اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل.
اللهم انفعنا بما علمتنا، وعلمنا بما ينفعنا، وزدنا علماً وعملاً يا كريم.
وبعد:
قال المؤلف رحمه الله: [ باب ما نهي عنه من البيوع].
الفرق الأول: أن شروط البيع هي الشروط التي يجعلها الشارع، وأما الشروط في البيع فهي الشروط التي يجعلها المتعاقدان.
الفرق الثاني: أنه لا يصح البيع إذا فقد أحد شروط البيع، في حين أنه لو افتقد جميع الشروط في البيع فإنه يصح.
الأول: أن يكون من جائز التصرف.
الثاني: الرضا.
الثالث: أن يكون من مالك للسلعة أو من ينيبه، الذي يسمى الوكيل.
الرابع: القدرة على التسليم.
الخامس: أن تكون السلعة أو المعقود عليه مباح النفع من غير حاجة.
السادس: معرفة المعقود عليه، ويمكن معرفته إما برؤيته أو بالوصف المنضبط.
السابع: معرفة الثمن، فلو قال: بعتك هذه السلعة بعشرة حالة أو عشرين نقداً ثم تفرقا ولم يبين أحدهما أي الثمن أبرم العقد عليه، فهذا لا يصح لجهالة الثمن.
ولو قال: أبيعك بمثل ما باع به عبد الرحمن ولم نعلم عبد الرحمن بكم باع فقال: قبلت، إذاً بعد يوم نتصل على عبد الرحمن يخبرنا بكم باع؟ فهل يصح هذا؟ نقول: الأئمة الأربعة يمنعون، وجوزه أبو العباس ابن تيمية رحمه الله، وقال: إن هذا لا بأس به؛ لأن هذه الجهالة ليست جهالة مطلقة، وإنما هي جهالة تئول إلى العلم، والجهالة الممنوعة هي الجهالة المطلقة أو الجهالة التي لا تئول إلى العلم.
يقول ابن تيمية : والمنع من ذلك إنما هو بسبب التنازع والاختلاف، والإنسان ربما لا يحسن البيع، مثلاً: الآن بعض الشباب المراهقين يبيع في سوق الخضرة؟ فيقول له المشتري: بكم تبيع؟ قال: والله ما أدري، لكن أبيعك بمثل ما يبيع الوالد، هذه الصورة موجودة، فهل يصح؟ على مذهب الأئمة الأربعة لا يصح، وعلى اختيار ابن تيمية يصح؛ لأنه يمكن أن يئول إلى العلم والله أعلم.
هذه شروط البيع، اضبطوها، وكل عقد منهي عنه نذكره نقول: افتقد شرطاً.
هذه شروط مجمع عليها في الجملة، ولم نقل: بالجملة؛ لأننا إذا قلنا: بالجملة فكل أفراد الجملة هذا مجمع عليها، وإذا قلنا: في الجملة فبعض أفراد الجملة مجمع عليه وبعضه ليس بمجمع عليه.
اعلم أنه ما ينهى عنه من البيوع إما أن يعود النهي إلى ماهية الشيء -يعني: الركن- أو وصفه الذي لا ينفك عنه، وحينئذٍ يكون العقد باطلاً أو فاسداً، يعني: أن الباطل والفاسد بمعنى واحد، وهو مذهب الجمهور، خلافاً لـأبي حنيفة -إذا قلت: خلافاً لـأبي حنيفة فالقول الراجح هو قول الجمهور، وهم: مالك و الشافعي و أحمد ، وإذا قلت: خلافاً لـمالك ، يكون الجمهور: أبا حنيفة و الشافعي و أحمد ، وإذا قلت: خلافاً للشافعي ، يكون الجمهور: أبا حنيفة ، و مالك ، و أحمد .
والقول بالفرق بين الفاسد والباطل هو قول أكثر الحنفية ونسب إلى أبي حنيفة .
إذاً: إذا كان النهي عائداً إلى ماهية الشيء أو إلى وصف لا ينفك عنه فإننا نقول: النهي يعود إلى أصل الشيء فيكون باطلاً، وإذا كان النهي عائداً إلى شيء خارج، فإن النهي يكون للتحريم مع صحة العقد.
وهنا نوضح الماهية التي هي أصل الشيء، فالرسول صلى الله عليه وسلم: ( نهى عن بيع حبل الحبلة )، مثلاً: أرى إنساناً عنده فرس فأقول: يا فلان! أريد أن أشتري الحمل الذي ينتج من هذه الفرس، أو الحمل الذي ينتج من حمل هذه الفرس، هذا منهي عنه، النهي هنا عائد إلى الماهية وعلى الوصف الذي لا ينفك عنه، وهو المعقود عليه، ألم نقل: أركان البيع ثلاثة: صيغة، وعاقدان، ومحل، فإذا كان النهي عائد على أصل هذه الأشياء فيكون البيع باطلاً.
والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( لا تلقوا الجلب )، يعني: تلقي الركبان، هذا النهي عائد على وصف في الماهية؛ وهو الجهل في الثمن، والثمن معلوم في الجملة، لكنه ليس معلوماً على التمام، فقال صلى الله عليه وسلم: ( فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار )، دليل على صحة البيع.
