إسلام ويب

سلامة الصدر عند السلفللشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن عبادة القلب من أهم العبادات، فهي محل نظر الله تعالى، وقد اعتنى سلفنا الصالح بهذه العبادة عناية عظيمة، ففضلوا على غيرهم بما استقر في قلوبهم من إيمان، ويتبين ذلك من خلال النظر في مواقفهم مع مخالفيهم وخصومهم. فحري بنا أن نهتم بعبادة القلب، ولنكن خير خلف لخير سلف.
    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

    إن كثيراً ممن يتحدث عن السلف حينما يتحدث عن عبادتهم، فإن أكثر حديثهم إنما هو عن عبادتهم في الظاهر، بيد أن أكثر عبادة السلف رضي الله عنهم إنما هي في عبادة القلب، وإنما فضلوا على الناس جميعاً بما استقر في قلوبهم من الإيمان، ومحبتهم لله سبحانه وتعالى، ولهذا يقول ابن رجب رحمه الله في لطائف المعارف: ولم يكن أكثر تطوع النبي صلى الله عليه وسلم وخواص أصحابه بكثرة الصوم والصلاة، وإنما ببر القلوب وسلامتها ومحبتها، وتعلقها بالله خشية له، وتعظيماً له، وإيماناً به وإجلالاً.

    إن الكثير منا غالب اجتهاده إنما هو في الأمور الظاهرة، وكثيرون هم الذين يجاهدون أنفسهم علهم يصومون النهار تطوعاً، أو يقومون الليل، وكثيرون هم الذين يجاهدون أنفسهم كي يتصدقوا لله سبحانه وتعالى إذا خرجوا من المسجد، وكثيرون هم الذين يجاهدون أنفسهم في مثل هذه الأيام حتى يأتوا إلى المسجد مبكرين، ومنهم من يصلي ركعتين وقلبه إلى المصحف، ويأخذ المصحف ولا يريد أن يضيع وقتاً أو دقيقة أو ثانية في ذلك، ولكنه مع الأسف ربما يكون عن يمينه أو عن يساره بعض إخوانه الذين كان بينه وبينهم بعض لعاعة الدنيا، فاختلفوا لأجل ذلك فلا يستطيع أن يسلم عليه، وربما سلم عليه صاحبه فمد بأصابع يديه وسلم، وما علم المسكين أن الله يقول في الحديث القدسي: ( أنظرا هذين حتى يصطلحا ).

    إن الله سبحانه وتعالى حينما اختار أفضل الخلق محمداً صلى الله عليه وسلم لم يكن إلا لحكمة اقتضت ذلك، وهي ما حباه الله سبحانه وتعالى في قلب محمد صلى الله عليه وسلم من الإيمان بالله وخشيته، قال ابن مسعود كما عند الإمام أحمد : (إن الله اطلع على قلوب خلقه، فرأى أخشع قلباً إليه هو قلب محمد صلى الله عليه وسلم)، وكلما كان إيمان العبد بالله قوياً كانت محبته لإخوانه في الله ليست لأجل عرضة من الدنيا.

    دخل عليه الصلاة والسلام يوماً على عائشة كما روى ذلك ابن هشام في سيرته، قالت عائشة : ( فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جذلان فرحان تبرق أسارير وجهه، فقلت: يا رسول الله! لي إليك حاجة، قال: سليني يا عائشة ؟ قلت: يا رسول الله! لي إليك حاجة، وهو يضحك، قال: سليني يا عائشة ؟ قلت: يا رسول الله! أسألك أن تدعو لي أن يغفر الله لي، فاستقبل القبلة -بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام- ومد يديه وقال: اللهم اغفر لـعائشة ، اللهم اغفر لـعائشة، اللهم اغفر لـعائشة ، فلما وضع يديه وجد عائشة تبرق أسارير وجهها، قال: ما لك يا عائشة ! أسررت؟ قالت: يا رسول الله! وما لي لا أسر، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو لي بالمغفرة، فقال: يا عائشة ! والله إني لأدعو لأمتي كل ليلة أن يغفر الله لها ذنوبها ).

    اللهم صل وسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ينسى نفسه بأبي هو وأمي، كل ذلك محبة للخلق. أما في عرصات يوم القيامة؛ يوم الآزفة، عندما يكون كل واحد منهم لا يلوي على شيء نفسه دونها. (يذهب الخلق كلهم وهم عراة إلى نوح، فيقول نوح: نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى إبراهيم فيذهبون إلى إبراهيم، فيقول: نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى موسى، فيذهبون إلى موسى فيقول: نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى عيسى، فيأتون عيسى، فيقول: نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم، فيأتي الخلق كلهم عن بكرة أبيهم، يأتون محمداً صلى الله عليه وسلم، فيقولون: يا محمد! أنت خاتم الأنبياء، وغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول: أنا لها، أنا لها، أنا لها، قال: فآتي تحت العرش فأقع ساجداً لربي، فيلهمني الله من محامده وحسن الثناء عليه شيئاً لم يفتحه على أحد قبلي، فيقال: يا محمد! ارفع رأسك سل تعطه، اشفع تشفع، فيقول: رب أمتي أمتي)، نسي نفسه بأبي هو وأمي، وهو يقول: (رب أمتي أمتي)، لأجل هذا صار محمد صلى الله عليه وسلم قلباً رحيماً، قال تعالى: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4] لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088816089

    عدد مرات الحفظ

    779219298