اشتراط نية الإمام الإمامة والمأموم الائتمام لصحة صلاة الجماعة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:
فقد قال المؤلف رحمه الله: [ويجب للجماعة نية الإمام الإمامة ونية المأموم الائتمام؛ لأن الجماعة يتعلق بها أحكام، وإنما يتميزان بالنية، فكانت شرطاً، رجلاً كان المأموم أو امرأة، وإن اعتقد كل منهما أنه إمام الآخر أو مأمومه فسدت صلاتهما، كما لو نوى إمامة من لا يصلح أن يؤمه، أو شك في كونه إماماً أو مأموماً، ولا يشترط تعيين الإمام ولا المأموم].
قول المؤلف رحمه الله: (ويجب للجماعة نية الإمام الإمامة، ونية المأموم الائتمام)، يعني: لأجل إدراك الجماعة وفضلها، يجب أن ينوي الإمام أنه إمام، والمأموم أنه مأموم.
حكم صلاة الجماعة إذا لم ينو المأموم الائتمام أو الإمام الإمامة
العلة في اشتراط نية الإمام الإمامة والمأموم الائتمام لصحة صلاة الجماعة
ثم ذكر المؤلف، لماذا اشترط نية الإمامة للإمام، ونية الائتمام للمأموم؟ فقال: (لأن الجماعة يتعلق بها أحكام)، أي: مثل وجوب المتابعة (
إنما جعل الإمام ليؤتم به )، وتحمل سهو المأموم من قبل إمامه (
الإمام ضامن، والمؤذن مؤتمن )، قالوا: وإنما يتميزان بالنية، ولا شك أن مثل هذه الأحكام يقول بها الشافعية؛ لأن المأموم إذا نوى الائتمام تحمل هذه الأحكام من نواه إماماً في حقه، وإن نوى الإمامة في أثناء الصلاة فلا فرق أن ينويها في أول الصلاة أو بعدها.
حكم صلاة الإمام والمأموم إذا اعتقد كل واحد منهما أنه إمام الآخر أو مأمومه
قال المؤلف رحمه الله: (رجلاً كان المأموم أو امرأة، وإن اعتقد كل منهما أنه إمام الآخر أو مأمومه فسدت صلاتهما). لأنه لا بد للجماعة من إمام ومأموم، فإذا اعتقد كل واحد منهما أنه مأموم للآخر لم يكن ثمة إمام، وإذا اعتقد كل واحد منهما أنه إمام للآخر لم يكن ثمة مأموم، فهذا يدل على عدم صحة الصلاة.
والمسألة تفرع على مسائل أو على صور:
الصورة الأولى: أن ينوي أحدهما الائتمام، وينوي الآخر الائتمام، فهنا كل واحد منهما نوى أن يأتم بالآخر، فهذا لا يصح.
الصورة الثانية: أن ينوي كل واحد منهما الإمامة، وهذا أيضاً لا يصح؛ لأن صلاة الجماعة لا بد فيها من إمام ومأموم، وليس ذلك هنا.
الصورة الثالثة: أن ينوي أحدهما الائتمام ولم ينو الآخر، فهذا على المذهب: لا يصح، وعلى القول الراجح، وهو مذهب الشافعية: يصح.
الصورة الرابعة: أن ينوي الإمام الإمامة، وينوي المأموم الائتمام، فهذه صحيحة ولا إشكال.
الصورة الخامسة: أن ينوي الإمام الإمامة، ولا ينوي المأموم الائتمام، فهنا لا تصح الجماعة، لكن صلاة الإمام الصحيح أنها صحيحة، ولكن بلا جماعة.
الصورة السادسة: أن ينوي الإمام أنه مأموم، وينوي المأموم أنه إمام، فهذه لا تصح الجماعة، ولا تصح الصلاة على المذهب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( إنما جعل الإمام ليؤتم به )، فكل واحد منهما قد جعل صاحبه إماماً.
حكم نية الإمام الإمامة بمن لا يصح أن يؤمه
قال المؤلف رحمه الله: (كما لو نوى إمامة من لا يصح أن يؤمه)، يعني: لو أن أمياً نوى أن يكون إماماً لشخص غير أمي، مثلاً الألثغ على مذهب الأئمة الأربعة إذا نوى أن يكون إماماً لأناس ليسوا كذلك فإن صلاته لا تصح؛ لأنه لا يصح أن يكون إماماً لهم، فصارت الصلاة بلا إمام، ولهذا قالوا: كأمي نوى أن يؤم قارئاً؛ فلا تصح الصلاة.
والقول الآخر: وهو قول عند الشافعية واختاره أبو إسحاق الإصطخري : أن كل من صحت صلاته صحت إمامته، وهذا هو الراجح، وهو اختيار ابن سعدي رحمه الله.
حكم صلاة الإمام إذا شك في كونه إماماً
قال المؤلف رحمه الله: (أو شك في كونه إماماً)، هذا مذهب الحنابلة؛ لأنهم يشترطون النية، والراجح والله أعلم أنه لا يشترط ذلك. مثاله: لو صليت وبجانبي أحد يصلي، وأمامي آخر يصلي، وأنا لا أدري هل المأموم يصلي بصلاتي أم يصلي بصلاة الذي أمامي، فهنا شك الإمام، فإذا شك، قالوا: لم تصح الجماعة.
أو صلى، ثم شك هل هو مستمر إماماً أم لا؟ كما لو خشي أن من خلفه قد خرج، فيقولون: لا تصح الجماعة، فلا بد أن ينوي مطلقاً بلا شك، وكذلك المأموم، وهذا التقسيم بناءً على مذهب الحنابلة: أنه يشترط نية الإمامة للإمام، ونية الائتمام للمأموم.