لأنه كما هو معروف أن الوصف وصفان: وصف لا ينفك عنه، ووصف يمكن أن ينفك عنه، وهنا المعقود عليه وهو المحل معلوم وهو القماش؛ لكن القماش يمكن أن يكون من حرير، ويمكن أن يكون من صوف، وهناك فرق في القيمة فصار النهي عائداً على الخلاف بالماهية، والماهية التي هي الركن أو المحل غير معلوم، فصار النهي هنا يقتضي الفساد؛ لأن الغرر غرر فاحش، فإذا كان هناك غرر فاحش في المعقود عليه فإن العقد يكون باطلاً، والله أعلم.
ومن صور المنابذة: أن آخذ حصاة فأقول لفلان: أنا سوف أنبذ هذه الحصاة فإذا وقعت على ثوب من ثيابك فهو لي بعشرين ديناراً، فيمكن أن تقع على ثوب يكون بريالين، ويمكن أن تقع على ثوب أو على أقمشة كتان وهذا لا يجوز، وبعضهم يقول: هذه ليست صورة المنابذة ولكنها تفسير للحصاة، وهذه تفاسير للعلماء.
المهم أن نعرف أن المنابذة أن ينبذ الرجل إلى الآخر الشيء المعقود عليه، والمعقود عليه إما أن يكون ثوباً أو حصاً تقذف إلى الثوب، والله أعلم.
الصورة الأولى: أن يتبايع المتبايعان ويكون لهما أو لأحدهما خيار الشرط، فيأتي الآخر فيقول لأحدهما: أنا أبيعك مثلها بأقل، أو أنا أشتري منك هذه بأكثر، فيضطر البائع إلى إلغاء العقد لأجل أن يبيعها إلى طرف آخر، فهذا يسمى عند العلماء: البيع على بيع أخيه، وهو: أن يعترض أحد الناس المتعاقدين في زمن خيار الشرط، أو زمن خيار المجلس، مثل: أنا وعبد الرحمن قلت: تبيعني سيارتك؟ قال: نعم، قلت: بكم؟ قال: بمائة ألف، فيأتي يوسف، يقول: لماذا تبيع بمائة ألف وسيارتك تسوى أكثر من ذلك، أنا أشتريها بمائة وعشرين، فهنا يجوز لعبد الرحمن أن يبطل البيع معي؛ لأنه في زمن الخيار، فيكون هذا من صور البيع على بيع أخيه؛ لأن يوسف عندما عرض عرضه اضطر عبد الرحمن إلى أن يلغي البيع فيكون فعل يوسف أنه باع على بيعي، وعلى هذا فيكون البيع على بيع أخيه إما أن يكون في خيار المجلس أو خيار الشرط.
ومن صور خيار المجلس عند العلماء كما قال أبو عمر بن عبد البر في التمهيد: أن يتراضيا على الثمن والمثمن، ولم يبق بينهما إلا الإيجاب والقبول، نقول له مثلاً: بكم سيارتك؟ يقول: بمائة، فيقول: فنبدأ بإبرام العقد؛ لكن لم يتم العقد الحقيقي، فيأتي زيد فيقول لعبد الرحمن: أنا أشتري منك سيارتك بمائة وعشرين ألفاً.
إذاً: صور البيع على بيع أخيه ثلاث: صورة من خيار الشرط، وصورتان من خيار المجلس، والله أعلم.
أو التقليل للإضرار والتغرير، كأن أقول لشخص: والله سيارتك هذه غير مرغوبة، لو تذهب بها إلى الحراج، والله قيمتها ما تساوي شيئاً، فيصدق، يقولون: طلاب العلم أحياناً لا يعرفون البيع والشراء فلذلك يخدعون؛ بسبب أنهم لا يهتمون بهذا جزاهم الله خيراً، وإن كان عمر يقول: لست بالخب، ولا الخب يخدعني.
يقول هذا الشخص: بكم تريدها؟ فأقول: أريدها بثمانين ألفاً، فيخاف فيقول: كلامه صحيح. فأنا فعلت بهذه الطريقة نجشاً.
إذاً الصحيح أن النجش: هو الزيادة أو التقليل من السلعة تغريراً بأحد المتعاقدين، وأما تفسيرها: بزيادة السلعة ممن لا يريد شراءها كما ذكره الشافعي في الأم فهذا من صور النجش، وقد ذكر هذه الصور -صور التقليل- الشافعية رحمهم الله، وكذلك ابن العربي رحمة الله تعالى على الجميع.
وأما النجش فإن الصحيح أن العقد صحيح، وقد نقل غير واحد الإجماع على صحة هذا العقد، وأما ما رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم عن عبد الله بن أبي أوفى أنه قال: ( الناجش آكل للربا خائن )، فهذا ليس فيه ما يدل على بطلان البيع، فإن الراجح أن البيع صحيح، وهذا قول الأئمة الأربعة، وهو قول عامة أهل العلم، إلا أن الفقهاء اختلفوا، فقالوا: إذا ثبت صحة البيع فهل يثبت للمتضرر الخيار أم لا؟ فإذا قال الشخص: السلعة بأربعين، وقال آخر: بواحد وأربعين، وقال ثالث: باثنين وأربعين، وقال رابع: بثلاثة وأربعين، فاشترى شخص بأربعة وأربعين وهو لا يعلم، ثم علم أن هناك شخصاً يزيد في السلعة، هل يكون له خيار إمضاء العقد أو فسخه؟
نقول: اختلف الفقهاء في ذلك؛ فذهب الشافعي و أبو حنيفة إلى أن العقد صحيح بلا خيار؛ لأن الشارع لم يثبت الخيار في النجش، وإن كان قد نهى عنه، وفرق بين النهي عنه ووجود الخيار، ولأن المشتري مفرط في عدم البحث والسؤال، وهذا هو القول الأول.
