الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:
قول المؤلف رحمه الله: (وإذا نزل به) أي: إذا نزلت الملائكة لنزع روحه.
قال المؤلف رحمه الله: (سن تعاهده) قال: (سن) مع أن أكثر هذه الأشياء لم يثبت فيها بخصوصها دليل عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا فإن القول بأن ذلك سنة محل نظر، ولكن لو قيل: إن ذلك من الأفضل لما في هذه الأشياء من التخفيف على حال الميت أو المحتضر، ومن باب قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه )، وقوله عليه الصلاة والسلام: ( من نفس عن مؤمن كربة نفس الله عنه كربه يوم القيامة )، ولا شك أن المحتضر يعيش في حالة من الكرب، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ( إني لأوعك كما يوعك رجلان )، فهو حسن، ولهذا قال الإمام الشافعي في كتاب الأم عندما ذكر مثل هذا، قال: وكلما رجوا وعرفوا أن ذلك من دفع المكروه رجوت أنه لا بأس به، وكلمة الإمام الشافعي حسنة، أي أنه لا بأس به، أو أنه من الأفضل، أما أن يقال: إنه سنة، فهذا محل نظر.
إذا ثبت هذا فإن المؤلف يقول: (يبل حلقه بماء أو شراب، وتندّى شفتيه)، أي: توضع كرسف أو قطنة في شفتيه بحيث يبللهما؛ لأن حال الاحتضار ييبس اللسان، ولعل مما يستدل لذلك ما جاء في الصحيحين حين (كان النبي صلى الله عليه وسلم ينزع بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام فدخل
فتبليل الفم وإيجاد الريق فيه يخفف الشدة التي تنزل بالمحتضر، وكذلك يسهل النطق بالشهادتين بدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم تسوك حال احتضاره، ومن المعلوم أن التسوك يزيد تبليل الفم وإيجاد الريق، فالتسوك يزيده، وهذا أصح ما قيل في هذا الباب، والله أعلم.
قول المؤلف رحمه الله: (وتلقينه لا إله إلا الله).
يعني: أن يقول له: لا إله إلا الله، أو قل: لا إله إلا الله، ولكن هل يأمره بذلك، أم يذكرها من باب الخبر، فيقول: لا إله إلا الله، لا إله إلا الله حتى يتذكرها المحتضر فيقولها، أم يقول له: قل لا إله إلا الله؟
بعض العلماء قال: لا، يقول له على سبيل الأمر لعله أن يتضجر فيقول: لا أقول: لا إله إلا الله، حتى لا يقع في شيء من سوء الخاتمة، وهو لم يقصد هذا على ظاهره؛ لأنه يعيش في حال كرب، فيخشى أن يقول: لا، وقال بعضهم: لا حرج أن يقول: قل: لا إله إلا الله.
والذي يظهر لي -والله أعلم- أن قول الإنسان للمحتضر: قل: لا إله إلا الله لا حرج في ذلك، فقد جاء في الصحيحين من حديث سعيد بن المسيب عن أبيه أنه قال: ( لما حضرت
قال ابن مفلح في الفروع: يحتمل أن يلقنه الشهادتين، وذكره جماعة من الشافعية والحنفية، وبعضهم قال: يقتصر على لا إله إلا الله، والذي يظهر والله أعلم أن الوارد هو قول: لا إله إلا الله سنة، فإن قال معه: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. فهذا نور على نور؛ وذلك لأن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيها بإذن الله تفريج الكربات، كما ثبت ذلك عند أهل السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـأبي عندما قال: ( يا رسول الله! كم أجعل لك من صلاتي؟ قال: ما شئت، وإن زدت فهو أفضل، قال: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: إذن يكفى همك، ويغفر ذنبك )، ومن أعظم الهم الذي يعيشه المحتضر هو هم النزع، فيكفاه بإذنه سبحانه، فدل ذلك على أن قول: لا إله إلا الله لمعنى وهو موته على التوحيد، وأن الشهادة أن محمداً رسول الله فيها تفريج لحالة المحتضر بإذن الله سبحانه وتعالى.
قال المؤلف رحمه الله: (فيعيد تلقينه) أي: إلى ثلاث يستدل لهذا بحديث سعيد بن المسيب عن أبيه قال: ( لما حضرت
وقول المؤلف رحمه الله: (ويعرضها عليه)، يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أتى بها على سبيل التلطف، ولهذا خشي أبو جهل ، وخشي عبد الله بن أبي أمية أن يسلم العم من حرص وعطف وحنان النبي صلى الله عليه وسلم.
ولهذا نقول: الصواب أن هذا يختلف من شخص لآخر، فإذا عرض القائل هذا الأمر على سبيل اللطف والحنان والرحمة ولو كانت أكثر من ثلاث فلا حرج لفعل النبي صلى الله عليه وسلم في قصة عمه أبي طالب : ( فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه، ويعيد له تلك المقالة حتى قال
قال المؤلف رحمه الله: (إلا أن يتكلم بعده فيعيد تلقينه إلى ثلاث).
يعني، يقول: (ليكون آخر كلامه لا إله إلا الله)، يعني: إذا تكلم فإنه دليل على أنه لم يحتضر بعد، والله أعلم.
ومما يستدل به في هذا الباب على سبيل الخصوص هو تلطف النبي صلى الله عليه وسلم مع عمه حال احتضاره، ولهذا قال له: ( يا عم! قل: لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله )، وهذا نوع من التلطف بقوله: (يا عم) وجاء عند الإمام أحمد من حديث أنس ( أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على رجل من الأنصار وهو يحتضر، فقال له: يا خال! قل لا إله إلا الله )، وهذا فيه فوائد:
الفائدة الأولى: أنه قال له: (قل: لا إله إلا الله)، ولم يعرضها على سبيل الخبر.
الثاني: أن ما يقوله الناس اليوم: يا خال، يا عم، على سبيل الاحترام لها أصل، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهذا الأنصاري: (يا خال! قل: لا إله إلا الله)، والله أعلم.
قول المؤلف رحمه الله: (ويقرأ عنده سورة يس لقوله صلى الله عليه وسلم: ( اقرءوا على موتاكم سورة يس ) رواه أبو داود ).
أولاً: قراءة السورة إنما ذلك في حال حياته قبل مماته، وهو حال الاحتضار، هذا هو الذي أشار إليه ابن حبان عند روايته لهذا الحديث، وعليه عمل أكثر أهل العلم، وأن قوله في الحديث: ( اقرءوا على موتاكم ) يعني: على من هم قريبي النزع، قال أبو العباس بن تيمية رحمه الله: وأما القراءة عليه بعد مماته فهذا غير مشروع، بل قال: والقراءة على الميت بعد موته بدعة.
وأما حديث قراءة يس فقد رواه أبو داود و النسائي في عمل اليوم والليلة كلهم من طريق سليمان التيمي هو ابن طرخان التيمي عن أبي عثمان وليس هو النهدي الذي هو عبد الرحمن بن مل الإمام الثقة العابد، بل هو رجل يقال له: أبو عثمان .
إذاً: الحديث هو عن أبي عثمان عن أبيه عن معقل بن يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث ذكره ابن حبان في صحيحه لأجل أن أبا عثمان وأباه مجهولان، ولم يعرف عنهما بقدح، فكانت على طريقته بأن الرجل الذي لا يعرف بجرح ولا تعديل فهو من باب الستر والثقة، والراجح -والله أعلم- أن الحديث ضعيف من وجوه:
الوجه الأول: الاضطراب في إسناده، فـسليمان التيمي مرة يروي عن أبي عثمان ، فيقول: عن أبي عثمان عن أبيه عن معقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، هذا الطريق الأول، ومرة يقول: عن أبي عثمان عن معقل بن يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيسقط الأب، ومرة يقول: عن أبي عثمان عن أبيه عن معقل من قوله، ومرة يرفعه، وهذا بلا شك اضطراب خاصة بأن أبا عثمان مجهول.
الوجه الثاني: هو جهالة أبي عثمان فإنه لم يرو عنه إلا سليمان التيمي ولهذا قال علي بن المديني : مجهول.
الوجه الثالث: أن القاعدة في الجهالة التي تقبل، إذا روى عنه أكثر من واحد وأتى بما لم ينكر، وهذا مما استنكر، يقول الإمام الدارقطني : هذا مجهول المتن، وهذه الكلمة جميلة حقيقة، وهي لا تذكر عند أهل الحديث؛ لأن الجهالة يطلقونها على الإسناد ولا يطلقونها على المتن، وكأنه يريد أن هذا لا يعرف إلا من هذا الطريق، فيكون أتى بما ينكر.
فهذه ثلاث علل: اضطراب في الإسناد، جهالة في أبي عثمان وأبيه، نكارة في المتن.
وعلى هذا فالذي يظهر -والله أعلم- أن قراءة سورة يس على المحتضر ليست بسنة، وقال ابن تيمية: والقول بقراءة سورة يس مبنية على ثبوت الحديث، فإن ثبت ثبتت المشروعية، وإن لم يثبت لم تثبت المشروعية، وأقول: إنه غير مشروع، أي أنه ليس بمستحب، وليس بواجب.
وهل يقال بالجواز؟ الذي يظهر -والله أعلم- أنه لو قيل بالجواز لم يكن ببعيد؛ وذلك لأن قراءة سورة يس كما قال أهل العلم: لأنها تخفف النزع، وهذا يحتاج إلى دليل، وقال بعضهم: لأن فيها من التوحيد والمعاد وما أعد الله لأهل توحيده من الجنة، وهذا هو الذي يظهر، فإذا سمعها المحتضر وتذكر ما هو مقبل عليه أقر بالوحدانية، وابتهجت نفسه رجاءً لما أعد لها الله، فكان في ذلك تخفيف على نفس حال الاحتضار، فظن من ظن أن ذلك يخفف النزع، والذي يظهر والله أعلم أن المحتضر يتأمل هذه المعاني، وما أعد الله لأهل توحيده، فتحدث عنده حالة من الرجاء والانبساط، فيظن أن ذلك يخفف نزع الروح، ولهذا كان الراجح هو المعنى الثاني.
وعلى هذا لو قرئت فلا حرج؛ لأن السلف يصنعونها والله أعلم، ولا يمكن أن تتوارد كلمات الأئمة على معنى بدعي، ولهذا يقول الغزالي في المستصفى: ومما شاع عند أهل العلم، فيجعلون مما يشيع نوعاً من الاستدلال على الجواز، والإمام أحمد رحمه الله في الختمة ختمة القرآن في الصلاة، قال: عن الكافة ثم الكافة من أهل مكة، عندما سأله الفضل بن زياد .
قول المؤلف: قال: (ولأنه يسهل خروج الروح)، هذا معنى، والمعنى الثاني: أن فيه من التوحيد، وما أعد الله لأهل توحيده من الجنة، وفيه من الانبساط وانشراح النفس لما أعده الله، فيظن من يظن أن ذلك سهول لخروج الروح، وهذا المعنى أقرب،
قراءة الفاتحة إن كانت بقصد الرقية فلا حرج، وهذا يتأتى حينما تقرأ أمامه، وتقرأ بقصد الرقية، فلا حرج لقوله صلى الله عليه وسلم عندما قال: ( والله يا رسول الله! ما زدت على أن قرأت بأم الكتاب؟ قال: وما يدريك أنها رقية )، فهذا يدل على أن سورة الفاتحة من أعظم الرقى، ولهذا جاء عند النسائي أنه قال: ( يا رسول الله! ما زدت على أن قرأت الفاتحة سبع مرات )، وهذا يدل على أن قراءة سبع مرات لها أصل في السنة، وكذلك قول: (حسبي الله لا إله هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم سبع مرات)، وهذا يدل على أن السبع لا بأس بها، والله أعلم.
وأما قراءة الفاتحة بدعوى أن ذلك يسهل على المحتضر نزع روحه، بحيث تقرأ عنده، ومعنى القراءة عنده: أن يجلس هذا في كرسي، والمريض بعيد، ويقرأ الفاتحة، فيكون قرأ عنده، ولم يقرأ عليه، فإن قرأ عنده فهذا لا أصل له، ولا يشرع، ويخشى أن يأتوا بقارئ ويقرأ القرآن عند المحتضر، كما يصنعون بعد وفاته، ولا شك أن هذا الفعل بهذه الطريقة بعد الوفاة من البدع.
توجيهه إلى القبلة استدلالاً بما رواه أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( هذه قبلتكم أحياءً وأمواتاً ) لكن هذا الحديث لا يصح؛ لأن في سنده رجلاً يقال له عبد الحميد بن سنان قال البخاري رحمه الله: في حديثه نظر، والأصل في هذا فعل السلف، وهو مذهب أبي حنيفة و مالك و الشافعي و أحمد ، ونقل ابن المنذر أنه قول كثير من السلف.
والذي يظهر لي -والله أعلم- أن ذلك ليس بسنة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم حينما مات لم يحفظ أنه استقبل القبلة، بل كان على قفاه بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام، وكان يرفع رأسه إلى أعلى، ويشير ويقول: (إلى الرفيق الأعلى، إلى الرفيق الأعلى، إلى الرفيق الأعلى)، ثم قبض، وكان بين سحر ونحر عائشة رضي الله عنها، وهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينم على جنبه، ولم يستقبل به القبلة، وهذا بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام دليل على أنه لا يستقبل القبلة، فإن كان ذلك أخف فلا حرج والله أعلم.
قال المؤلف رحمه الله: (وعلى جنبه الأيمن أفضل).
قالوا: لأنه يشرع للإنسان حال النوم أن ينام على جنبه الأيمن لما جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للصحابي: ( إذا أويت إلى فراشك فنم على يدك اليمنى، ثم نم على جنبك الأيمن، ثم قل: اللهم إني ... إلخ ) الحديث، قالوا: فهذه النومة الصغرى، فالنومة الكبرى من باب أولى، والذي يظهر -والله أعلم- أن هذا يحتاج إلى دليل، ولا يقاس الأدنى على الأعلى فإن النوم أدنى من حال الاحتضار، وحال الاحتضار مسألة فيها من مشقة على الميت، والظاهر حال وفاته صلى الله عليه وسلم أنه كان بين سحر ونحر عائشة رضي الله عنها، وهو مستلق، وإن كان رأسه أعلى من رجليه بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام، ولهذا لا ينبغي أن يشق على المحتضر، خاصة أن بعض الناس أحياناً يقول: اجعلوه على جنبه الأيمن، والثاني يقول: لا تجعلوه، والثاني يقول: اجعلوه، فيشق ذلك على المحتضر، ولهذا قال المؤلف: (وإلا فعلى ظهره مستلقياً ورجلاه إلى القبلة)، وهذا كما قلت: الأصل أن يرفق بحال المحتضر، و عائشة رضي الله عنها حينما علمت محبة النبي صلى الله عليه وسلم بقربها ضمته بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام.
قال المؤلف رحمه الله: (ويرفع رأسه قليلاً ليصير وجهه إلى القبلة).
وهذا ليس عليه دليل صحيح.
بدليل حديث الرسول صلى الله عليه وسلم كما ثبت ذلك في صحيح مسلم من حديث أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الروح إذا قبض اتبعه البصر )، وفي رواية: ( تبعه البصر )، ولهذا تجدون الإنسان إذا مات رفع عينيه إلى أعلى؛ لأنه يرى روحه وهي تنزع، فقال صلى الله عليه وسلم: ( إن الروح إذا قبض اتبعه البصر )، وقبل ذلك أغمض عليه الصلاة والسلام عيني أبي سلمة ثم قال: ( إن الروح إذا قبض اتبعه البصر، فضج ناس من أهله، فقال: لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير، فإن الملائكة تؤمن على ما تقولون، ثم قال: اللهم اغفر لـ
الأمر الأول: لأنه لم يقل إن ذلك أفضل من السنة.
الثاني: لأنه ورد بخصوصه دليل عام، فالأذكار لا حرج فيها، أما تخصيص ذكر وتقييده والتزامه فلم يثبت به أصل، وهذا الذي يقال فيه بأنه غير مشروع، والله أعلم.
والأذكار الخاصة كأذكار بعد الصلاة مثل أن يكثر من التكبير لا حرج فيها، لأنهم كانوا يكبرون، فإن قال ثلاثاً وثلاثين فهو أفضل، وقد ذكر ابن الصلاح وغيره أنه لا يزاد على ثلاث وثلاثين، والذي يظهر والله أعلم أن أقل التكبير ثلاث وثلاثون، وأقل التسبيح ثلاث وثلاثون، وأقل على ما ورد، أهم شيء أنه يرد بخصوصه لفظ عام، مثل أذكار الصباح، مثل أذكار المساء، مثل طريقة السلف في قراءة القرآن في الليل وفي النهار، هذا كله ثابت بخصوصه، ولهذا قال الله تعالى في قراءة الليل: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ [الإسراء:78]، فكل ذلك إذا ثبت بخصوصه دليل عام فلا حرج، أو لم يكن ذلك على سبيل الالتزام فلا حرج، أما أن يكون ذلك على سبيل التعلم أو التعليم الذي لم يقصد بها عبادة بذاتها، فهذا أيضاً لا حرج والله أعلم.
يعني: أن الرجل يغمض أقرباءه من محارمه مثل أمه وأخته، وعمته وبنت أخته، وعلى هذا فقس؛ لأنه يجوز أن يمسها، وكذلك المرأة مع الرجل، ولهذا لو أن طبيبة احتضر عندها الميت فشخص بصره وليس عندها أحد فالذي يظهر والله أعلم أنها تغمض عينيه؛ لأن ذلك من باب حرمة المؤمن، وهو قد قضى ما عليه، وهو نوع من العلاج، فرؤية الميت بهذه الطريقة مفزعة، والثانية من باب تقديره واحترامه، فلربما استمر على رفع عينيه وشخصت الجفون، فلا يستطاع أن تعاد حال الاغتسال.
يعني: يكره لحائض وجنب أن تغمض عيني الميت، وقالوا: ذلك لأن الملائكة لا تقربهم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( ثلاثة لا تقربهم الملائكة: الجنب حتى يغتسل )، وهذا الاستدلال محل نظر، وذلك لأن عدم قربان الملائكة للجنب ليس لنجاسة فيه، فإن المؤمن لا ينجس، ولكن لأجل أنه لا يذكر الله، ولا يقرأ القرآن كما هو مذهب جماهير أهل العلم، وهو قول عمر و علي بن أبي طالب كما مر معنا، والذي يظهر والله أعلم أن ذلك لا حرج فيه، والله أعلم.
نقف عند هذا، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر