نواصل درسنا في أحكام الطلاق.
قال المؤلف رحمه الله: [فصل: إذا قال: إن خرجت بغير إذني فأنت طالق فأذن لها ولم تعلم، أو علمت وخرجت ثم خرجت ثانياً بلا إذنه، طلقت ما لم يأذن لها في الخروج كلما شاءت، وإن خرجت بغير إذن فلان فأنت طالق، فمات فلان وخرجت لم تطلق، وإن خرجت إلى غير الحمام فأنت طالق، فخرجت له، ثم بدا لها غيره طلقت. وزوجتي طالق أو عبدي حر إن شاء الله، أو إلا أن يشاء الله لم تنفعهم مشيئته شيئاً ووقع، وإن قال: إن شاء فلان فتعليق لم يقع إلا إن شاء، وإن قال: إلا أن يشاء فموقوف، فإن أبى المشيئة أو جن أو مات وقع الطلاق إذا، وأنت طالق إن رأيت الهلال عياناً، فرأته في أول أو ثاني أو ثالث ليلة وقع، وبعدها لم يقع، وأنت طالق إن فعلت أنت كذا، أو إن فعلت أنا كذا ففعلته أو فعله مكرهاً أو مجنوناً أو مغماً عليه أو نائماً لم يقع، وإن فعلته أو فعله ناسياً أو جاهلاً وقع، وعكسه مثله، كإن لم تفعلي كذا، أو إن لم أفعل كذا، فلم تفعله أو لم يفعله هو.
فصل: ولا يقع الطلاق في الشك فيه، أو فيما علق عليه؛ فمن حلف أن لا يأكل تمرة مثلاً فاشتبهت بغيرها، وأكل الجميع إلا واحدة لم يحنث، ومن شك في عدد ما طلق بنى على اليقين وهو الأقل، ومن أوقع في زوجته كلمة وشك هل هي طلاق أو ظهار لم يلزمه شيء].
والقول الآخر: أنه لا يقع إذا كان قد قصد حضها أو حثها على عدم الخروج، وهذه مسائل لها علاقة -كما قلت- بدلالة الألفاظ، وما يتعلق بها من عموم وخصوص، والقاعدة في هذا عند الحنابلة: أن اللفظ الذي أطلقه المطلق في تعليق الطلاق إذا كان صريحاً فخالفته الزوجة فيقع واحدة، وإن كان غير صريح في اللفظ فلا يقع ما لم يكن ثمة نية واحتمله اللفظ، فإذا قال: (إن خرجت بغير إذني فأنت طالق، فأذن لها ولم تعلم)، قال الحنابلة: إنها تطلق؛ لأن الإذن هو الإعلام أو الإخبار، فإن خرجت قبل أن تعلم فكأنها عصت، فيقع الطلاق.
والقول الآخر في المسألة: إن الإذن رفع للشرط، فإن خرجت بعد إذنه ولو لم تعلم لا يقع الطلاق، كما قالوا: لو أخذ مال شخص على أنه سارق فتبين أنه مالكه فلا يكون سارقاً.
يقول: (أو علمت وخرجت ثم خرجت ثانية بلا إذنه طلقت)؛ لأنها خالفت شرطه، وقد وجدت الصفة في خروجها من غير إذن فتطلق.
يقول المؤلف: (ما لم يأذن لها في الخروج كلما شاءت)، فهنا إذن لها عام، فكأنه رفع هذا الشرط أعني به: من غير إذني.
يقول المؤلف: (وإن خرجت بغير إذن فلان فأنت طالق، فمات) المطلوب منه الإذن، (وخرجت لم تطلق) قالوا: لأنه لا يمكن حصول الإذن من فلان الميت، والقاعدة: أن الشرط إذا لم يمكن حصوله فيعتبر لاغ.
والقول الآخر في المسألة: إذا قال: إن خرجت بغير إذن فلان فمات فلان طلقت في الحال؛ لأنه لا يمكن أن يأذن لها لأنه مات، فكان هذا إخبار بعدم الإذن البتة بعد الوفاة، وهذا القول فيه قوة على مذهب الحنابلة.
يقول: وإن قال: (إن خرجت إلى غير الحمام فأنت طالق)، فخرجت للحمام هل تطلق؟ لا، لكنه قال: فإن خرجت للحمام ثم بدا لها فذهبت للسوق فإنها تطلق، ولو كان إنشاء الخروج ليس لأجل السوق.
يقول المؤلف: (وإن قال: إن شاء فلان)، يعني: أنت طالق إن شاء فلان، فهذا علقه إلى ما يمكن أن يعلمه، فبالتالي ينظر إلى مشيئة فلان.
فلو قال: أنت طالق إن شاء فلان، فمات فلان فما الحكم؟ مثل المسألة السابقة، عند الحنابلة لا تطلق.
وعلى هذا نقول: الأب لا يطلق زوجة ولده، إلا أن يقول الولد لأبيه: قد جعلت أمر طلاق زوجتي بيدك يا والدي، فالوالد تحت المشيئة إن طلق فالحمد لله ما لم يبطل الابن هذا التوكيل.
(وإن قال: إلا أن يشاء فموقوف، فإن أبى المشيئة أو جن أو مات وقع الطلاق إذاً)، المسألة السابقة عند الحنابلة خالفت هذه المسألة، هم قالوا: إن خرجت بغير إذن فلان فأنت طالق فمات لم تطلق ولو خرجت، وهنا قالوا: إلا أن يشاء فلان فمات فلان وقع الطلاق، وهذا القول أظهر كما قلت في السابق.
وأما المجنون فهو غير مكلف وكذا النائم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم كما في حديث عائشة و علي رضي الله عنهما جميعا: ( رفع القلم عن ثلاثة: النائم حتى يستيقظ والمجنون حتى يفيق )، والحنابلة يفرقون بين الإكراه وبين النسيان والجهل، فلو طلق أو فعل الشرط ناسياً أو فعلت المرأة الشرط ناسية أو جاهلة فإن الحنابلة يوقعون الطلاق، فلو قال: إن خرجت فأنت طالق، فخرجت وهي ناسية لهذا الشرط فالحنابلة يوقعون الطلاق، أو كانت جاهلة أن هذا داخل في المشروط فخرجت ظانة أنه ليس داخلاً في المشروط وقع الطلاق.
والقول الآخر: وهو رواية عند الحنابلة أيضاً اختارها أبو العباس بن تيمية أنها لا تطلق. هذا هو الأطهر والله أعلم. والخلاف هنا مثل الخلاف في الحلف.
والراجح أنه لا يقع في الجاهل والناسي والمكره؛ لأن الإكراه قرين الجهل والنسيان في الحديث: ( إن الله تجاوز لأمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ).
يقول المؤلف: (وعكسه مثله كإن لم تفعلي كذا، أو إن لم أفعل كذا فلم تفعله أو لم يفعله هو)، يعني: ناسياً أو غير ناس فالحكم واحد.
فنقول: الأصل بقاء النكاح ويطرح الشك، هذه قاعدة الحنابلة ولا يقع الطلاق بالشك فيه أو فيما علق عليه، أو قال: أنا شكيت هل طلقت امرأتي أم لا؟ فنقول: لا تطلق خاصة لمن كان به بلوى الوسوسة، و ابن قدامة قال: والورع التزام الطلاق، والأقرب والله أعلم أنها لا تطلق، ولا يقع الطلاق.
يقول المؤلف: (فمن حلف أن لا يأكل تمرة مثلاً فأشتبه بغيرها وأكل الجميع إلا واحدة لم يحنث)، يعني: كان عنده تمر فجاء أحد فأراد أخذها، وتسابق هو وإياه فقال: كل هذه التمرة، قال: لا، علي الطلاق إني ما آكل هذه التمرة، ثم ذهب هذا الشخص وترك الأكل، وهو يريد أن يأكل التمر، لكن ما يدري هل التمرة هذه أم هذه أم هذه؟ فإنه يقول: لا يحنث إذا أكلها كلها وأبقى واحدة إذا كان لا يدري؛ لأن الأصل بقاء النكاح، ويمكن أن يكون الطلاق على هذه المتروك أكلها.
يقول: (ومن شك في عدد ما طلق بنى على اليقين)، قال: أنا طلقت امرأتي لكن ما أدري هل طلقتها مرتين أو ثلاثاً، قالوا: بنى على اليقين وهو الأقل؛ لأن الأصل بقاء النكاح.
(ومن أوقع بزوجته كلمة شك هل هي طلاق أم ظهار لم يلزمه شيء)، قالوا: لأن الأصل عدمهما.
والقول الآخر: يقع ظهاراً لأنه أخف، والأقرب والله أعلم أنه لا يقع شيء خاصة لمن به وسوسة، يعني مثل أن يقول: أنت طالق، ثم شك هل أنا قلت: طارق أم قلت: طالق، أم قلت: أنت علي حرام، هو يجزم أنه قال لامرأته كلمة، لكن لا يدري هل هي طلاق أم ظهار، الحنابلة قالوا: لا يقع شيئاً، وبعضهم قال: يقع ظهاراً، كما في بعض شروح الحنابلة، والأظهر والله أعلم أنه لا يقع شيئاً إلا أن يتيقنه، والله أعلم.
ولا تشترط هذه الألفاظ بل تحصل رجعتها بوطئها، لا بنكحتها أو تزوجتها، ومتى اغتسلت من الحيضة الثالثة ولم يرتجعها بانت ولم تحل له إلا بعقد جديد، وتعود على ما بقي من طلاقها].
والرجعة شرعت لمصالح أهمها أن يكون للزوج فسحة ومتسع من الوقت للتروي في أمر الطلاق، وكذلك يكون للمرأة هذا الأمر إذا كان الطلاق بأمرها ورغبتها، فكان من حكمة الله سبحانه وتعالى أن أوجد هذه العدة كي يتروى كل واحد من الزوجين، فالمرأة ربما تجملت لزوجها ترغبه في نفسها، وقد قال الله تعالى: لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا [الطلاق:1].
وهي جائزة ومندوبة خاصة إذا كان الطلاق قد كان أولاً بسبب الغضب من غير ترو، فالشارع الحكيم يرغب في بقاء الأسرة وكينونتها؛ لما فيها من المصالح العامة والخاصة، والرجعة -كما قلت- جائزة ومستحبة، شريطة أن يقصد الزوج برجعته لامرأته الإصلاح، كما قال الله تعالى: وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا [البقرة:228]، وأما إن لم يرد الإصلاح بل قصد إضرار المرأة أو قصد أن تفتدي من نفسها فقد ذكر غير واحد من أهل العلم الإجماع على تحريم ذلك كما في كتاب الله سبحانه وتعالى.
يقول المؤلف: تصح الرجعة وقت العدة بغير عقد، ولا تفتقر الرجعة إلى ولي المرأة، ولا إلى صداق ولا إلى رضا المرأة، فلو راجعها وكانت كارهة صح ذلك.
وكذلك لا يشترط علمها بالرجعة، وهذا أمر مجمع عليه في كل ما سبق، ونقل الإجماع ابن المنذر و ابن قدامة وغير واحد من أهل العلم.
الشرط الأول: أن يكون الطلاق غير بائن، وقد ذكرنا الطلاق البائن، وقلنا: أن يكون على عوض وأن يكون غير مدخول بها، وأن يكون بعد الطلاق الثلاث، وكذلك في اللعان ونحوه، فإن كان الطلاق بائناً فلا يملك الزوج الرجعة، وهذا أمر مجمع عليه كما مر معنا.
الشرط الثاني: (أن تكون في العدة)، يعني: أن الزوج يملك الرجعة ما دامت المرأة في عدة الطلاق، فأما إن انتهت العدة فلا رجعة، وهذا أمر مجمع عليه، كما قال تعالى بعد ذكر الطلاق وعدته: وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا [البقرة:228]، فإن طلق قبل الدخول فلا يملك الرجعة؛ لأنه ليس ثمة عدة.
وأما قول الحنابلة: إن بقية أحكام العدة تنتهي -كالتوارث والطلاق والنفقة وغير ذلك- بانقطاع الدم، فهذا محل نظر، فإن ابن أبي شيبة روى عن مكحول أن أبا بكر و عمر و ابن مسعود رضي الله تعالى عن الجميع قالوا ببقاء التوارث، فدل ذلك على أن الحكم عام، فإذا جاز للزوج أن يراجعها جاز أن ترث ولو لم تغتسل.
وصورة المسألة: أن الرجل لو طلق امرأته ولم يراجعها، ثم انتهت من حيضتها الثالثة ولم تغتسل، ثم مات هل ترث؟ على مذهب الحنابلة لا ترث، وعلى القول الآخر -وهو قول الصحابة- ترث، وهذا هو الأظهر، والله أعلم.
يقول المؤلف: (وتصح قبل وضع ولد متأخر)، (وتصح) يعني: الرجعة (قبل وضع ولد متأخر) يعني: لو كان لها مثلاً ولدان توأم، فأخرجت واحداً وبقي الثاني فإنها لا تنقضي عدتها بوضع الولد الأول، بل بوضع الولد الثاني.
يقول المؤلف: (ولا تشترط هذه الألفاظ)، بل تحصل رجعتها بوطئها هذا مذهب الجمهور، قالوا: إن وطء الزوجة بعد الطلاق كاف في نية الرجعة، وهو مذهب الحنابلة كما مر معنا، قالوا: لأن جماعها بعد الطلاق وقبل انتهاء العدة إما أن يكون حلالاً أو محرماً، وقد أجمعوا على أنه ليس بحرام، فدل على جواز وطئها وهو دليل رغبة في رجعتها، ولو لم ينوه؛ لأن هذا كاف في ذلك.
والقول الآخر -وهو اختيار ابن تيمية رحمه الله-: إن الوطء من غير نية الرجوع لا يكفي، والأظهر هو مذهب الحنابلة؛ لأن مثل هذا لا يقصد له بالنية، ولا علاقة له بالنية، ولو قالوا: إن الرجوع عبادة، فنقول: نعم عبادة، والطلاق كالرجعة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: الطلاق والنكاح والرجعة )، فإذا كان الطلاق لا يشترط فيه نية، فكذلك الرجعة لا يشترط فيها نية، وهذا أظهر والله أعلم، وهذا الحديث وإن كان ضعيفاً لكن عليه العمل عند أهل العلم.
وأما الإشهاد في الرجعة بأن يشهد على رجعتها فهذا مستحب، وهو أمر مجمع عليه، إلا أنه ليس بواجب، وأوجبه عمران بن حصين رضي الله عنه، والأظهر والله أعلم أنه ليس بواجب؛ كما هو مذهب الجمهور؛ لأن الله سبحانه وتعالى ذكر الرجعة في القرآن من غير اشتراط، وقد راجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة ولم يشهد على رجعتها.
يقول المؤلف: (بل تحصل رجعتها بوطئها لا بنكحتها وتزوجتها)، لأن قول الزوج بعد طلاق امرأته تزوجتها أو نكحتها ربما يفهم منه أنه كان قد تزوجها، وهذا لا يفيد الرجعة لأنه كناية.
وهذا الزواج لا بد فيه -كما سوف يأتي- من وطء الزوج الآخر وطء رغبة، لا بقصد التحليل لزوجها الأول.
يقول المؤلف: (وتعود على ما بقي من طلاقها)، صورة المسألة: لو أن رجلاً طلق امرأة طلقة واحدة، ثم انتهت عدتها وتزوجها بعقد جديد ومهر جديد، فإن أهل العلم قالوا: إنها يبقى لها طلقتان فلا تهدم الطلقات، سواء تزوجت زوجاً آخر أو تزوجها الزوج الأول.
الصورة الثانية: طلقها زوجها ثم راجعها، ثم طلقها ولم يراجعها حتى انتهت عدتها، ثم تزوجت زوجاً آخر، ثم طلقها الزوج الآخر حتى انتهت عدتها، فجاء الزوج الأول فتزوجها، فهل تهدم الطلقات، أو فهل يكون الزواج الثاني هادماً لعدد الطلقات أم لا؟
ذهب جمهور أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وعامة أهل العلم إلى أن الزواج الثاني لا يهدم ما بقي من عدد طلاق الزوج الأول، وقد صح ذلك عن عمر كما رواه مالك في الموطأ، وكذا أبي بن كعب كما رواه البيهقي وغير واحد من أهل العلم، كما ذكر الشارح عن علي و معاذ و عمران و أبي هريرة و زيد و عبد الله بن عمر وتعليلهم في هذا قالوا: لأن الوطء الثاني لا يحتاج إليه في الإحلال للزوج الأول؛ لأن الزوج الأول لو طلقها حتى انتهت عدتها جاز له أن يأخذها، فوطء الثاني لا يلزم منه الإحلال للزوج الأول، بخلاف الطلاق الثلاث؛ فإنه يشترط وطء الثاني لإحلالها للأول.
أما القول الآخر وهو قول روي عن ابن عمر و ابن عباس : إن زواجها من الثاني يهدم ما بقي من الطلاق من الزوج الأول؛ لأن الزوج الثاني يهدم الطلاق الثلاث بأن تزوجها الزوج بعدما طلقها الزوج الأول ثلاث تطليقات، فلو طلقها الثاني ثم رجعت إلى الأول فإنه يستأنف الثلاث جميعاً، فقالوا: فإذا كان الزواج الثاني يهدم الطلاق الثلاث بالإجماع، فكذلك يهدم الواحدة والثنتين، والأقرب والله أعلم هو مذهب عامة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن هدم الزواج الثاني ليس هدماً، ولكنه إحلال للزوج الأول، فإذا تزوجها الزوج الأول بعدما طلقها ثلاثاً وتزوجت زوجاً آخر؛ فإن إحلال الثاني دليل على ابتداء حكم جديد، بخلاف ما لو طلقها الزوج الأول طلقة ثم تزوجت زوجاً آخر، فإن الزوج الأول له الزواج منها، سواء تزوجت زوجاً آخر أو لم تتزوج فهذا هو الفرق، والله أعلم.
ولهذا قال المؤلف: (ويطؤها في قبلها مع الانتشار)، لما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: ( أتريدين أن ترجعي إلى
يقول المؤلف: (ويحصل التحليل بذلك)، ومرادهم ويحصل التحليل بذلك، يعني: يجوز للزوج الأول أن يتزوج الزوجة المطلقة آخر ثلاث تطليقات إذا كان الزوج الثاني قد وطئها بنكاح صحيح، لا يقصد بها تحليلها للأول، فيجوز أن يتزوجها.
قال: (ما لم يكن وطئها في حال الحيض أو النفاس أو الإحرام أو في صوم الفرض)، فلو تزوجها الزوج الثاني في رمضان، فوطئها في نهار رمضان، أو وطئها وهي حائض، أو وطئها وهي محرمة، فإن الحنابلة يقولون: لا يجوز للزوج الأول أن يرجع إليها؛ لأن هذا الوطء محرم، والقاعدة عند الحنابلة أن النهي يقتضي الفساد فكأنه لم يطأ.
والقول الآخر: إن هذا وطء صحيح، وإن كان يأثم في الوطء؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم علقه على حصول الوطء، والقول الثاني هو الراجح، والله أعلم.
فقول المؤلف: (فالقول قوله في تنصف المهر) مع ثبوت الخلوة لا معنى له، والله أعلم.
وأما دليل الحنابلة في أن القول قولها فقالوا: لأنها لا تدعي عليه حقاً؛ ولأنها مؤتمنة في نفسها، فإن صدقها الزوج الأول جاز له أن ينكحها، وإن كذبها فلا يجوز له أن ينكحها؛ لأنها في اعتقاده لا تحل له.
يعني: قال الأول: والله يا فلانة الحقيقة إن فلاناً ما وطأك، قالت: والله وطأني، والزوج الأول معتقد أن الزوج الثاني لم يطأها ولكنها ادعت الوطء، فلا يجوز للزوج الأول أن يتزوجها.
إذاً: زوجها الثاني لا تدعي عليه حقاً، وليس له دخل في أن ترجع إلى زوجها الأول أم لا بعدما طلقها، لكن الزوج الأول معلوم أنه لا يجوز له أن يرجع إلى زوجته المطلقة آخر ثلاث تطليقات إلا بعد زواج من ثان بوطء، فإذا كذبها فكيف يجوز له أن يتزوجها وهو يعلم أنها لا تحل له؟
المؤلف يقول: (وهو حرام)، هذه العبارة فيها تجوز؛ لأن الحلف على ألا يطأ امرأته ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: أن يحلف ألا يطأها أكثر من أربعة أشهر فهذا حرام.
القسم الثاني: أن يحلف ألا يطأها أقل من أربعة أشهر، فهذا جائز وقد ( آلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا يأتي أهله شهراً )، كما ثبت ذلك في الصحيحين من حديث أم سلمة ، وحديث عمر بن الخطاب .
يقول المؤلف: (وهو حرام كالظهار)، الأقرب والله أعلم أنه لا يأخذ حكم الظهار في الحرمة؛ لأن الظهار منكر من القول وزور: وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا [المجادلة:2].
وأما الذي آلى ألا يأتي أهله أكثر من أربعة أشهر، فإنما حرم عليه ذلك؛ لأنه حلف على ترك واجب؛ لأنه يجب عليه أن يطأ زوجته قبل أربعة أشهر، وهذا هو دليلهم. وفيه نظر.
فلو قيل: إن الحلف على ألا يطأ أكثر من أربعة أشهر ليس بحرام لكان صواباً؛ لأنه يجوز ألا يطأ امرأته أكثر من أربعة أشهر من غير حلف، ويجوز له أن يطلق امرأته أصلاً.
فإذا جاء أربعة أشهر، وأمره السلطان أن يراجع أو يطلق يأثم إذا لم يطلق ولم يراجع، وهذا القول لو تأملته لرأيت أن فيه قوة.
يقول المؤلف: (سوى عاجز عن الوطء إما لمرض لا يرجى برؤه أو لجب كامل أو شلل) فالمرأة هنا لا تطلب من القاضي أن يرجع، بل تطلب من القاضي الفسخ؛ لأنه لا يمكن أن يطأ، وهذا مما يدل على أن الإيلاء ليس بحرام؛ لأنه لو آلى العاجز فإنه لا معنى لإيلائه، وهذا هو الذي يظهر، والله أعلم.
وهل يؤجله الحاكم من حين سؤال الزوجة، أو من حين حلف الزوج؟
المؤلف يقول: (من حين يمينه)، وهذا الأظهر، أنه من حين اليمين، إذا ثبت بشهادة أن الزوج حلف على ذلك في مدة معينة، فلو قال: أنا حلفت قبل شهر، فأثبتت المرأة ببينة أنه حلف قبل ثلاثة أشهر فيبقى عليه شهر.
يقول المؤلف: (ثم يخير بعدها، إما أن يكفر عن يمينه ويطأ زوجته أو يطلق)، بعض العلماء رأى أن بمضي أربعة أشهر يقع الطلاق والفراق، وهذا مذهب بعض المالكية.
وذهب الجمهور إلى أن مضي أربعة أشهر لا يقع منه طلاق، وهذا الذي أفتى به ابن عمر حيث قال: إذا مضت أربعة أشهر يوقف حتى يطلق، ولا يقع عليه الطلاق حتى يطلق، وهذا هو ظاهر القرآن؛ لأن الله يقول: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:226-227]، قال العلماء: وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ [البقرة:227]، دليل على أن الطلاق لم يحصل بمضي وقت الإيلاء، بل بوجود العزم والطلاق، ومعنى (عزموا الطلاق) يعني: أرادوا الطلاق وطلق، وهذا هو الأظهر والله أعلم.
(فإن امتنع من ذلك)، يقول العلماء: طلق عليه الحاكم، يعني: إذا قال: لا، أنا لا أريد أن أراجع ولا أريد أن أطلق، فإن الحاكم يأمره بالطلاق وإلا فيطلقها الحاكم، هذا هو الأظهر والله اعلم.
وبعضهم قال: يحبس حتى يطلق، والراجح أنه يطلق عليه الحاكم.
فإذا صبرت الزوجة قالت: أنا راضية، فلها ذلك، حتى أكثر من أربعة أشهر فإذا لم تسأل الطلاق فإن الحاكم لا يحتسب حسبة، حتى لو جاءه محتسب وقال: فلان حلف على فلانة ألا يطأها، وأنا أتيت لأحتسب فأقضي على فلان، فليس له ذلك، بل لا بد من سؤال الزوجة ذلك.
ولو جاء أهل الزوجة، وقالوا: إن فلاناً آلى على زوجته ألا يطأها، ونحن نريد أن يراجع أو يطلق فإن الحاكم يسأل الزوجة أتريدين ذلك أم لا؟ لا بد من سؤالها، فربما لا تريد هذا أصلاً، وقد فرحت أن تبتعد عنه، لكنها تريد أن تبقى في ذمته كي ترثه.
وعندما يطلق الحاكم عليه يقول في تسبيب الحكم: بما أن -وبعضهم يقول: وحيث، والصحيح أنه بما أن- الزوج قد آلى على زوجته أكثر من أربعة أشهر، وقد أمرته بأن يراجعها ويطأها، وإلا حكمت عليه بالطلاق، وأبى علي ذلك، لذا فقد حكمت عليه بطلاق امرأته منه، فتطلق عليه بذلك سواء تلفظ الزوج أم لا.
الجواب: لم أحفظ ذلك عن أحد منهم والعلم عند الله.
الجواب: والله الذي أحفظه أنه عن بعض المالكية، فإن كان عندكم علم، أنا لا أذكر هذا.
الجواب: لا، الحديث: ( إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم يتكلموا أو يعملوا به )، هذا لفظ البخاري و مسلم (تجاوز)، ما فيه (عفا) في هذا الحديث، أما الحديث الآخر، فجاء بلفظ: ( إن الله عفا عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )، وجاء بلفظ: ( إن الله تجاوز )، وروية: ( إن الله تجاوز )، أحسن من رواية: ( عفا عن أمتي الخطأ والنسيان )، فرواية: ( عفا عن أمتي )، هي رواية الوليد بن مسلم ورواية: ( إن الله تجاوز )، هي رواية أيوب بن سويد وبشر كلاهما عن الأوزاعي عن عطاء عن ابن عباس .
الجواب: نعم، ذكر أبو العباس بن تيمية في الفتاوى المصرية أن عمر رضي الله عنه كان يأمر الإماء ألا يحتجبن ولا يتشبهن بالحرائر، وأمر بذلك عمر خوفاً من أن تغضب امرأة حرة بذلك، يقول ابن تيمية رحمه الله: وكان ذلك حينما كان الإيمان عاصماً وأما اليوم -هذا كلام ابن تيمية - فلو خرجت إحدى النساء التركيات الإماء إلى السوق لفتنت وافتتنت، هذا كلام أبو العباس بن تيمية ، وهذا دليل على أنه في السابق لم يكن ينظرون شيئاً، وقد كان الصحابة يمرون على سوق النخاسين ولا ينظرون شيئاً، حتى كان الحسن البصري مع طلابه بعدما خرج من الدرس، مر هو وطلابه على سوق النخاسين، فرأوا امرأة أو جارية تباع في السوق، وكانت ذات جمال (بارعة في الجمال) فالتفت الحسن البصري إلى هذه الجارية، وقال: لأصحابه ما ضر صاحبها لو فاتته من الدنيا بعد أن يظفر بها، فهذا يدل على أنهم ما كانوا يبالون، أما اليوم فإن الفتنة فيها واضحة جداً، فيجب أن تحتجب.
الجواب: الآية قالوا: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ [الأحزاب:59]، فقال العلماء: أن قول: (ذلك أدنى أن يعرفن) يعني: ألا يعرفن؛ لأن المرأة إذا احتجبت تتشبه بالحرائر وهذا هو المراد، وقد ذكر ابن كثير في تفسير هذه الآية، أنه كان بعض الإماء تحتجب فنهي عن ذلك، لكي لا تتشبه بالحرائر والعلم عند الله.
وهذا قول عند أهل العلم وهو قول عمر .
وقال بعضهم: إن الحرة تحجب رأسها وشعرها إلا ما يظهر، يعني: إلا وجهها وكفيها، والأقرب والله أعلم هو قول عمر ؛ لأن الجارية التي ما زالت أمة في حكم السلع، وقد كان ابن عمر إذا أراد أن يشتري جارية ينظر ما بداخل إزارها وكانت كاشفة، والذي يبيع يعرضها لكي تتجمل، فلو كانت لا تتجمل إلا حين البيع لم يعرفها أحد، والعلم عند الله.
الجواب: نعم، مرت معنا هذه المسألة، وقلنا: على رأي جماعة من التابعين وهو اختيار ابن تيمية و ابن القيم أن حلفه هذا قصد به منع نفسه؛ ولهذا لو قيل له: أتحب أن تطلق عليك امرأتك ولم يرض بذلك وكره هذا الأمر فحينئذ نقول: يكفر عن يمينه ويأتي بيت أهل زوجته، ولا ينظر إلى غضبه أو عدم غضبه؛ لأن هذا حلف بالطلاق كما مر معنا.
الجواب: أولاً: هل النهي للتحريم أم للكراهة؟ الأقرب والله أعلم أن النهي للكراهة.
ثم إن الاسم إذا كان دالاً على التزكية فإنه ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: إذا كان مسلوب التزكية لكثرة تداوله عندهم، مثل: اسم صالح أو علي فهذا يجوز؛ لأنه أقره عليه الصلاة والسلام في زمانه.
القسم الثاني: أن يكون فيه تزكية وليس متداولاً في الغالب فهذا يكره، ولا يصلح، وأما أفلح ويسار فالنهي ليس لأجل التزكية، إنما نهي لأجل أن السائل يقول: أعندك أفلح؟ فنقول: لا أفلح عندي، فكأنه دعا على نفسه بعدم الفلاح، أو لا يسر عندي فكأنه دعا على نفسه بعدم اليسر، فالكراهة من وجه آخر.
والأسماء تكره للتزكية، ولخوف وقوع في محظور مثل أفلح ويسار، أو مخالفتها الحكم الشرعي، مثل أن يسمي ابنته (ملاك) فلا يجوز؛ لأن أهل الجاهلية كانوا يقولون: الملائكة بنات الله، والله سبحانه وتعالى أنكر هذا الأمر في كتابه.
الجواب: الوضوء من ماء البرادة لا بأس به لأمور منها:
لأن واضعه إنما وضعه سبيلاً للاستعمال مطلقاً، وإن كان أفضل الاستعمال هو الشرب، وبعض العلماء قالوا بالمنع، وأرى والله أعلم أن هذا محل نظر؛ لأن شرب الماء يحصل به رفع حاجة، وشرط الواقف أن يشرب به الماء لرفع حاجة وهي إزالة الظمأ، لكن الوضوء لفعل مستحب أو واجب والقاعدة عند الفقهاء، أنه يجوز للإنسان أن يرتفع عما شرطه لا مثله ودونه، فلو حلف أن يصلي في القدس جاز أن يترك القدس ويصلي في الحرم النبوي أو المكي، ولو اشترى شاة للأضحية بخمسمائة وقد عينها فوجد غيرها أفضل منها، فقال: أترك هذه وأشتري بألف جاز ذلك، فهذا مثله، والله أعلم.
الجواب: قاعدة أبي العباس بن تيمية رحمه الله، وهو ظاهر قول ابن عمر كما نقل ذلك نافع عنه أن ابن عمر كان يقصر ما لم يجمع إقامة، ومعنى إجماع الإقامة، أو الجمع لإقامة: هو أن ينوي أن يكون مثل أهل البلد، بأن يصنع مثلما يصنع أهل البلد حين الإقامة بأن يسكن في شقة مثلاً أو يؤثث شقة، ويقصد بها الاستقرار، مثل الطلاب إذا انتقلوا من مكة إلى الرياض أو من القصيم إلى الرياض، أو من جدة إلى الرياض للدراسة، فهؤلاء أجمعوا إقامة، إذا كانوا سوف يبقون أكثر من أربعة أيام فهؤلاء يتمون.
أما من جاء لغرض ولم يجمع إقامة إنما لإنهاء هذا الغرض، ولم يصنع مثلما يصنعه المقيم، مثل من جاء لدورة، أو جاء مرافقاً لمريض، أو بقي في رمضان مدة شهر ولم يعزم البقاء فهذا يقصر حتى يرجع إلى بلده، والله أعلم.
الجواب: اختلف العلماء في ذلك، فذهب الحنابلة أو متأخري الحنابلة إلى عدم جواز الجمع بين الجمعة والعصر؛ قالوا: لأن الجمعة تختلف عن الظهر في أكثر من عشرين فرقاً، وهذا هو رأي الشيخ محمد بن إبراهيم رحمة الله تعالى عليه، ورأي شيخنا عبد العزيز بن باز و شيخنا محمد بن عثيمين .
والقول الآخر في المسألة - وهو مذهب الشافعية رجحه النووي و الرافعي ، وهو اختيار الشيخ ابن غديان - أنه لا باس بذلك؛ لأن الجمعة فرض الوقت، وعمل الصحابة يدل على أن حكمها كحكم الظهر، فقد ثبت في صحيح مسلم من حديث ابن عباس أنه قال للمؤذن في يوم الجمعة: ( إذا بلغت حي على الصلاة، حي على الفلاح فقل: صلوا في رحالكم، ثم قال : أما إن الجمعة عزمة ولكن كرهت أن يخرج الناس في الدحر والطين )، ومن المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ذلك في غير الجمعة، فـابن عباس جعلها في الجمعة إذ لم يفرق بين الجمعة وغيرها من الصلوات، وهذا القول أقعد، والله تبارك وتعالى أعلم.
وأما القصر فإن كانوا مسافرين قصروا وإن كانوا مقيمين أتموا.
الجواب: أولاً: يعرف الإنسان الطيب الذي فيه كحول، بأن يضع فنجاناً مثلاً ويضع فيه طيباً ثم يرش عليه شيئاً من الماء فإن تغير لونه إلى لون الحليب مثلاً فهذا يدل على أن فيه مادة السبرتو، وهي مادة من الكحول، وهل يجوز التطيب به؟ وهل هو نجس؟ الأقرب والله أعلم أن مادة السبرتو ليست من الخمر، فالكحول من السموم وليست من الخمور، فالخمور الذي يشربها يذهب عقله مع طيش وطرب ونشوة، وأما الكحول فيذهب عقله من غير ضرر، وهذا يدل على فرق بين الكحول والخمر، هذا واحد.
الثاني: أننا لو قلنا: إن الكحول مثل الخمر، فالراجح والله أعلم أن الخمر ليس بنجس.
والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر