أما لعب الأطفال وهي المجسمة فهذه إن كانت من الخرق والعهن والصوف فلا بأس إذا كانت للأطفال؛ لحديث (
أن عائشة وكانت لها بنات تلعب بها مع البنات، فقال لها الرسول صلى الله عليه وسلم: ما هذا؟ قالت: هذا خيل ذوات الأجنحة، أو ما علمت أن سليمان عليه السلام له خيل ذوات الأجنحة؟ فضحك النبي صلى الله عليه وسلم ) وكانت صغيرة، فهذا جائز، لكن هل لعب البنات التي تكون من البلاستيك التي لو رأيتها كأنك ترى إنساناً؟ بعض أهل العلم جوز هذا، وقال: إنه يرخص للأطفال.
والذي يظهر والله أعلم أن القاعدة الشرعية تقول: الرخص تقدر بقدرها، والرسول صلى الله عليه وسلم استثنى اللعب من العهن والصوف والقماش؛ لأن التماثيل مجمع على تحريمها، فلا يزاد في الرخص ويقاس عليها؛ لأن البلاستيك الآن مضاهاة لخلق الله، فلا يسوغ لنا أن نستدل بشيء من اللعب بالعهن والصوف وغير ذلك بأمور قد قاربت وشارفت فعل الجبار جل جلاله وتقدست أسماؤه في فعل الإنسان، وعلى هذا فيمنع؛ لأنها ليست في حكم المترخص به؛ لأن الرخصة تقدر بقدرها، وهل هذه مثل الرخصة أو أشد؟ أشد، والقاعدة: أنه لا يقاس على الرخص، والرخصة تقدر بقدرها، فيدخل ما يشابهه أو أدنى، ولا يكن ما كان أعلاها داخلاً فيها، وعلى هذا فالدببة والحيوانات التي تكون للأطفال إن كانت من القماش والصوف فأرى أن يزال أعينها ولو بقيت إن شاء الله لا بأس، أما إذا كانت فيها بلاستيك بحيث تبكي إذا أعطيت بزازتها، ولا تبكي في مواطن مثلما يبكي الطفل ويسكت، فأرى أن هذا لا يجوز، والله أعلم.
أما الأبناء فالذي يظهر لي والله أعلم أن الأبناء مثل البنات، يرخص لهم، والبنت مثل الولد الذي هو الذكر، لكن إن كانت على هيئة الدببة فإني أرى أنه يزال أعينها؛ لأنه نوع من الطمس، والله أعلم.
القسم الثاني من التصاوير: التصاوير بالآلات الحديثة.
الكلام في هذا الباب يطول، لكني أريد أن أبين نقاطاً:
لو تأملنا الأحاديث الواردة في النهي عن التصوير لوجدناها لا تخرج عن ثلاثة أمور:
الأمر الأول: أن النهي إنما كان لأجل المضاهاة والمشابهة لفعل الله جل جلاله وتقدست أسماؤه، ولهذا جاء في الحديث الصحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( قال الله تعالى: ومن أظلم ممن يخلق كخلقي ) يعني مشابهة، وفي رواية: ( إن الله يعذب الذين يضاهئون خلق الله )، إذاً: معنى المضاهاة المماثلة، فهذه الحكمة من النهي وهو أن العبد يضاهي خلق الله بهذا.
الأمر الثاني: هو تعظيم هذه الصور بحيث تجعل على الجدر وتعظم احتراماً لها وتقديراً، أو خوفاً من عبادتها ونحو ذلك، وهذا يكون عند العلماء أو الرؤساء أو الأئمة.
إذاً: وضع الصورة أياً كانت سواء رسمت باليد أو كانت صورة فوتوغرافية وضعت على الجدر، فهذا نوع من الاحترام، فتكون بمثابة النهي عن أن يقوم الإنسان والآخر جالس، وقد جاء في الحديث الصحيح النهي عن أن يتمثل له الناس قياماً، قال صلى الله عليه وسلم: ( من أحب أن يتمثل له قياماً فليتبوأ مقعده من النار )، فتكون هذه الصور التي توضع على الجدر بهذه المثابة، ولو كانت صوراً فوتوغرافية؛ لأن الشارع نهى أن يقوم الإنسان والآخر جالس، وقال صلى الله عليه وسلم في الصلاة: ( إن كدتم لتفعلون فعل فارس والروم ).
وعلى هذا فالصورة التي يصورها الإنسان بالفوتوغرافية هل شابه خلق الله أم هذا هو خلق الله؟ هو خلق الله.
إذاً: المضاهاة غير موجودة، فالأولى ألا تسمى تصويراً بل تسمى عكس، فأنت إذا رأيت نفسك فتقول: هذا كأنه أنا أم هذا أنا؟ تقول: هذا أنا، ولهذا لا فرق بين أن تكون هذه متحركة أو غير متحركة؛ لأنه هو خلق الله، ولهذا عندما ترى نفسك في المرآة لا تجدد غضاضة ولا تجد انبهاراً في ذلك، ولو كانت محرمة لقيل: إنه لا يجوز للإنسان أن يرى نفسه في المرآة إلا لحاجة؛ لأنه صورة.
وأما كونه تذهب وترجع فلا فرق، أو قول بعضهم: إذا كانت في شريط الفيديو أو شريط الكاميرا فيها تصاوير تمنع، وإذا كانت مطموسة فتجوز، فالآن تأخذ الشريط وتضعه على الشمس ما تجد شيئاً، لكن بمجرد وضعه على أشياء وتحميضه تظهر الصورة، فالقضية قضية تكنولوجية فيزيائية لا علاقة لها بمضاهاة خلق الله، ولهذا تجد أن الذي يصور قد يكون محترفاً أو غير محترف، فليس فيها معنى المضاهاة.
ثم إننا نقول: إن بعض العلماء يرى أن هذا التصوير الفوتوغرافي داخل في عموم ( لعن الله المصورين )، فيكون هذا داخلاً فيه، نقول: نعم. نحن نناقشك بالقواعد الأصولية، الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( لعن الله المصورين ) (أل) هذه للعموم أم ليست للعموم؟ قال: للعموم، قلنا: هل هذا من العام المخصوص أم من العام الذي أريد به الخصوص؟ يعني: هل هذا عام خص بعض أفراده، أم هو خاص بلفظ العام بأن يكون أكثر أفراده جائزاً، وأقل أفراده المنع؟
الآن إذا قلنا: ( لعن الله المصورين ) هل يجوز تصوير ما صنعه الإنسان؟ نعم يجوز.
هل يجوز تصوير ما خلقه الله مما لا روح فيه؟ نعم.
هل يجوز تصوير ما خلقه الله وليس له صورة؟ نعم.
هل يجوز تصوير الرأس؟ لا.
إذاً الأصل جواز التصوير وإلا منع التصوير؟ الأكثر الجواز، لكن جاء أثر ( الصورة الرأس )، فحديث ( لعن الله المصورين ) هذا اللفظ العام أكثر أفراده على الجواز فيكون هذا من العام الذي أريد به الخصوص.
وعلى هذا فليس ثمة مضاهاة أصلاً، وعليه فالأصل جواز ذلك، لكن إن كانت من باب التعظيم بأن توضع هذه الصورة الفوتوغرافية على الجدر فإنها تمنع، أو كانت وضعت لمعنى من المعاني الغير مرغوب فيها شرعاً، مثل أن توضع للأحزان، أو لزيادة الطاعة ونحو ذلك، فهذه تمنع، وإن كانت مثل إنسان في سفر ورحلة تصوروا للذكرى، لكن من باب المرح والمزاح فهذا لا بأس به؛ لأنها ليست معظمة وليست مضاهاة، ومثل ذلك الصور التي تكون في الجرائد والأفلام، أما إذا صور الفيلم لعالم إمام قدوة يراد استعظامه فيخرج بين الفينة والأخرى فيقال: هذا العالم الرباني، انظر كيف يصلي ويسجد فهذا محرم؛ لأجل أن النفوس تتعلق بالأشخاص الأموات أكثر من غيرها، فيحرم من هذا الباب، والله أعلم.
وهذا الذي يظهر في هذا الباب، والله تبارك وتعالى أعلم، لعلنا نقف عند هذا.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.