إسلام ويب

الروض المربع - كتاب البيع [10]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يصح عقد البيع المبرم من غير معرفة المعقود عليه إذا كان معيناً مع ثبوت الخيار للمشتري، ومن صور بيع الغرر المنهي عنه: بيع الحمل في البطن، واللبن في الضرع، والمسك في فأرته، والنوى في تمره، والصوف على الظهر وغيرها، وذلك لجهالة المعقود عليه.

    1.   

    تابع شروط البيع

    تابع الشرط السادس: أن يكون المبيع معلوماً عند المتعاقدين

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً, وبعد:

    فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا وإياكم الفقه في الدين, وأن يمنحنا وإياكم رضاه والعمل بسنة نبينا صلى الله عليه وسلم والتقوى.

    كنا قد توقفنا في شرحنا لكتاب البيع من الروض المربع عند قول المؤلف: (والشرط السادس أن يكون المبيع معلوماً).

    وقلنا: إن البيع إما أن يكون معيناً وإما أن يكون موصوفاً في الذمة, والمعين لا بد من رؤيته أو وصفه على مذهب الحنابلة.

    وقد ذكرنا أن هذا هو مذهب الحنابلة و مالك , وقلنا: إن الراجح جواز بيع المعين ولو من غير رؤية ولا وصف بشرط الخيار لمن اشتراه.

    وقلنا: إن هذا هو قول الصحابة, فقد باع عثمان رضي الله عنه قصراً له بالكوفة على طلحة بن عبيد الله ، فقال طلحة : لي الخيار اشتريت ما لم أره, وقال عثمان : لي الخيار بعت ما لم أره, فتقاضيا عند جبير بن مطعم فقضى به لـطلحة . يقول ابن تيمية : وهذا من غير خلاف بين الصحابة، وهذا هو الذي يظهر, والله أعلم.

    وهذا مثل بيع المخططات العقارية فإنك تشتري القطعة من الأرض من غير رؤية ولا وصف, فتقول: أريد هذه الزاوية رقم مائتين وخمسة, أو مائتين وعشرة, أو مائتين وثلاثين من غير رؤية ولا وصف، لأن الوصف لا يمكن في العقار.

    ولهذا قال العلماء: لا يصح السلم بالعقار؛ لأنه لا يمكن وصفه؛ ولأنك تصف الظاهر ولكن ما تصف الباطن، والقطعة التي بجوار بعضها عزاز وبعضها سهل، وأيضاً لم ترها، وقلنا: إن الراجح -والله أعلم- جوازه ولا يسع الناس في هذا الزمان في الغالب إلا هذا.

    كذلك بيع الأسهم, فإن الإنسان يشتري السهم من غير رؤية يعني: رؤية الشركة ولا وصفها ولم ير منها شيئاً فهذا لا بأس به إن شاء الله، لكن بعض الناس يضع شروطاً بحيث ينتفي من دعوى الخيار؛ لأننا قلنا: إذا اشترى المشتري واطلع على المبيع ورآه رؤية نافية للجهالة والغرر فهذا قد أسقط حقه الشرعي.

    بيع شيء معين لم يره المشتري أو جهله

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ فإن اشترى ما لم يره بلا وصف أو رآه وجهله بأن لم يعلم ما هو, أو وصف له بما لا يكفي سلماً لم يصح البيع؛ لعدم العلم بالمبيع، ولا يباع حمل في بطن ولبن في ضرع منفردين للجهالة، فإن باع ذات لبن أو حمل دخلا تبعاً ].

    قول المؤلف رحمه الله: (فإن اشترى ما لم يره بلا وصف أو رآه وجهله)، شخص باع شيئاً معيناً؛ لأن من اشترى ما لم يره إما أن يكون موصوفاً معيناً، وإما أن يكون موصوفاً غير معين, وصورة المسألة من اشترى ما لم يره يعني إذا قلنا: لم يره يعني: غير موجود حال العقد, إما أن يبيع شيئاً معيناً، أو شيئاً غير معين.

    فالمعين مثل أن تقول: أبيعك هذا الجوال جوالي أنا, أو أبيعك هذا الكتاب كتابي أنا، ثم أصفه فهذا يسمى معيناً, لكن ربما يكون عندي جوالات من هذا النوع فأقول: أبيعك جوال نوكيا رقم كذا عندي منه كثير، إذاً: أنا بعت معيناً أم غير معين؟ الجواب: أني بعت غير معين.

    فالمعين إما أن تراه, وإما أن يوصف لك، وإما ألا تراه ولا يوصف لك, فهذه ثلاثة أحوال, فإن بعت هذا المعين بلا رؤية انتقلنا إلى الثاني بلا رؤية ولا وصف فقد اختلف العلماء على قولين:

    القول الأول: لا يصح؛ قالوا: لأن (النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر), ولا شك أن من اشترى ما لم يره ولم يوصف فإن ذلك غرر, ولأجل هذا منعوا ذلك, ووافقهم على ذلك المالكية والشافعية.

    القول الثاني: قالوا: إن من اشترى ما لم يره ولم يوصف له إن كان معيناً فلا بأس ولو من غير رؤية ولا وصف, وقلنا: هذا مذهب أبي حنيفة , وهو قول الصحابة؛ فقد روى عبد الرزاق و البيهقي بسند جيد: أن عثمان رضي الله عنه باع أرضاً أو قصراً له بالكوفة إلى طلحة بن عبيد الله , فقال طلحة بعدما أبرم العقد: لي الخيار اشتريت ما لم أره, قال عثمان : لي الخيار بعت ما لم أره, فتقاضيا عند جبير بن مطعم فقضى به لـطلحة .

    وجه الدلالة: أن جبير بن مطعم رضي الله عنه حينما قضى به لـطلحة دل على صحة العقد إذ لا يمكن وجود خيار في البيع إلا بعد صحة العقد؛ لأن الخيار تبع لصحة العقد، فلو بطل العقد بطل جميع آثاره, ومن آثاره الخيار, وهذا هو الظاهر والراجح.

    وقلنا: مثله مثل بيع المخططات العقارية فإنك تشتري القطعة من الأرض بناءً على المخطط، فتذهب إلى صاحب المكتب العقاري وتقول: أريد هذه الزاوية برقمها كذا من المخطط في حي الفلاح أو حي الغدير أو حي الربيع أو غير ذلك من الأحياء.

    ومن ذلك أيضاً: بيع الأسهم من غير رؤية ولا وصف, وذلك جائز, وللمشتري الخيار، فإن كان يمكن للمشتري أن يراه أو أن يطلع على وصفه إلا أنه ترك ذلك، فيستطيع البائع أن يخرج من درك ذلك بأن يقول: وقد اطلع المشتري على المبيع ورآه رؤية نافية عن الجهالة والغرر، بحيث لا يستطيع أن يرجع عليه، يصح البيع وبطل الخيار؛ لأنه هو الذي فرط على نفسه.

    قال المؤلف رحمه الله: (بلا وصف أو رآه وجهله)، وهذا هو المعين.

    بيع شيء غير معين لم يره المشتري أو جهله

    أما غير المعين فهذا الذي يسمى عندنا الموصوف في الذمة, فلا بد في الموصوف في الذمة من شروط السلم، وسوف يأتي باب السلم؛ لأجل ألا تشتبك الأسلاك عند بعضها.

    قال المؤلف رحمه الله: (أو رآه وجهله بأن لم يعلم ما هو)، أي رأى الشيء لكن لا يعرف ما هو, إما أن يكون في صندوق, وإما أن يكون مغلفاً في أوراق, أو لا يعرف كنهه.

    قال المؤلف رحمه الله: (أو وصف له بما لا يكفي السلم)؛ لأن الوصف الذي لا ينضبط كعدمه، وإذا عدم الشيء من غير رؤية ولا وصف صار مجهولاً، وقد اختلف العلماء في حكمه، فالقول الأول: عدم صحة البيع بلا رؤية ولا وصف، وهذا مذهب الحنابلة؛ ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (لم يصح البيع؛ لعدم العلم بالمبيع).

    والقول الثاني: صحة البيع بلا رؤية ولا وصف مع وجود الخيار للمشتري، واستدلوا بقولهم: (عدم العلم بالمبيع) فهذا لا يخلو من إجمال, فإن كانوا يقصدون عدم العلم بالكلية فهذا غير صحيح؛ لأنني حينما أشتري أرضاً لم توصف ولم تر فقد علمت أنها أرض وليست سيارة, فعدم العلم بالكلية غير واقع، أما تفاصيل المعلوم المعين فهذا لا يلزم منه بطلان العقد ودعوى الغرر منتفية بوجود الخيار للمشتري.

    1.   

    صور من بيوع الغرر

    بيع حمل في بطن ولبن في ضرع منفردين

    قال المؤلف رحمه الله: (ولا يباع حمل في بطن ولبن في ضرع منفردين)، الحمل: وهو الذي في بطن أمه، ولا شك أن بيعه فيه جهالة؛ لأنه يمكن أن يموت في بطن أمه ولا يحيا فيصير غرراً, فقد دفع الإنسان مالاً ولم يحصل على عوضه، ولو بيع الحمل في البطن فسوف يباع بأقل من ثمنه، فإذا دخل الإنسان في هذه العملية فإنه يكون مقامراً، والقمار: هو القاعدة التي يدخل فيها أحد المتعاقدين بين الغرم المتحقق، أي الخسارة المتحققة, وبين الغنم المتوقع.

    ولا شك أن أحدهما رابح والآخر خاسر, والبيع في الجملة أن يكون كلاهما رابح, هذا ربح بيع مبيعه, وهذا ربح الانتفاع بثمنه, أما أن يدخل في هذه الموازنة الميسرية غنم متوقع وغرم متحقق فهذا هو الغرر الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم.

    قال المؤلف رحمه الله: (فإن باع ذات لبن)، يعني: باع شاة في ضرعها لبن, أو باع شاة في بطنها حمل، يقول المؤلف: (دخلا تبعاً)، أي دخل اللبن والحمل تبعاً لأمه, فهذا جائز ولو زيد في الثمن لأجل الحمل ولأجل اللبن؛ لأن المعقود عليه هو الشاة واللبن ودخل اللبن تبعاً؛ لأنه يجوز تبعاً ما لا يجوز استقلالاً، وهذه قاعدة معروفة عن الفقهاء وقد استدلوا بأدلة منها: أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( من باع شجراً وله ثمر فثمرتها للذي باعها إلا أن يشترطه المبتاع )، وفي حديث ابن عمر : ( من باع نخلاً بعد أن تؤبر -يعني: بعد أن لقح- فثمرتها للذي باعها إلا أن يشترطها المبتاع )، وجه الدلالة: أنه لا يجوز بيع الثمر المؤبر حتى يحمار أو يصفار؛ لما في الصحيحين من حديث أنس , ومن حديث ابن عمر , أما وقد بيعت مع أصولها فجاز في دخولها تبعاً لأصلها، وقال صلى الله عليه وسلم: ( من باع عبداً وله مال فماله لسيده إلا أن يشترطه المبتاع ).

    وجه الدلالة: أنه من المعلوم أن بيع المال لا بد أن يحصل فيه المصارفة والقبض, أما وقد دخل تبعاً لنفس هذا المولى فيجوز تبعاً ما لا يجوز استقلالاً.

    ومن صور هذا البيع التي أحياناً تمنع الجهالة في المعقود عليه لكن لما دخل تبعاً لأصل معين أكبر منه خففنا في هذا الغرر مثل التأمين، فالتأمين لا يجوز, لكن قد يدخل التأمين في أصل السيارة تبعاً, يعني: الذين يستأجرون إيجاراً أو البيع بالتمليك مؤجراً عليه بالتأمين التجاري، فنقول: لا بأس؛ لأن التأمين دخل تبعاً لأصل السيارة, والله أعلم.

    بيع مسك في فأرته

    قال المؤلف رحمه الله: [ولا يباع مسك في فأرته أي: الوعاء الذي يكون فيه للجهالة, ولا نوى في تمر للجهالة، ولا صوف على ظهر لنهيه صلى الله عليه وسلم عنه في حديث ابن عباس ، ولأنه متصل بالحيوان فلم يجز إفراده بالعقد كأعضائه, ولا بيع فجل ونحوه مما المقصود منه مستتر بالأرض قبل قلعه للجهالة].

    كل هذه الأمثلة داخلة في قاعدة أن يكون المبيع معلوماً برؤية أو وقف.

    قال المؤلف رحمه الله: (ولا يباع مسك في فأرته)، فأرة المسك تكون بناحية من ناحية الغزال إذا جرى تخرج من رأسه أو من مكان آخر بسبب هذا الزيت يتجمع ثم يؤخذ من هذا بفأرته، فيسمى مسك في فأرته، فالفأرة هي: الحافظة لهذا المسك.

    المؤلف يقول: لا يجوز بيع هذا المسك الذي في الفأرة؛ لأنك لا تعلم كثرته ولا تعلم نوعه ومقداره, فيكون في ذلك جهالة، ولا شك أن هذا داخل في الغرر؛ ( لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر )، فلو قلت: أبيعك ما في جيبي فهذا لا يصح، لأن جيبك ربما يكون فارغاً، وربما فيه شيء قليل، وربما يكون فيه أقل من المبلغ أو أكثر، وهذا لا شك أنه غرر.

    ومن ذلك: ما يفعله بعض الشباب الأغرار فكل واحد منهم يخبئ ساعته عن صاحبه ويقول له: قامر ومعنى قامر أي: ساعتي بساعتك، فلربما كانت ساعة هذا (رولكس), وكانت ساعة هذا (كاسيو), فيكون فيه غرر، وهذا لا شك أنه منهي عنه، ومدعاة للنزاع والتنازع والتناحر.

    قال المؤلف رحمه الله: (في فأرته أي: الوعاء الذي يكون فيه للجهالة)، يعني: لما فيه من جهالة القدر وجهالة النوع، فالمسك أنواع.

    بيع النوى في تمره

    قال المؤلف رحمه الله: (ولا نوى في تمره)، فلو أراد إنسان شراء التمرة بما فيها النوى فلا بأس لدخول النوى تبعاً، أما لو اشترى النوى فقط فلا يجوز بيع النوى الذي في التمر حتى يُرى ويخرج؛ لأن النوى أحياناً يقصد لأكل البهائم, فنوى مثل نبتة السكري ليس مثل نوى نبتة الحشيشي, فهذا إذا اشترى النوى في تمر دون قصد التمر فإن ذلك جهالة؛ لأنه مثل بيع المسك الذي في فأرته، أما لو شاهده مفتوحاً يعني أخذ التمر وبدأ يفتحه لرؤيته أو رؤية بعضه, فهذا لا بأس, والله أعلم.

    بيع الصوف على الظهر

    قال المؤلف رحمه الله: (ولا صوف على ظهر)، الصوف الذي في ظهر الشاة مثلاً أو البعير فقد اختلف العلماء على قولين:

    القول الأول: ذهب الحنابلة إلى عدم جواز بيعه حتى يجز, فإذا جز جاز بيعه, أما وجوده في ظهر الدابة فإنه لا يعلم قدره.

    والقول الثاني في المسألة: لا بأس ببيعه بشرط جزه لأنه يرى، والأولى أن يباع الصوف بشرط جزه حالاً، فإن تفرقا فالقول بصحته فيه إشكال؛ لأنه مثل الجمل أحياناً وقت الصيف يتساقط، فلو اشتريته اليوم ثم جئت من الغد وقد تساقط هذا الصوف بسبب احتكاكه بالجدران والأعمدة فإن ذلك يقلل من الوبر الذي اشتريته به, فلأجل هذا فيه جهالة وغرر بالمقدار، فأما إذا اشتراه بشرط جزه حالاً فلا بأس بذلك، وهو رواية عند الحنابلة, والله أعلم.

    وأما الحديث الذي جاء عند الدارقطني وغيره من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يباع صوف على ظهر )، فهذا حديث ضعيف جداً، وذلك لأن في سنده رجلاً يقال له: عمر بن فروخ وهو ضعيف لا يحتج به.

    والأحسن في هذا الباب إنما هو من قول ابن عباس , كما أشار إلى ذلك الإمام البيهقي ، وقول ابن عباس في هذا هو خوف خشية جهالة المقدار وليس جهالة المبيع؛ لأنه يعرف الخرص, لكن المقدار لا تعلمه، فلو بيع على الظهر فربما خفي المقدار.

    فلو قال قائل: هل العبرة بصحة العقد؟

    فالجواب: أن العبرة ليست بصحة العقد، ولكن العبرة بشرط جزه حالاً، فيأتي بالمكينة ليجز الصوف؛ لأنه مثل بيع الصبرة ومعلوم أن الصبرة لا يعلم قدرها فلا بأس بها إذا رؤيت وهذا مثله.

    قول المؤلف: (ولأنه متصل بالحيوان فلم يجز إفراده بالعقد كأعضائه)، هذا تعليل القول الأول أي: لأجل النهي عن بيعه.

    والقول الثاني: أنه إذا اشترط جزه فلا بأس لأمور:

    أولاً: لأن المعقود عليه معلوم برؤية, وأما جهالة المقدار فهي جهالة يسيرة مغتفرة مثل بيع الصبرة من الطعام.

    ثانياً: أن قياسه بأعضاء البهيمة محل نظر؛ وذلك لأنه ربما يصعب القدرة على تسليمه، فأنا ربما آخذ البهيمة ولا أعطيك أعضاءها ولا أذبحها؛ ولأنها غير معلومة في الرؤية؛ لأنني حينما أشتري أعضاء البهيمة أشتري اللحم واللحم غير معلوم, وأحياناً يكون كله شحماً, فأما الصوف الذي يجز فإنه يرى, والله أعلم.

    بيع المغيبات في باطن الأرض

    قال المؤلف رحمه الله: (ولا بيع فجل ونحوه)، معنى ونحوه أي: وما يكون داخلاً فيه مثل الفجل، وهذا ما يسمى بيع ما في باطن الأرض أو بيع المغيبات كالفجل والجزر والبطاطا وغير ذلك من الأشجار, فيقول المؤلف: (مما المقصود منه مستتر بالأرض) فلا يجوز بيعه قبل خلعه، لا بد أن يقلع فيباع، أما لو اشتري بالحقل فإن جمهور الفقهاء يمنعون من ذلك لأجل الجهالة، وهذا مذهب الحنابلة, وتبعهم على ذلك الحنفية والشافعية.

    القول الثاني في المسألة قالوا: إذا قلنا: إن من شروط البيع أن يكون المبيع معلوماً فإن أهل الخبرة يعلمون ما في باطن الأرض بما في أوراقه في الظاهر, فينظرون إلى الجزر فيعلمون نضجه وحسنه بشجره, وكذلك الفجل وكذلك البطاطا, قالوا : فهذا جائز عند أهل الخبرة.

    فأحياناً يحتاج الإنسان أن يبيع مثل ذلك, فيكون عندك مرشان أو ثلاثة مرشات أو أربعة مرشات أو عشرة مرشات، فيأتي تاجر الثمر فيقول لصاحب المزرعة: أنا أريد أن أشتري منك هذا الحقل أو هذا المرش وعلي حرثه، وهو يعرف نضجه وحسنه, إما أن يعرف بحسن الشجرة وأخذ بعض الأشياء من الحقل فيصلح له ذلك، وأهل الخبرة يقولون: ومعرفة بعض المعقود عليه ككله مثل صلاح بعض الثمر في الحقل صلاح لكله.

    هذه الصورة واقعة جوزها مالك رحمه الله و أبو العباس بن تيمية و ابن القيم قالوا: ولا يسع الناس إلا ذلك، قالوا: ودعوى الجهالة والغرر إنما هي في حق من لا يحسن ذلك، وأما في حق أهل الخبرة فإنهم يعلمونها علماً جيداً، فقالوا: إذا رئي بعضها فهذا علامة على صحة غالبها أو كلها؛ ولأن بيعه قبل قلعه من المصلحة التي يقتضيها واقع الناس، وذلك أن بيعه قبل قلعه أحياناً يتعذر أو يتعثر.

    فالله سبحانه وتعالى جعل الناس طبقات, فبعضهم ما عنده إلا مرش وزرع, فيزرع هذا الحقل جزراً أو يزرعه بطاطا, لكن ما عنده آلات حرث كل قد علم مشربه, فهو يريد أن يبيع هذا الحقل؛ لأن تكلفة حرثه يكلفه مالاً, ولا يجد أحياناً من يقرضه, فيأتي إلى تاجر زراعة الفواكه والثمار فيبيعه إياها على أن له أن يحرثها، فيأتي صاحب المشتري, واليوم يحرث هذا الحقل، واليوم الثاني يحرث هذا الحقل, فبقاؤه في بطن الأرض أسمح وأسهل من خارجه, فهذا فيه منفعة، ومثل البصل الذي يكون في الأرض, فهذا لا بأس به, والله أعلم.

    وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مواد ذات صلة

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767954521