والقول الثاني: هو مذهب مالك و أحمد واختيار أبي العباس بن تيمية وهو المفتى به في جميع المجامع الفقهية وهو أن للمتضرر الخيار؛ لأن الشارع قد أوجب الخيار لمتلقي الركبان بسبب عدم معرفته للثمن، فإذا ثبت لمتلقي الركبان الخيار فإن النجش كذلك؛ لأن الشارع لم يفرق بين متماثلين.
هذه الصورة كانت موجودة في السابق، وهو أن البادي الذي له مزارع خارج البلد يجلب هذا الزرع أو هذه الثمار إلى السوق، فيريد بيعها قبل الغروب حتى يرجع إلى بلده وقريته، فالشارع نهى أن يجعل له سمساراً؛ ولهذا قال طاوس : قلت لـابن عباس : ما بيع حاضر لباد؟ قال: لا يكون له سمساراً، يعني: ما يأتي الحاضر فيأخذ السلعة من البادي ويقوم بالبيع لمن يزيد؛ لأن في ذلك ضرراً على أهل السوق، وعلى هذا فلا يبيع حاضر لباد، يعني: لا يأتي البادي فيقول لأحد الحضر في السوق: أريدك أن تبيع السلعة عني، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في حديث مسلم عند جابر : ( دع الناس يرزق بعضهم بعضاً ).
وذكر الحنابلة أن بيع الحاضر يشترط له شروط:
الشرط الأول: أن يكون البادي يريد بيعها في نفس اليوم، أما إذا لم يكن يريد بيعها في نفس اليوم فلا حرج أن يكون له سمساراً، وغالب الناس اليوم يريدون بيعها في نفس اليوم أو غداً أو بعد غد، إذاً ليس ثمة بأس أن يأتي شخص بالبطيخ من خارج فآخذه وأبيع عنه في يوم أو يومين أو ثلاثة؛ لأنه لا يريد بيعه في نفس اليوم؛ لأنه في السابق كان الناس يأتون إلى البلد يبيعون سلعهم، ولا يأتي الغروب إلا وقد خرجوا من القرية أو من البلد.
الشرط الثاني: أن يكون جاهلاً بالسعر، فإن كان عالماً به فلا بأس أن يكون له سمساراً, والبادي لا يلزم أن يكون من أهل البادية، بل كل من جلب سلعة إلى بلد فإنه يكون في حكم البادي.
الشرط الثالث: قالوا: أن تكون بالناس حاجة، فإذا لم يكن بالناس حاجة فلا بأس؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( دع الناس يرزق بعضهم بعضاً )، وصورة: ( لا يبع حاضر لباد ) منعت لأجل الرفق بأهل السوق؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( دع الناس يرزق بعضهم بعضاً )، والله أعلم.
وهذه الصورة! قليلة الوقوع في زماننا؛ ذلك أن أكثر الذين يجلبون السلع إلى البلد يريدون بيعها بأغلى الثمن؛ ولهذا تجدهم يضعون مستودعات في البلد، فمن وضع مستودعاً في البلد فلا يريد بيعها بنفس اليوم، وعلى هذا فهذه الصورة كانت في السابق لكن قل أن توجد في زماننا، وإن وجدت هذه الشروط فهي ممنوعة، والله أعلم.
التصرية: هي حبس اللبن في الضرع حتى يكبر الضرع، فيوهم المشتري أن الدابة ذات لبن، وعلى هذا فالتصرية إما أن تكون بوضع حبل على ضرعها، وإما أن يبقى اللبن في الضرع حتى يكبر فلا تحلب يوماً أو يومين أو ثلاثة، فإذا جاء بها صاحبها إلى السوق وجد أن الضرع كبير، فيغتر المشتري فيظن أنها صاحبة لبن، فبمجرد أن يحلبها وأراد أن يحلبها من اليوم الثاني وجد أن الضرع قد ضمر، وهذا تغرير وخداع، والله أعلم.
فقال صلى الله عليه وسلم: ( لا تصروا الإبل والغنم، فمن ابتاعها )، يعني: فمن اشتراها ولم يعلم؛ ولهذا قال في بعض الروايات: ( فمن ابتاعها بعد ذلك )، يعني: بعد عدم العلم بالتصرية: ( فهو بخير النظرين )، فالشارع جعل له الخيار فقال: ( فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها )، وكلمة ( بعد أن يحلبها ) فإن علم أنها مصراة من قبل الحلب فالصحيح أن له أن يرجع، ولكن الشارع ذكر ذلك الشرط ( بعد أن يحلبها )؛ لأن هذا في الغالب لا يعلم إلا بعد الحلب، وعلى هذا فلا بأس أن يعيدها إلى صاحبها قبل الحلب خلافاً لـابن حزم فإنه قال: لا يجوز أن يردها حتى يحلبها لهذا الحديث، وهذا ما يسميه العلماء: شرط خرج مخرج الغالب؛ لأن الغالب أنه لا يعلم إلا بالحلب. والله أعلم.
