إسلام ويب

الروض المربع - كتاب الصلاة [20]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • تضافرت الأدلة الشرعية على حرمة التصوير وعقوبة من يرتكب ذلك، إلا أن العلماء المعاصرين اختلفوا في التصوير الفوتوغرافي؛ فمنهم من يحرمه، ومنهم من يجيزه لكونه ليس فيه مضاهاة لخلق الله.
    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويحرم التصوير -أي: على صورة حيوان- لحديث الترمذي وصححه: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصورة في البيت، وأن تصنع )، وإن أزيل من الصورة ما لا تبقى معه حياة لم يكره، ويحرم استعماله -أي المصور- على الذكر والأنثى في لبس وتعليق وستر جدر، لا افتراشه وجعله مخدة. ويحرم على الذكر استعمال منسوج بذهب أو فضة، أو استعمال مموه بذهب أو فضة، غير ما يأتي في الزكاة من أنواع الحلي قبل استحالته، فإن تغير لونه ولم يحصل منه شيء بعرضه على النار لم يحرم لعدم السرف والخيلاء. وتحرم ثياب حرير، ويحرم ما أي ثوب هو أي: الحرير، أكثره ظهوراً مما نسج معه].

    قول المؤلف: (ويحرم التصوير على صورة حيوان لحديث الترمذي وصححه: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصورة في البيت، وأن تصنع ) ).

    الحديث أخرجه الإمام الترمذي ، وكذا الإمام أحمد و أبو يعلى ، وصححه ابن حبان من حديث جابر ، وأحسن من هذا الحديث ما في الصحيحين من حديث طلحة بن عبيد الله : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب ولا صورة )، والحديث الآخر في الصحيحين أيضاً من حديث عائشة أنها قالت: ( اشتريت نمرقةً فيها تصاوير، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على الباب، فعرفت في وجهه الكراهية، فقلت: أتوب إلى الله وأتوب إلى رسوله، ماذا صنعت؟ قال: ما هذه النمرقة يا عائشة ؟ فقلت: إنما اشتريتها لتوسدها، فقال: إن الله يعذب الذين يصورون ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم، وإن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب ولا صورة ).

    ومسألة التصوير تنقسم إلى أقسام:

    القسم الأول: التصوير باليد.

    والقسم الثاني: التصوير بالآلات الحديثة.

    أما القسم الأول وهو التصوير باليد فهو على أنواع:

    النوع الأول: التصوير فيما لا روح فيه، سواء خلقه البشر -يعني: صنعه البشر- أو هو من خلق الله تعالى، كالشجر والجبال والسماء والسيارة والقطار والدبابة ونحو ذلك، فهذا لا بأس به، وهذا بإجماع أهل العلم، إلا ما نقل عن مجاهد أنه كره تصوير الشجر المثمر ورأى أن ذلك مكروه، لكن يرد عليه بالإجماع على أن ذلك لا بأس به، ودليل ذلك ما جاء في الصحيحين: (أن رجلاً أتى ابن عباس رضي الله عنه، فقال: إني أعمل بيدي -يعني أصور- فقال له ابن عباس: ويحك! إن كنت لا بد فاعلاً فاصنع الشجر وما لا نفس له).

    الحديث الآخر: ما جاء عند الإمام أحمد و أبي داود و الترمذي و النسائي و البيهقي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه -والحديث طويل- وفيه: ( فمر برأس التمثال فليقطع فيصير كهيئة الشجر )، فهذا يدل على أن الشيء إذا قطع رأسه صار كهيئة الشجر، فإذا صار كهيئة الشجر صار ما لا روح فيه.

    ولحديث ابن عباس الذي أخرجه البيهقي من طريق وهيب بن خالد ، عن أيوب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أنه قال: ( الصورة الرأس، فإذا قطع الرأس فليس بصورة )، وهذا الحديث صح عن ابن عباس ، وقد تابع وهيب عبد الوهاب الثقفي ، وروي أيضاً عن عكرمة من قوله كما رواه البيهقي بسند صحيح.

    النوع الثاني: أن يصور ما فيه نفس وروح من الحيوان، كأن يصور الحيوانات، والبعير، والشاة، والإنسان، فيصور رءوسهم، وأما النوع الأول فلو صور يداً، أو رجلاً، أو جسماً من غير صورة كل هذا في حكم الشجر، أما هذا النوع أن يصور الدابة بما فيها الرأس، فهذا إن كان رسماً باليد فينقسم إلى قسمين: ما له ظل، وما ليس له ظل، أما الذي له ظل كالتماثيل، فهذا محرم بإجماع العلماء، وقد نقل الإجماع ابن العربي رحمه الله، وسواء كانت مهانة أو ليست بمهانة، فمجرد وجود التمثال محرم، وهذا الإجماع استثني منه فقط لعب البنات، على خلاف سنتحدث عنه إن شاء الله، لكن التماثيل لم يقع خلاف عند السلف في حرمتها؛ ولهذا قال جبرائيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ( فمر برأس التمثال فليقطع فيصير كهيئة الشجر ).

    وأما ما ليس له ظل فهذا إن كان مما لا يهان، ولا يداس، ولا يوطأ، بل يعلق بالجدر، أو على العمائم، أو على الغتر، أو على الثياب، فهذا محرم، وهذا قول جمهور العلماء من الصحابة والتابعين والفقهاء، وهو مذهب أبي حنيفة ، و مالك ، و الشافعي ، و أحمد ، و إسحاق ، و الثوري ، وهو مذهب الأئمة الأربعة، وهو مذهب جمهور السلف، وهو قول محمد بن سيرين ، وسعيد بن المسيب ، وهو قول الحسن ، وأكثر أهل العلم، وقد نقل ابن أبي شيبة نصوصاً عنهم، فإن كان مما يداس ويهان ويوطأ فهذا لا بأس به.

    وقال بعض أهل العلم: إن كانت مما لا ظل له فلا بأس.

    والذي يظهر والله أعلم أن قول السلف أظهر. ودليلهم في هذا قالوا: أما من حيث التحريم فظاهر في النصوص الشرعية، وذلك لما روى الإمام أحمد و الترمذي و أبو داود و النسائي و البيهقي من حديث أبي هريرة : ( أن جبريل لم يأت النبي صلى الله عليه وسلم، فحزن النبي صلى الله عليه وسلم، فجاءه بعد مدة، فسأله عن ذلك؟ قال: لقد كان في بيتك تمثال، وقرام من ستر فيه تصاوير، وكلب، وإن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب، فمر برأس التمثال فليقطع فيصير كهيئة الشجر، ومر بالستر فليجعل منه وسادتين توطآن تبتذلان، ومر بالكلب فليخرج ).

    والحديث الآخر في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ( كان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرام فيه تصاوير )، وفي الحديث قالت: ( فقطعته وسادتين، فكان يرتفق عليهما )، متفق عليه، وفي لفظ لـأحمد وهو أظهر: ( قالت: فقطعته مرفقتين، فلقد رأيته متكئاً على إحداهما وفيها صورة )، فهذا يدل على أنه إذا كانت تبتذل وتهان فلا بأس. وإذا لم تكن تبتذل كما لو كانت على الجدر، أو كانت على العمائم، أو كانت على الثياب فتمنع؛ لأنه قال: ( وفي قرام ستر فيه تصاوير، فأمر بإزالته )، وفي رواية: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على عائشة وفيها قرام في ستر فهتكه وجذبه، وقال: إن الملائكة لتعذب الذين يصورون هذه الصور )، فيدل على ذلك أنها إذا وضعت على الجدار مثل الألواح هذه التي وترسم فيها خيل ترسم باليد، وأحياناً تكون غالية الثمن، وأحياناً رسم اليد هذا يصل قيمته إلى أكثر من مائتي ألف ريال، حتى إن أحدهم زرته وإذا لديه رسم باليد لخيل، فقلت له عن حكم ذلك، وأنه لو كان خيلاً بصورة فوتوغرافية أخف، قال: لقد اشتريتها بخمسة وأربعين ألف ريال!

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088524953

    عدد مرات الحفظ

    777127388