بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
اللهم علمنا ما ينفعنا! وانفعنا بما علمتنا! وزدنا علماً وعملاً يا كريم!
قال المؤلف رحمه الله: [ ومن غسل ميتاً مسلماً أو كافراً سن له الغسل؛ لأمر أبي هريرة رضي الله تعالى عنه بذلك، رواه أحمد وغيره. أو أفاق من جنون أو إغماء بلا حلم -أي: إنزال- سن له الغسل؛ لأن ( النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل من الإغماء ) متفق عليه، والجنون في معناه بل أولى، وتأتي بقية الأغسال المستحبة في أبواب ما تستحب له ].
الاغتسال من غسل الميت
الاغتسال بعد الإفاقة من جنون أو إغماء
الأغسال المستحبة عموماً
قال المؤلف رحمه الله: (وتأتي بقية الأغسال المستحبة في أبواب ما تستحب له).
سوف يذكر المؤلف بقيتها في أبواب ما يستحب له الاغتسال، وقد أوصلها بعض الحنابلة إلى ستة عشر غسلاً، وبعضها محل واستدراك، وقد أشار أبو العباس بن تيمية إلى أن بعضها لم يثبت، والأقرب -والله أعلم- أن بعضها لم يثبت، لا عن الصحابة بسند صحيح، ولا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبعضها ثبت عن الصحابة، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، كغسل يوم عرفة فإنه ثبت عن علي و ابن عمر ، وغسل يوم العيدين ثبت عن علي رضي الله عنه بقوله: من السنة، كما سوف يأتي بيانه.
حكم التيمم عن الغسل المستحب
قال المؤلف رحمه الله: [ ويتيمم للكل ].
يعني: يتيمم لجميع الأغسال المستحبة، وهذا محل نظر، فإننا نقول: إن الأغسال تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: أغسال مقصود بها رفع الحدث، فهذا يتيمم له؛ لأن التيمم بدل عن الماء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي هريرة و أبي ذر : ( الصعيد الطيب طهور المؤمن، وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجده، فليتق الله وليمسه بشرته ).
القسم الثاني: الأغسال المقصود بها التنظف، فهذا ذهب بعض الحنابلة كـأبي يعلى إلى استحباب التيمم، وذهب ابن قدامة إلى خلاف ذلك، ورأى أن التيمم ربما يزيد الشعث والغبرة في الوجه، والمقصود من الاغتسال هو النظرة والتجمل، والتيمم يمنعه، وعلى هذا فغسل يوم عرفة، وغسل يوم العيدين مقصود بهما التنظف، فلا يستحب فيه التيمم، والله تبارك وتعالى أعلم.
يقول المؤلف: [ ولما يسن له الوضوء لعذر ].
كقراءة القرآن، والأذان، أو الغضب، فهذا لا بأس؛ لأن المقصود من ذلك رفع الحدث، أو طرد الشيطان، ومن المعلوم أن الإنسان إذا توضأ فإن الشيطان يفر من المسلم، وقد قال صلى الله عليه وسلم، كما عند أبي داود وغيره من حديث ابن عمر : ( إني كرهت أن أذكر الله وأنا على غير طهر ).
قال المؤلف رحمه الله: [ وصفة الغسل الكامل -أي: المشتمل على الواجبات والسنن- أن ينوي رفع الحدث أو استباحة الصلاة أو نحوها، ثم يسمي، وهي هنا كوضوء تجب مع الذكر، وتسقط مع السهو، ويغسل يديه ثلاثاً كما في الوضوء وهو هنا آكد؛ لرفع الحدث عنهما بذلك ].
النية والتسمية
يقول المؤلف: (وصفة الغسل الكامل).
الغسل لرفع الحدث الأكبر ينقسم إلى قسمين: غسل كامل، وهو الذي أشار إليه هنا، والقسم الثاني سوف يشير إليه بقوله: (والغسل المجزئ)، الغسل الكامل وصفه المؤلف بقوله: (أن ينوي رفع الحدث)، وهذه النية لا إشكال فيها؛ لأنه لا بد أن ينوي رفع الحدث الأكبر، فلو اغتسل للتبرد، ولم ينو رفع الحدث، فإنه لا يرفع الحدث، هذا على قول جماهير أهل العلم خلافاً لبعض الحنفية؛ لأن النية شرط لرفع الأحداث؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( وإنما لكل امرئ ما نوى ).
ثم قال المؤلف: (ثم يسمي).
التسمية عند الحنابلة واجبة، وعلى القول الراجح أنها مستحبة، و مالك يرى البدعية كما نقل ذلك بعض أصحابه، والأقرب -والله أعلم- أنها سنة مستحبة، وإن كان لم يصح في الباب شيء، وأحسن شيء في الباب قول النبي صلى الله عليه وسلم كما عند البيهقي : ( توضئوا بسم الله، توضئوا بسم الله، توضئوا بسم الله ).
غسل اليدين في الغسل ثلاثاً
يقول المؤلف: (ويغسل يديه ثلاثاً).
غسل اليدين هنا لرفع الحدث الأكبر فيهما، بخلاف الوضوء، فإن الوضوء يغسل يديه قبل أن يبدأ على سبيل الاستحباب، وأما رفع الحدث فإنما يكون بعد الوجه، وأما الغسل فلا يشترط فيه الترتيب كما سوف يأتي من كلام المؤلف، يعني: أن الغسل الواجب الذي هو رفع الحدث الأكبر، لا يشترط فيه الترتيب كما سوف يأتي من كلام المؤلف، وعلى هذا فالغسل هنا آكد في مكانه من حيث أن غسل اليدين هنا لرفع الحدث الأكبر فيهما، بخلاف الوضوء، فإن رفع الحدث إنما يتأتى بعد غسل الوجه والمضمضة والاستنشاق.
غسل ما لوث البدن من أذى
الوضوء
قال المؤلف رحمه الله: (ويتوضأ وضوءاً كاملاً).
أشار المؤلف في قوله: (وضوءاً كاملاً) إلى الاختلاف في الروايات، فقد جاء في حديث عائشة وكذا في حديث ميمونة في بعض رواياته، حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ وضوءاً كاملاً كما أشار المؤلف إلى حديث عائشة ، وفي بعض الروايات كما رواه البخاري من حديث ميمونة ( أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ وضوءه للصلاة غير رجليه )، فهل المقصود أن وضوءه الأول كامل أم المقصود أنه كامل ما عدا غسل الرجلين؟ للعلماء في هذا كلام طويل، والأقرب -والله تبارك وتعالى أعلم- أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل كلا الحالين، فتوضأ وضوءاً كاملاً كما في حديث عائشة ، وفي حديث ميمونة في بعض رواياته حينما لم يكن ثمة أذى من طين ونحوه في مستحمه عليه الصلاة والسلام، وأخر غسل الرجلين حينما كان في مستحمه ما يتوجب له عليه الصلاة والسلام من غسلها، فأخر غسل الرجلين إلى ما بعد غسل سائر جسده، وهذا أولى بالجمع، فيكون اغتساله كاملاً حينما لم يكن في مستحمه أذى، وتأخره عليه الصلاة والسلام حينما احتاج إلى ذلك، ومن المعلوم أن الترتيب والموالاة في غسل الجنابة لا يجب.
حثي الماء على الرأس ثلاثاً
تعميم سائر البدن بالماء ثلاثاً
قال المؤلف رحمه الله: [ ويعم بدنه غسلاً -فلا يجزئ المسح- ثلاثاً ].
يقول: (ثلاثاً)، يعني: أنه يغسل بدنه ثلاثاً، وهذا عند الحنابلة، والراجح -والله تبارك وتعالى أعلم- أن غسل سائر الجسد المستحب فيه واحدة كما جاء في جميع روايات الحديث.
قال المؤلف رحمه الله: [ ثلاثاً حتى ما يظهر من فرج امرأة عند قعود لحاجة ].
يعني: أن ما كان داخل فرج المرأة يجب أن يغسله الإنسان، إذا كان هذا الشيء يخرج عند قعودها؛ لأنه من الظاهر، والذي يظهر -والله تبارك وتعالى أعلم- أن ذلك لا يجب؛ لأنه ليس من ظاهر البدن، ولكنه من داخله، فكما أنه لا يجب أن يغسل داخل إحليله، فكذلك لا يجب أن يغسل داخل فرج المرأة، ولكن مباطنه ومغابنه يجب عليه أن يغسله كما سوف يأتي بيانه إن شاء الله.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.