إسلام ويب

فقه الأسرة - كتاب دليل الطالب - كتاب الحج [1]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • بينت الأدلة أن الحج والعمرة واجبان مرة في العمر على من توفرت فيه شروط الوجوب، ويصح الحج عن الغير في بعض الأحوال لمن كان به مرض لا يرجى برؤه.
    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، أما بعد:

    أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذا الاجتماع اجتماعاً مرحوماً، وألا يجعل منا ولا فينا شقياً ولا مطروداً، وأشكر المشايخ والإخوة القائمين على هذا الجامع المبارك على إتاحة هذه الفرصة لي ولإخواني طلاب العلم.

    ومن المعلوم أن اليوم خصص لشرح كتاب الحج من الكتاب الذي اعتمد في هذه الدورة نيل دليل الطالب، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لإنهاء ما وجب علينا إنهاؤه.

    وكتاب الحج أيها الإخوة! كما يقول كثير من أهل العلم: من أدق مسائل العبادات؛ وذلك لأن الأحاديث الواردة في هذا الباب مع طوله أقل مما ورد في أبواب العبادات الأخرى، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر لفظاً عاماً، فقال كما في صحيح مسلم من حديث جابر : ( لتأخذوا عني مناسككم )، وفي لفظ البيهقي : ( خذوا عني مناسككم )، فهذا الذي جعل كثيراً من أهل العلم يختلفون في مسائل من الحج؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل، ولا يعلم هل فعله يدل على أن المفعول ركن أم هو واجب، أم هو مستحب، أم هو جائز؟ وإذا كان واجباً فهل يجبره بدم أم لا؟ ونهيه صلى الله عليه وسلم عن فعل بعض المحظورات أو الممنوعات هل هذا من باب المنع الذي يدل على التحريم، أم هو الذي يدل على الكراهة؟ فكل هذه الأشياء جعلت بعض أهل العلم يختلفون في هذه المسألة، ولعل سعيد بن جبير كما عند الترمذي قد استشكل اختلاف الصحابة والتابعين في إهلال النبي صلى الله عليه وسلم مع أنه حج حجة واحدة، فقال ابن عباس أنا أقول لك: ( حينما صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر أهل، فسمع الناس تهليله، فحدثوا بمثل ما سمعوا، فلما ركب دابته أهل حينما كان على البيداء، فسمع الناس تهليله أو إهلاله، فحدثوا عن ذلك ) الحديث، والحديث وإن كان في سنده ضعف، بسبب وجود رجل فيه يقال له: خصيف بن عبد الرحمن ، لكن هذا هو الذي يظهر والله أعلم، وهو يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعيد إهلاله مرة بعد مرة، فيقول: لبيك عمرة ويرددها مرة بعد مرة، وليس مرة واحدة كما يفهمه كثير من أهل العلم. نبدأ إن شاء الله مستعينين بالله، ونسأله التوفيق والتسديد.

    الحج والعمرة بين الفورية والتأخير

    قال المؤلف رحمه الله: [كتاب الحج].

    الحج فرض في أواخر السنة التاسعة على الأرجح، وهو قول جمهور أهل العلم من الحنفية والحنابلة وبعض المالكية خلافاً لبعض المالكية والشافعية، فإن الشافعي نص على أن الحج فرض في السنة السادسة استدلالاً بقوله تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196]، والراجح أن هذه في السنة السادسة في صلح الحديبية؛ وذلك لأن الله أمر المؤمنين إذا أهلوا بالحج أو العمرة أن يتموها، والإتمام شيء، وابتداء الحكم شيء آخر، فهذا هو الراجح والله أعلم؛ ولهذا حينما فرض الحج في السنة التاسعة لم يستطع النبي عليه الصلاة والسلام أن يحج بسبب أن الكفار كانوا يحجون، والنساء كن يحججن عاريات، وكانت المرأة تطوف بالبيت وهي عارية، وتقول:

    اليوم يبدو بعضه أو كله وما بدا منه فلا أحله

    ( فبعث النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر حاجاً في السنة التاسعة يقول: ألا يحج بعد هذا العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان )، فكان تأخيره صلى الله عليه وسلم لأجل مصلحة شرعية، وعلى هذا فتأخير النبي صلى الله عليه وسلم عن السنة التاسعة إلى أواخرها أو بداية السنة العاشرة، هل ذلك يدل على أن الحج على الفور، وكان تأخيره لأجل مصلحة وعذر، أم يدل على أن الحج ليس على الفور؟

    قولان عند أهل العلم، والراجح هو مذهب الحنفية والحنابلة وبعض المالكية أن الحج على الفور، فمن كان مستطيعاً قادراً فإنه يجب عليه الحج على الفور، خلافاً لـمالك في أحد قوليه و الشافعي واختيار أبي عمر بن عبد البر .

    حكم الحج

    قال المؤلف رحمه الله: [وهو واجب مع العمرة في العمر مرة].

    الحج لا إشكال في وجوبه، فقد ثبت وجوبه في الكتاب والسنة وإجماع سلف هذه الأمة، قال تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران:97]، وأما السنة فقد قال صلى الله عليه وسلم: ( بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصيام رمضان )، وفي رواية: ( وصيام رمضان والحج )، كما في الصحيحين من حديث ابن عمر .

    وأما الإجماع فقد نقل غير واحد من أهل العلم إجماع أهل العلم على وجوب الحج، فقد صح عن الحسن أنه روى عن عمر أنه قال: لقد هممت أن أبعث رجالاً إلى الأمصار ينظرون إلى من وجد جدة فلم يحج أن يضربوا عليهم الجزية ما هم بمسلمين، والحديث من مسند عمر ، وهو صحيح إلى الحسن ، ولكن الحسن البصري لم يسمع من عمر ، ولكن العلماء أجمعوا على ذلك، وهذا لا إشكال فيه.

    إنما الخلاف في مسألة هل من ترك الحج تهاوناً وكسلاً يكفر بذلك أم لا؟ وعامة أهل العلم على أنه لا يكفر، خلافاً للرواية الأخرى عند الإمام أحمد ، ورواية عن ابن مسعود .

    والصحيح أن من ترك الحج تهاوناً أو كسلاً فلا يكفر، كما هو قول عامة أهل العلم.

    حكم العمرة

    قال المؤلف رحمه الله: [مع العمرة].

    اختلف العلماء في وجوب العمرة هل تجب أم لا؟ وهل إذا قلنا بوجوبها هل تجب على أهل مكة أم لا؟ والراجح والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم أن العمرة واجبة، وإن كان وجوبها ليس كفرضية الحج، وهذا هو مذهب الحنابلة والمالكية وهو الراجح خلافاً لـأبي العباس بن تيمية رحمه الله، ومما يدل على وجوبها ما جاء من حديث أبي رزين العقيلي أنه قال: ( يا رسول الله! إن أبي لا يستطيع الحج أفأحج عنه؟ قال: حج عن أبيك واعتمر ) قال الإمام أحمد : هذا أصح شيء جاء في وجوب العمرة، ونرى أن شعبة أثبته؛ وذلك لأن الحديث يرويه شعبة عن النعمان بن سالم عن عمرو بن أوس عن أبي رزين العقيلي ، و شعبة أثبت هذا الحديث.

    وأقول: هذا الحديث يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الابن أن يحج عن أبيه وأن يعتمر، فإذا وجب على الابن أن يحج عن الأب الذي هو غير مستطيع دل ذلك على أن المكلف من باب أولى.

    ومما يدل على وجوب العمرة ما جاء عند البيهقي و الطحاوي بسند جيد عن الصبي بن معبد ( أنه أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: إني وجدت الحج والعمرة مكتوبان عليّ، فأهللت بهما، فقال: هديت السنة )، وهذا يدل على أن الحج والعمرة مكتوبان عليه، وقد صح عن ابن عباس و ابن عمر و جابر كما روى ذلك البخاري معلقاً بصيغة الجزم عن ابن عمر : الحج والعمرة فريضتان، وكذلك صح عن ابن عباس ، ورواه البيهقي عن جابر .

    فهؤلاء صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون بوجوب العمرة، وإذا قلنا بوجوب العمرة فلا فرق بين المكي وغير المكي، هذا هو الظاهر والله أعلم، وأما ما نقل عن عطاء و طاوس ما أدري أيؤجرون أم يؤزرون؟ ما إن يذهب أحدهم إلى الحل إلا وقد طاف مائة شوط، فإن عمرتكم الطواف بالبيت كما قال ابن عباس ، وهذا يدل على أنه ينبغي لمن كان بمكة ألا يكثر من العمرة؛ لأن عمرته هي الطواف بالبيت، لكن ليس معناه ألا يجب عليه أن يعتمر في السنة مرة، هذا هو الراجح والله أعلم، وقد روى ابن أبي شيبة بسند جيد عن كثير من السلف أنه كان يعتمر في رمضان وهو بمكة مما يدل على أنه لا فرق.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089203784

    عدد مرات الحفظ

    782734598