلم.
الفائدة الثانية: صفة المسح، وقد اختلف العلماء في صفة المسح، فمنهم من يقول: إنه يبدأ بمقدم رأسه حتى يردهما إلى القفا ثم يرجع إلى الأمام، قالوا: ومما يدل على ذلك رواية عبد الله : (بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه)، وفي حديث المقدام بن معد يكرب ، وبعضهم يقول: معد كرب أنه قال: ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ، فلما بلغ مسح رأسه وضع كفيه على مقدم رأسه فأمرهما حتى بلغا القفا ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه )، وهذا الحديث نص في أن البداءة إنما تكون في أول الشعر، والحديث وإن كان في سنده الوليد بن مسلم فإن الوليد بن مسلم قد صرح فيه بالسماع، ورواية الوليد بن مسلم في التصريح بالسماع مقبولة، وبعضهم يقول: إنما تقبل إذا حدث عن الأوزاعي ، وأما إذا لم يحدث عن الأوزاعي فإن أحاديثه فيها كلام، والذي يظهر والله أعلم أنه لا مانع من قبول حديث الوليد بن مسلم إذا صرح بالسماع ولو لم يكن عن طريق الأوزاعي ، ولكن روايته عن الأوزاعي أثبت وأقعد، والله أعلم.
القول الثاني: قالوا: إن البداءة إنما تكون من الخلف، يعني: إذا أراد أن يمسح يبدأ من الخلف ثم إلى القفا أي: للأمام ثم يرجع، استدلوا على ذلك بقوله: ( فأقبل بيديه وأدبر )، قالوا: فإن الإقبال إنما يكون من الخلف إلى الأمام، وبعضهم أراد أن يخرج من هذا، فقال: قوله: ( فأقبل بيديه وأدبر ) المقصود بالإقبال فيه أي: القبل، والقبل هو أول الشيء وليس آخره، فقبل الرأس يكون من هنا، وهذا فيه تكلف، والذي يظهر أنه قال: ( فأقبل بيديه وأدبر ) إشارة إلى الإمرار فحسب، ومما يدل على ذلك أنه ذكر الصفة واضحة.
وقال بعض أهل العلم: أنه لا مانع أن يكون الرسول مرة صنع كذا بأن وضع يده أو يديه على أول مقدم رأسه، ومرة وضعهما على قفاه ثم ذهب بهما إلى الأمام فيكون له صفتان، والذي يظهر والله أعلم ترجيح الصفة التي ذكرها البخاري و مسلم : ( بدأ بمقدم رأسه حتى انتهى بهما إلى قفاه، ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه )، وهذه صفة الاستحباب.
ولو أن شخصاً مسح رأسه بيد واحدة كفاه إذا عمم سائر رأسه كما هو مذهب مالك و أحمد ، وسوف يأتي إن شاء الله حكم مسح الرأس هل المسح له كله أو لا.
وخلاصة القول في مسألة حكم المسح على كل الرأس أن مذهب أحمد و مالك وجوب تعميم الرأس وهو اختيار ابن تيمية .
ومذهب أبو حنيفة يكفي بعضه، بل قال الشافعي أشد من ذلك: إنه يكفي أقل ما يطلق عليه مسح للرأس، ولكن الراجح هو مذهب مالك والله تبارك وتعالى أعلم.
لعلنا نقف عند هذا الحد ونسأله سبحانه وتعالى التوفيق والتسديد، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
الجواب: العلماء رحمهم الله ردوا على هذا بأمور كثيرة، ولم أشأ أن أطنب في الرد، لكني ذكرت أحسنها، وهما أمران:
الأول: أن الرسول إنما كان حكى الخبر ولم يقصد حصول الإنشاء، إذ أن الخلوف لم يكن مقصوداً، ولو كان مقصوداً لأمر الصائم بأن يتسحر أول الليل.
والثاني: أن الخلوف أطيب عند الله من ريح المسك وذلك يوم القيامة.
ثم إن بعض أهل العلم قال: إن الخلوف إنما ينشأ من المعدة بسبب فراغها، وقالوا: إن السواك لا يغيره، وهذا ليس بصحيح، السواك يغيره، والله أعلم.
الجواب: لا، فيه أحاديث أشد منها، من ذلك ما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة : (من أتى هذا البيت)، وفي رواية: ( من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه )، وهذا الذي احتج به ابن تيمية ، قالوا: فهذا يدل على أن هذا يدخل فيه الكبائر، لكن يمكن أن يرد على هذا بقوله صلى الله عليه وسلم: ( العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما ما لم تغش الكبائر )، بل إن بعض العلماء كـابن تيمية استدل بحديث: ( من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه ) على أن الله يغفر الكبائر ولو لم تكن بتوبة.
والحق أن بقاء نيته على شرب الخمر أو على الزنا أو على الكبيرة، دليل على الفسق، أما لو أنه قال: أنا تائب من كل ذنب، وإن لم يستحضر ذنوبه بآحادها فهذا داخل في عموم المغفرة، أما أنه يحج ويواعد فلاناً على السفر لأجل أن يذهب إلى بلد هنا أو هناك ليشرب، هذا لم يكن إلا فاسقاً والعياذ بالله، والله أعلم.
الجواب: هذا هو الصحيح أن أثر العبادة غير مقصودة، والحنابلة قاسوا ثياب المعتكف على خلوف فم الصائم بجامع أنهما أثر عبادته، وهذا غير مقصود بدليل أنهم خالفوا سنة اللباس الحسن في يوم العيد.
