إسلام ويب

الروض المربع - كتاب الصلاة [87]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الصلاة ركن من أركان الإسلام لا تسقط بعجز أو مرض، وإنما هناك طرق لأدائها في حال العجز عنها كما افترضها الله، فمثلاً إن عجز عن القيام لها صلى جالساً، وإن عجز عن الجلوس صلى مستلقياً ويومئ للركوع والسجود إيماءً، وإن افتتح الصلاة قائماً ثم عجز جلس وأتمها، وإن افتتحها جالساً لعجز ثم نشط وجب عليه القيام، وصلاة الفرض على الراحلة جائزة إن خشي الوحل والمطر أو خاف فوات الرفقة.

    1.   

    العجز عن أداء بعض الأركان والواجبات في الصلاة

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:

    أحوال المريد للسجود من حيث العجز عن السجود على الأرض

    فالمريد للسجود له حالتان:

    الحالة الأولى ولها قسمان:

    القسم الأول: أن يكون قادراً على تمكين جبهته في الأرض، فإذا سجد عليها ولم يمكن جبهته قلنا: لا يجزئه.

    القسم الثاني من الحالة الأولى: أن يمكن جبهته من الوسادة، فهذا صحيح وهو قول عامة أهل العلم، ويبقى الخلاف في حكم السجود على الأرض أو على الخميرة، والصحيح جوازها. هذه الحالة الأولى.

    الحالة الثانية: ألا يكون قادراً على تمكين جبهته من الأرض، فإذا سجد على وسادة ملقاة في الأرض؛ فقد جوزه الإمام أحمد وهو قول أم سلمة وقول ابن عباس ؛ لأنه خير من الإيماء، فإذا جاز للمريض الذي لا يستطيع أن يمكن جبهته من الأرض أن يومئ فلأن يسجد بجبهته على الوسادة من باب أولى، وكره ذلك مالك و أبو حنيفة ، والراجح جوازه.

    رفع شيء من الأرض للسجود عليه كالوسادة

    إلا أنه إن رفعت له وسادة فسجد عليها ما أمكنه، يقول المؤلف: [ صح وكره ]، ولهذا قال: [ وإن رفع له شيء عن الأرض فسجد عليه ما أمكنه صح وكره ]، هذا إذا رفعت له، فصارت هيئته ليست هيئة سجود، فهذا إن كان مريضاً؛ صح، بحيث يمكن جبهته فهو خير من الإيماء، وإن لم يكن مريضاً، فالذي يظهر: أن هذا لا يعد سجوداً والله أعلم، انتهينا من الحالتين.

    وعلى هذا: فقول المؤلف: (وإن رفع له شيء عن الأرض فسجد عليه ما أمكنه؛ صح وكره)، يقال: هذا إذا كانت هيئته هيئة الساجد، وكان قادراً على السجود، وأما إذا كان قادراً على السجود، ولم يكن هيئته كهيئة الساجد؛ فإنه لا يعد ساجداً، إلا إذا مكن جبهته من الأرض، فإذا مكن جبهته من الأرض أو الوسادة، فلا حرج إن شاء الله إذا كانت الهيئة هيئة الساجد.

    أما الآن فهناك وسائد إسفنج يكون الواحد قاعداً ويسجد مثل الذي يصلي بالإسفنج، بمجرد إنه يتكئ عليه ينزل، ويكون سجوده ليس على هيئة سجود، فإذا كان قادراً على السجود على غير هذا المكان؛ فلا يصح؛ لأن الناظر له لا يعده ساجداً، وأما إذا كان على هيئة سجود؛ فلا حرج إن شاء الله، وإن كان الأفضل تركه.

    حكم من عجز عن القيام في أثناء الصلاة أو نشط للقيام بعد أن كان عاجزاً

    قال رحمه الله: [ فإن قدر المريض في أثناء الصلاة على قيام، أو عجز عنه في أثنائها؛ انتقل إلى الآخر، فينتقل إلى القيام من قدر عليه، وإلى الجلوس من عجز عن القيام ].

    هذه الحالة وهي حالة ما إذا تمكن أو عجز المرء في أثناء الصلاة، عجز فانتقل إلى الأدنى، أو نشط فانتقل إلى الأعلى، فلا حرج إن شاء الله من الانتقال إلى الأدنى، ويجب الانتقال إلى الأعلى، وهذه الحالة يخل بها كثير من الذين يعدون من أهل الأعذار.

    فإذا وجد المريض نشاطاً وهو جالس على الكرسي، فإن قدر على القيام وجب عليه أن يقوم؛ لقول الله تعالى: َاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، ولقوله صلى الله عليه وسلم: ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم )، كما في الصحيحين، وهذا أمر واجب.

    وعليه: فإذا تعب المريض في الركعة الأولى فجلس فلما كانت الركعة الثانية وجد نشاطاً وخفة وجب عليه القيام؛ لعموم قوله تعالى: َاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، ولحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    وكذلك إذا عجز أثناء الصلاة فجلس فلا حرج إن شاء الله؛ لأنه يعد معذوراً، فإذا جاز أن يجلس قبل الصلاة، فلأن يجلس في أثنائها مع عجزه من باب أولى على مذهب الحنابلة؛ لأنهم يرون أن العجز أثناء الصلاة أخف من العجز في ابتدائها، ولهذا أوجب الحنابلة على إمام الحي إن صلى جالساً، قالوا: يجب أن يصلوا خلفه جلوساً، وإذا عجز في أثناء الصلاة؛ فجلس جاز أن يصلوا قياماً، هذا مذهب الحنابلة وقلنا: الراجح استحباب القيام، وهو قول أهل الحديث، وأما مالك و الشافعي فيوجبون القيام، وأما أحمد فيفرق، والراجح هو استحباب القيام، والله أعلم.

    إعادة الفاتحة في حق من نشط أثناء الصلاة فقام بعد أن قرأ الفاتحة جالساً

    قال المؤلف رحمه الله: [ ويركع بلا قراءة من كان قرأ ].

    يعني: إن كان المريض قرأ الفاتحة أثناء عذره، ثم تمكن من القيام؛ وجب عليه أن يقوم، ولا يلزمه أن يعيد القراءة، لأن الفاتحة ركن، ويجب أن يقرأ الفاتحة حال القيام، فلما قرأ الفاتحة حال قعوده، ثم قدر على القيام؛ أوجبنا عليه القيام ما بقي، وأما ما سلف؛ فلا يلزمه الإعادة؛ لأن الله لم يأمر العبد أن يؤدي العبادة مرتين، بعد أن فعل ما تبرأ به ذمته، لما جاء عن ابن عمر رضي الله عنه عند أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله لم يأمرنا أن نصلي الصلاة مرتين ).

    قال المؤلف رحمه الله: [ وإلا قرأ ] يعني: فإن كان المريض الذي صلى جالساً قدر على القيام، ولم يكن قد قرأ، أو قرأ بعض الآيات؛ وجب عليه أن يكمل الآيات حال قيامه، أو أن يقرأ حال قيامه، إن لم يكن قد قرأ قبل ذلك؛ لأن الفاتحة تجب بالقيام، وقد قدر.

    قراءة بعض الفاتحة حال الانحطاط للجلوس

    قال المؤلف رحمه الله: [ وتجزئ الفاتحة من عجز فأتمها في انحطاطه، لا من صح فأتمها في ارتفاعه ].

    يعني: لو أن مصلياً صلى قائماً وقرأ الفاتحة، فقرأ آيتين منها فعجز؛ فجلس وأكمل خمس آيات، قالوا: فإن عجز عن الفاتحة فأتمها في انحطاطه؛ جاز؛ لأنه لو قرأها في هذه الحال وهو جالس ما حكمه؟ جائز لعذره، فلأن يقرأها حال انحطاطه من باب أولى، فالانحطاط نوع من القيام، وهو أفضل من الجلوس، يعني أنا قائم الآن، ثم حصل عندي عذر، فقلت وأنا قائم: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:2-3]، فجاءني عذر منعني من القيام، وأنا أنحط إلى الجلوس قرأت: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:4-5]، فيقول المؤلف: (يجزئ ذلك)؛ لأنه لما جاز له أن يقرأ باقي الفاتحة أثناء جلوسه، فقراءتها أثناء انحطاطه من باب أولى، لأن الانحطاط نوع من القيام.

    قراءة بعض الفاتحة حال الارتفاع للقيام ممن كان عاجزاً عن القيام

    قال المؤلف رحمه الله: [ لا من صح فأتمها في ارتفاعه ]، يعني: أما من كان معذوراً فقرأ أول الفاتحة حال عذره، ثم أحس بخفة وقدرة على القيام، فلا يصح أن يقرأ بعض الآيات حال ارتفاعه، فلو كان جالساً ثم قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:2-3]، ثم قدر على القيام، فلا يسوغ له أن يقول: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4]، وهو يقوم؛ لأنه لما كان قد قدر على القيام، لم يجز له أن يقرأ الفاتحة حال الجلوس؛ لأنه حال ارتفاعه للقيام لا يعد قائماً مع القدرة، فلا تصح منه قراءة، والله أعلم، وهذا يحصل كثيراً عند بعض كبار السن، عند قيامه من السجود إلى الركعة الثانية يقول: الله أكبر، ثم وهو في ارتفاعه للقيام يقول: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:2-3]، ثم ينهض ويقول: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4]، هذا إذا كان قادراً على القيام، وكان في صلاة فرض؛ فلا يسوغ له ذلك، لأنه قرأ بعض الآيات حال قعوده وهو قادر على القيام، فلينتبه لذلك، فغالب صلاة المرضى أو أهل الأعذار لا يفقهها أهل الأعذار.

    قلنا: لأنه لما قدر على القيام، فصار فرضه القراءة حال القيام، فلو قرأ دون ذلك؛ لم يعد قارئاً مع القدرة، حال قيامه.

    صفة الركوع ممن عجز عنه وهو قائم

    قال المؤلف رحمه الله: [ وإن قدر على قيام وقعود دون ركوع وسجود أومأ بركوع قائماً ].

    يقول: لو أن المريض قادر على القيام وقادر على القعود، لكنه غير قادر على الركوع ولا قادر على السجود مثل المريض الذي فيه مرض العين يقولون: الضغط الذي في العين أشد من الضغط الذي في الجسم، تعرفون مرض الضغط في الجسم مرض مستديم، ولكن الضغط الذي في العين أشد.

    ولهذا لا يستطيع أن يومئ، بحيث يخفض رأسه، فهذا قادر على القيام وقادر على القعود؛ لأنه سوف ينصب ويستتم رأسه ويجلس أو يقوم، لكنه غير قادر على الركوع ولا قادر على السجود، فيقول المؤلف: أن الأفضل في حقه حال الركوع أن يومئ بالركوع حال قيامه؛ لأن الركوع صفة أو نوع من القيام.

    فعلى هذا: فإذا كان قادراً على القيام وقادراً على الجلوس، وغير قادر على الركوع والسجود؛ أومأ حال قيامه؛ لأن الركوع صورة من القيام، بخلاف السجود فهو صورة للقعود، لماذا؟

    قال المؤلف رحمه الله: [لأن الراكع كالقائم في نصب رجليه]؛ ولأن الراكع يركع بعد قيام بخلاف السجود، فإنه يسجد بعد قعود.

    صفة السجود ممن عجز عنه وهو قاعد

    قال المؤلف رحمه الله: [ وأومأ بسجود قاعداً؛ لأن الساجد كالجالس في جمع رجليه، ومن قدر على أن يحني رقبته دون ظهره؛ حناها ]، يعني: من كان قادراً على أن يحني رقبته دون ظهره، أي لا يستطيع أن يحني ظهره، لكن يستطيع أن يحني رقبته؛ وجب عليه أن يحني رقبته، لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم )، والله أعلم.

    قال المؤلف رحمه الله: [ وإذا سجد قرب وجهه من الأرض ما أمكنه ]، بحيث يكون السجود أخفض من الركوع، وعليه: فإذا أراد أن يركع؛ فإنه يجعل يديه على ركبتيه أو على فخذيه، إذا أراد أن يركع وكان قادراً على القيام، يجعل يديه في ركبتيه ويومئ، فإن قدر؛ فالحمد لله، وإلا أومأ واقفاً، وإن كان جالساً وأراد أن يركع؛ فإنه يجعل يديه على ركبتيه، أو على فخذيه؟ وتكون رجلاه مثنيتين أو متربعاً بهما حال الركوع؟

    الحنابلة يقولون: يثني رجليه حال ركوعه وحال سجوده، قلنا: الراجح أن كل ذلك جائز، وإن كان الأفضل أن يكون الركوع حال التربع بمثابة القيام، كل ذلك جائز أثناء القيام.

    أما إذا أراد أن يسجد، فيجعل راحة يديه على الأرض ليس على شيء من جسده؛ لأنه أمكنه أن يسجد على اليدين، لقوله صلى الله عليه وسلم: ( أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: اليدان والرجلان والركبتان وأشار إلى الجبهة )، يعني أن يسجد ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.

    وإذا كان قادراً، أي على الركوع والسجود، فيجب وضع الكف على الأرض للسجود، أما إن كان لا يستطيع فيومئ، وبعض العلماء قال: لا ينفعه ذلك؛ لأن السجود إنما وضع لأجل وضع اليدين، فأما إذا لم يستطع فلا فائدة، وهذا قوي، لكننا نقول: خروجاً من الخلاف، الأفضل أن يجعل يديه على الأرض، يجعلها أمامه وليس خلفه، يعني وهو جالس؛ لأن هذا نوع من السجود، وإذا كان قادراً على أن يثني ركبتيه دون تربع؛ فهو أفضل والله أعلم.

    التفضيل بين الصلاة مع الجماعة قاعداً والصلاة منفرداً قائماً

    قال المؤلف رحمه الله: [ ومن قدر أن يقوم منفرداً ويجلس في جماعة خير ].

    يعني: لو أن مريضاً يستطيع أن يقرأ الفاتحة ويقوم قائماً مع قدرته على ذلك، إذا كان سيصلي وحده، أما إذا كان سيصلي في جماعة؛ فربما خروجه إلى الجماعة يشق عليه، ولربما لو وصل لم يستطع أن يصلي قائماً؛ فصلى جالساً، فأيهما أفضل: أن يصلي منفرداً بلا جماعة قائماً؟ أم يصلي مع الجماعة قاعداً.

    قال المؤلف رحمه الله: (خير)، وهذا هو المذهب، قالوا: لأنه يفعل في كل من الانفراد أو من الجماعة واجباً، ويترك واجباً، فالمنفرد يفعل واجباً وهو القيام، ويترك واجباً وهي الجماعة، والمصلي مع الجماعة يترك واجباً وهو القيام، ويفعل واجباً وهو الصلاة مع الجماعة.

    لكن على قاعدة أن العبادة المتعلقة بذاتها أولى من العبادة المتعلقة بمكانها أو زمانها، يكون الأفضل في حقه أن يصلي منفرداً، وذلك لأن القيام ركن، وقادر أن يؤديه؛ فيجب عليه، وهو متعلق بذات العبادة.

    وقال بعضهم: إن الأفضل أن يصلي جماعة، لأن مصالح الجماعة في حضوره لا يوازيها شيء من المصالح، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه صلاة الخوف، وقد أنقص بعض أركانها لمصلحة الجماعة، فصار المريض بمثابة الخائف، ومع ذلك أوجبنا عليه أن يصلي جماعة قاعداً، فلأن يصلي المريض مع الجماعة جالساً، خير له من أن يصلي وحده قائماً، وهذا القول أظهر والله أعلم، وهو اختيار الشيخ ابن سعدي ، لكن الشيخ ابن سعدي لم يستدل بصلاة الخوف، بل أنا الذي ذكرتها وهذا أظهر -والله أعلم-، فالدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى حال خوفه جماعة، وقد ترك بعض أركانها تخفيفاً، فلأن يصلي المريض جماعةً من باب أولى، لأن المريض حينما يصلي قاعداً، فهذا لم يترك الركن، ولكنه استبدله، والبدل يأخذ حكم المبدل.

    والذي يظهر: أن هذا أفضل، ولكننا نقول: لا يجب؛ لأن الجماعة في حقه ليست واجبة مع عذره، والله أعلم.

    الصلاة في وضع الاستلقاء ودواعي ذلك

    قال المؤلف رحمه الله: [ ولمريض الصلاة مستلقياً مع القدرة على القيام لمداواة بقول طبيب مسلم ثقة، وله الفطر بقوله: إن الصوم مما يمكن العلة، ولا تصح صلاته قاعداً في السفينة وهو قادر على القيام، ويصح الفرض على الراحلة واقفةً أو سائرةً، خشية التأذي بوحل أو مطر ونحوه ].

    قول المؤلف رحمه الله: (ولمريض الصلاة مستلقياً مع القدرة على القيام)، لماذا؟ قال: (لمداواة بقول طبيب مسلم ثقة)، يعني: لو أن المريض قادر على القيام، إلا أنه جلس خوفاً من تمادي المرض، أو لمداواة جاز ذلك بشروط:

    الشرط الأول: أن يكون ذلك لمداواة، وخوفاً من التردي.

    الشرط الثاني: أن يكون ذلك برأي طبيب مسلم، وعلى هذا فلا يجزئ الكافر، وأن يكون هذا المسلم ثقة، فلو كان مسلماً غير ثقة، يعني: ما يراعي حق الصلاة، يعني: مسلم ما يصلي، ما يجد للصلاة اهتماماً، فهذا لا يعول على قوله، أما لو كان مسلماً مراعياً للصلاة، وكان يخاف الله؛ قبل قوله.

    ولا شك أن اشتراط الحنابلة: أن يكون مسلماً ثقة، هذا أفضل، إلا أن اشتراط ذلك محل نظر، فإذا كان الطبيب محل ثقة في عمله، لأن بعض الناس لا يهمه الصلاة، لكن يهمه شرف مهنة الطب والعياذ بالله! يعني يهتم وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً [الفجر:20]؛ لأجل مكانته ومركزه فيقبل قوله، يعني لو قال للمريض: صلاتك وأنت جالس أنفع لك من حيث المداواة، هذا يحصل مع الذين يغيرون دوار ركبهم، الركبة إذا استبدلت بالركبة الألومنيوم الجديدة التي انتشرت في هذا الزمان.

    فأحياناً المدور إذا غير يقول الطبيب له: الأفضل لك مداواةً ألا تسجد، إلا إذا وضعت رجلك أسفل، يعني صارت ممتدة؛ لأن هذا أسرع لشفائك، فهذا لا يلزم أن يكون الطبيب ثقة؛ لأن هذا أمرٌ أولاً عرف، فلو أطاع الطبيب في هذا؛ فلا حرج؛ لأن الركبة عمرها الافتراضي يختلف، لو سجد على هيئة الساجد الآن، لكن لو تركها حتى تتلاحم مع البدن؛ بإذن الله سوف تكون سهلة؛ لأن الساجد تكون زاوية جسمه خمساً وثلاثين أو خمساً وعشرين، لكن إذا لم يسجد تكون أحياناً خمساً وأربعين فهذا أنفع، وهو يقول: لابد أن تكون خمساً وأربعين درجة ما بين الظهر وعظم الورك.

    على كل حال: إذا كان ذلك لمداواة؛ فلا حرج له والله أعلم، يعني: انظر دقة الفقهاء رحمهم الله، يذكرون صوراً لا تظن أن هذه موجودة في كتب الفقه، فتفاجأ أنها موجودة، أو أن الذي يشرح أحياناً ما يستحضر أن هذه موجودة، فإذا عرف بعض المرضى بهذه الحال، عرف أن هذا المعنى له مدلول، والله أعلم.

    ثم قال المؤلف: (وله الفطر بقوله)، يعني: بقول مسلم ثقة: إن الفطر أسرع لمداواتك، و(إن الصوم مما يمكن العلة)، هذا مثل من به فقر الدم، فإن صومه مما يمكن العلة، وهذا أمر شبه إجماع عند الأطباء، والله أعلم، فهو داخل في عموم المرضى، لقوله تعالى: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184].

    1.   

    الصلاة على الراحلة

    حكم الصلاة في السفينة قاعداً من القادر على القيام

    قال المؤلف رحمه الله: [ ولا تصح صلاته قاعداً في سفينة وهو قادر على القيام ]، لقوله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري من حديث عمران : ( صل قائماً )، فهو إذا صلى قاعداً وهو قادر على القيام؛ لم يجزئه.

    مثال ذلك: أن يكون قادراً على القيام في كرسيه، لكن لم يجد مكاناً يؤدي الصلاة، فهو قادر على القيام، لكن لا يجد مكاناً يصلي فيه قائماً، فيصلي في مكانه ما قدر على ذلك، فيصلي يقرأ الفاتحة قاعداً، فإذا جاء وقت الركوع؛ يومئ حال قيامه، وإذا جاء السجود؛ يركع، وهذا مثل الطائرات الصغيرة التي ليس لها مصلى من الخلف أو مكان وساحة من الخلف.

    فهذا قادر على القيام، لكنه ليس قادراً من حيث المكان والصلاة، فلا يعد قادراً، وأما من كان قادراً لإيجاد مكان؛ فلا يجزئه ذلك والله أعلم.

    وخص السفينة بالذكر هنا؛ لأن في زمن المؤلف لم تكن هناك طائرات، ولأجل أن استقبال القبلة والصلاة أحياناً في السفينة يصير فيه دوار، فدائماً السفينة فيها الدوار أكثر من الطائرة، وهو ما يسمونه الناس اليوم: دوار البحر، فبعضهم قادر على القيام، لكنه يخشى أن يصاب بذلك؛ فيجلس، فمن كان قادراً على ذلك، فيجب أن يقوم، فإن عجز أثناء الصلاة؛ جلس كما قلنا سابقاً والله أعلم.

    صلاة الفرض على الراحلة

    قال المؤلف رحمه الله: [ ويصح الفرض على الراحلة واقفةً أو سائرةً خشية التأذي بوحل أو مطر ونحوه، لقول يعلى بن أمية : ( انتهى النبي صلى الله عليه وسلم إلى مضيق هو وأصحابه وهو على راحلته، والسماء من فوقهم والبلة من أسفل منهم، فحضرت الصلاة فأمر المؤذن فأذن وأقام ثم تقدم النبي صلى الله عليه وسلم فصلى بهم، يعني: إيماءً يجعل السجود أخفض من الركوع )، رواه أحمد و الترمذي وقال: العمل عليه عند أهل العلم].

    قول المؤلف رحمه الله: (ويصح الفرض على الراحلة)، يعني: الصلاة على الراحلة ثبتت كما مر معنا في النفل، لقول ابن عمر : ( رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على الراحلة قبل أي وجه توجه، ويوتر عليها غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة )، وهذا هو الأصل: أن المكتوبة لا يجوز، لأنه سوف يخل بكثير من الأركان، مع قدرته على النزول.

    الأحوال التي يجوز فيها صلاة الفرض على الراحلة

    أما إذا كان ثمة علة، أشار إليها المؤلف بقوله: [ خشية التأذي بوحل أو مطر ]، قلنا: الوحل بالتسكين لغة رديئة، (بوحل أو مطر ونحوه)؛ جاز ذلك، الجواز مبني على دليل من السنة، ومبني على تعليل؛ لأنه إما أن يؤخر الصلاة عن وقتها بأداء تلك العبادة، وإما أن يصليها في الوقت مع إخلاله ببعض الأركان.

    ولا شك أن الصلاة في الوقت مع الإخلال ببعض الأركان للعجز، أولى من الصلاة مع عدم الإخلال بعد الوقت، وأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد و الترمذي من حديث يعلى بن عثمان بن يعلى بن أمية عن أبيه عن جده أنه قال: (انتهى النبي صلى الله عليه وسلم إلى مضيق هو وأصحابه وهو على راحلته والسماء من فوقهم والبلة من أسفل منهم، فحضرت الصلاة فأمر المؤذن فأذن وأقام ثم تقدم النبي صلى الله عليه وسلم فصلى بهم يومئ إيماءً ويجعل السجود أخفض من الركوع).

    فهذا الحديث في سنده يعلى بن عثمان فهو وأبوه مجهولان، ولهذا أشار البيهقي وغيره إلى ضعف هذا الحديث؛ لأن فيه مجهولين: عمرو بن عثمان بن يعلى بن أمية ، فعمرو وأبوه عثمان مجهولان، كما أشار إلى ذلك البيهقي .

    لكن الصحيح: جوازه، لأنه إذا قدر على الصلاة ولو في آخر الوقت قبل خروجه؛ يجب عليه أن يصلي ويؤخر الصلاة لآخر وقتها، أما إذا عجز ويخشى فوات الوقت؛ فيصلي ما أمكنه والله أعلم.

    قال المؤلف رحمه الله: [ وكذا إن خاف انقطاعاً عن رفقته بنزوله، أو على نفسه أو عجز عن ركوب إن نزل، وعليه الاستقبال وما يقدر عليه ].

    إن كان يخاف من النزول، فلا يخلو من أحوال:

    الحالة الأولى: إن كان يخاف من سبع، مثل الذين أحياناً يكونون في بعض الدول الإفريقية وهم في مزرعة، أحياناً تحضر الصلاة وهو في السيارة ما يستطيع خوفاً من النمر أو الأسد أو بعض السباع، فهذا يصلون في السيارة، مع أن الصلاة في السيارة تمنعهم من كثير من الأركان، فهذه الصلاة صحيحة، إذا كان يخاف على نفسه.

    الحالة الثانية: إذا كان يخاف من فوات رفقة، فالذي يظهر والله أعلم: أن فوات الرفقة على نوعين:

    النوع الأول: أنه يخاف من فوت الرفقة ضياع نفسه، بعض الناس أحياناً في البراري، فإذا فاتت الرفقة؛ ضل، وإذا ضل؛ خاف على نفسه، يعني: خاف من سبع أو غيره، فهذه الصلاة صحيحة يصلي في سيارته.

    النوع الثاني: فوات الرفقة يوجود مشقة في ذهابه وحده؛ فالصحيح: أنه يجب عليه أن يصلي على الأرض وهذه الحالة واضحة. والله أعلم.

    أما إذا خاف على نفسه من عدو أو سبع، أو عجز عن ركوب إن نزل؛ فلا حرج عليه إن شاء الله أن يصلي على الراحلة، لأنه بمثابة الكرسي والجلوس إذا عجز والله أعلم.

    قال المؤلف رحمه الله: [ وعليه الاستقبال وما يقدر عليه ].

    يعني عليه أن يستقبل القبلة، وما يقدر عليه من الأركان يجب عليه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ) فمتى قدر على أداء بعض الأركان؛ وجب عليه أن يؤديها والله أعلم.

    الصلاة على الراحلة لأجل المرض

    قال المؤلف رحمه الله: [ ولا تصح الصلاة على الراحلة للمرض وحده دون عذر مما تقدم ].

    قول المؤلف رحمه الله: [ ولا تصح الصلاة على الراحلة للمرض ]؛ لأن الراحلة تمنعه من أداء بعض الشروط وليس الأركان فقط؛ لأن الراحلة يمكن أن تلتوي فتغير جهة استقباله، وعليه: فلا يصح، إلا إذا كانت صلاته وهو في سفر مثلاً وهو مريض لا يستطيع أن ينزل فحينئذ يصلي على الراحلة؛ لأن نزوله سوف يشق عليه ولما ينتهي السفر بعد، فالصلاة صحيحة.

    خاصة إذا كان يمكن توجيه الدابة إلى جهة القبلة، فتكون صلاته وهو عاجز، أما من كان مريضاً ولكنه قادر على القيام والركوع والسجود؛ فيجب عليه أن لا يصلي على الدابة لإمكانية أداء الأركان، ولعموم قوله صلى الله عليه وسلم: ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ).

    ولهذا قال: [ للمرض وحده دون عذر ]، ولو قلنا: إن المرض إن كان مرضاً يمنعه من النزول، أو يشق عليه النزول والركوب بعد ذلك؛ فيصلي ويستقبل بالدابة القبلة، وأما إذا كان ذلك لا يشق عليه وهو مسافر؛ فيجب عليه أن ينزل والله أعلم.

    الصلاة في السفينة ممن عجز عن القيام والخروج منها

    قال المؤلف رحمه الله: [ ومن بسفينة وعجز عن القيام فيها والخروج منها؛ صلى جالساً مستقبلاً ].

    يعني ومن كان بسفينة أو نحوها كالطائرة أو الدابة إذا كان يشق عليه، مثل كبير السن البدين الذي ركوبه ونزوله لابد فيه من مشقة، فمن كان كذلك (وعجز عن القيام فيها والخروج منها؛ صلى جالساً مستقبلاً)؛ لأن هذا الذي يقدر عليه، والله أعلم، مثل الذين يكونون في الطائرة، يصعب عليهم القيام، ويصعب عليهم النزول لأنهم في الطائرة.

    ومثل الباص أحياناً لأن بعض الإخوة لا يتمكنون من الخروج من الباص، وبعض السائقين هداهم الله يمنعونهم من الوقوف، فإذا كان كذلك؛ فلا حرج عليه أن يصلي في الكرسي؛ لأن صلاته مع الوقت والإخلال ببعض الأركان، أولى من الصلاة مع فعل الأركان خارج الوقت والله أعلم.

    قال المؤلف رحمه الله: [ ويدور إلى القبلة كلما انحرفت السفينة بخلاف النفل ].

    المذهب: أن استقبال القبلة يجب، فإذا كان قادراً على أن يدور إلى جهة القبلة ولو انحرفت السفينة إلى غير القبلة؛ يجب عليه ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم )، وذهب بعض أهل العلم: إلى أن ذلك لا يجب.

    والذي يظهر والله أعلم: أنه إن أمكنه ذلك ففعل؛ فهذا أفضل وخروج من الخلاف، إلا أن وجوب ذلك محل نظر، يعني تخيلوا الواحد يصلي بالطائرة ثم التفت، يروح يلتف إلى زميله أو غير ذلك فيه مشقة، والصحيح جواز ذلك، ويكفي أن يستقبل القبلة حال تكبيرة الإحرام؛ ويجزئه أن يصلي، ولو انحرفت إلى غير القبلة؛ لأن ذلك مما يعسر ويشق والله أعلم، وإن كان الأفضل استقبال القبلة.

    نقف عند هذا والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

    1.   

    الأسئلة

    سجود المصلين على ظهر بعضهم حال الزحام الشديد

    السؤال: [ قد يحصل في الحرم من شدة الزحام أن بعض المصلين يسجد على ظهر من أمامه أو قد يومئ بعضهم إيماءً من شدة الزحام، ما حكم ذلك جزاكم الله خيراً؟ ].

    الجواب: هذا سؤال جيد، وقد مر معنا في الشروط، وقت الزحام في الطواف في الحرم وغيره، الذي يسجد بعضهم على ظهر بعض أو يومئ، أما إذا كان في الجمعة؛ فقد جوز ذلك عمر كما روى ذلك ابن أبي شيبة بسند جيد، فكان الرجل يسجد على ظهر صاحبه، وأما إذا كان في غير الجمعة فلا يجوز؛ لأن الصلاة جماعة ليست بأولى من أداء الأركان مع القدرة. والله أعلم.

    وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767978760