إسلام ويب

مصادر علم الفقه [2]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من المذاهب الإسلامية المتبوعة مذهب المالكية، وقد ألفت فيه كتب كثيرة، فمن أهم مصادره كتاب المستخرجة والمدونة والموازية والتلقين، والبيان والتحصيل ومختصر خليل وشروحه للخرشي وللدردير ولعليش وللحطاب الرعيني، ومن أهم كتب القواعد للمالكية الفروق للقرافي، ومن كتب التراجم لفقهاء المالكية: ترتيب المدارك، ومن أهم كتب المالكية في تفسير آيات الأحكام كتاب الجامع للقرطبي.
    بسم الله الرحمن الرحيم.

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله.

    اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:

    فأسأل الله عز وجل أن يجعل اجتماعنا اجتماعاً مرحوماً، وأن يجعل تفرقنا بعده تفرقاً مرحوماً، ولا يجعل فينا شقياً ولا مطروداً يا رب العالمين.

    فقد توقفنا في مصادر الفقه المالكي على أهم مصادر المذهب المالكي، ونحن نشرع الآن مستعينين بالله سبحانه وتعالى استكمالاً لهذا الباب.

    كتاب الموطأ للإمام مالك

    أول هذه المصادر كما لا يخفى هو مؤسس هذا المذهب، أعني به: مالك بن أنس وقد ألف كتاب الموطأ، وهو من تأليفه، والموطأ قيل: إن أبا جعفر المنصور أمر الإمام مالكاً أن يكتب له كتاباً في معرفة السنن والأحكام حتى يعرفه القاصي والداني في شرق بلاد العالم الإسلامي وغربه، وقال له: ضع كتاباً للناس أحملهم عليه وسهل في بيانه وصياغته، فألف الإمام مالك هذا الكتاب، الذي يقول فيه الإمام الشافعي رحمه الله: ما تحت أديم السماء كتاب أكثر صواباً بعد كتاب الله من موطأ مالك .

    والذي حدا بالإمام الشافعي أن يقول هذا هو أنه لم يكن أهل العلم قد ألفوا كتباً مستقلة في صحيح الأحاديث كصحيح البخاري وصحيح مسلم وغيرهما ممن استن بسنتهما، وإلا فإن أهل العلم أجمعوا على أن أصح كتاب بعد كتاب الله سبحانه وتعالى هو صحيح الإمام البخاري ثم بعد ذلك الإمام مسلم , إلا أن الإمام مالكاً رحمه الله ألف هذا الكتاب قبل ذلك, والسبب في قول الشافعي هذا -كما قلنا في السابق- أن من مميزات مالك أنه كان ينتقي شيوخه فلا يكتفي بكثرة علمه، بل لا بد أن يجمع بين ثلاث: سعة علمه، وحسن معتقده، وضبطه في الحفظ والرواية، فألف هذا الكتاب.

    أقسام الأحاديث المذكورة في الموطأ

    وكتاب الموطأ ينقسم إلى سبعة أقسام:

    القسم الأول: الأحاديث المروية المسندة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فهذه كلها صحيحة، وقد رواها البخاري و مسلم من طريق مالك رحمه الله، وغيرهما من أصحاب السنن، فكل هذه الأحاديث صحيحة ولا إشكال فيها.

    القسم الثاني: أحاديث مروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسانيد مرسلة، وهي التي يقول فيها التابعي: إن النبي صلى الله عليه وسلم صنع كذا، أو فعل كذا، أو قال كذا، ولم يصرح بذكر الصحابي، وهذه يسميها العلماء: المرسل؛ وهو ما رواه التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا ليس بكثير.

    القسم الثالث: أحاديث رواها الإمام مالك رحمه الله، وقد أسقط فيها شيخاً أو شيخين، وهذا يسميه العلماء: المنقطع، والإمام مالك رحمه الله إنما رواه وليس يقصد بذلك أن الحديث ضعيف، ولكن الإمام مالك أحياناً ينشط في ذكر الحديث مسنداً، وأحياناً يرسله، ولهذا نجد أن في صحيح البخاري وفي صحيح مسلم من طريق مالك بن أنس أحاديث رواها مالك مرسلة منقطعة، ورواها البخاري و مسلم من طريق مالك موصولة، قال أهل العلم: ليس هذا دليلاً على ضعف هذا الحديث، ولكن من عادة الرواة أنهم ينشطون أحياناً فيذكرون الحديث موصولاً، وأحياناً لا ينشطون فيذكرونه مرسلاً.

    الرابع: أحاديث رواها الإمام مالك رحمه الله بأسانيد موقوفة إلى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أكثر مالك رحمه الله من روايته عن عمر وابنه عبد الله بن عمر ، وهذا يسميه العلماء: الموقوف على الصحابي، وسبب كثرة الرواية عن ابن عمر أن ابن عمر كان مدنياً، و مالك يرى أن عمل أهل المدينة حجة، بخلاف ابن عباس وغيرهم من القرون المفضلة من صغار الصحابة فإنهم تفرقوا في الأمصار، أما ابن عمر فقد بقي في المدينة، وهذا من أسباب كثرة رواية مالك عن ابن عمر .

    و مالك رحمه الله بالمناسبة يروي عن ابن عمر من طريقين: من طريق مالك عن نافع عن ابن عمر ، وهذا يسميه البخاري : السلسلة الذهبية، وهناك سلسلة ذهبية أخرى رواها مالك عن الزهري عن سالم عن ابن عمر ، وهناك سلسلة أخرى وهي من طريق مالك عن الأعرج عن أبي هريرة، والأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز وهو من شيوخ مالك الذي أخذ مالك عنهم الفقه والحديث، وكان مالك يعظمه هو و ربيعة بن عبد الرحمن ، وهذا القسم المسند الموقوف أيضاً صحيح.

    القسم الخامس: البلاغات، وهي التي يقول فيها مالك : بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كذا، وبالمناسبة غالب البلاغات التي رواها مالك بلاغاً عن النبي صلى الله عليه وسلم كلها قد جاءت بأسانيد موصولة من غير كتاب الموطأ إلا حديثاً واحداً ذكره مالك بلاغاً لا يعلم له إسناد متصل, وقيل: بل اثنان، والأقرب أنه واحد، وليس بالضرورة أن يكون البلاغ صحيحاً أو ضعيفاً، لكنني أقول: كل الأحاديث التي ذكرها مالك رحمه الله في موطئه بلاغاً جاءت من طريق آخر بإسناد موصول بغض النظر هل هو صحيح أم ضعيف، إلا حديثاً واحداً ذكره مالك بلاغاً ولا يصح ولا يعرف له إسناد كما ذكر ذلك أبو عمر بن عبد البر؛ وهو حديث: (إني لأَنْسى أو أُنسّى لأسُن)، وهذا لا يعلم له إسناد متصل، وأصح شيء في الباب ما روى البخاري و مسلم من حديث عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني، وإذا صلى أحدكم فلم يدر كم صلى فليبن عليه، ثم ليتحر الصواب وليبن عليه، ثم ليسجد للسهو بعد السلام )، والحديث -كما قلت- متفق عليه.

    السادس: أقوال الصحابة والتابعين التي يذكرها مالك أحياناً من غير إسناد، وقد أكثر رحمه الله في أقوال التابعين عن اثنين هما: سعيد بن المسيب و عمر بن عبد العزيز ذكرناه فيما مضى عندما قلنا في قول أبي عمر بن عبد البر : (ولا أعلم دليلاً لـمالك ) قلنا: وقد رواه مالك وأخذه عن عمر بن عبد العزيز في مسألة المتربص في الزكاة.

    السابع: ما استنبطه الإمام مالك رحمه الله من الفقه المستند إلى عمل أهل المدينة، أو إلى القياس أو إلى قواعد الشريعة.

    هذه سبعة أقسام في موطأ مالك رحمه الله.

    أفضل طبعات الموطأ

    وأفضل طبعة لهذا الكتاب هي الطبعة التي حققها الأستاذ: محمد فؤاد عبد الباقي ، وهي من طريق يحيى بن يحيى الليثي ، وهناك طبعة أخرى من طريق أبي مصعب الزهري وفيها اختلاف بينها وبين رواية يحيى بن يحيى الليثي ، والمعول عليه عند غالب أهل العلم المتأخرين على رواية يحيى بن يحيى ، وهناك طبعة جديدة طبعت لموطأ مالك مع تعليقات لـمحمد بن الحسن الحنفي، وهي طبعة لطيفة لا ينبغي أن يستغني طالب العلم عنها؛ لأنك أحياناً تحتاج لمعرفة ما مذهب الحنفية في إيرادهم لهذا الحديث، وأحياناً تستدل ضد الأحناف على حديث، وتحتاج أن تجد كتاباً يتحدث عن تأويل أو تضعيف هذا الحديث، وقد عني بذلك (المبسوط) و(بدائع الصنائع) و(شرح إعلاء السنن)، و(البناية على الهداية) من كتب الأحناف التي اهتمت بهذا الباب، وخامسها هو تعليقات محمد بن الحسن على موطأ مالك.

    اصطلاحات الإمام مالك

    و مالك رحمه الله له مصطلح, أحياناً يقول: الأمر المجتمع عليه عندنا، أو ببلدنا، وأحياناً يقول: والأمر الذي أدركت عليه أهل العلم، أو سمعت أهل العلم، أو يقول: فهذا ما عليه بعض أهل العلم، وأحياناً يقول: فهذا الذي اجتهدت الله فيه، ونحو ذلك من العبارات، روى إسماعيل بن أبي أويس قال: قيل لـمالك بن أنس: قولك: الأمر المجتمع عليه عندنا أو ببلدنا، أو الأمر الذي أدركت عليه أهل العلم، والأئمة المقتدى بهم، فقال مالك في تفسير هذا المصطلح: هو سماع غير واحد من أهل العلم والأئمة المقتدى بهم الذين أخذت عنهم، وهم الذين كانوا يتقون الله، ورأيهم ذلك مثل رأي الصحابة أدركوهم عليه، وأدركتهم أنا على ذلك.

    فهذه وراثة توارثوها قرناً عن قرن إلى زماننا، وما كان فيه من الأمر المجتمع عليه فهو ما اجتمع عليه من قول أهل الفقه والعلم، وجرت به الأحكام، فهذا مصطلح مالك، إذا قال: الأمر المجتمع عليه عندنا فهو الذي رأى عليه أهل المدينة وعلماء المدينة، وتبعه على ذلك تابعيهم إلى الصحابة رضي الله عنهم، فيكون هذا عند مالك حجة لا يجوز مخالفتها، وقد ذكرنا المراتب الأربع في مذهب أهل المدينة، فلا حاجة لذكرها هنا.

    غير أن قول مالك: وما قلت: الأمر عندنا فهو ما عمل الناس به عندنا، وجرت به الأحكام عرفه الجاهل والعالم، وكذلك ما قلت فيه: ببلدنا، يعد في مراتب مذهب أهل المدينة هو المرتبة الثالثة، وقلنا في المرتبة الثالثة هي: إذا تعارض دليلان كحديثين أو آيتين وعمل أهل المدينة بأحدهما هل عمل المدينة يرجح أحد الدليلين أم لا؟ قلنا: مذهب مالك و الشافعي نعم، ومذهب أبي حنيفة لا، ولأصحاب أحمد وجهين: الوجه الأول: قول أبي يعلى و ابن عقيل أنه لا يرجح، والقول الثاني: قول محفوظ الكلوذاني أنه يرجح، وقال: هو المنصوص عن أحمد الذي قال فيه: إذا رأيت أهل المدينة على رأي فهو الغاية كما سبق أن ذكرنا ذلك.

    قال الإمام مالك رحمه الله: وكذلك ما قلت فيه: ببلدنا، وما قلت فيه: هو ما عليه بعض أهل العلم، فهو شيء استحسنته من قول العلماء، هذا القسم الثاني.

    القسم الثالث: وأما ما لم أسمعه منهم فاجتهدت ونظرت على مذهب من لقيته حتى وقع ذلك موقع الحق أو قريباً منه حتى لا يخرج عن مذهب أهل المدينة وآرائهم، يعني: أن مالكاً في القسم الثالث يقول: أحياناً لم أسمع عن أهل المدينة، ولم أر المجتمع عليه عندنا، ولكني اجتهدت الله فيه، ونظرت في أصول عمل أهل المدينة والقواعد التي مشوا عليها في الفتوى فقسته فعرفت أنه لا يخرج عن الحق، ومعنى: لا يخرج عن الحق، عندما قال: (حتى وقع الحق) أي: وقع في نفس مالك أنه الحق.

    وأحياناً يطلق مالك الاستحسان على القياس, فيقول مثلاً فيما لا نص فيه كما في كتاب الديات في المدونة: إنه لشيء استحسناه وما سمعت فيه شيئاً من أهل العلم، هذا هو الأقرب في رواية إسماعيل بن أبي أويس عن مالك ، وقد ذكر القاضي عياض في ترتيب المدارك أن مالكاً رحمه الله إذا قال: أدركت أهل العلم ببلدنا فإنما يقصد ما أخذه من ربيعة بن عبد الرحمن ، و عبد الرحمن بن هرمز ، وما قال: الأمر المجتمع عليه عندنا فهو أخذه من قضاء سليمان بن بلال عندما كان سليمان بن بلال قاضياً في المدينة، هكذا قال عياض، والأقرب ما رواه إسماعيل بن أبي أويس القرني، وهذا كتاب الموطأ، والكلام في الموطأ كثير جداً، لكن لعلنا نذكر قليلاً مما ذكرناه، ويكفي من القلادة ما أحاط بالعنق.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089152201

    عدد مرات الحفظ

    782219160