اشتراط تعيين الإمام والمأموم في صلاة الجماعة
قال المؤلف رحمه الله: (ولا يشترط تعيين الإمام ولا المأموم)، يعني: لا يشترط أن أعين الإمام، بأن أقول: إمامي الشيخ
محمد العثيمين ، فلا يشترط للإمامة أن ينوي المأموم تعيين الإمام أنه فلان ابن فلان، فيكفي أن يعرف أن هناك إماماً بلا تعيين، اسمه أو غيره.
قول المؤلف: (المأموم) مثاله: لو أن شخصاً منفرداً يصلي بالنساء بالميكرفون، والنساء في المصلى، وهو لا يدري كم هن، فهذا لا بأس به والله أعلم.
قال المؤلف رحمه الله: (ولا يضر جهل المأموم ما قرأ به إمامه)، يعني: ما يلزم أن يعلم المأموم ما هي قراءة الإمام، وإن كان الأفضل أن يدرك ذلك؛ حتى يفتح عليه، والله أعلم.
الاقتداء بآخر لم ينو الإمامة
قال المؤلف رحمه الله: (وإن نوى زيد الاقتداء بعمرو، ولم ينو عمرو الإمامة صحت صلاة عمرو وحده، وتصح نية الإمامة ظاناً حضور مأموم لا شاكاً).
عندما تحدث المؤلف عن عدم صحة الجماعة، أراد أن يبين صحة الجماعة، فقال: (وإن نوى زيد الاقتداء بعمرو ولم ينو عمرو الإمامة صحت صلاة عمرو)، ولم تصح صلاة زيد، وهذا بناءً على المذهب، كونه يشترط على المأموم أن ينوي الائتمام، وعلى الإمام أن ينوي الإمامة، والراجح -والله أعلم- أن صلاة الجميع صحيحة، لأنه لا يشترط نية الإمامة أو الائتمام.
حكم صلاة المنفرد بنية الإمامة إذا ظن حضور المأموم
قال المؤلف رحمه الله: (وتصح نية الإمامة ظاناً حضور مأموم لا شاكاً)، مثل: شخص أيقظ أصحابه خوفاً من خروج الوقت، فقام وصلى وقرأ وحده، ويغلب على ظنه أنهم سوف يأتون الناس، فهنا نوى الإمامة ظاناً حضور المأموم، فإن شك يعني: هل قام فلان من النوم أو لم يقم، فالراجح والله أعلم صحة الصلاة.
حكم صلاة المنفرد إذا نوى الائتمام أو الإمامة أثناء الصلاة
قال المؤلف رحمه الله: [وإن نوى المنفرد الائتمام في أثناء الصلاة لم تصح؛ لأنه لم ينو الائتمام في ابتداء الصلاة سواء صلى وحده ركعة أو لا. فرضاً كانت الصلاة أو نفلاً].
قول المؤلف رحمه الله: (وإن نوى المنفرد الائتمام في أثناء الصلاة؛ لم تصح؛ لأنه لم ينو الائتمام)، مثل: شخص صلى الظهر وحده ثم جاءت جماعة فصلوا، فدخل معهم ولم يقطع صلاته، فهو هنا ابتدأ بنية الانفراد، ثم دخل بنية الائتمام، يقول المؤلف: (إن نوى الائتمام في أثناء الصلاة لم يصح)؛ لأنه لم ينو الائتمام في أول الصلاة، وهل يشترط نية الائتمام في أول الصلاة؟ المذهب نعم، والراجح والله أعلم: صحة الصلاة، لقصة عائشة و ابن عباس والرجل الذي تصدق على صاحبه.
قال المؤلف رحمه الله: (سواء صلى وحده ركعة أو لا. فرضاً كانت الصلاة أو نفلاً)، والصواب: صحة ذلك، والله أعلم.
قال المؤلف رحمه الله: [كما لا تصح نية إمامته في أثناء الصلاة إن كانت فرضاً]، يعني: كما أن المنفرد لا يصح أن يكون إماماً في أثناء الصلاة؛ لأن من شروط الصلاة عندهم: أن ينوي الإمام الإمامة من أول الصلاة، والراجح والله أعلم: صحة الصلاة؛ لأن ما ثبت في النفل جاز في الفرض، ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( صلوا كما رأيتموني أصلي ).
قال المؤلف رحمه الله: [ومقتضاه أنه يصح في النفل، وقدمه في المقنع والمحرر وغيرها]، يعني: لو نوى متنفل الانفراد، ثم نوى الإمامة صح ذلك، (وقدمه في المقنع والمحرر وغيرهما)، هذا المذهب بناءً على مصطلح صاحب الإنصاف، فإن صاحب الإنصاف قال: ما قدمه في المقنع والمحرر والخلاصة والفروع فهو المذهب على ما اصطلحا عليه، وعلى قاعدة المتأخرين أن العبرة ما اتفق فيه صاحب المنتهى والإقناع، فإن اختلفا فما في المنتهى.
وفي المنتهى: عدم صحة الصلاة في الفرض والنفل.
قال المؤلف رحمه الله: [لأنه صلى الله عليه وسلم قام يتهجد وحده، فجاء ابن عباس فأحرم معه، فصلى به النبي صلى الله عليه وسلم، متفق عليه].
في هذا الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم نوى الانفراد في تطوع، فجاء ابن عباس فنوى صلى الله عليه وسلم الإمامة، قالوا: ومقتضاه أنه يصح في النفل.
قال المؤلف رحمه الله: [واختار الأكثر: لا يصح في فرض ولا نفل؛ لأنه لم ينو الإمامة في الابتداء. وقدمه في التنقيح، وقطع به في المنتهى].