يقول: ( فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها ثلاثة أيام )، والشارع جعل له ثلاثة أيام لأنه ربما في اليوم الأول ما يدري، وفي اليوم الثاني يظن أنها مريضة تغير عليها المحلب أو المشرب أو المأكل أو المرعى، فإذا كان اليوم الثالث علمنا أن البلاء فيها؛ وأن فيها عيباً.
والشارع الحكيم جعل للمتضرر خيارين:
الأول: أن يمسكها على علتها بالثمن الذي اشتراها به.
والثاني: أن يردها ويأخذ الثمن.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ( ومعها صاع من تمر )، فهذا يقول العلماء رحمهم الله خلافاً لـأبي حنيفة : إن هذا من باب القضاء والحكومة، وهذا الصاع هو مقدر بقيمة اللبن الموجود في الضرع حال العقد، وأما اللبن الآخر بعد العقد وجعله في ذمة المشتري فهذا لا بأس به، والله أعلم.
فلو افترضنا أن صاع التمر يساوي جالون لبن، وهو شرب في ثلاثة أيام ثلاثة أو أربعة، ورد صاعاً، إذاً الصاع هذا حكومة للبن الأول، وأما اللبن الذي يأتي بعد ذلك فهذا يسميه العلماء: الخراج بالضمان، فكما لو أن السلعة هلكت فهي من ضمان المشتري، فكذلك اللبن له لأن الخراج بالضمان، فلما كان الضمان عليه كان خراجها له، والله أعلم.
وعلى هذا ذهب المالكية والحنفية ورواية عند أحمد اختارها أبو العباس بن تيمية و ابن القيم : أن من وجد في السلعة عيباً فهو بخير النظرين بعد أن يعلمها: إما أن يمسكها بالثمن الذي اشتراها به، وإما أن يردها ويأخذ الثمن، هذا مذهب الجمهور، خلافاً للشافعية والحنابلة في المشهور عندهم: فإنهم قالوا: المشتري بعد بالخيار: إما أن يمسكها ويطالب البائع بقيمة النقص الحاصل، الذي يسمى عند الفقهاء: الأرش، وإما أن يردها ويأخذ ثمنها، والراجح: أن الأرش معاوضة جديدة لا بد فيها من رضا المتعاقدين، وظلم البائع لا يجعل معه ظلم آخر، فالضرر الحاصل على المشتري يمكن تفاديه بالرد، أما أن يمسكها ويطالب البائع بقيمة الأرش فهذه معاوضة جديدة لا بد فيها من رضا الطرفين، والله أعلم.
وهذا القول هو الراجح، وعلى هذا فلا يثبت الأرش إلا إذا هلكت السلعة في يد البائع، أو تصرف البائع فيها بالبيع، فيثبت له ذلك كما هو الراجح عند جمهور الفقهاء والله أعلم.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم في لفظ: ( وهو بالخيار ثلاثاً )، يعني: بعد أن يعلم بأنها مصراة له الخيار ثلاثة أيام، إذاً يمكن أن تكون السلعة عنده ستة أيام؛ لأنه في بعض الروايات: ( فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها ثلاثاً )، فقال بعضهم: إنه لا يعرف بالتصرية إلا خلال ثلاثة أيام، فإذا علم فله الخيار ثلاثة أيام بعدها فتكون ستة أيام، والله أعلم، وعلى هذا فهنا مسألة وهي: هل الخيار على الفور أم على التراخي؟ الراجح أنه على التراخي ثلاثة أيام بعد أن يحلبها، والله أعلم.
هذا الحديث نوع من الغرر وهو المجهول المطلق، وهو أن يبيع الرجل شارفه -ومعنى شارفه: الناقة الكبيرة المسنة- ويكون الثمن هو الحمل الذي في هذه الناقة أو حمل الحمل، وهو (حبل الحبلة)، فإذا كانت الناقة من المزاين فيقول شخص: أريد أن أشتري بطن البطن، يعني: بعد سنتين، وأعطيك هذا الشارف أو هذا الفحل أو هذا القعود، وهذا البيع لا يجوز؛ لأنه مجهول مطلق، والله أعلم.
واعلم أن الغرر هو المجهول العاقبة، كما ذكره الإمام السرخسي و أبو العباس بن تيمية رحمه الله، فالبائع والمشتري لا يعلمان المعقود عليه هل يبقى حياً أم ميتاً، وقولنا: المجهول المطلق: لأن المجهول من غير إطلاق لا يلزم أن يكون غرراً، فكل غرر جهالة وليس كل جهالة غرراً؛ لأن الغرر: هو ما لا يعلم المتعاقدان حاله، وأما الجهالة فهو مجهول لأحد المتعاقدين لكن لا يلزم جهالة الآخر، فأنا أبيعك سيارتي الجيب وأنت لا تعرفها، وهذا مجهول، وأبيعك جملي الشارد وما أدري هل أحصل عليه أو لا تحصل عليه، كلنا لا نعلم فيكون غرراً، ولهذا قلت: المجهول العاقبة هو الغرر، أما الجهالة فهو مجهول لأحد المتعاقدين دون الآخر، والله أعلم.
قد يقول قائل: والبائع أيضاً هلك ماله، فنقول: هلك ماله لأنه يملك المال فيكون قضاء وقدراً، أما فعل البشر فلا يجوز أن تأخذها، وفرق بين فعل البشر وفعل الباري، فالبائع هلك من فعل الله، وأما مال المشتري فقد هلك من فعلك أنت أيها البائع! فيجب عليك أن ترده، والله أعلم.
حديث أنس : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تُزهي -وفي رواية: تَزهي- قيل: وما تزهي؟ قال: حتى تحمر ) وفي رواية: ( حتى تحمار أو تصفار ). ثم قال: ( أرأيت إذا منع الله الثمرة بم يستحل أحدكم مال أخيه؟ )].
وهذه مسألة يسميها العلماء: مسألة الجوائح، ومسألة الجوائح: هي الجائحة السماوية أو الآفة السماوية التي تجتاح الثمار بعد بدو الصلاح أو قبله، فإن اجتاحته بعد بدو الصلاح وبعد العقد فإن الضمان يكون على البائع كما هو مذهب مالك و أحمد خلافاً للشافعية، فلو اشتريت أنا من عبد الرحمن ثمراً بعد أن احمار أو اصفار، فقلت له: أبقه عندك حتى يثمر، فجاءت جائحة فاجتاحت الثمر، فأنا المشتري لم أقبضه، ويكون قد تم العقد، ومع ذلك فالضمان على البائع؛ لأن الراجح أن كل ما لم يقبض أو لم يمكن قبضه فضمانه على البائع، كما هو مذهب الشافعية والحنفية والحنابلة رحمهم الله، خلافاً لـمالك فإن مالكاً له تفصيل في ذلك، لم يخصص في ذلك إلا التمر أو الثمار أو الطعام، والله أعلم.
المزابنة معناها: أن يبيع ثمر حائطه الذي على رءوس النخل بتمر ليس على رءوس النخل، ومن المعلوم أن التمر إذا يبس يقل كيلاً، فإذا بعت تمراً موجوداً معك بثمر موجود على رءوس النخل فإن هذا لا يجوز؛ لأننا نعلم أن الثمر إذا يبس قل وزنه، وإذا قل وزنه لم نعلم بقيمتهما، والأصل أن ما اتحدت فيه العلة والجنس وجب فيه التماثل والتقابض، والتمر بالتمر يشترط فيه المساواة والتقابض، وشرط التقابض في المزابنة حاصل، أما شرط المساواة في المزابنة فلا؛ لأن الثمر سوف يقل وزنه وكيله، والجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل، فإذا أنا بعت الثمر الموجود على رءوس النخل بتمر موجود معي، فإنني أعلم أن الثمر سوف يقل فأكون جاهلاً بتساويهما، والجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل، والعلم بالتفاضل لا يجوز بالإجماع، فإذا لم يجز العلم بالتفاضل فإن الجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل، والله تبارك وتعالى أعلم.
ولهذا فسره النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ( أن يبيع ثمر حائطه إن كان نخلاً بتمر كيلاً )، يعني إن كان ثمراً بكيل تمراً، يعني أنا عندي الآن تمر من تمر العام فقلت: عندي الآن عشرة آصع تمراً، أريد أن تبيعني هذا النخل عشرة آصع تمراً، هذا لا يصح؛ لأن العشرة آصع من التمر ييبس فيقل وزنه فلا يكون ثمة تساوي، والله تبارك وتعالى أعلم.
ولأجل هذا نهى عنه الشارع لأجل وجود الربا؛ لأن العلة إذا وجدت والجنس إذا وجد اشترط فيه التساوي والتقابض، واعلم أن علة الربا في المطعومات: هي الطعم مع الكيل أو الوزن، فالتمر والشعير والقمح والملح والأرز الذي يكال أو الأدهان التي توزن إذا اتحد الجنس والعلة وجب فيها التقابض والتساوي. وإذا وجدت العلة واختلف الجنس وجب التقابض وجاز التفاضل، مثل: تمر بشعير لا يجوز أن أبيعه بعد سنة وأقبض الثمن ولا أقبض المثمن؛ لأن أحدهما دون الآخر فلا يجوز، فلا بد من قبض العوضين في مجلس العقد، والله أعلم.
وأما إذا اختلف الجنس والعلة جاز التفاضل والنسأ، والله تبارك وتعالى أعلم.
والقاعدة في هذه المشاركات: أن صاحب الأرض والعامل يدخلا بالربح المشاع بينهما، فيقول: ما أخرجته هذه الأرض فلي منه الربع، ولك منه الباقي، أو فلي منه النصف ولك منه الباقي، فهنا صار فيه نوع من العدل، فإن كان ثمة خسارة صارت على الأرض، فخسر صاحب الأرض أرضه، وخسر صاحب العمل عمله، وإذا كان ثمة ربح اقتسماه بينهما، وهذا من العدل، والشريعة لا تأبى العدل، بل تأبى الظلم.
الشرط الأول: معلومية رأس مال كل واحد من الشريكين أو أكثر، سواء كان المال عرضاً أم نقداً، فلا بأس أن أقول لك: أدخل معك مضاربة بهذا العود البخور، وأنت تقول: وأنا بهذه الخمسين ألفاً، ثم نقوّم قيمة العروض، أربعة كيلو بأربعين ألفاً، وأنت قدمت خمسين ألفاً، إذاً: رأس المال تسعون ألفاً، فلا حرج في هذه الشركة، وهو مذهب مالك خلافاً للجمهور الذين قالوا: لا يصح المضاربة أو المشاركة بالعرض.
الشرط الثاني: معلومية ربح كل واحد منهما، فإذا قال: أعطني الأرض، أو أعطني مالك وسوف أربحك، ولم يحدد نسبة الربح فهذا لا يجوز، لا بد أن يعلم كم الربح، وهذا الربح لا بد أن يكون مشاعاً، أما لو قال: لك عشرون بالمائة من رأس مالك، أو ثلاثون بالمائة، فهذا لا يجوز؛ لأن قولك: لك ثلاثون بالمائة من رأس المال، إذاً: علم كم ربحه، فإذا أنا أدخلت مائة ألف، وقال لي: لك ثلاثون بالمائة، إذاً ربحت أنا -قطعاً- ثلاثين ألف ريال، وهذا علم مشاعاً أم علم مقطوعاً؟ علم مقطوعاً، وعليه فلا يجوز، أما لو قال: لك ثلاثون بالمائة من الربح الذي سوف يخرج، فهذا جائز، وجائز أن يكون الثلاثون بالمائة من الربح مساوياً للثلاثين بالمائة من رأس المال، ويمكن أن يكون كقدر رأس المال، فلو ربح في الشركة أربعمائة بالمائة، وقلت: لي ثلاثين بالمائة، فكأن ثلاثين بالمائة هي رأس المال، الذي هو مائة ألف.
الشرط الثالث: عدم الجهالة والغرر، فمتى وجدت الشركة التي فيها الغرر والجهالة حرمت، مثل أن أقول: السفرة التي أسافر فيها إلى إندونيسيا لأجل البخور، هذه السفرة ربحها لي، وسفرة ذي الحجة ربحها لك، فهذا لا يجوز؛ لأن فيه غرراً، فجائز ألا أربح في هذه السفرة، وجائز أن أربح أكثر مما تربح أنت في السفرة الأخرى.
الشرط الرابع: عدم الربا، والله أعلم.
إذاً: النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المزارعة، هل هي من العام المحفوظ، أم العام المخصوص، أم العام الذي أريد به الخصوص؟
إذا قلت: من العام المحفوظ، إذاً: كل شيء فيه مزارعة نهى النبي عنه، فيكون عاماً محفوظاً.
وإذا قلت: عام مخصوص، إذاً: المزارعة في الجملة محرمة، وإن جازت بعض الصور، لكن الأصل هو التحريم، فيكون هذا من العام المخصوص.
وأما إذا قلت: هذا من العام الذي أريد به الخصوص، فالأصل هو الجواز، ولكن بعض الأشياء محرمة، وأطلق بلفظ العام فقيل: عام أريد به الخصوص.
إذاً: نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزارعة المقصود بها المزارعة التي كانت في عهدهم، وهو أن يزارعه على أقبال الجداول وأشياء من الزرع، فيسلم هذا ويهلك هذا، وعليه يكون هذا من العام الذي أريد به الخصوص.
قال: ( وألا تباع إلا بالدينار والدرهم )، يعني: إذا كان هناك ثمر على رءوس النخل فيجوز أن يشتريه بالدينار والدرهم، وهل يجوز أن أشتري الثمر على رءوس النخل بالدينار والدرهم، مع العلم أنه ربما ييبس ويقل؟
الجواب: نعم يجوز؛ لأن الثمر مع الدينار والدرهم اختلف فيه الجنس والعلة، فلا بأس أن ينقص أو يزيد.
ثانياً: أن الثمرة قد بدا صلاحها، وقد تم شراؤها، فإذا حصل النقص بعد البيع فهذا من ضمان المشتري إذا لم يفرط البائع في ذلك.
هذا تفسير آخر للمحاقلة، لأجل أن يباعد بينها وبين المخابرة التي ذكرناها، وبعض العلماء يرى أن معنى المخابرة والمحاقلة متقاربان، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما ذكرها من باب تفسير عطف الخاص على العام، أو عطف العام على العام، وهذه تسميات أطلقها العلماء، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة في ذلك الوقت عنها بخصوصها، وإن كان في الغالب أن المخابرة نوع من المحاقلة، أو أن المحاقلة نوع من المخابرة، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
وعلى هذا: فلا يجوز بيع الحنطة المطحونة أو القمح المطحون بالقمح غير المطحون؛ للجهل بالتساوي، فإن الجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل.
وعن رافع بن خديج رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ثمن الكلب خبيث، ومهر البغي خبيث، وكسب الحجام خبيث ) ].
إذاً: كلب الماشية، أو كلب الزرع، أو كلب الصيد، هذه كلاب لا يجوز بيعها؛ لأن جوازها إنما هو للحاجة، وهذا قول أكثر الفقهاء، خلافاً للحنفية وبعض المالكية الذين جوزوا بيع الكلب.
والصحيح: أن بيع الكلب لا يجوز؛ لأن ( النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب ) كما في حديث أبي مسعود البدري ، وكما في صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله .
وطريقة التخلص: أن يصرفه في المصالح العامة، كما هو مذهب أبي حنيفة و مالك و أحمد في المشهور عندهم، فإذا حصل الإنسان على مال ربا فيجب عليه أن يتخلص منه، وإذا حصل على تأمين تجاري فيجب عليه أن يتخلص منه، ولا يعيده إلى الشركة؛ لأن الشركة أصلاً لا تستحقه؛ لأنه ثمرة عقد باطل، وإذا حصل على مال لشخص غلبه بالمعاملة وغشه، ولا يعلمه، فإننا نقول: يتخلص منه للفقراء والمصالح العامة.
والمصالح العامة: أن يضع الأموال في برادة، أو يضعه في حفر آبار، أو يضعها في إصلاح مدارس، أو يضعها في تمهيد طرقات، أو يضعها في إصلاح حمامات المساجد، أو غير ذلك، والله أعلم.
وحلوان الكاهن هو: أن يعطى الكاهن شيئاً من المال لأجل كهانته، وهذا يجب عليه إذا تاب أن يتخلص منه.
ومثل هؤلاء المغني، فإن المغني كما ذكر العلماء ماله كسب حرام، وهو حرام بعينه، ذلك أن المال الحرام ينقسم إلى قسمين: محرم لكسبه، ومحرم لعينه، فأما المحرم لكسبه فهو مثل المعاملة بالغش في الزائد على رأس المال، يكون محرماً لكسبه، محرم على نفس الشخص دون غيره، ويجب عليه أن يتخلص منه.
وأما القسم الثاني -وهو المحرم لعينه- مثل أن يسرق مالاً، فهو بعينه حرام، أو يغصب مالاً فهو بعينه حرام، أو أن يضع حساباً جارياً، فيقول للبنك الربوي: كل فائدة ربوية ضعها في هذا الحساب، فيكون هذا محرماً لعينه، والمحرم لعينه يجب التخلص منه مع التوبة إلى الله، ولكن إن كان فقيراً فيجوز أن يكون قرضاً عليه، متى ما حصل على شيء من المال أخرجه، والله أعلم، فالمغني مثلاً إذا كان عنده مليون، ثم تاب، قلنا له: يجب عليك أن تتخلص من هذا المليون، فإذا قال: أنا فقير ما أستطيع، قلنا له كما قال أبو العباس بن تيمية رحمه الله: فيكون هذا المال في حكم القرض عليه، فيستثمره والربح له، ورأس المال وهو المليون يجب أن يتخلص منه، والله أعلم.
الأقرب -والله أعلم- أن معنى خبيث يعني: رديء، كما قال تعالى: وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ [البقرة:267]، يعني: لا تقصدوا الرديء، وعلى هذا: فإن هذا الحديث ليس فيه دلالة على حرمة ثمن الكلب، ولكن فيه دلالة على دناءته، وكذلك دناءة مهر البغي، لكن حديث أبي مسعود يفيد التحريم.
وأما كسب الحجام فقد اختلف الفقهاء فيه، والأقرب -والله أعلم- أن هذا الحديث مقصود به الدناءة والخسة، وأنه لا ينبغي للإنسان أن يكون ربحه من الحجامة فقط، وإن كان الأصل فيه الحل؛ لما جاء في الصحيحين من حديث ابن عباس : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الحجام أجره، وأمر سيده أن يضع عنه من خراجه )، فكون النبي صلى الله عليه وسلم يعطي الحجام، مع أنه نهى عن كسب الحجامة، فدل على أن النهي يفيد كراهة الكسب لا كراهة المال، وأما إعطاء النبي صلى الله عليه وسلم فيدل على حله، والله أعلم.
الجواب: الإجارة المنتهية بالتمليك كعقد جائزة، إذا بيعت السلعة بإجارة حقيقية يتحمل المؤجر ضمان العيب ولا يضمن المستأجر مدة معلومة، ثم بعد ذلك تباع السلعة بسعر السوق أو تباع السلعة بوعد بالتمليك، فحينئذ لا بأس بذلك، وعلى هذا فنحن نقول: إن الإجارة المنتهية بالتمليك من حيث هي عقد جائزة، أما كممارسة تجريها المؤسسات التجارية فلا يجوز أن نقول: جائزة مطلقاً حتى ننظر إلى العقد الذي فيها، فربما يكون ليس إجارة حقيقية ولكنها صورية، وأن البيع هو أصله ولكن جعل الستار بما يسمى بالإجارة.
وعلى هذا فلا يسوغ لنا أن نقول: الإجارة المنتهية بالتمليك مطلقاً جائزة، لكن نقول: هي كعقد جائزة، أما كممارسة فلا بد أن ننظر إلى عقد الشركة الفلانية فنقرأه، فإما أن يكون صحيحاً أو فاسداً والله أعلم.
وأما هيئة كبار العلماء فإن الصور التي عرضت عليهم جميعها صور محرمة، ولما عرضت على مجمع الفقه الإسلامي المنبثق من منظمة المؤتمر الإسلامي وجدت صوراً لم تكن مثل الصور التي عرضت على هيئة كبار العلماء فقالوا: إن ثمة صوراً ممنوعة وصوراً جائزة، وعلى هذا فالصور الجائزة هي:
الأولى: أن تكون السلعة حقيقية، وأن تكون الإجارة حقيقية، ولا يتحمل المستأجر الضمان إلا إذا تلفت السلعة بيده.
الثانية: أن يكون التأمين تأميناً إسلامياً.
الثالثة: ألا يتحمل المستأجر أي ضمان على السلعة، فإذا وجد في العقد أن العميل يضمن ألف ريال لكل حادث في السيارة ولو لم يكن بسببه، فإن الشرط يكون فاسداً. والله أعلم.
الجواب: القرض العقاري لا يباع، أنت تتنازل عن حقك في الانتظار، والقرض لا يباع لأنك لم تقبضه حتى تبيعه، وأنا أقول من حيث النظرة الفقهية: إن التنازل عن الاسم في الصندوق العقاري من حيث العقد ومن حيث الفقه جائز، أما كممارسة فإننا نمنعه من باب السياسة الشرعية؛ ذلك أن كثيراً من الإخوة الذين باعوا أسماءهم يحصل لهم مشاكل في القضاء، فعلى هذا فإننا نمنع الصندوق العقاري من باب السياسة الشرعية، أما من حيث النظرة الفقهية فجائز على القول بأن الحقوق المجردة يجوز الاعتياض عنها، وأنا حينما آخذ مالاً لأجل اسمي فإنما أعتاض عن حق الانتظار، وهذا حق مقوم، والأجل له وضع في الثمن، والله أعلم.
وعلى هذا فالاسم في الصندوق العقاري يجوز التنازل عنه من حيث الفقه ولكن نمنعه، ومعنى هذا أنه لو وقع نمضيه، ولكن نمنعه ابتداء. والله أعلم.
الجواب: إذا اشتريت أنت أيها البائع سيارة من صاحب المعرض وقبضت البطاقة الجمركية، ثم بعتها بعد ذلك على العميل الذي يريد التقسيط، فلا ينبغي للعميل أن يبيع السلعة على صاحب المعرض، ولكنه إذا ذهب وبحث فوجد أن صاحب المعرض عنده أقل سعراً فلا حرج حينئذٍ، أما أن يبيعها ابتداءً فلا يجوز، و ابن تيمية يشدد في ذلك ويجعلها من الحيل الثلاثية، والجمهور يجوزونها إذا لم يكن ثمة تواطؤ وحيلة. والله أعلم.
الجواب: البوفيه من حيث التقعيد يعتبر الشافعية والحنفية من أشد المذاهب في مسألة الغرر، ومن المعلوم أن الإنسان في البوفيه المفتوحة يدفع مائة ريال ليأكل شيئاً غير معلوم في الجملة، فذهب الشافعية والحنفية إلى أنه يشترط في المعقود عليه معرفته، والشافعية أشد، فقالوا: لا يجوز بيع الموصوف إذا لم ير إذا كان معيناً، فإذا كان عندي سيارة، فقلت لعبد الرحمن: أبيعك سيارتي الجيب التي لونها كذا ولونها كذا، يقول الشافعي : لا يجوز حتى يراها عبد الرحمن، إذا كانت السلعة معينة، ولأجل هذا فالشافعية يمنعون البوفيه المفتوحة؛ لأن فيها جهالة.
وعلى هذا فما يفتي به بعض مشايخنا لم يكن شيئاً غريباً، فهو مذهب الشافعية ومذهب الحنفية، وإن كان الراجح والله أعلم أن البوفيه المفتوحة لا بأس بها على قاعدة أبي العباس بن تيمية ، فإن ابن تيمية يقول: إن المعقود عليه إذا كان متفاوتاً تفاوتاً لا يحصل فيه نزاع ويحتاجه الناس فلا حرج، وذكر أمثلة على ذلك قال: مثل دخول الحمام، وهو الحمام البخار في السابق، فقد كان الإنسان يدخل الحمام ويوضع له حطب، فأحياناً إذا كان وقت البرد فالحطب يزيد، وإذا كان هناك هواء يضطر إلى وجود حطب أكثر، فعلى هذا جوز العلماء دخول الحمام؛ مع أن المعقود عليه أحياناً يتفاوت لوجود الحاجة لذلك.
وأرى أن البوفيه المفتوحة مثل الحمام البخار الذي كان في السابق، وهو اختيار شيخنا محمد بن عثيمين . والله أعلم.
الجواب: نقول: ( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق )، قد انتهى الموضوع والبيع تم، لكنك لو ذهبت إلى صاحبك الذي اشتراه فأخبرته بالخبر، فإن أقالك فالحمد لله، وإلا فإن العقد قد وجب، ولا شك أن الإقالة هنا محمودة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من أقال مسلماً بيعته أقال الله عثرته )، والله أعلم.
الجواب: والله أنا أشدد فيها؛ لأن باحة المسجد من المسجد، كما ذكر ذلك غير واحد من أهل العلم، وكما هو مذهب الحنابلة واختيار ابن تيمية ، فإن المعتكف يجوز أن يخرج إلى هذه الباحة، وعلى هذا فلا يجوز أن تباع المساويك في هذه الأماكن، وإذا وجدنا شخصاً يبيع قلنا: ( لا أربح الله تجارتك )، كما جاء عند أهل السنن من حديث أبي هريرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من رأيتموه يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك، فإن المساجد لم تبن لهذا )، والله أعلم.
الجواب: هذا يسمونه بالتقديم للصندوق العقاري، إذا كانت الخمسمائة ريال لأجل التقديم فأرى أنه لا بأس، وأما إن كانت الخمسمائة لأجل وجود العقار، يعني: يقول لك: أنا سأعطيك عقاراً، وأضع العقار باسمك، ثم أقدم لك، وبعد ذلك أرجعه لي وآخذ عليك خمسمائة، فهذا قرض جر نفعاً، وأما إذا قال: آخذ منك خمسمائة سواء كان عندك أرض أم لم يكن عندك أرض فأرى أن هذا لا بأس به. والله أعلم.
والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر