قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ومكروه وهو ضد المندوب: ما يقتضي تركه الثواب، ولا عقاب على فعله، كالمنهي عنه نهي تنزيه. ومباح والجائز والحلال بمعناه، وهو ما لا يتعلق بفعله أو تركه ثواب ولا عقاب. وقد اختلف في حكم الأعيان المنتفع بها قبل الشرع، فعند أبي الخطاب و التميمي الإباحة كـأبي حنيفة ، فلذلك أنكر بعض المعتزلة شرعيته، وعند القاضي و ابن حامد وبعض المعتزلة الحظر، وتوقف الخرزي والأكثرون ].
هنا خطأ في النسخة قال: (الخرزي)، وهو الجزري أحمد بن نصر البغدادي .
وقوله: (طلباً غير جازم)، يخرج بذلك المحرم، والمحرم من إطلاقاته أيضاً المحظور والممنوع.
يقول المؤلف: (وهو ضد المندوب)، التضاد ما معناه؟ هو ألا يجتمعا ويمكن أن يرتفعا.
يقول: (ما يقتضي تركه الثواب، ولا عقاب على فعله)، وهذا تعريف بالحكم، وقلنا: إن هذا الأمر على سبيل الأفراد، وأما من داوم على فعل المكروه؛ فإن مآله في الغالب إلى مواقعة المحظور، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه )، قال العلماء في حديث النعمان ( إن الحلال بين وإن الحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس )، قالوا في بعض تعريفه، كما ذكر ذلك الشوكاني قال: من ذلك المكروه، فإنه ترجح تركه، ولم يدل دليل على تحريمه، يعني وقوع العقاب ( كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه )، رعيه حول الحمى، هل وقع في الممنوع؟ لا، يوشك أن يرتع فيه، فتجد أن الدابة تدخل، فتجد أن الهوى يدخل، ثم إن فتوره وغير ذلك من عوارض النفس ربما يجعل الإنسان يقع.
ولهذا قال الشاطبي : كثرة الوقوع في المكروه؛ توقع الإنسان في المحرم، ولهذا كان يكره السلف العارفون أن يقعوا في المكروه.
وأما قوله عليه الصلاة والسلام: ( وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال )، فليس المراد بالمكروه هنا، كما ذكر بعض العلماء: أنه هو الذي يثاب على تركه ولا يعاقب على فعله، والراجح: أن المكروه هنا هو المحرم تحريماً غير شديد، لأن كثرة سؤال المخلوق يقول عنها ابن تيمية : الأصل أن سؤال المخلوق محرم، هذا في الأصل، كذلك إضاعة المال إسراف، وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ [الإسراء:26-27]، ( كل واشرب والبس من غير سرف ولا مخيلة )، وقوله: (وقيل وقال)، هو الذي يتحدث من غير تؤدة وتأني في الأمور، فربما وقع في الغيبة والنميمة.
ومن أمثلة المكروه: النهي عن الشرب قائماً، إن صح الحديث، فإن الأثرم نقل عن الإمام أحمد رحمه الله: أنه لا يصح حديث في النهي عن الشرب قائماً، وأما حديث أنس عند مسلم : ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشرب قائماً قال: فالأكل، قال: أشد ، ومن أكل أو شرب ناسياً فليستقيء )، هذا الحديث رواه مسلم ، وفي سنده عمر بن حمزة ضعفه الإمام أحمد و يحيى بن معين ، وقال الأثرم نقلاً عن الإمام أحمد : لا يصح في الباب شيء، وأصح شيء في الباب: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب قائماً عند ماء زمزم )، كما رواه البخاري و مسلم من حديث علي بن أبي طالب ، وكالنوم على غير طهارة مكروه، وكالنفخ في الإناء مكروه.
يقول المؤلف: (وهو ضد المندوب)، وذلك لأن المندوب: هو المأمور به من غير جزم في أمره.
يقول المؤلف: (ما يقتضي تركه الثواب، ولا عقاب على فعله)، هذا تعريف، وقد ذكرنا التعريف الآخر وهو الأقرب، وأن هذا إنما هو مكروه بمعنى حكمه.
يقول المؤلف ممثلاً على ذلك: (كالمنهي عنه نهي تنزيه)، أولاً: قول المؤلف: ما نهي عنه نهياً غير جازم، نحن نعرف أن الغالب في إطلاقات الشرع: أنه يطلق النهي من غير بيان، هل هو للجزم أم لا؟ لكننا إذا بحثنا عن مجموع طرق الحديث، أو الصوارف؛ وجدنا أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل أو قال بخلافه، فنفهم من النهي هنا أنه نهي غير جازم.
مثال: الشرب قائماً على فرض صحة الحديث، تصحيح مسلم له وغيره من المتأخرين، الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن الشرب قائماً، وجاءنا حديث: ( شرب النبي صلى الله عليه وسلم قائماً )، فهذا يدل على خلاف المنهي وكل فعل أو قول خالف المنهي؛ أفادنا أمرين:
الأمر الأول: أن المنهي غير محرم، الثاني: أن هذا الفعل الذي خالف المنهي، إن كان لحاجة؛ لم يكن على الفاعل المخالف للمنهي كراهة ولا تحريم، وإن كان من غير حاجة؛ وقع في الكراهة.
وكلمة (حاجة)، حاجة للمرء، وحاجة لبيان الحكم، فالرسول صلى الله عليه وسلم أحياناً يفعل خلاف المكروه؛ لبيان الجواز لا التحريم، فيثاب على هذا الأمر من وجه آخر، ولا يقع في المكروه.
يقول المؤلف: (كالمنهي عنه نهي تنزيه)، المكروه قلنا: إنه اصطلاح متأخر، وإلا فإن الأئمة كالصحابة والتابعين والأئمة الأربعة إذا أطلقوا المكروه؛ أرادوا به المحرم، ولكن من باب التورع لا يطلقون على الحرام إلا المكروه، ولهذا يخطئ كثير من متأخري أصحاب المذاهب، حينما ينقلون عن الشافعي أو عن أحمد مسألة أنه اختلف عن أحمد على قولين، قول بالكراهة والجواز، وقول بالتحريم لماذا؟ لأنه مرةً منعها، ومرةً قال: أكرهها، والكراهة هنا عند أحمد تقتضي التحريم، كما قال رحمه الله: أكره المتعة والصلاة في المقابر، وهذا بلا شك محرم، وقال علماء الحنابلة في كتبهم: ويكره الوضوء في إناء ذهب أو فضة، وقد نقل ابن القيم : إجماع أهل العلم على أن استعمال الذهب والفضة في غير الأكل والشرب محرم، فكلمة يكره هنا يقصد بها التحريم.
وقد ذكر ابن القيم رحمه الله كلاماً نفيساً يصلح ويحسن بطالب العلم أن يراجعه في إعلام الموقعين، في المجلد الأول، في أوائل الكتاب، أشار إلى اصطلاحات الأئمة المتقدمين، وأنهم أحياناً يطلقون المكروه ويريدون به المحرم، وكلمة كراهة تنزيهية، لإخراج التحريم وليس المقصود به التنزه، ولكن المقصود به الكراهة التي لا تصل إلى الوقوع في الممنوع والمحظور.
الأمر الأول: ترك ما فعله راجح على تركه، قالوا: ومن أمثلة ذلك: ترك المندوب، كترك المستحب، فمن ترك مستحباً؛ فقد وقع في المكروه، هكذا أشار بعض الأصوليين، والقول الثاني هنا: أن ترك المندوب لا يلزم منه الوقوع في المكروه، لأن الكراهة حكم شرعي، لا تثبت إلا بدليل شرعي، ولا دليل شرعي هنا.
فلو أن إنساناً صلى من غير التسوك، فهل نقول: وقع في المكروه؟ لا، نقول: ترك الأفضل، ووقع في الجواز.
الأمر الثاني من إطلاقات المكروه: يطلق على الذي ثبت النهي عنه، وعلم بدليل آخر أنه غير محرم، وهذا هو الأصل عند المتأخرين.
الأمر الثالث: يطلق على ما فيه شبهة وتردد، ما ندري هل هو محرم أم لا؟ مرةً تقول بالجواز، ومرةً تقول بالتحريم، فتقول: هذا من المكروه؛ لأن التردد هنا بين التحريم وعدمه دليل على أنه ثبت النهي عنه، ولو من غير تصريح.
الأمر الرابع: هو ما فهم منه بأدلة عامة، مثل ما يسميه بعضهم: خلاف الأولى، مثل السواك والإمام يخطب، السواك سنة، لكن حين استماع الإمام ما نستطيع أن نقول: مكروه، نقول: خلاف الأولى، كما أشار إلى ذلك السيوطي ، ويطلق أيضاً عليه أنه مكروه، بعضهم يسميه خلاف الأولى، وبعضهم يسميه مكروهاً، هذه أربعة إطلاقات يتداولها الأئمة.
فإن قال قائل: هل كل خلاف يقال عنه مكروه؟
قلنا: لا، ليس بصحيح، الخلاف ينظر فيه، فإن بان للمجتهد أحد القولين؛ عمل به، وإن تردد؛ قال: الخروج من الخلاف مستحب، فيعمل احتياطاً بالمنع، لكن الاحتياط ليس دليلاً، لأنه قال: الاحتياط تركه، لو قلت: لو فعلته أأثم؟ إن قال: نعم؛ فقد حكم بالتحريم، ولهذا قال ابن تيمية : والاحتياط ليس حكماً تكليفياً، بعض المفتين هداهم الله أكثر فتاويهم الأحوط تركه، يقول: هذا ورع لكنه ليس حكماً، ولهذا إذا أكثر الإنسان من كلمة: الأحوط تركه، إذاً ما بان له مسألة، وليس بفقيه، ولهذا قلنا: من هو الفقيه؟ الفقه: هو العلم بالأحكام الشرعية المستنبطة، أما الظاهرة من الدليل فليس بفقيه، يعرفها العامي، لكن إذا استنبط الحكم الشرعي علمنا أنه فقهه، والله أعلم.
والمباح هو المأذون فيه والمعلن، تقول: باح فلان بسره؛ إذا أظهره وأعلنه، واصطلاحاً: ما لا يتعلق به أمر أو نهي عنه لذاته، وقولنا: لذاته، يعني: لو جاء لشيء آخر؛ ربما يتعلق به حكم تحريم، أو حكم إيجاب، مثل: شراء ثوب، شراء الثياب جائز؟ لكن لو أنه إذا أراد أن يذهب لصلاة الجمعة وليس عنده ثوب؛ كان شراء الثوب هنا واجباً؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به؛ فهو واجب، وهذا مراد العلماء عندما يقولون: لذاته.
كذلك إذا أراد إنسان أن يشاهد التلفاز وفيه نساء، ولا يستطيع أن يمنع نفسه من النظر؛ فنقول: يحرم عليك مشاهدة التلفاز الذي فيه نساء؛ لأنك لا تستطيع أن تتوقى إلا بتركه، إلا إذا قال الإنسان: أنا لا أنظر إليهن، وغلب على ظنه هذا؛ فهذه مسألة أخرى.
يقول المؤلف: (والحلال بمعناه، وهو ما لا يتعلق بفعله أو تركه ثواب ولا عقاب)، هنا لا يتعلق بتركه ولا فعله ثواب ولا عقاب، هذا تعريف المؤلف له، ينبغي أن نقول: لذاته؛ لأنه ربما يكون الفعل واجباً من وجه آخر، أو محرماً من وجه آخر، لكن قوله: ما لا يتعلق بفعله أو تركه ثواب ولا عقاب، أما الاعتقاد؛ فإنه يثاب عليه والشخص الذي لا يعتقد الإباحة في المباح الذي ثبت في الكتاب والسنة أنه مباح، فهذا كما قال صلى الله عليه وسلم: ( ومن رغب عن سنتي فليس مني )، إذن: هذا هو تعريف المباح من حيث هو، أما من حيث الاعتقاد؛ فأحياناً يكون واجباً أو مستحباً، ولهذا بعضهم يقول: إن المباح من الأحكام التكليفية، لأن الاعتقاد بأنه مباح واجب، فدخل في الأحكام التكليفية، وهذا فيه تكلف.
لكننا نقول: دخوله في الأحكام التكليفية من باب تكملة القسمة، ومعنى ذلك أن المكلف يجوز له أن يفعله، أي يشرع له أن يفعله، هذا وجه دخوله في الأحكام التكليفية.
يقولون: قسم ثبت أن فيه ضرر محض؛ فهذا لا شك في حرمته، وقسم ما فيه ضرر وهو نفع محض فهذا حلال، القسم الثالث: ما فيه ضرر من جهة، ونفع من جهة أخرى، والضرر أرجح، قالوا: فهذا ممنوع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا ضرر ولا ضرار )، والقاعدة الفقهية: الضرر يزال.
أما ما فيه نفع محض ولا ضرر فيه أصلاً، فالمؤلف يقول: اختلفوا في حكمها، وأكثر الاختلافات الأصولية في الغالب إنما منطلقها قضايا كلامية، أو قضايا اعتقادية، وأحياناً يخطئ بعض الفقهاء أو بعض طلاب العلم حينما يتجهون وينزعون إلى منزع كلامي، بحيث يشعرون أو لا يشعرون. فهنا حكم الأشياء المنتفع بها قبل ورود الشرع، قد جاءنا النص الشرعي فيه، وهو قوله تعالى مبيناً أن الأصل في الأشياء الحل: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا [البقرة:29]، الثاني قوله صلى الله عليه كما في حديث أبي ثعلبة الخشني وغيره: ( وسكت عن أشياء رحمةً لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها ).
ولهذا تجد أن أكثر هذه المسائل الأصولية الخلافية للأشاعرة فيها كلام، انظر يقول المؤلف: (فعند أبي الخطاب و التميمي الإباحة كـأبي حنيفة )، وهذا هو قول الجمهور، وليس فقط هنا، يقول: [فلذلك أنكر بعض المعتزلة شرعيته]، لماذا أنكر أهل الاعتزال شرعيته؟ أنكرت المعتزلة أصلاً أن المباح من الأحكام الشرعية، وقالوا: لأن المباح ما اقتضى نفي الحرج في فعله وتركه، يقولون: وهذا ثابت قبل الشرع وبعد الشرع، لماذا قالوا هذا؟ لأنهم يرون التحسين والتقبيح العقليين.
ومسألة التقبيح والتحسين العقليين أهل السنة والجماعة وسط بين أهل الاعتزال وبين الأشاعرة ومن حذا حذوهم، فالأشاعرة يقولون: لا حسن ولا قبح إلا ما ورد الشرع فيه، فإذا قلت لهم: إن هذا طيب، قالوا: ما نقطع بطيبه حتى يقطع الشرع، ولو حكم العقل فيه وعلم بالتجربة، فإن الأشاعرة يقولون: لا نقول بحسن أو قبح إلا بكلام الشارع. أما المعتزلة فيقولون: إن العقل يحسن ويقبح، ومعنى يحسن ويقبح عندهم: أن العقل جائز أن يعلم المصلحة هنا في بعض الأعيان، وإذا علم المصلحة؛ فإن العقل يحرم ويبيح، فجعلوا العقل أحياناً يشرع.
أما أهل السنة والجماعة فهم وسط بين الأشاعرة الذين قالوا: إن التحسين والتقبيح العقليين لا يكون إلا بحكم الشرع، قالوا: فإننا نجد أن الحسن ما حسنه المسلمون، والقبح ما قبح المسلمون، وهذا إن دل على شيء؛ فإنما يدل على أن العقل له تمييز بين ما ينفع وبين ما يضر، لكن كون العقل يعلم ما ينفع وما يضر، لا يعني بالضرورة أن يبيح ويحرم ويحلل، لأنه أحياناً ينظر المصلحة الدنيوية، يعني: القريبة، وينسى أضراره، ولهذا قلنا: التحسين والتقبيح العقليين جائز في الشرع، من حيث أن العقل يعلم نفع هذه الأشياء أو ضررها، ولكن وجوبها وتكليف الحكم الشرعي ليس مناطه إلا الشرع، مثلاً لو أن شركة عملاقة تريد أن تبني برجاً، وهذا البرج يدخل عليها في السنة (10%)، فطلبت من بنك ربوي أن يشتري هذا البرج وتعطيه سنوياً فائدة (5%)، فالبرج يدخل (10%)، والفائدة الربوية تأخذ منها (5%)، فجاء البنك وأعطى هذه الشركة الربا، فهل الربا هنا في هذه اللحظة في هذا العين ضرر على الشركة؟ ربما لا يكون ضرراً، فيه منفعة، ما خسر شيئاً، فهو يأخذ عشرة بالمائة، يعطي البنك منها خمسة بالمائة، وخمسة بالمائة يدخلها.
فليس الضرر أحياناً في بعض الصور، ولكن الضرر في الربا في تحريمه على سبيل العموم، والحكم الشرعي إذا حرم؛ حرم على الجميع، على الأفراد وعلى الأشياء، كما قال تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ [البقرة:219].
يقول المؤلف: (وعند القاضي و ابن حامد وبعض المعتزلة الحظر)، هذا القول الثاني قالوا: إن الأصل الحظر، لأمور:
أولاً: لأنه يعد تصرف فيما لا دليل فيه، والأصل في الأشياء المنع وليس الإباحة.
الأمر الثاني: قالوا: لأن إعطاء حكم بالجواز، يعني افتيات وتشريع من غير دليل، التشريع من الله، فهل عندكم دليل على الجواز؟ فالأصل فيه المنع، نقف حتى يرد دليل.
ولا شك أن الشارع أجرى البراءة الأصلية على كثير من الأشياء، وقد دخل المسلمون بلاد الكفر، وأكلوا من أجبانهم، واستفادوا من ألبستهم، مما يدل على أن الأصل في الأشياء الحل والطهارة، وهذا دليل، ومن الأدلة الفعل والتقرير.
وأما توقف الجزري ، وهو أبو الحسن أحمد بن نصر بن محمد البغدادي الحنبلي الأصولي ، كما قال عنه: (وتوقف الجزري والأكثرون)، فلا شك أن هذا التوقف لا وجه له.
والأدلة في الجواز واضحة لا إشكال فيها:
الأول: أن الصحابة دخلوا بلاد الكفر، فأكلوا من أجبانهم، وشربوا مما لا يعلمون سكره قبل ورود الشرع فيه.
الثاني: قوله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً [البقرة:29]، فالأصل في الأشياء الحل.
الثالث: أن مما رفعه الله عن هذه الأمة الآصار والأغلال، ومن أعظم رفع الآصار والأغلال هو تحريم شيء لم يدل عليه دليل.
يعني: من رفع الآصار أن أقول: الأصل في الأشياء الحل، ( وبعثت بالحنيفية السمحة )، ومن لوازم هذه الحنيفية أن يقال: إن الأصل في الأشياء الإباحة.
بمعنى: أن المكلف ليس مكلفاً بهذه الأحكام التي جعلت هذه أمارات لوجوب فعل آخر من المكلف، فالفرق بين الأحكام التكليفية والأحكام الوضعية أمور:
أولاً: أن الأحكام التكليفية تتعلق بفعل المكلف، أَقِيمُوا الصَّلاةَ [الأنعام:72]، حكم تكليفي، لأنه الذي سوف يفعله المكلف، كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ [البقرة:183]، كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى [البقرة:178]، كل هذه أحكام تكليفية، لأن العبد يجب عليه ويكلف بفعلها.
أما الأحكام الوضعية: فتتعلق بفعل الإنسان مطلقاً، لا علاقة لها بأنه مكلف أو لا، مثل: إتلاف المال، إتلاف المال حكم وضعي، لم يُنظر فيه إلى المكلف، إنما نُظر إلى الفعل، فمن أتلف مالاً؛ وجب عليه ضمانه، سواء كان مكلفاً أو غير مكلف، كالصبي والمجنون.
إذاً: الحكم التكليفي متعلق بفعل المكلف نفسه العاقل البالغ، أما الخطاب الوضعي: فلا علاقة له بفعل المكلف، إنما هو بالنظر إلى الإنسان نفسه مطلقاً، كما في إتلاف المال.
الأمر الثاني من الفروق: أن الحكم التكليفي لا يكون إلا بفعله وكسبه، أما خطاب الوضع: فإنهم قالوا: إنه لو لم يباشر المكلف القتل؛ لوجب عليه الضمان، كما لو أتلفت دابته، ومثل وجوب الدية على العاقلة، فالعاقلة عليهم الدية في قتل الخطأ؛ لأجل أن الدية في العاقلة من باب خطاب الوضع.
الأمر الثالث: أن الأحكام التكليفية متعلقة بقدرة المكلف، ومأمور بتحصيلها، بخلاف خطاب الوضع؛ فإن المكلف لا يملك تحصيله، مثل: دخول الوقت.
فالأحكام التكليفية في قدرة المكلف، ومأمور بتحصيلها، فإذا قلت لك: أقم الصلاة؛ فيجب عليك أن تتوضأ، وإذا لم يوجد ماء؛ يجب عليك أن تذهب وتبحث عن الماء، وإذا كان الماء يشترى بقيمة مثله؛ يجب عليك أن تشتريه، كذلك إذا حضر الصيام؛ وجب عليك أن تمسك من فجر ذلك اليوم إلى غروب الشمس، كلها في قدرة المكلف، ومأمور بفعلها.
لكنه لا يلزمه إذا أراد أن يسافر أن يجلب الليل حتى يسرع، فهو لا يستطيع، كما أنه غير مكلف؛ لأن هذا الوقت ليس من شأنه، هذه أهم الفروق.
أولاً قال: ما يظهر به الحكم، وظهور الحكم يدخل فيه العلة والسبب، وما جرى مجراهما، والذي يجري مجرى العلة والسبب الشرط والمانع، فهذه تدخل تبعاً للعلة والسبب، ومعنى ما يظهر به الحكم: هو أن وجود هذه العلة أمارة لوجود هذا الحكم، فلا يمكن وجود الحكم إلا بوجود العلة، ولا يمكن وجود المسبب إلا بوجود السبب.
فمثلاً: الابن سبب وجوده بعد الله هو الأب، ولا يمكن وجود المسبب الابن إلا بوجود السبب وهو الأب، لا يمكن وجود الولد إلا بوجود المرأة، وهلم جرا.
القسم الثاني: الصحيح والفاسد، فتحكم على عمل أنه صحيح؛ فلا يلزم إعادته، وتحكم على عمل أنه فاسد؛ فيلزم إعادته.
والثالث: المنعقد، والمنعقد هنا بعضهم لا يذكره، ويكتفي بالصحيح والفاسد، الرابع: الرخصة والعزيمة، ولا مشاحة؛ لأننا إذا قلنا: منعقد؛ فهو صحيح.
والمؤلف بدأ يقسم تقسيماً عقلياً، يقول: علة، والعلة سميت علة؛ لأنها اقتضت تغير الحال من حال الصحة إلى حال المرض، من حال القوة إلى حال الضعف، وعليه: فهذه التي غيرت الحال من حال إلى حال آخر، إما أن تكون عقلية، ومعنى قولهم: عقلية، أننا علمنا وجود هذه العلة بمجرد العقل.
مثال المؤلف قال: كالكسر للانكسار، أحياناً تجد الزجاج ليس فيه نوع من القدح، تقول: ما علة تغير حاله من هذا الشكل إلى الشكل الآخر؟ الكسر هو الذي غير الحال، فالكسر علة عقلية، كذلك الولد جاء به الأب، وهي علة عقلية.
والأمر الثاني: علة شرعية، والعلة الشرعية: هي جعل الشارع وجود هذه الأمارة علة على وجود الحكم، مثل: الخمر، علة التحريم فيه الإسكار، فلولا وجود الإسكار؛ لما قلنا بالتحريم، ولهذا جوزنا شرب النبيذ؛ لأنه لا يسكر، وجوزنا شرب البربكان والبيرة التي ليس فيها كحول؛ لأن علة الإسكار هنا غير موجودة أصلاً، والذي قرر لنا هذا هو الشارع، فقال: ( ما أسكر كثيره فقليله حرام )، فلو شربت ثلاثاً، أو أربعاً، أو خمساً من البيرة ما أصبت بشيء، فدل ذلك على أن العلة الشرعية منتفية هنا.
المؤلف هنا دخل في إشكالات عقلية، وطبيعة الذي يكتب أو يقرأ أو يدرس كتب الأصول يجد أن علم الكلام قد دخل فيه، وتأثر بلوثاته، والصواب في العلة أنها المعنى الذي علق الشرع الحكم عليه، فمثلاً السكر معنىً علق الشارع الحكم عليه، ولا إشكال في هذا، وهذه يفهمها كل الناس، وكذلك علة الصلاة أو سبب وجود الصلاة دخول الوقت، وسبب تحريم بيع المرء على بيع أخيه علة الإضرار، وغيرها.
قال المؤلف: (وقيل: الباعث له على إثباته)، قال المؤلف: (وهذا أولى)، هذا التعريف الثاني، وهو أن العلة الشرعية ليست المعنى، ولكن الباعث على الشيء، وليس هو وجود الشيء، وقد فرق المؤلف بينهما؛ لأن المراد بالباعث هنا: المشتمل على الشرع، وليس الباعث للشارع على أنه شرع، فقصده بالباعث هنا أي: المشتمل على حكمة التعليل، ولم يقصد المؤلف بإطلاق الباعث هنا أن الشارع إنما شرعه لأجل حفظ الناس، إنما قصد المشتمل على حكمة معينة هنا. وقد اختار المؤلف هذا التعريف؛ لأن الأول، الذي هو المعنى الذي علق الشارع الحكم لأجله مبني على أن علماء الكلام وهم أهل الاعتزال ومن تأثر بهم يقولون: إن الأحكام لا تعلل بالأغراض، يعني: أن الحكم الشرعي ليس معللاً لأجل غرض، أو لأجل شيء، بل قالوا: إن شرعية الحكم من أجل غاية معينة معناها: أن صاحبها يتكمل بوجود تلك الغاية، فإذا قلنا: إن العلة هي المعنى الذي شرع أو علق الشارع الحكم من أجله، فإن معناه أن صاحبها الذي شرعها، لم يكمل إلا بوجود تلك الغاية، والله سبحانه وتعالى، كما يقولون: منزه عنها؛ ولهذا المؤلف اختار الثاني.
والأقرب والله أعلم: أننا إذا قلنا: هو المعنى الذي شرع أو علق الشارع الحكم لأجله؛ ليس معناه أننا أنقصنا مقام الربوبية، حاشا وكلا، فليس كل ما يتوهمه المتكلمون يكون صحيحاً، فهم أبطلوا وعطلوا صفات الله ببراهين، سموها براهين وهي أوهام، فقالوا: لا نصف الله بصفات؛ لأننا إذا وصفنا الله بصفات؛ فهذه الصفات ينظر فيها، إما أن تكون صفات ذاتية، وإما أن تكون صفات عرضية، إن كانت صفات ذاتية؛ فقد شبهنا الله بالمخلوق، وإن كانت صفات عرضية، يعني مثل الاستواء، والكلام، وغير ذلك من الصفات التي تتعلق بفعل الباري، فقد وصفناه بصفات عرضية، والأعراض لا تقوم إلا بعرض محدث، ولو وصفنا الله بذلك؛ لقلنا: إنه يتصف بالأعراض، وهذا لا يكون إلا محدثاً، ونحن ننزه الله عن ذلك، أعوذ بالله، هل هذا كان موجوداً في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم؟ هل كان ذلك في عهد الصحابة؟
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( يضحك ربنا، قال الأعرابي: أو يضحك ربنا يا رسول الله؟! قال: نعم، قال: لن نعدم من رب يضحك خيراً )، فهموا كلام الله على ما تقتضيه لغة العرب، قال عليه الصلاة والسلام: ( إن الله كان سميعاً بصيراً، ووضع إبهامه على أذنه وسبابته على عينه )، لتحقيق حقيقة الصفة، وليس لإثبات كنه المشابهة.
وعلى هذا: فلسنا بحاجة إلى ذكر هل هو الباعث؟ أو هو المعنى، ونقول: هو المعنى الذي علق الشرع الحكم عليه، ولا يلزم أن نلتزم بتمويهات علماء الكلام.
مثال: زوال الشمس سبب لوجوب صلاة الظهر، وغروب الشمس سبب لوجوب صلاة المغرب، وغياب الشفق سبب لوجوب صلاة العشاء، فيلزم من وجود الشفق وجوب صلاة العشاء، ويلزم من عدم وجود الشفق عدم وجوب صلاة العشاء، وهذا هو معنى السبب عند العلماء.
المؤلف يقول: (وقد استعمله الفقهاء) أي السبب (فيما يقابل المباشرة كالحفر مع التردية)، أي: أن العلماء استعاروا لفظ السبب لمعان كثيرة منها: قالوا: ما يقابل المباشرة، ما يقابل المباشرة معناها عند العلماء: أن شخصاً لو حفر بئراً، ودفع آخر إنساناً؛ فتردى فيها فهلك، فالأول وهو الحافر متسبب، والثاني الذي دفع مباشر، والحفر سبب، والسقوط والتردي علة للهلاك، لأن الهلاك حصل من السقوط، ولكن الهلاك لم يحصل إلا بوجود سبب وهو الحفر، والحفر لم يوجد إلا بوجود متسبب وهو الذي حفر، وهذا المتسبب لم يقم مباشرة بالإسقاط، إنما قام به المباشر، هذا كله نستفيد منه شيء واحد هو: أن كل من أتلف عيناً، أو كان سبباً في إتلافها من أي وجه فإنه يضمن بحسبه.
فلو كان عنده بهيمة؛ فأطلقها، فأتلفت البهيمة مسلماً، فلا يمكن أن تخاطب البهيمة بشيء، فالمباشر لهلاك الإنسان البهيمة، لكن البهيمة لا تخاطب بكلام ولا حكم، فالمتسبب الذي لم يمسكها هو من أسبابها، فيكون الضمان عليه كاملاً، وإن كان المباشر يمكن أن يطلق عليه تكليف أو فعل، ويكلف فيه؛ فإنه يتحمل شيئاً من ذلك، ولهذا كان الردء في القتال يأخذ حكم المقاتل، فالذين يذهبون ليسرقون تجد أن أحدهم يأخذ المال ويسرق، والثاني يحميه، فالذي يحمي حكمه حكم السارق؛ لأنه ردء له، فالسيف آلة القتل، والسبب السرقة، والمباشر القاتل، والمتسبب هو الردء والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
الجواب: يرى بعض فقهاء المالكية أن الإمام أو المأموم إذا رفع رأسه من الركوع؛ فإنه يسدل يديه ولا يضعها على صدره، قالوا: لأنه ورد وضع اليمنى على اليسرى حال القيام قبل الركوع، وأما بعد الركوع فلم يذكر، فيبقى على الأصل، والأصل هو السدل، وهذا اختيار الألباني .
القول الثاني في المسألة: أن من قام في الصلاة مطلقاً قبل الركوع وبعده؛ فإنه يضع يده اليمنى على ذراعه اليسرى، لما جاء في صحيح البخاري من حديث سهل بن سعد الساعدي أنه قال: ( كان الناس يؤمرون أن يضعوا أيديهم اليمنى على ذراعهم اليسرى )، فهذا يدل على أنهم يؤمرون، وهذه الحالة لا تتناسب إلا مع القيام، والقيام مطلق لم يقيد قبل الركوع أو بعده، مما يدل على أن فعله بعد الركوع داخل في الاستحباب، وهذا رأي شيخنا عبد العزيز بن باز ، والمسألة حقيقة مع أنها أثيرت قبل عشرين سنة، إلا أنني لم أجد كلاماً للحنابلة في هذا الباب ولا للشافعية ولا للحنفية، وجدت كلاماً لبعض المالكية المتأخرين، والعلم عند الله، والأقرب هو الوضع، والله أعلم.
الجواب: نعم، رواه أبو داود من حديث أبي أمامة ( أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال المؤذن: قد قامت الصلاة، قال: أقامها الله وأدامها )، وهذا الحديث ضعيف ولا يصح، والسنة اختلف العلماء فيها في حال الإقامة، هل السنة أن يتابع الناس المؤذن في إقامته أم يتابعونه في حال الأذان فحسب؟ قولان عند أهل العلم، قال ابن رجب في فتح الباري: وظاهر كلام أحمد وصنيعه أنه لا يرى المتابعة، وأرى أن هذا هو الأقرب والله أعلم، لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكون الإقامة تسمى أذاناً، إنما ذلك إذا جمعت مع الأذان، ( بين كل أذانين صلاة )، أما إذا تفردت فإنها تسمى التثويب، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أذن المؤذن أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع التأذين، فإذا قضي التأذين أقبل، حتى إذا ثوب بالصلاة أدبر )، وهذا يدل على أن الإقامة تسمى أذاناً من حيث الجمع والأغلبية.
وعلى هذا: فالسنة عدم المتابعة، ولو تابعه؛ فإنه يقول: قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، مثل المؤذن.
الجواب: إن كان في الصلاة تشهدان؛ فالسنة أن يجلس في التشهد الثاني، بأن يتورك، والتورك هو أن يجلس على إليته، وينصب اليمنى ويدخل اليسرى تحت رجله اليمنى، والصورة الثانية من التورك: أن يجعل رجله اليسرى بين عضلة ساقه وفخذه، ويفرش رجله اليمنى، لا ينصبها، هاتان حالتان، وقد ذكر الشوكاني في النيل أربع حالات، والواقع أنها حالتان، ولكن اختلف في تفسير الرجل اليمنى هل تنصب أو لا؟
أما إذا كان في الصلاة تشهد واحد؛ فإن السنة والأقرب والله أعلم أنه لا يتورك فيها، كما في حديث أبي حميد الساعدي .
الجواب: وقت صلاة الضحى، من ارتفاع الشمس قيد رمح، يعني: إذا طلعت الشمس؛ انتظر اثنتا عشرة دقيقة حتى ترتفع الشمس قيد رمح يعني متراً عن الأفق، ثم صل، كما قال النبي لـعمرو بن عبسة : ( فإن الصلاة مشهودة محضورة )، حتى يقوم قائم الظهيرة، قبل الأذان بعشر دقائق.
الجواب: هذا الأظهر والله أعلم ( كان يشوص فاه بالسواك )، كما في الصحيحين من حديث حذيفة .
الجواب: نعم، داوم النبي صلى الله عليه وسلم على نفض فراشه عند النوم.
الجواب: إذا كان الأكل يصلح فيه ثلاثة أصابع؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأكل بثلاثة أصابع.
الجواب: نقول والعلم عند الله: إن زيادة وبحمده في الركوع والسجود كلاهما ضعيفان، رواها أبو داود وفي سندهما مجهول.
الجواب: المدد الذي يأتي إلى الجيش في حال قيام المعركة ودخولهم فيه ولو كانوا ردءاً؛ فإنهم يأخذون من الغنيمة، أما إذا جاءوا وقد انتهت المعركة، حتى ولو خاف العدو بدعوى وجود المدد؛ فإن المسلمين نصروا بالرعب، فإنهم لا يأخذون، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما اختلف أهل البصرة وأهل الكوفة في غزوهم للروم، فإن أهل البصرة غزوا أهل نهاوند، وفتح الله عليهم، ثم أمدهم أهل الكوفة بمدد، فلما جاء أهل الكوفة وجدوا أن أهل البصرة قد انتصروا عليهم، فقالوا: لنا من الغنيمة، فكتب عمر إليهم: أن الغنيمة لمن شهد الوقعة، كما رواه البيهقي .
الجواب: نحن نقول: الله سبحانه وتعالى لا يحتاج إلى أحد من خلقه، وأما قول: في حاجة الله، كما روى البخاري من حديث ابن عمر ( أن
الجواب: يعني قلنا في تعريف أصول الفقه: معرفة دلائل الفقه إجمالاً، وكيفية الاستفادة منها وحال المستفيد، هذا تعريف المؤلف، وقلنا: بعض العلماء يرى: أننا لا نقول: كيفية، لأن الكيفية مصدر صناعي، والأفصح أن نقول: الصفة، هذا السبب، ولهذا الأولى ألا تقول: التكييف الفقهي، بل تقول: التوصيف الفقهي؛ لأن كلمة تكييف مصدر صناعي، والأولى أن يكون سماعياً أو قياسياً، خلاف في هذا والراجح أنه سماعي، ولو قال إنسان: وكيفية، لا حرج في ذلك؛ لتداولها عند الناس.
الجواب: التعزير: هو التأديب في معصية لا حد فيها ولا كفارة، يعني: شخص أركب امرأةً أجنبية وخلا بها، فالركوب والخلوة بالأجنبية معصية، لكن هذه المعصية ليس فيها حد، لم يقل الله سبحانه وتعالى: فاجلدوهم ثمانين جلدة، كما قال في القذف، ولم يقل: الزاني والزانية، فيعطيهم حكم الزنا، وليس فيها كفارة أيضاً، مثل كفارة القتل، لكنه معصية ثابتة؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ( لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما )، وهذه المعصية توجب على الإمام أن يقوم بتأديبه، لأن الإمام قائم مقام الأب للأفراد؛ فيعزره.
والتعزير ليس حداً، وإن كان تشريعاً، ومعنى تشريع: أن الشارع قد شرعه، كما جلد عمر شارب الخمر ثمانين، مع أن الحد عند الجمهور أربعين، ولهذا قال السائب : حتى إذا أوغل الناس في الشرب وفسقوا؛ جلدهم عمر ثمانين.
الجواب: الزواج عبر الإنترنت بمعنى: أن الأب الولي يقول: قبلت، أو الزوجة تقول: رضيت، ثم الأب يحضر الولي ويكون هناك شهود ويقر الزواج، هذا عقد، وهل يجوز؟
أولاً: يجوز إبرام العقود عبر الشبكة العنكبوتية، لكني أرى والله أعلم، وهو قول كثير من العلماء المعاصرين: أنه لا يجوز إبرام عقد النكاح في الإنترنت، لأنه جائز أن يدعي الولي أنه ولي وليس بولي، واختلاط الأصوات وارد، وغير ذلك، وكم هم الذين قد تزوجوا بناءً على وجود الكاميرا هذه، فيقول: هذه زوجتك؛ فيتزوجها ويبرم العقد فيزف إليه غيرها، ويقع إشكال كبير.
ولهذا أرى أنه لا ينبغي إبرام عقد النكاح في الإنترنت، نعم يجوز إذا كان هناك حشمة وعفاف ومروءة أن يخطب المرأة، وينهي الاتفاق بالكامل ثم بعد ذلك يحضر إلى العقد.
الجواب: ليس عليه شيء، إذا أخذ الإنسان العمرة، ثم رجع إلى الدمام وإحرامه باقي؛ جاز له ذلك، أهم شيء أنه لم يفعل محظورات الإحرام حتى يحلق أو يقصر.
الجواب: الدف للرجال، أصل الدف محرم، لأنه مزمار الشيطان، ( كما قال
وقد روى حسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه ( أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إني نذرت إن ردك الله علي سالماً أن أضرب بين يديك في الغربال، فقال لها: أوف بنذرك )، هذا الحديث يرويه الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه، ورواية الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة ضعيفة، كما أشار إلى ذلك الإمام أحمد و أبو حاتم و الدارقطني وضعفوا هذه الرواية، و الحسين بن واقد اختلف الرواة عنه، فأكثر الرواة رووها عن حسين بلفظ: أن امرأة، وبعض الرواة رواها عن حسين بلفظ أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم، ورواية حسين عن بريدة ضعيفة، ومع التسليم بالصحة، فإن أكثر الرواة رووها عن حسين بلفظ امرأة.
ولأجل هذا ضعف العلماء هذا الحديث، وإن كان شيخنا محمد جوز العرضة بناءً على هذا الحديث، يقول: إذا صح الحديث فهو مذهبه.
وإذا ثبت هذا؛ فإن الاستدلال بهذا الحديث ضعيف، كما ضعفه أئمة هذا الشأن، وفرسان هذا الميدان أحمد و أبو حاتم و الدارقطني، ومن الأئمة بعدهم؟! كما يقول البخاري ، فحينئذ نقول: إن العرضة لا تجوز للرجال، نعم يجوز للرجال أن يسمعوا وقع الدف للنساء في الأعراس، كما لو أن الرجال دخلوا صالة الطعام والنساء يضربن بالدف ذي الفتحة الواحدة، فلا بأس أن يسمع الرجال هذا.
وما يفعله بعض الإخوة: أنه يتورع ويخرج ويقول: خطأ ولا يجوز، هذا خطأ منه، فقد ثبت في صحيح البخاري من حديث الربيع بنت معوذ أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليهم وهم يضربون بالدف في أفراح ولم ينكر عليهم، فهذا يدل على أن ما جاز للنساء جاز للرجال سماعه وليس استماعه، وفرق بين السماع والاستماع، فالسماع هو أن يحدث عابراً ولم يقصده، والاستماع أن يقصده، أما ما يفعله بعض الإخوة من أخذ أشرطة الأطفال والتي فيها الدف ويضعها في السيارة، وإذا سألته قال: نقطع به عناء الطريق، فهذا لابد له من وجود دليل.
وعلى هذا: فالدف للرجال لا يجوز، وليس فيه دليل، وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم أنه مزمار الشيطان، لقول أبي بكر : ( مزمار الشيطان )، وقد قال أبو مسعود البدري قال الراوي: ( دخلت في وليمة عرس للأنصار، وإذا النساء يضربن بالدف، فقلت:
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا وإياكم الفقه في الدين، وأن يمنحنا وإياكم رضاه والعمل بسنته وتقواه، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر