إسلام ويب

الروض المربع - كتاب الصلاة [26]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • فرض الله تعالى على عباده الصلاة، وشرع لها أماكن تؤدى فيها بحيث تكون طاهرة مباحة، أما الطريق والأرض المغصوبة فلا تصح الصلاة فيها إلا للضرورة، وتصح على الراحلة للمسافر إذا كانت نافلة، وتصح في جوف الكعبة وفوقها إن وجد شاخص.
    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    اللهم أرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه. وبعد:

    فقد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وتصح الصلاة إليها أي: إلى تلك الأماكن مع الكراهة إن لم يكن حائل, وتصح صلاة الجنازة والجمعة والعيد ونحوها بطريق لضرورة, وتصح الصلاة على راحلة بطريق وفي سفينة ويأتي, ولا تصح الفريضة في الكعبة ولا فوقها].

    تحدثنا عن المواطن التي تحرم وتفسد الصلاة فيها, وذكرها الحنابلة وهي سبعة مواطن, وذكرنا أن الأقرب والله تبارك وتعالى أعلم أن كل ما لم يكن مأوى للشياطين ولم يكن فيه نجاسة ولن تؤدي الصلاة فيه إلى شرك فإن الصلاة صحيحة, وعلى هذا فإن الصلاة في المجزرة إذا أمنت النجاسة، والصلاة في المزبلة إذا أمنت النجاسة صحيحة مع الكراهة. وقلنا بأن كل ما يشغل المصلي ويذهب خشوعه فإنه مكروه الصلاة عنده؛ لما في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى يوماً وعليه إنبجانية, فلما سلم قال: اذهبوا بهذه الإبنجانية وأتوني بإنبجانية أبي جهم ، فإنها ألهتني آنفاً عن صلاتي ).

    قال المؤلف هنا: (وتصح الصلاة إليها) ثمة فرق بين الصلاة فيها والصلاة إليها, ومعنى (الصلاة إليها) أن يصلي وهي بينه وبين القبلة بالتوجه إليها, إلا أن الماتن أشار إلى جواز الصلاة إليها سواء كان بحائل أو بغير حائل, بيد أن الشارح قيد ذلك بوجود الحائل, فإن كان حائل صح من غير كراهة, وإن كان من غير حائل وجدت الكراهة, فالمؤلف أطلق والشارح قيد.

    ودليلهم على الصحة قالوا: لأن الأصل صحة الصلاة في جميع بقاع الأرض؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً ) كما في الصحيحين, وفي صحيح مسلم من حديث أبي ذر : ( فأينما أدركتك الصلاة فصل فإنما هو مسجد )، أما الكراهة فقالوا: لأنها أماكن نهي عن الصلاة فيها فكره استقبالها, ولا يمكن أن يحتذى بهذا التعليل على أنه مكروه, فإذا لم يرد بخصوصه نهي ولم يكن داخلاً في العموم فلا يمكن أن نحكم على شيء بأنه منهي عنه.

    ولهذا فإن الحنابلة أنفسهم ذهبوا إلى روايات أخرى، فمن الروايات أنهم قالوا: تصح الصلاة إلى تلك الأماكن إذا لم يكن حائل إلا المقبرة؛ لحديث أبي مرثد الغنوي في صحيح مسلم: ( لا تصلوا إلى القبور, ولا تجلسوا عليها ).

    وذهب أبو العباس بن تيمية إلى رواية أخرى عند الحنابلة وهي قولهم: يكره الصلاة إلى القبور وإلى الحشوش، وهذه الكراهة قالوا: إنها كراهة تدل على التحريم, فأما الصلاة إلى القبور فهذا ثابت في حديث أبي مرثد: ( لا تصلوا إلى القبور ) وأما الحشوش فقالوا: لأن تلك الحشوش مأوى الشياطين, فلا يبعد أن تتخطفه الشياطين بين يديه فيقطع صلاته؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: ( إن الشيطان تفلت علي البارحة ليقطع علي صلاتي ).

    ورواية أخرى: تصح الصلاة إلى تلك الأماكن كلها إلا القبور؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا تصلوا إلى القبور, ولا تجلسوا عليها ) , وهذا القول أصح، أن الصلاة إلى تلك الأماكن صحيحة إلا القبور لحديث أبي مرثد الغنوي : ( لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها ).

    فإذا كان بيننا وبين المقابر طريق, نحن نصلي في المسجد وبيننا وبين المقابر طريق, فهل تكون الكراهة موجودة أو النهي موجود؟ لا، لكن يكون النهي على حسب عقيدة الإنسان, فإن صلى بنية الصلاة ناحية القبر فهو آثم كما لو صلى إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لا يمكن أن يقال: إن الشخص صلى إلى القبر؛ لأن بيننا وبين القبر جداراً؛ لكن من اعتقد هذا فهو آثم من حيث الاعتقاد لا من حيث الفعل.

    وأما قول أبي العباس أن الصلاة إلى الحشوش ممنوعة فهذا بعيد؛ لأمور ثلاثة:

    الأول: قالوا بأنه لا يبعد أن يقطع الشيطان عليه الصلاة فيقال: إن قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( إن الشيطان تفلت عليّ البارحة ليقطع علي صلاتي ) هذا لا يمكن أن نعرف عنه نحن؛ ولهذا أمسكه النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى إن لعابه أحس به النبي صلى الله عليه وسلم، أما نحن فلا نستطيع الإمساك بالشيطان.

    الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( تفلت ليقطع علي صلاتي ) لأنه أتى بشهب فقال: ( أعوذ بالله منك, أعوذ بالله منك, أعوذ بالله منك ), ولا نستطيع أن نعرف نحن ذلك.

    الثالث: أن الشيطان الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما جاءه لأن بينه وبين المسجد حش، وإنما جاءه وهو في المسجد.

    فالقضية إذاً ليست هي وجود الشياطين؛ لأنه لو كان كذلك لنهي عن الصلاة في الأودية وغير ذلك؛ ولهذا فإن الراجح والله أعلم أن الصلاة إلى القبور من غير حائل محرمة ولا تصح, وما عدا ذلك فإن الصلاة صحيحة, وأما الكراهة فكما تقدم, فمتى وجد ما يشغل المصلي كره من هذا الوجه لا من وجه الاستقبال, وكل ما يشغل عن الصلاة مكروه وليست الكراهة لأجل الاستقبال, هذا هو الراجح.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088804985

    عدد مرات الحفظ

    779156501