الثاني: أن هذا كأنه نوع مراءاة يعني: صلاته للعيد في ثياب اعتكافه حتى يقول الناس: إنه معتكف.
والثالث: كأن المعتكف مأمور بالتبذل وهذا ليس صحيحاً، كذلك قول مثل هذا في أثر ماء الوضوء، فإنه أثر العبادة لو مسحه الإنسان فلا حرج في ذلك، وليس فيه ثمة سنة، والأحاديث الواردة في هذا منعاً أو إثباتاً ضعيفة والله أعلم.
أما قوله: (فأتيت بالمنديل فرده، فجعل ينفض الماء بيده)، هذا لا يدل على النهي؛ لأنه كونه عليه الصلاة والسلام ينفضه بيده دليل على أنه يزيله، ولئن كانت الإزالة ليست قوية.
الجواب: الحديث رواه البخاري و مسلم موصولاً عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة ، بل عد بعض أهل العلم أن السلسلة الذهبية مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة ، هذه نسميها سلسلة ذهبية والله أعلم.
الجواب: أنتم تعرفون حديث: ( إن أمتي يأتون يوم القيامة غراً محجلين من أثر الوضوء )، هذا هو الحديث المذكور فقط، وأما (فمن شاء منكم أن يطيل غرته وتحجيله فليفعل)، فإن هذا الصحيح أنها مدرجة من كلام أبي هريرة ، كما ذكر ذلك الدارقطني و المنذري و ابن حجر و ابن تيمية و ابن القيم رحمه الله كما في نونيته، والله أعلم.
الجواب: ذهب أبو العباس بن تيمية ونسبه إلى جمهور الفقهاء أنه يكون باليسار، ونسبة القول إلى جمهور أهل العلم محل تأمل؛ لأن طريقة ابن تيمية رحمه الله في نقل الجمهور هو أنه إذا ذكر كثيراً من السلف يقول: قول الجمهور أو أكثر السلف، و مالك رحمه الله يرى أن الأمر في ذلك واسع، وبعض أهل العلم يرى أنه باليمين، ويستدلون على ذلك بما في الصحيحين من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أتيت بالمنام برجلين وأنا أستاك بسواك رطب، فدفعت السواك إلى الأصغر منهما فقيل لي: كبر كبر )، وجه الدلالة: قالوا: لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يستاك فدفعه، دليل على أن الرسول لم يكن يأخذ ويعطي إلا باليمين، فيكون هذا السواك دليل على الأخذ باليمين.
ووجه قول ابن تيمية باليسار؛ لأن السواك مطهرة للفم، فهو غير داخل فيما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ( أنه كان يعجبه التيمن في شأنه كله )؛ لأن هذا فيما هو للتكريم أما ما كان في التنظف فإنه يكون باليسار؛ لأنه من باب الإزالة والخلاء، وإزالة الفضلات، واليمنى كريمة.
والذي يظهر والله أعلم أنه ليس ثمة سنة، والدليل على هذا أنه يمكن أن يستدل في بعض الألفاظ باليسار، لكن أنا أسأل سؤالاً على قصة النبي صلى الله عليه وسلم في الوفاة، قال: ( فدخل
الجواب: بعض أهل العلم زاد (وتسوكه)، ولكن التسوك ليس دلالة على اليمين واليسار، إنما دلالة على التسوك يبدأ بيمين الفم ثم يساره كما ذكر ذلك الفقهاء من الحنابلة والشافعية، والتسوك يطلق على الفعل ويطلق على السواك، لكن اليد اليمنى ليست فعل السواك، وليست السواك نفسه.
الجواب: شرب الماء إدخاله إلى الجوف، والمقصود بالمضمضة إدارة الماء على الفم هذا المقصود.
أما الاستنشاق فالإنسان يبالغ لكن لا يبتلعه، وهنا نصيحة: الدقة في الألفاظ ليست معروفة عند العلماء. كنت وأنا صغير آخذ بعض هذا فنصحني بعض المشائخ قال: لا تبالغ في هذه الألفاظ اللغوية، فبدأت أجمع نصوص السلف في مثل هذا فوجدت أنهم يحتجون باللغة إذا كان اللفظ مقصوداً فيها، وأما إذا كان اللفظ اللغوي غير مقصود فيها، فإنهم لا يحتجون به مثل: عند كل وضوء، يمكن يفيد هذا ويمكن ما يفيد هذا، فلسنا بحاجة إلى أن نبحث عند علماء اللغة هل العندية تفيد المخالطة أم لا؛ لأنها ليست مقصودة.
الجواب: السنة في السواك سواء في اليمين أو في اليسار، يعني: لو أنا اخترت قول ابن تيمية لأني أنا أشول، وهو أسهل لي، ولكن الذي يظهر أنه لا فرق، السنة أن الإنسان يبدأ بيمين فمه فيقول هكذا، ويجعل يمين الفم وأعلاه، وإن كان أعلاه لم يرد فيه نص، لكن المقصود به التنظف.
ومن السنة في السواك -وهذا يخفى على كثير من الناس- تسوك اللسان، فإن أكثر الناس بل عامتهم صغيرهم وكبيرهم لا يسوك إلا الأسنان ويدع اللسان، وقد جاء في الصحيحين من حديث أبي موسى قال: ( رأيت رسول الله يستاك، وطرف السواك على لسانه يقول: أع أع )، والله أعلم.
جزاكم الله خيراً، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين، سبحانك اللهم بحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر