إسلام ويب

مصادر علم الفقه [4]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • اعتمد الشافعي على أصول معروفة في مذهبه، منها: الأخذ بالدليل والاستقراء، وقول الصحابي إذا لم يخالف، والأخذ بالقياس والاستصحاب، وأقل ما قيل. وقد نشر هذه الأصول وقعد عليها فقهاء الشافعية، مثل: المزني في مختصره، والشيرازي في المهذب، والماوردي في الحاوي، والنووي في المنهاج، والشربيني في مغني المحتاج، وابن حجر في تحفة المحتاج وغيرهم.
    بسم الله الرحمن الرحيم.

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله.

    وبعد:

    فقد وصلنا إلى علم مصادر المذهب الشافعي ، وذكرنا سيرة عطرة للإمام محمد بن إدريس الشافعي رحمة الله تعالى عليه، وبينا أن الشافعي رحمه الله مر بست مراحل، كل مرحلة لها محطة في حياة هذا الإمام, ولأجل كثرة رحلته رحمه الله زانت وازدانت أقواله وفتاويه؛ خاصةً لأن هذا الإمام الجهبذ قد منحه الله شيئاً لم يمنحه أحداً ممن عاصره أو أتى بعده.

    وقد كان أئمة الإسلام لا يستجيزون للمفتي أن يفتي إلا أن يكون قد رحل في طلب العلم، وذاك أن الإنسان أحياناً يأسره مجتمعه الذي هو فيه وعاداته، فلربما أفتى بنحو ما يصلح لمجتمعه، والأصل في المفتي أن تكون فتواه على نهج الأصول والقواعد لا ينخرم منها شيء، ولهذا أخطأ من أخطأ ممن يفتي الناس ببعض المسائل التي تكون من باب سد الذرائع، فتجد أنه يفتي بالحل أو الحرمة دون نظر إلى الضوابط والقواعد، ولعلي أذكر مثالاً بسيطاً في ذلك:

    مسألة النقاب، النقاب كان موجوداً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أدل على وجوده وتعامل النساء به مما جاء في صحيح البخاري من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ولا تنتقب المحرمة، ولا تلبس القفازين )، ولما رواه سعيد بن منصور بسند صحيح عن عطاء قال: (رأيت عائشة بين الرجال منتقبةً، فقالت لها جاريتها: يا أم المؤمنين! هلم نستقبل أو نمس الحجر، فقالت: إليك عني، إليك عني)، فكون عائشة رضي الله عنها أم المؤمنين تنتقب دليل على جوازه، ولكن أحياناً يكون النقاب عند بعض النساء ملفت للنظر وفيه نوع من التبرج والسفور، إذ ليس هو النقاب الذي كان موجوداً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم.

    فتجد أن المفتي أحياناً أو العالم الذي يستفتى في هذه المسألة حينما يسأل: ما حكم النقاب؟ تجد أنه يستحضر حالةً في مجتمعه الذي هو فيه، فتجده يطلق الحرمة، فيقول: حرام، وفتواه بهذا الإطلاق ليست جيدة، مع العلم أن فيها شيئاً من الصواب، وتجد من يريد أن يطبق الذي كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يجد تثاقلاً في تطبيقها، خاصةً أن بعض البلاد الإسلامية، أو بعض البلاد الغربية التي يعيش فيها المسلمون ربما يكون أحسن أحوالهم أن تكون المرأة منتقبة.

    ولهذا كان الأولى بالمفتي حينما يفتي ألا يستحضر زمانه، لكن يذكر الضوابط الفقهية الشرعية التي تصلح لكل زمان ومكان.

    فيقول: النقاب لم يزل ولا يزال موجوداً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، والنقاب كما رواه ابن جرير الطبري عن أم سلمة : أن المرأة لا تخرج إلا عينيها، فإذا لم يكن ثمة تبرج ولا سفور إنما قصد به إخراج العينين؛ فلا حرج.

    بهذه الضوابط يسهل أن تكون الفتوى صالحة لكل زمان ومكان، بحيث لا يأتينا أناس بعد زمن يحتملون النقاب فيقولون: إحدى السنوات قلتم بتحريم النقاب، والآن نساؤكم تلبس النقاب, واليوم يقولون لنا: الاختلاط حرام، وبعد سنوات يقولون: الاختلاط حلال، ثم تجده تدرج معك في تدرجات متعددة، وكان الأولى بمن استفتي في مثل هذا أن يذكر الضابط الفقهي ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حي عن بينة.

    أعود فأقول: كان الإمام الشافعي رحمه الله قد حاز قصب السبق حينما درس على مدرستين، وأي دراسة إنما هي دراسة في العمق، من مالك مؤسس مذهب، ومن فرع المؤسس محمد بن الحسن رحمة الله على الجميع رحمة واسعة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088486856

    عدد مرات الحفظ

    776962452