إسلام ويب

الروض المربع - كتاب البيع [16]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الشروط الفاسدة في البيع هي التي تخالف مقتضى العقد على القول الراجح، وهذه الشروط الفاسدة قد تكون مفسدة لعقد البيع كاشتراط عقد معاوضة أو اشتراط عقد تبرع ونحو ذلك.
    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:

    فكنا قد توقفنا عند النوع الثاني أو الضرب الثاني من أنواع الشروط, وقلنا: إن الشروط منها ما هو صحيح, ومنها ما هو فاسد, وذكرنا أن الصحيح ثلاثة أنواع, وقلنا: إن النوع الأول: هو شروط من مقتضى العقد فوجودها كعدمها إلا أن وجودها من باب التأكيد, والثاني: شروط من مصلحة العقد, والثالث: شرط بائع أو مشتر نفعاً معلوماً في مبيع.

    وقلنا: إن النوع الثالث جائز عند الحنابلة ممنوع عند الجمهور، ويشترط الحنابلة أن يكون شرطاً واحداً فلا يزيد, فإن زاد فإنه داخل في حديث: ( لا شرطان في بيع ), وذكرنا أن معنى الحديث قد اختلف العلماء في تفسيره، فبعضهم يفسره على أنه بيع العينة كما هو اختيار ابن تيمية و ابن القيم , وبعضهم يفسره على أنه نوع من أنواع الصفقتين في صفقة، وهو أن يقول: أبيعك هذا بعشرة حالة أو بعشرين مؤجلة ثم يتفرقان ولا يذكران أي البيعتين اتفقا عليها.

    والقول الثالث: أن معنى ( لا شرطان في بيع ) هو كل معاملة أو صفقة فيها ربا أو جهالة يشترط فيها أمران, وهذه تدخل فيها العينة وتدخل فيها الصفقتان في صفقة وغير ذلك, ولعل هذا أظهر والله أعلم, وأن تفسير السلف في ( لا شرطان في بيع ) هو قول: أبيعك هذا عشرة حالة أو بعشرين مؤجلة، إنما هو من باب بعض أفراد العام, وأن بيع العينة تدخل فيه, فليس ثمة تفسير واحد يناط إليه, وإنما هي قاعدة عامة تدخل في كل ما كان فيه شرطان من ربا أو جهالة أو غرر, وهذا الذي يظهر والله أعلم.

    وسنتحدث الآن عن القسم الثاني وهي: الشروط الفاسدة, وهي على قسمين:

    القسم الأول: شروط فاسدة مفسدة للعقد, والقسم الثاني: شروط فاسدة غير مفسدة للعقد.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والضرب الثاني من الشروط أشار إليه بقوله: (ومنها فاسد) وهو ما ينافي مقتضى العقد، وهو ثلاثة أنواع: أحدها: (يبطل العقد) من أصله (كاشتراط أحدهما على الآخر عقداً آخر كسلف) أي: سلم، (وقرض وبيع وإجارة وصرف) للثمن أو غيره وشركة، وهو بيعتان في بيعة المنهي عنه، قاله أحمد ].

    قول المؤلف: (ومنها فاسد), ثم بين مراد الفاسد فقال: (وهو ما ينافي مقتضى العقد), أي: كل ما ينافي حكم العقد، من حيث أن حكم العقد يفيد تصرف كل من آل إليه شيء يتصرف به كيفما شاء كتصرف الملاك, فإن اشترط عليه خلاف ذلك صار فاسداً، فالبائع آل إليه الثمن فيتصرف فيه كما شاء, والمشتري آل إليه المثمن, فيتصرف فيه كما شاء, هذا معنى مقتضى العقد.

    وقد قلت: إن جمهور أهل العلم يقولون: يخالف مقتضى العقد، وناقش أبو العباس بن تيمية هذه القاعدة وقال: فرق بين مقتضى العقد وبين مقصود العقد, وقال: إن كل شرط خالف مقتضى العقد ولم يخالف مقصوده فإن هذا لا بأس به, واستدل على ذلك بما رواه ابن أبي شيبة أن عبد الله بن مسعود اشترى من امرأته جارية على أنه متى ما باعها فهي أحق بها، يعني: بالثمن, فسأل عمر فقال: لا تمسها وفيها شرط لأحد, فـعمر منع الاستمتاع وجوز العقد, مع أن العقد فيه تقييد لحرية المالك, فدل ذلك على أن ثمة فرقاً بين مقصود العقد ومقتضى العقد, وأما مقصود العقد فكل شرط يعود على أصل العقد بالإبطال, فصار ذلك فاسداً, والله أعلم.

    ومثاله: كل شرط في عقد البيع يعود إلى إبطاله, كشرط الربا وشرط الضمان على خلافه, فمن المعلوم أن ضمان العين المباعة بعد قبضها من ضمان المشتري, فإذا جعلت على البائع صار عقده يعود إلى أصل العقد بالإبطال؛ لأنها صارت بمثابة إذا أنا أعطيت المشتري المعقود عليه وقال المشتري: ترى ضمانها عليك أيها البائع, فهنا صارت إجارة؛ لأن الإجارة هي: العين ملك المؤجر والمنفعة ملك المشتري, فمتى وجد شرط يفصل الضمان عن الملكية صار بمثابة الإجارة. إذا ثبت هذا فأننا نقول: إن الفاسد هو كل ما يخالف مقصود العقد, وكل ما يخالف مقتضى العقد؛ لأن مقتضى العقد على مذهب الجمهور الحنابلة, ومقصود العقد على مذهب ابن تيمية , وابن تيمية يقول: ليس هناك شيء اسمه شرط فاسد والعقد صحيح, ويقول: ليس هناك شرط إلا أن يبطل وإلا يبطل معه العقد, فيقال لمشترطه: إما أن تبطل الشرط وإلا بطل العقد, أما أن يصح العقد ويبطل الشرط فيقول ابن تيمية : إن ألزمتموه بالعقد مع بطلان الشرط فهذا دخل فيه العاقد بالإكراه, فلا يصح معه هذا, فيقال: يبطل, أما أن بعض الشروط التي يسميها فاسدة فيقول ابن تيمية : فهذه ليست بفاسدة؛ لأنها لا تخالف مقصود العقد وإن خالفت مقتضى العقد, أما الحنابلة فيقولون: مقتضى العقد يشمل أمرين: ما يخالف مقصوده فيكون فاسداً مفسداً, وما يخالف مقتضاه فيكون فاسداً غير مفسد.

    إذاً الحنابلة يقولون: إن الفاسد كل ما خالف مقتضى العقد, سواء خالف مقصوده أم لم يخالفه, فإن خالف مقصوده صار فاسداً مفسداً, وإن لم يخالف مقصوده صار فاسداً غير مفسد, وابن تيمية يقول: ليس هناك شيء اسمه فاسد غير مفسد، يقول: الفاسد مفسد، وما سميتموه فاسداً غير مفسد يقول: هذا ليس بفاسد كما سوف يأتي إن شاء الله.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088796351

    عدد مرات الحفظ

    779097774