فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وحيهلا بكم إلى لقاء جديد من لقاءات برنامجكم الإفتائي المباشر يستفتونك، أرحب في مطلع هذا اللقاء باسمكم وباسم فريق العمل بالغ الترحيب بضيف اللقاء ضيف البرنامج، والذي سيتولى مشكوراً مأجوراً التوضيح والبيان لموضوع هذه الحلقة، ومن ثم التكرم بالإجابة عن أسئلتكم واستفساراتكم.
أرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي أستاذ الفقه المقارن في المعهد العالي للقضاء في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، أهلاً بك.
الشيخ: حياك الله يا شيخ ناصر ! وحيا الله المشاهدين والمشاهدات لقناة الرسالة.
المقدم: حياكم الله.
إذاً حيا الله شيخنا الكريم، وحياكم الله أينما حللتم وحيثما يصلكم بث شاشتكم الرسالة.
أرحب بكم وأشكر لكم بادئ هذه الحلقة وكل حلقة تجشمكم البقاء معنا طيلة دقائقها وثوانيها. أرجو من الله العلي الأعلى الذي وفقنا لهذا اللقاء أن ينفعنا به، وينفع به المتحدث والمحاور، وأيضاً المستمع والمشاهد الكريم.
مشاهدينا الكرام! الحديث مع صاحب الفضيلة يُثرى في أبواب الفقه، نأخذ استراحات وربما وقفات من بعض الموضوعات التي تهمنا، وتحفز فينا الهمم لنيل رضوان الله جل في علاه، ومن ثم الدخول إلى الجنان.
من تلك الموضوعات الاستغفار قد يغفل عنه كثير من إخوتنا وأخواتنا! بل قد نغفل عنه نحن أنفسنا كثيراً، الاستغفار فضله وأهميته، وما حال المصطفى صلى الله عليه وسلم مع هذه العبادة العظيمة، مزيداً من التوضيحات مع شيخنا الجليل تفضل يا شيخ!
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
مسألة الاستغفار كلما تأملها المتأملون وعرف فضلها العارفون كلما عرفوا تقصيرهم في جانب حق الله جل جلاله وتقدست أسماؤه، وحينما ندلف إلى هذا الموضوع العظيم -موضوع الاستغفار- فلا بد من تقرير معنى مهم، وهو أن القلوب والعباد مهما اغتنوا في أمور الدنيا فإن قلوبهم فقيرة في جانب الله سبحانه وتعالى، هذا المعنى العظيم لا بد بل يجب أن يستحضره الإنسان وخاصة المسلم، أن يستحضره استحضاراً تاماً، فالعبد المسكين مهما اغتنى ومهما بلغ من الجاه شأوه، ومن المال علاوته فإنه لا بد أن يفتقر إلى الله سبحانه وتعالى.
هذا الافتقار كلما عظم في حق العبد كلما نال رفعة وميزة عند الله سبحانه وتعالى؛ ولهذا قال الله جل جلاله وتقدست أسماؤه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [فاطر:15]، فقوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ [فاطر:15]، فيه معنى لطيف ومعنى بديع، وهو أن العباد فقيرهم وغنيهم، ذكرهم وأنثاهم، مسلمهم وكافرهم كلهم محتاجون إلى الله سبحانه وتعالى، هذه الحاجة كلما استحضرها العبد كلما افتقر إلى الله، وانكسر بين يدي الله سبحانه وتعالى، وعرف أنه محتاج إلى الله حاجة الجسد إلى الطعام والشراب بل هو أشد؛ ولهذا لا يمكن أن يتصور أن يبقى النبات باقياً إذا لم يسق بالماء، فكذلك القلوب لا يمكن أن تبقى صامدة إلا بذكر علام الغيوب؛ ولأجل هذا الافتقار يجب على العبد أن يستحضر أنه مهما أطاع الله ليله ونهاره؛ فإنه مقصر في جنب الله سبحانه وتعالى؛ ولهذا قال القائل:
ما للعباد عليه حق واجب كلا ولا سعيٌ لديه ضائعُ
إن عذبوا فبعدله أو نعموا فبفضله وهو الكريم الواسعُ
وكلما ذهب العبد إلى المخلوق الضعيف الهزيل كلما نقص قدره عند المخلوق، ونقص قدره عند الله سبحانه وتعالى، وكلما أنزل المخلوق حاجته إلى المخلوق نقص قدره عند الله، وعند المخلوقين، وكلما أنزل حاجته إلى الله عظم عند الله وعظم عند المخلوق؛ ولأجل هذا جاء الاستغفار.
وانظر إلى المعنى اللطيف في قول الله تعالى حينما وصف العباد العارفين الذين يصفون بالليل أقدامهم، ويبكون لله جل جلاله وتقدست أسماؤه، وقد امتلأت قلوبهم هيبةً وعظمةً، وخشوعاً وإنابة لله تعالى: كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الذاريات:17-18]، لماذا ذكر الله الاستغفار؟ لأنهم وإن قاموا والناس نيام، وصلوا والناس نيام، وتهجدوا والناس غافلون؛ فإن الله سبحانه وتعالى يعلم أن هذا العمل لا يساوي شيئاً بجانب رحمة الله وفضله، فلأجل ذلك كانوا يستغفرون الله جل جلاله؛ لأجل نقصهم مهما فعلوا.
من منا لم تصبه الدنيا بلأوائها وبشظفها وبفحيحها؛ فلأجل هذا لا بد له من الاستغفار علَّ ذنوباً أن تغفر، وعلَّ سيئات أن تمحى، وعلَّ اكفهرار جبين أن يزال بكثرة الاستغفار؛ فإن العبد إذا أكثر من الاستغفار فإن الله يجعل له من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجا، كما نص على ذلك ربنا جل جلاله وتقدست أسماؤه بقوله: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا * مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا [نوح:10-13]، فلأجل هذا ينبغي أن نلاحظ أننا بحاجة إلى أن يلهج لساننا بذكر الله وبالاستغفار، فإن ذلك سبب أكيد بإذن الله إلى أن يقترب العبد إلى الله، وإذا اقترب العبد إلى الله فإن الله سبحانه وتعالى سوف ينزل كلاءته ومنته ورحمته إلى عبده المسكين، وحينئذٍ يكون مرتفعاً عند الخالق وعند المخلوق.
المتصل: نزل علي ماء ويأتيني ألم مثل ألم الدورة قبل الدورة بيومين هل أترك الصلاة؟
الشيخ: طيب، الماء هذا لونه فيه كدرة وصفرة، أو ماء؟
المتصل: قليل ليس كثيراً لكن نفس آلام الدورة ويكون قبل الدورة بيومين.
الشيخ: هل هي مستمرة دائماً هكذا؟
المتصل: لا قبل أن تتقدم بي العمر لم أكن هكذا من سنتين.
المقدم: معنا أيضاً الأخت الكريمة نوره من السعودية تفضلي.
المتصل: السلام عليكم.
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المتصل: لو سمحت عندي عدة أسئلة. الأول: هل يجوز لباس اللون الأبيض سواء كان ثوباً أو حجاباً للمرأة؟
الثاني: هل يجوز المرور من الميقات دون الاغتسال أو الصلاة فيه؟
الثالث: ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم عن موت الفجأة، فما هي الأدعية والتعوذات لنا؟
الرابع: هل يجوز قراءة القرآن من الحفظ دون مس المصحف أيام العذر؟
المقدم: معن أم مشهد من الجزائر.
المتصل: عندي سؤالان: السؤال الأول: هل ضمة القبر صحيح أو غير صحيح؟
المتصل: السؤال الثاني: يا شيخ! فتنة القبر هل تكون للمكلفين وغير المكلفين؛ لأن من دعاء جنازة الطفل، قال صلى الله عليه وسلم: ( اللهم قه عذاب النار وفتنة القبر ).
الشيخ: نعم.
المقدم: شكراً لك.
الجانب الثاني: كيف يمكن للمسلم أن يضمن قبول عمله الصالح كما أثر عن بعض السلف: لو علمت أن الله عز وجل تقبل مني ركعتين لاتكلت قالوا: ولمَ؟ قال: لأن الله يقول: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة:27]؟
الشيخ: هنا يجب أن نعلم أن العبد حينما يطيع الله سبحانه وتعالى فإن هذا سبب من أسباب دخول الجنة، وليس من باب المعاوضة، بمعنى أن العبد إذا عمل فبسبب عمله يدخل الجنة، وليس دخول الجنة مقايضة أو معاوضة؛ ولهذا قال العلماء كـابن القيم و ابن الجوزي في كتابه العظيم زاد المسير في قول الله تعالى: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [النحل:32]، أن الباء في (بما) سببية وليست باء المعاوضة؛ ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( لن يدخل أحدكم الجنة بعمله )، الباء هنا باء المعاوضة: ( قالوا: ولا أنت؟ قال: ولا أنا )، فأنت الآن كأنك إذا عملت يلزم من عملك أنك تدخل الجنة؟ لا، هذا لا يلزم، فأنت عملك سبب لأن يغفر الله لك ذنوبك، ويحط عنك سيئاتك، لكن ليس هذا من باب المعاوضة؛ لأن المعاوضة معناها: حق واجب على الله، وليس للعباد حقوق على الله سبحانه وتعالى؛ ولهذا صدق القائل حين قال:
ما للعباد عليه حق واجب كلا ولا سعي لديه ضائع
فالأول: من باب المعاوضة، والثاني: من باب السببية، ولأجل هذا نحن نعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم سوف يكون في أعلى مكان في الجنة؛ ولهذا قال جبريل كما جاء في بعض الروايات: ( لما قال للرسول صلى الله عليه وسلم: تقدم، قال: وأنت، قال: لو تقدمت لاحترقت - لأن هذا منزل الرسول صلى الله عليه وسلم- قال: فتقدمت حتى سمعت صرير الأقلام )، فهذا يدل على أن الله قد حبا محمداً صلى الله عليه وسلم قربى منه لم تكن لأحد من الخلق لا لملك مقرب ولا لنبي مرسل، وهذه الحادثة وقعت في المعراج.
يقول عبد الله بن المبارك رضي الله عنه ورحمه: كم من عمل حقير تعظمه النية، وكم من عمل عظيم تحقره النية، فالمسألة مسألة نية، نحن لا بد أن يكون الإنسان مخلصاً لله في ابتدائه وفي أثنائه، وفي انتهائه.
فهذه المسألة مسألة خطيرة، أنا لا أريد أن أخوف الناس من مسألة الإخلاص؛ لأن الناس ربما بسبب غفلته وعدم علمه يترك العلم الشرعي، ويترك المسائل العلمية خوفاً من الإخلاص، وهذا كله من الشيطان، نحن مطالبون أن نطيع الله سبحانه وتعالى، وأن ننشر دينه، وأن نظهر دين الله سبحانه وتعالى، ومع ذلك يكون بين العبد وبين ربه مراقبة، وإخلاص، بعض الناس يأتون ويتكلون في بعض طرائق بعض السلف، كما في بعض الكتب: أن العالم الفلاني كان لا يريد أن يعلم الناس خوفاً من الريا، هذا ليس هو المطلوب، بل المطلوب أن نبين ونعلي كلمة الله سبحانه وتعالى، فكما أن الله نصر دينه بالسيف فقد نصر دينه باللسان، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم عند أبي داود والإمام أحمد من حديث أبي هريرة : ( جاهدوا المشركين بألسنتكم وأموالكم وأنفسكم )، فقدم اللسان دلالة على أن تبيين الحق وإظهار الحجة وبيان المحجة مطلب شرعي، ومع ذلك فيخلص الإنسان في نيته، كما أننا نطالب المسلمين إذا غزانا الكفار أن نجاهدهم، وأن نعلي كلمة الله سبحانه وتعالى، ومع ذلك نطالبك بالإخلاص كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( كم من قتيل بين صفين الله أعلم بنيته ).
الشيخ: روى الترمذي و أبو يعلى من حديث أبي ثعلبة الخشني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يأتي على الناس زمان القابض على دينه كالقابض على الجمر )، مثل زماننا هذا، إذا أرادت المرأة أن تضع الحجاب وبخها أهلها وأقاربها ومجتمعها، فربما لم تستطع أن تطبق دين الله، مع أن العلماء أجمعوا على أن الحجاب مشروع، ومع ذلك تجد من يوبخها؛ ولهذا صارت من الطائفة المنصورة لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم؛ خالفهم من الأعداء وخذلهم من الصالحين أمثالهم.
كذلك الإنسان أحياناً يجبن عن قول الحق، ربما يجبن عن أن يقول: قال الرسول صلى الله عليه وسلم، إن سفر المرأة بلا محرم لا يجوز، خوفاً من أن يتهم بأنه لا يلقي للمرأة بالاً، حينما يبين أحكام الله سبحانه وتعالى، فالمجتمع له رؤيته والشارع له رؤيته، ولا يمكن أن نؤطر الشرع على ما يريده المجتمع، بل أن نؤطر أنفسنا على ما يريده الشارع.
هذه المسألة لا بد أن يكون فيها قوة كما قال الله تعالى في حق موسى: فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ [الأعراف:145]، لكن ليس معنى ذلك أن يكفهر جبينك، وأن تقول للناس: هذا دين الله، ليس المقصود هذا؛ بل يجب عليك أن تبين للناس دين الله باللين، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إن أحب العباد إلى الله من حبب الخلق إلى الخالق )، يعني: أنك تحبب الناس إلى طاعة الله، تبين لهم سهولة الإسلام، تبين لهم سماحة الإسلام، تعطيهم الرؤية المشرقة للإسلام والمسلمين، هذا مطلب شرعي؛ لأن الناس في زمن الفتن ربما يجبنون، ومع ذلك بشرهم النبي صلى الله عليه وسلم بـ( أن القابض على دينه )، أي: المتمسك بالسنة المتمسك بما أمر الله، ليس المتمسك بأقوال فلان أو علان، وإن خالفت الشرع، المتمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، إذا علم أنها هي السنة -الحمد لله- يتمسك بها ويحبب الخلق إليها، لا يكون قط مكفهر الجبين، أو يظن بأنه هو الذي يطبق السنة وغيره لا يطبق، يجب عليك أن تحمد الله على أن يسر لك ذلك، وأن تسعى جاهداً إلى أن يكون الخلق مثلك، وحينئذٍ بشرك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ( القابض على دينه كالقابض على الجمر، له أجر خمسين منكم )، ظن الصحابة أن كلمة (منكم) ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم ربما على سبيل التأكيد أو على سبيل البشرى قال: ( بل منكم، تجدون على الخير أعواناً ولا يجدون على الخير أعواناً )، فهذا يسميه العلماء الأجر، فأجرنا أكثر من أجر الصحابة، لكن فضل الصحابة أكثر من فضلنا؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ( لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه )، فالمد الواحد من الصحابة خير من ذهب مثل الجبل ينفقه في سبيل الله، لفضل الصحبة وما أدراك ما الصحبة.
المقدم: الله المستعان.
إذاً هذه تبث البشرى لنا جميعاً حقيقة، والتمسك والثبات على هذا الدين، نسأل الله عز وجل الإخلاص والمتابعة.
الشيخ: وأبشرك يا شيخ ناصر !
هذه نعمة يا إخوان! والله نعمة عظيمة، حينما نحن نؤمن بالرسول صلى الله عليه وسلم ولم نره، نؤمن بالله سبحانه وتعالى ونومن بالرسول صلى الله عليه وسلم ونؤمن بهذا الكتاب ونؤمن بهذه السنة، أنا أبشر المسلمين الذين يعيشون في أقطار العالم الإسلامي، والأقليات المسلمة التي تعيش في الغرب، أبشروا بنعمة الله سبحانه وتعالى حينما تقولون صباحاً ومساءً: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير.
أنا اتصلت عليّ امرأة من بريطانيا تقول: أنا أريد أن أكفر، قلت: لماذا؟ قالت: لأني وقعت في معاصٍ، قلت لها: سبحان الله! ألم تتصلي علي لأجل وخزة الضمير الذي في قلبك؟ قالت: نعم، قلت: يا أختي! الندم توبة، هذا دلالة على التوبة -الحمد لله- أبشري بنعمة الله، فلا تجعلي تفكيرك في الماضي سبباً لضياع وقتك في الحاضر، يجب عليك أن تنظري لما أمرك الله به في المستقبل، والله سبحانه وتعالى يغفر لك الماضي قال تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ [الأنفال:38]، فإذا كان هذا في حق الكفار، فالمسلمون الذين عصوا الله دهرهم، وتابوا إلى الله وأنابوا، فإن الله سبحانه وتعالى يقول على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم لـحكيم بن حزام : ( أسلمت على ما أسلفت من خير )، فنقول: لا إله إلا الله ليست بسهلة؛ ولهذا قال موسى عليه السلام لربنا جل جلاله: ( يا رب أريد كلمة أذكرك بها، قال: يا موسى! قل: لا إله إلا الله )، فموسى عليه الصلاة والسلام حينما رأى هذه الكلمة دائماً دارجة على كل أحد قال: ( يا رب! كل عبادك يقولون ذلك )، فأراد الله أن يبين لموسى أن معنى لا إله إلا الله المتفرد بالوحدانية والملكوت والجبروت والقيومية والوحدانية والرحمة، قال: ( يا موسى! لو أن السموات السبع وعامرهن غيري، والأراضين السبع وعامرهن غيري في كفة، ولا إله إلا الله في كفة لرجحت بهن لا إله إلا الله )، يعني لا بد أن نبين أن معنى لا إله إلا الله ليس بالسهل؛ ولهذا يقول ابن القيم في نونيته:
فلواحد كن واحداً في واحد أعني سبيل الحق والإيمان
ومراده بالأمر أمر رسوله لا بالهوى والنفس والشيطان
فإذا كان الإنسان مؤمناً بالله ويطيع الرسول صلى الله عليه وسلم ما استطاع فهذه بشرى طيبة، والله بشرى خيرة: ( من مات وهو يحسن بالله الظن دخل الجنة )، ( من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له دخل الجنة )، كما في صحيح مسلم من حديث عثمان ، وقد قال عبادة بن الصامت قال: ما حديث علمته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لكم فيه خير إلا أخبرتكم، إلا حديثاً واحداً، وقد أحيط بنفسي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله حرم الله وجهه عن النار )، فهذه نعمة عظيمة، نعمة عظيمة حينما نقول للأخوات والإخوة الذين يعيشون في بلاد الغرب، والذين في البلاد الإسلامية، وهم محاربون مضطهدون لأجل دينهم، نحن نقول: نبشركم، حتى ولو وقعتم في المنكرات على رغم أنوفكم، يجب أن تستبشروا بأن الله سبحانه وتعالى مزيل هذا الأمر لا محالة بعز عزيز أو بذل ذليل.
الثاني: يجب أن تجاهدوا أنفسكم علكم أن تظفروا بأجر القابض على دينه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( له أجر خمسين منكم، قالوا: منا أم منهم. قال: بل منكم تجدون على الخير أعواناً، ولا يجدون على الخير أعواناً ).
الصحابة يا شيخ ناصر ! من جيرانهم؟ هذا أبو بكر جاره عمر جاره عثمان جاره علي ويرون الرسول صلى الله عليه وسلم.
ولمَ لا تجتهد نفوسهم بالطاعة، ولماذا تتفتق قلوبهم رغبة في ملاقاة الله كما قال عمير بن الحمام : ( بخ بخ! إنها لحياة طويلة حينما أبقى حتى آكل تمراتي هذه. فرماها ثم دخل المعركة فدخل الجنة )، هم يرون الرسول صلى الله عليه وسلم، ورؤية الرسول صلى الله عليه وسلم بشرى وراحة وطمأنينة ويقين, ولهذا قال عمر رضي الله عنه كما الصحيحين عندما قال لـأسماء بنت عميس قال: الحبشية هذه، نحن أفضل منكم، نحن هاجرنا مع الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة ولم تهاجروا مع الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك عندما خرجوا من مكة إلى الحبشة، ومن الحبشة إلى المدينة، قالت: أخطأت يا عمر ! وفي رواية: كذبت يا عمر ! أنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يطعم جائعكم، ويواسي خائفكم، ويعلم جاهلكم، ونحن في بلاد البعداء البغضاء قالت: ووالله لا أطعم طعاماً حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأسأله عما قلت، ولا والله لا أزيد حرفاً واحداً، فذهبت أسماء بنت عميس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما يقول عمر ، قال: ( أخطأ
المقدم: الحديث كان ثرياً مع شيخنا وأحسبكم أيضاً عشتم معنا هذه الأجواء الإيمانية بدأنا الحديث مع شيخنا الجليل بالاستغفار، وأنهيناه بهذه الكلمة العظيمة لا إله إلا الله، ألا فلتلهج ألسنتنا جميعاً ولتنطلق على سجيتها بالتهليل والتسبيح والاستغفار لله جل في علاه ولنعد ولنؤب إلى الله جل في علاه، آيبين تائبين من ذنوبنا والله عز وجل يتوب على من تاب.
الجواب: من المعلوم أن وجود الماء أو الصفرة أو الكدرة قبل الدم أو قبل نزول الحيض لا تعتبره المرأة شيئاً؛ لقوله صلى الله عليه وسلم كما عند البخاري وأصله عند أبي داود أن أم عطية قالت: ( كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئاً )، إلا في حالة واحدة، وهي حالة ما إذا كان من عادة المرأة أن تأتيها الصفرة أو الكدرة أو الماء قبل العادة، وفيها أوجاع العادة ومستمرة، فحينئذٍ نعتبر الصفرة والكدرة في زمن الحيض حيضاً، وهذا قول الإمام أحمد و مالك، وقول أبي يوسف إذا كان هذا معتاداً، ولعل هذا إذا كان معتاداً هو الأقرب، وأما إذا كان أحياناً يأتيها الصفرة والكدرة قبل الحيض وأحياناً لا يأتيها فلا تعدها شيئاً.
والخلاصة: أنه إذا كان الماء أو الصفرة أو الكدرة يأتيها دائماً قبل الحيض وفيه أوجاع الحيض، وهو مستمر دائماً أو هو الغالب؛ فإنها تعتبره حيضاً، فإذا كان الدم يأتيها ستة أيام، وهذه الصفرة تأتيها يومين فحينئذٍ يكون عادتها ثمانية أيام، وأما إذا كان الغالب أن تأتيها الدورة بلا صفرة ولا كدرة، ولكن أحياناً يأتيها صفرة وكدرة فلا تعتبر الصفرة ولا الكدرة شيئاً، فإذا نزل الدم اعتبرته حينئذ دماً وتترك بعده الصلاة والصيام، وأما إذا قلنا: إنه ليس بحيض فحينئذٍ تتوضأ لكل صلاة، والله أعلم.
المقدم: أحسن الله إليكم! ألا يمكن أن يؤثر في ذلك الحكم اتصال هذه الكدرة أو المياه بالدورة؟
الشيخ: لا عبرة، العبرة بأوجاع الحيض، وأن يكون هذا هو الغالب والمستمر.
الجواب: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم كما عند أهل السنن و أحمد من حديث ابن عباس : ( البسوا من ثيابكم البياض، فإنها من خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم )، وهذا لفظ عام للرجال والنساء، وهذا يدل على أنه لا بأس للمرأة أن تلبس الثوب الأبيض، ولكننا نقول: إن الثوب الأبيض إذا كان أمام الأجانب ربما يكون فيه نوع من الزينة، والأصل أن المرأة لا يجوز لها أن تخرج إلى الأجانب بثياب الزينة؛ ولهذا نهيت المرأة زمن العدة مع زوجها أن تلبس ثوباً صبيغاً كالأبيض والأحمر وغير ذلك، فالأبيض من اللباس أمام المحارم وأمام النساء لا حرج فيه، وأما في الحجاب فإني أكره ذلك؛ لأنه نوع من الزينة، وربما خرجت المرأة في بهاء في وجهها أعظم مما لو كان غير ذلك والله أعلم.
الجواب: الاغتسال مستحب بإجماع العلماء ذكر ذلك ابن قدامة ، وإن خالف ابن حزم رحمه الله، فالاغتسال مستحب، ولكنه إذ أمر النبي صلى الله عليه وسلم الحائض والنفساء بالاغتسال كما أمر أسماء بنت عميس وأمر عائشة عندما كانت عائشة حائض و أسماء كانت نفساء بالاغتسال فدل ذلك على أن غيرهن من باب أولى، ولكنه ليس بواجب، فإن توضأت فحسن، وإن لم تتوضأ وأهلت بالعمرة في الميقات، ولو كانت حائضاً جاز لها ذلك من غير وضوء ولا اغتسال ولا حرج مع تيسر المواصلات إن تطهرت واغتسلت في بيتها أو الرجل اغتسل في بيته، لكن السنة أن يكون عند المرور من الميقات أو قبله بيسير، أما إذا اغتسل في بيته ثم اتجه إلى المطار نقول: جائز؛ لكنه لم يطبق سنة الاغتسال عند الميقات أو قريباً من الميقات، والله أعلم.
الجواب: جاء في الحديث: ( موت الفجاءة أو الفجأة أخذة أسف )، وهذا الحديث روي مرفوعاً وموقوفاً رواه الإمام أحمد ، والصحيح أن الحديث ضعيف، وأنه موقوف على الحسن البصري ، وهذا يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يبين أن الإنسان أحياناً يأتيه الموت بغتة، مثل الحوادث والعياذ بالله، يموت الإنسان أحياناً وهو يتحدث أو تأتيه سكتة قلبية، فالإنسان يتعوذ من موت الفجأة؛ لأنه ربما لا يتذكر لا إله إلا الله ولا يستحضرها؛ فلا حرج أن يتعوذ فيقول: ( اللهم إني أعوذ بك من فجاءة نقمتك وجميع سخطك )، كما جاء ذلك في الحديث: ( اللهم إني أعوذ بك من فجاءة نقمتك وجميع سخطك ) والله أعلم.
إذاً: كل الأحاديث التي وردت في موت الفجأة لا تصح مرفوعة، ولكن أحسنها: ( اللهم إني أعوذ بك من فجاءة نقمتك ).
الجواب: الذي يظهر -والله تبارك وتعالى أعلم- أن الحائض يجوز لها أن تقرأ القرآن إذا كان ذلك عن ظهر قلب، ومما يدل على ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عنده تسع نساء وهن اللاتي وصفهن الله بقوله: قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ [التحريم:5]، وهذا يدل على أن الصحابيات كن يقرأن القرآن، ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه منعهن من ذلك، ولو كانت القراءة شيئاً ممنوعاً لبينه النبي صلى الله عليه وسلم، واعلموا أن الحديث الوارد الذي رواه أهل السنن و أحمد من حديث ابن عمر : ( لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن )، فهذا حديث ضعيف، يقول أبو العباس بن تيمية إنه ضعيف باتفاق أهل المعرفة بالحديث؛ لأن في سنده إسماعيل بن عياش إذا روى عن غير أهل الشام فإن حديثه ليس بذاك، والله أعلم.
وأما الجنب فالصحيح فيه أنه يمنع من قرأة القرآن، وذلك لما روى علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه يوماً وقد قرأ القرآن، فقال: أما الجنابة فلا ولا آية )، والحديث روي مرفوعاً وموقوفاً، والصواب رفعه كما ذكر ذلك شعبة بن الحجاج ؛ لأن عبد الله بن سلمة حفظ هذا الحديث ورواه عن أبي الغريف عن علي بن أبي طالب وهو قول عمر بن الخطاب وقول علي بن أبي طالب ، وهو قول جمهور الصحابة خلافاً لـابن عباس كما رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم.
أما عن مس الحائض للمصحف فإذا كانت قد وضعت حائلاً مثل القفازين فلا حرج إن شاء الله، وقراءة القرآن مطلب شرعي، وخاصة في مثل هذا الزمان؛ لكثرة الشياطين قال صلى الله عليه وسلم: ( مثل البيت الذي يقرأ فيه القرآن والبيت الذي لا يقرأ فيه القرآن مثل الحي والميت )، وخاصة الطالبات اللاتي معهن اختبارات يحتجن إلى مس المصحف وقراءة القرآن.
الجواب: جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد ويقول العلماء فيه: لا يوجد حديث ضعيف أشد ضعفاً من الحديث الذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( لو نجا من ضمة القبر أحد لنجا منها
هذا الحديث ضعيف، والذي يظهر -والله أعلم- أن ضمة القبر ربما تكون عذاباً للإنسان في البرزخ، فإذا جاء يوم القيامة لدخول الناس الجنة، فربما استغنى العبد بهذا العذاب عن العذاب في الآخرة، وربما يتعذب في البرزخ وفي الآخرة، كما قال الله تعالى: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا [غافر:46]، ومن الناس من يكون في القبر منعماً، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( فيمد له سبعون ذراعاً في القبر )، وهذا دليل على أن الإنسان يتنعم ولا يعذب، والله أعلم.
الجواب: المعروف -والله أعلم- أن عذاب القبر إنما يكون في حق المكلف؛ لأن العذاب لا يكون إلا لمن بلغ حد التكليف؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( رفع القلم عن ثلاثة، وذكر منهم: الصبي حتى يبلغ )، وقول الله تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء:15]، ومن المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يجب على الصغير أن يتبعه؛ لأنه غير مكلف، ومن المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم بين أن منكراً ونكيراً يأتيان للعبد، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير قول الله تعالى: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ [إبراهيم:27]، قال: ( فيأتيه ملكان فيقولان له: من ربك؟ فيقول: ربي الله. فيقولان: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام، فيقولان: من نبيك؟ فيقول: نبيي محمد صلى الله عليه وسلم )، وهذا لا يكون إلا للمكلف المؤمن يثبته الله سبحانه وتعالى، قال في الحديث: ( وذلك قول الله تعالى: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ [إبراهيم:27]، وأما الكافر أو المنافق فيقول: هاه هاه لا أدري )، وهذا لا يتأتي إلا في حق من كلفه الله الإيمان ثم لم يتبعه، واتبع سبيل الشيطان، والله أعلم.
الجواب: هذا سؤال جيد، الرسول صلى الله عليه وسلم بين أن الصبيان حينما يموتون وهم صبيان يشفعون لأهليهم؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ( من مات له اثنان ضمنت له الجنة. قالت امرأة: أو واحد؟ فأشار النبي صلى الله عليه وسلم -كما في بعض الروايات - إلى واحد )، فهذا يدل على أنه فرط، ومعنى الفرط: المتقدم السابق إليهم، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( اللهم اجعله فرطاً لوالديه )، يعني سابقاً والديه إلى الجنان، ولهذا قال بعض السلف: إن الصبيان الذين يموتون ووالداه مسلمان أنهم يكونون من الولدان المخلدين في الجنة، كما قال الله تعالى في الآيات الكريمات في مسألة الولدان المخلدين أن منهم من يكون من المسلمين الذين ماتوا قبل الحنث، يعني: قبل أن يبلغوا، والله أعلم.
الجواب: نحن نقول للإخوة والأخوات في بلاد تونس يجب عليكم أن تشكروا نعم الله سبحانه وتعالى عليكم، يجب أن يكون هناك نوع من الطمأنينة في التئام الصف، وأن تتبعوا إماماً لكم؛ ولهذا قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ستون ليلة بإمام فاجر خير من ليلة ليس لها إمام؛ لأنه يكثر فيها النهب، ويكثر فيها السلب، ويكثر فيها الاضطرابات؛ فلأجل هذا يجب أن تسألوا الله سبحانه وتعالى الأمن والأمان، ولا يجوز لمسلم -خاصة إخواننا في تونس- أن يستغل هذا الوضع فيأخذ أموال الناس بغير حق، أو يرفض الطاعة والانكفاف على نفوسهم، فإن هذا مطلب جماعي كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر ).
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجمع كلمة إخواننا المسلمين في تونس على الحق، وأن يريهم الحق حقاً ويرزقهم اتباعه، وأن يريهم الباطل باطلاً ويرزقهم اجتنابه.
الجواب: جاء في صحيح مسلم من حديث ابن عباس ( أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر بالمدينة من غير خوف ولا سفر )، وفي رواية: ( من غير خوف ولا مطر بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء )، وجاء في البخاري أيضاً: ( صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة سبعاً وثمانياً )، أي: بين سبع وثمان، فهذا يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر، ولكن عامة أهل العلم قالوا: إن جمع النبي صلى الله عليه وسلم دليل على أنه فعل ذلك للحاجة، والحاجة لا يلزم أن تكون سفراً أو مطراً أو مرضاً، بل ربما تكون لخوف أو برد شديد لا يستطيع معه المسلمون أن يبقوا، أو ربما يكون هناك حاجة لا ندركها، لكنه لم يكن صلى الله عليه وسلم جمع من غير حاجة هذا الذي يجب أن يعلم.
وقوله في الحديث: ( أراد ألا يحرج أمته ) فيه دلالة على أنه لم يبق الناس لا بد أن يصلوا الظهر في وقتها والعصر في وقتها؛ لأجل أن يحرج أمته، فنقول للإنسان: إذا كان عنده مرض لا بأس أن يجمع، وإذا كان عنده مثلاً سفر مضطراً إلى أن يخرج من البلد خوفاً من فوات الرفقة فنقول: لا بأس أن تجمع بين الظهر والعصر إذا فارقت البنيان.
كذلك إذا مرض الإنسان أو كان عنده امتحان كالمسلمين الذين يدرسون في بلاد الغرب، ربما يكون وقت الامتحان قبل أذان الظهر، فنقول: لا حرج إذا كان هذا أحياناً أن تصلوا الظهر والعصر في وقت العصر؛ لأن ذلك مشقة وغير معتادة، فإذا كان هناك مشقة وغير معتادة فلا حرج أن يجمعوا، كما هو مذهب محمد بن سيرين و القفال و الخطابي و ابن تيمية رحمهم الله جميعاً، ويقاس عليه الطبيب الجراح.
الجواب: إذا كان الإنسان جاهلاً في هذا الأمر فإنه يلزمه أن يعيد صلاة يومه الذي علم فيه بطلان صلاته، أما ما عدا ذلك فلا يلزمه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث المسيء في صلاته: ( ارجع فصل فإنك لم تصل، قال: يا رسول الله لا أحسن غيرها فعلمني )، فلم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيد إلا الصلاة التي في الوقت، وأما ما مضى فلا حرج، وهذا القول هو رواية عند الإمام أحمد واختاره أبو العباس بن تيمية رحمة الله تعالى على الجميع، ويعيد اليوم كله؛ ولا حرج في ذلك.
وعلى كل: لا بد أن يتوضأ فيغسل رجليه، ثم يكمل الوضوء ثم يلبس الخف، فإذا لبس الخف يكون: أول مسح بعد حدث بداية مدة المسح، وأما إذا أحدث ولم يمسح لا حرج عليه.
الجواب: لا بد أن يذهبوا إلى الأطباء فيسألون ثلاثة من الأطباء، فإذا قرر ثلاثة من الأطباء أنهم لا بد أن يكون نسلهم بهذه الطريقة، فإن هذه مسألة لا بد من مراجعتها والاستفسار عنها، والله أعلم.
الجواب: إذا كان عن جهل ما عليه شيء إن شاء الله، ما دام أنه يتصدق، ويشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؛ لأن تارك الصلاة لا يكفر إلا إذا قرر ذلك السلطان وألقمه الحجة وبين المحجة، والله أعلم.
الجواب: مكروهة، وهي إلى الحرمة أقرب؛ لقول أم عطية : ( نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا )، فإذا نهيت المرأة عن اتباع الجنازة فحضور القبر من باب أولى، والله أعلم.
الجواب: معنى هذه الآية: وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا [الأنعام:128] الاستمتاع عام، ربما يكون بأن يتعوذ الإنسي من الجني، أو يستخدم الإنسي الجني فكل هذا من الاستمتاع المحرم، ولأجل هذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( والله لولا دعوة أخي سليمان لأصبح -يعني الجني- موثقاً يلعب به صبيان المدينة )، والله سبحانه وتعالى خصص ذلك لسليمان. وأما غيره من الإنس فلا يجوز له أن يستمتع بالجني أو أن الجني يستمتع بالإنسي هذا هو معنى الآية.
وكذلك أن يتعوذ بالله من شر هذا الوادي أو من شر جن هذا الوادي، والله أعلم.
المقدم: بهذه الكلمات الضافيات والإجابات النيرات من شيخنا الجليل نصل إلى ختم هذه الحلقة من حلقات برنامجكم الأسبوعي اليومي يستفتونك، بختام هذه الحلقة نختم حلقات هذا الأسبوع.
لقاؤنا يتجدد بكم وأنتم على خير في السبت في الساعة السادسة إلى السابعة بتوقيت مكة المكرمة.
أختم هذا اللقاء بالشكر لله جل في علاه ثم الشكر لضيفنا ضيف البرنامج على ما أبدى من فوائد جلية في هذه الحلقة، ونعتذر لمن لم نستطع أخذ اتصالاته. وأكرر الشكر لصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي أستاذ الفقه المقارن في المعهد العالي للقضاء شكر الله له.
الشيخ: حياكم الله يا شيخ!
المقدم: وهذه أرق تحية من فريق العمل ممن تظهر أسماؤهم بعد قليل، وكلهم يقولون لكم من صميم قلوبهم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر