الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين.
مشاهدينا الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلاً ومرحباً بكم في درس جديد من دروس الأكاديمية العلمية، يأتيكم هذا الدرس على الهواء مباشرة من استوديوهاتنا بمدينة الرياض، ضيفنا في هذا اللقاء هو فضيلة الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي ، عضو هيئة التدريس بقسم الفقه المقارن بالمعهد العالي للقضاء لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
لا زلنا وإياكم مع شيخنا في تواصل في شرح كتاب الحج من متن عمدة الفقه لـابن قدامة المقدسي فأهلاً ومرحباً بالجميع، وباسمكم جميعاً أرحب بضيفنا الكريم! فحياكم الله دكتور عبد الله .
الشيخ: حياكم الله وبالإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات.
المقدم: أيضاً أرحب بالإخوة الحاضرين معنا في الأستوديو فأهلاً ومرحباً بكم، أرحب بجميع الإخوة والأخوات على موقع الأكاديمية والذي من خلاله أسعد باستقبال أسئلتكم واستفساراتكم وعرضها على ضيفنا الكريم، كما أرحب بجميع الإخوة والأخوات المشاهدين والمشاهدات وأسعد باستقبال اتصالاتكم وعرض أسئلتكم من خلاله على ضيفنا، وعلى بركة الله نستهل درسنا.
يقول المؤلف رحمه الله: [ ولو أحرم بالحج ثم أدخل عليه العمرة لم ينعقد إحرامه بالعمرة، فإذا استوى على راحلته لبى فقال: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك. ويستحب الإكثار منها ورفع الصوت بها لغير النساء، وهي آكد فيما إذا علا نشزاً أو هبط وادياً أو سمع ملبياً أو فعل محظوراً ناسياً أو لقي ركباً وفي أدبار الصلوات المكتوبة وبالأسحار وإقبال الليل والنهار ].
اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً وعملاً يا كريم!
وبعد:
أحبتي الكرام! وصلنا إلى قول المؤلف: (ولو أحرم بالحج، ثم أدخل عليه العمرة لم ينعقد إحرامه)، وتحدثنا عن بعض المسائل، وللفائدة ذكرت بعض الأخوات في آخر الدرس أنها لم تفهم معنى القران، وأحب بادئ ذي بدء أن أذكر صفة التمتع ثم صفة الإفراد، ثم صفة القران على عجل.
الأول: التمتع، وهو كما ذكره المؤلف: هو أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج: في شوال، أو في ذي القعدة، أو في عشر ذي الحجة، ثم ينتهي منها، ثم يهل بالحج في عامه، بمعنى: أن يأخذ عمرة مستقلة يطوف، ثم يسعى، ثم يقصر، ثم بعد انتهاء العمرة وتحلله من إحرامه يبقى حلالاً ويلبس ثيابه ويتطيب، وله أن يأتي أهله، ثم بعد ذلك إذا كان ضحى يوم الثامن يهل بالحج فيقول: لبيك حجاً، هذا يسمى تمتعاً.
الثاني: الإفراد، ومعنى الإفراد: أن يقول من ميقاته أو من الميقات الذي مر منه، وقد لبس ثياب الإحرام: لبيك حجاً، لبيك اللهم لبيك، ويستمر على تلبيته حتى يصل إلى الحجر الأسود، فإذا استلمه انقطع من تلبيته، ثم يطوف سبعة أشواط ثم بعد ذلك يصلي ركعتين، ثم يذهب إلى الصفا والمروة، فيسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط، على أنه سعي لحجه، ثم بعد ذلك يبقى في إحرامه ولا يجوز له أن يتحلل إلا إذا قلبه إلى عمرة، فيبقى على ذلك حتى يوم العاشر وهو يوم العيد، فإذا رمى جمرة العقبة وحلق أو قصر فقد شرع في التحلل الأول، فإن طاف بعد ذلك فقد تحلل التحلل الثاني، ويكون بذلك قد حج وأكمل حجه، ولم يبق عليه إلا بعض الواجبات المنوطة به في أيامها؛ وهي أيام التشريق، هذا يسمى مفرداً.
الثالث: القارن: وله حالتان:
الحالة الأولى: أن يسوق الهدي، أو لم يسق الهدي، ومعنى سوق الهدي: أن يشتريه من الميقات، أو يأمر أحداً يشتري له من الميقات، أو قبل الميقات في بلده أو غير ذلك، فبمجرد مسيره بالهدي من الميقات إلى منى سواء عن طريقه أو عن طريق وكيله يكون قد ساق الهدي.
وإذا كان معه هدي فيقول: لبيك عمرة وحجاً، ويعمل مثل أعمال المفرد، بمعنى أنه يستمر على تلبيته حتى يمس الحجر الأسود، فيطوف طواف القدوم سبعة أشواط، ثم يصلي ركعتين، ثم يذهب إلى الصفا والمروة، فيسعى سبعة أشواط على أنه سعي لحجه وعمرته جميعاً، وبهذا يفارق المفرد، لأن المفرد سعى سعي الحج فقط، أما القارن فسعيه لحجه وعمرته جميعاً، ثم بعد ذلك يبقى على إحرامه، ويفعل أفعال النسك من الذهاب إلى منى، ثم إلى عرفات، ثم إلى مزدلفة، وهو باق على إحرامه، وكذا المرأة باقية على إحرامها، ثم بعد ذلك إذا جاء يوم العيد ورمى جمرة العقبة ثم حلق أو قصر فقد تحلل التحلل الأول، ثم بعد ذلك يتحلل التحلل الثاني كما سوف يأتي مفصلاً في ذلك، هذا الحال الأولى.
الحالة الثانية: هو ألا يسوق الهدي، بأن يقول: لبيك عمرة وحجاً، فيدخل في الحج والعمرة جميعاً، وهو بالخيار بين أن يقول عند الميقات: لبيك عمرة وحجاً، أو يقول: لبيك عمرة، ثم يدخل عليها الحج أثناء الطريق، ويستمر فيطوف، ثم بعد الطواف يصلي ركعتين، ثم يسعى على أنه سعي لحجه وعمرته جميعاً، ثم يبقى في إحرامه حتى يكون يوم العيد، فإذا رمى جمرة العقبة وحلق أو قصر فقد تحلل التحلل الأول، مع بعض الأنساك التي سوف يفعلها من الوقوف بعرفة، ثم مزدلفة وغير ذلك.
وهنا: أحب أن أنبه إلى أن بعض الأخوات خاصة: إذا شق ذلك عليها -وعليها حينئذ القران- أن تذبح هدياً إذا لم تكن قد ساقته فتذبح هدياً، فتشارك المتمتع بالهدي ونية العمرة، وتفارق المتمتع بأن المتمتع يأخذ عمرة مستقلة، وحجاً مستقلاً، أما القارن: فيدمجهما، أي: يدخلهما في بعض، ويوافق القارن المفرد في أعمال الحج، بأن يكون عملهما في الظاهر واحد، إلا في شيء واحد وهو الهدي.
المؤلف رحمه الله قال: (ولو أحرم بالحج). يعني يقول: لبيك حجاً.
(ثم أدخل عليه العمرة) يعني: كان مفرداً، ثم أدخل عليه العمرة ليكون قارناً، فهنا يقول المؤلف: (لم ينعقد إحرامه)؛ لأنه لم يستفد شيئاً؛ لأن الإفراد أفضل من القران الذي لم يسق معه هدياً، أما لو كان ساق الهدي فإنه يقول: لبيك عمرة وحجاً، أو يقول: لبيك حجاً وهو لم يعلم ثم يدخل عليه الحج.
وهنا يقول المؤلف: (لم ينعقد إحرامه)، وهذا قول الأئمة من المالكية والشافعية والحنابلة، خلافاً لـأبي حنيفة ، ولا داعي لبيان سبب مخالفة أبي حنيفة حتى لا يشكل على كثير من المستمعين والمستمعات.
سبق معنا خلاف أهل العلم: متى يدخل المحرم في النسك: هل بعد الصلاة، أو إذا استوت به راحلته، أو عند البيداء؟ أما هنا: فمتى يشرع في التلبية، وهناك فرق بين الدخول في النسك، والشروع في التلبية، فقد تدخل في النسك ولكنك لا تشرع في التلبية، والأقرب -والله أعلم- أن الدخول في النسك هو شروع في التلبية، فمن قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم دخل في العمرة، أو دخلت العمرة والحج من حين صلى الظهر كما هو مذهب الحنابلة والحنفية، استدلالاً بما جاء عند الإمام أحمد و أبي داود و النسائي من حديث أنس أنه قال: ( فأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما صلى الظهر بالعمرة والحج جميعاً )، وهذا الحديث رجاله رجال الصحيح، غير أشعث بن عبد الملك الحمراني وهو ثقة صالح، كما قال الإمام أحمد و يحيى بن سعيد القطان وغيرهم.
وعلى هذا فيلبي من حين دخول النسك وهو من حين أداء صلاة الفريضة أو النافلة.
المؤلف هنا قال: (فإذا استوى على راحلته لبى)، أخذ بالقول الثاني وهو قول مالك : أن الشروع في التلبية من حين استوائه على راحلته، واستدل على ذلك بما جاء في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استوت به راحلته قائمة عند المسجد أهل بالحج فقال: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة )، الحديث، وهذا الحديث متفق عليه، والأقرب -والله أعلم- أن الأولى: أن الإنسان يلبي حينما تستوي به راحلته، فإذا ركب سيارته منطلقاً من الميقات الذي حاذاه أو من ميقات بلده، أو من الميقات الذي مر عليه فإنه والحالة هذه يلبي، وهذا هو رواية ابن عمر كما جاء في الصحيحين، ورواية الصحيحين أظهر، والله أعلم.
يقول المؤلف: (فإذا استوى على راحلته لبى فيقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك).
المعنى الأول: لبى مأخوذ من ألب الإنسان بالمكان يعني أقام فيه، فكأنه يقول: أنا مقيم على طاعتك وانقياد أمرك مرة بعد مرة، وإقامة بعد إقامة، ولبيك تثنية، فائدتها: أنه من باب التكرار، أي: أنا مقيم على طاعتك إقامة بعد إقامة، كما تقول حنانيك يعني: أنا أرحمك مرة بعد مرة. حنانيك مثل لبيك.
إذاً: هو نوع من الانقياد والطاعة والابتهال والانشراح للعمل، فكأنك تقول: أنا موافق على ما تأمر به، وما تنهى عنه، ومطيع لأمرك، ومنقاد لنهيك مرة بعد مرة، بلا ملل ولا كلل، ولا نصب ولا تعب، وهذا فيه نوع من الانقياد، وإثبات التوحيد لله سبحانه وتعالى.
المعنى الثاني: هو أن معنى لبيك: استجابة لدعاء إبراهيم عليه السلام، كما روى الحاكم في مستدركه وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وإن كان في سنده بعض الضعف -وهو من قول ابن عباس -: إن إبراهيم عليه السلام لما بنى البيت قال الله له: يا إبراهيم! أذِّن، قال: يا رب! وكيف يسمعني البعيد؟ قال: أذِّن وعليَّ البلاغ، قال: فأذن إبراهيم فقال: يا أيها الناس! إن الله كتب عليكم الحج فحجوا، فسمعها من في السماء والأرض، قال ابن عباس : ألا ترى الناس يأتون من أقطار بعيدة يلبون. انتهى كلامه رضي الله عنه.
وقوله: (لا شريك لك).
يعني: أنك الواحد الأحد، الصمد، لا شريك لك في كمالك سبحانك، ولا شريك لك في أمرك، ولا شريك لك في نهيك، ولا شريك لك في انقيادي لطاعتك، وهذا فيه نوع من التوحيد والابتهال لله سبحانه وتعالى ما لا يخفى.
ثم يقول: (إن الحمد والنعمة لك والملك)، هنا: إن الحمد، الأجود والأفصح: كسر (إن)، كما أشار إلى ذلك جماعة من أهل العلم كـأحمد رحمه الله، ومن أئمة اللغة كـثعلب وغيره، قالوا: من كسر فقد عم، ومن فتح فقد خص؛ كيف ذلك؟ قالوا: إن العبد إذا قال: إن الحمد والنعمة، فهنا صارت (إن) ابتدائية، وصار الحمد لله سبحانه وتعالى على كل حال، فإذا قلت: لا شريك لك تقف، ثم تقول: إن الحمد والنعمة لك والملك، يعني: فكأنك تحمد ربك في جميع الأشياء، في السراء، والضراء، وفي النعم المسداة إليك.
وكان أنس -كما عند الدارقطني وروي مرفوعاً والصواب وقفه على أنس - يقول: لبيك حقاً حقاً، تعبداً ورقاً.
وروي عند الإمام أحمد من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( لبيك إله الحق لبيك )، ولكن هذا لا يصح مرفوعاً، ولهذا قال جابر : فأهل الناس بمثل الذي يهلون به، ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلبيته، وقد مر معنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال غير هذا كما جاء في صحيح البخاري من حديث أنس قال: ( حتى إذا كان على البيداء حمد الله وسبح وكبر ثم أهل بالحج والعمرة جميعاً )، هذا قول أنس ، كما عند البخاري في صحيحه، فهذا يدل على أن قول جابر: ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلبيته، يحتمل أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يسبح ويحمد الله ويكبر غير التلبية، وإن كانت التلبية هي جل فعله عليه الصلاة والسلام.
والتلبية مشروعة، وهي كما يقول ابن عباس رضي الله عنه: التلبية زينة الحج، وقد جاء في فضل التلبية أحاديث: منها ما جاء عند ابن ماجه بسند جيد، من حديث سهل بن سعد الساعدي : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما من مسلم يلبي إلا لبى من عن يمينه من حجر وشجر ومدر، حتى تنقطع الأرض من هاهنا وهاهنا )، وهذا فيه فائدة: أن المرء ينبغي له أن يرفع صوته بالتلبية حتى يشهد له كل حجر، وكل مدر، وكل شجر يوم القيامة، فقد جاء في الحديث: أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يرفعون أصواتهم بالتلبية، وهذا أمر آخر: وهو أنه يشرع للحاج والمعتمر أن يرفع صوته بالتلبية، كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أهل السنن من حديث خلاد بن السائب عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال والتلبية )، وهذا الحديث قال عنه الترمذي : هذا حديث حسن صحيح، وأما المشهور ( أفضل الحج: العج والثج )، والعج: هو رفع الصوت بالتلبية، والثج: هو كثرة إراقة الدم في الحج، فهذا الحديث لا يصح مرفوعاً، فقد رواه محمد بن المنكدر عن عبد الرحمن بن يربوع ، عن أبي بكر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، و محمد بن المنكدر لم يسمع من عبد الرحمن بن يربوع ، كما أشار الإمام أحمد و البخاري و الترمذي ، ومن رواه بغير هذا الإسناد فقد أخطأ، فقد جاء في رواية محمد بن المنكدر عن سعيد بن عبد الرحمن بن يربوع عن أبيه، بحيث يكون محمد سمع من سعيد ، ولكن هذه الرواية خطأ، والله أعلم.
أحسن الله إليكم، وردت يا شيخ! بعض الإجابات على أسئلة الدرس الماضي، أول إجابة كانت من الأخت خديجة من المغرب تقول: بالنسبة للسؤال الأول: الاشتراط في الحج أو العمرة مستحب، وفائدة الاشتراط أمران: أنه إذا عاقه عائق كمرض أو خوف أو الحيض والنفاس بالنسبة للمرأة فلهما التحلل من غير انحسار، والأمر الثاني: أنهم لا يلزمهم الدم، ولا الصوم، ولا الاستمرار في النسك، لكن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بهذا، لكنه لم يشترط في حجته؛ لأنه كان قادراً صلى الله عليه وسلم، إذاً: الأفضل بالنسبة للحاج أو المعتمر إن كان قادراً ألا يشترط، إلا إذا احتاج لذلك، والله أعلم.
الشيخ: الإجابة لهذا الاعتبار الذي أشار إليه ابن تيمية رحمه الله يكون هو الأقرب: أن الأفضل للقادر عدم الاشتراط ولو اشترط نفعه ذلك، ومن كان مريضاً فالسنة في حقه أن يشترط جمعاً بين فعله وقوله عليه الصلاة والسلام.
المقدم: اللهم صلي وسلم عليه، بالنسبة للسؤال الآخر تقول: حكم التلبية في الحج والعمرة مسنونة، ويكثر منها، ويرفع بها صوته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر برفع الصوت بها، تقول: ويستحب أن يبدأ بالتلبية إذا استوى على راحلته لما روى أنس و ابن عمر : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ركب راحلته واستوت به قائمة أهل )، رواه البخاري .
الشيخ: أحسنت.
المقدم: أيضاً أجابت أم الدحداح من السعودية تقول: حكم الاشتراط: مذهب الحنابلة أنه يستحب الاشتراط، سواء احتاج إليه أو لم يحتج، قالوا: وهو قول عمر و علي و عائشة رضي الله عنهم، وغير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وذكرت الفائدتين التي سبقت.
تقول: أما الإمام أبو حنيفة والإمام مالك رحمهم الله تعالى فذهبوا إلى أن الاشتراط لا يشرع ولا يصح، واستدلوا بما رواه النسائي عن عمر أنه نهى عن الاشتراط، وقال: ( حسبكم سنة نبيكم )، فإنه لم يشترط، أما الإمام الشافعي رحمه الله فذهب إلى أنه جائز ولا يشرع، فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر ضباعة ولم يشترط بنفيه، فدل أن تركه هو المستحب، واختار شيخ الإسلام قولاً وسطاً يجمع بين الأقوال: أنه إذا احتاج إليه الحاج أو المعتمر، أو خاف عدم إدراك العمرة أو الحج فإنه يشرع له الاشتراط، وإن لم يحتج لذلك لكونه قوياً فلا يشرع له الاشتراط.
يعني بذلك: أن التلبية تشرع للحاج مطلقاً، وهي آكد يعني: تستحب استحباباً أكيداً في أمور:
قال المؤلف: إذا علا نشزاً يعني: إذا علا مرتفعاً، والنشز: هو المكان المرتفع، (أو هبط وادياً) يعني نزل، (أو سمع ملبياً)، ومعنى سمع ملبياً حتى يتذكر بذلك.
(أو فعل محظوراً ناسياً) يعني إذا فعل محظوراً من محظورات الإحرام ناسياً فإنه يجب عليه أن يستغفر، وأن يزيل هذا المحظور، يقول المؤلف: وأن يلبي.
وكذا إذا لقي ركباً كأن يكون الناس في السيارة فلقوا ركباً آخرين فينبغي لهم أن يلبوا؛ لأنهم إذا لبوا فإن الآخرين سوف يلبون بتلبيتهم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده، لا ينقص ذلك من أجورهم شيء )، كما رواه مسلم من حديث جرير بن عبد الله البجلي.
يقول المؤلف: (وفي أدبار الصلاة)، فيشرع للحاج قبل رمي جمرة العقبة إذا سلم من الفريضة أن يلبي فيقول: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام! ثم يقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، يقولها مرة، أو مرتين، أو ثلاثاً، أو أربعاً، ثم بعد ذلك يكمل أوراده التي يقولها بعد أدبار الصلاة.
الأمر الآخر: بالأسحار، يعني في الليالي المتأخرة من الليل، يستحب له أن يلبي، وإقبال الليل والنهار، يعني: قبل غروب الشمس، أو حين غروب الشمس، وقبل طلوع الفجر، وحين طلوع الفجر، وقبل طلوع الشمس، وبعدها قليلاً.
المؤلف ذكر هذه الأشياء، ونحن متعبدون بالكتاب والسنة، وبما سار عليه سلف هذه الأمة؛ لأن الأمة إذا اجتمعت فإنها لا تجتمع على ضلالة، كما أشار إلى ذلك ابن عمر وروي مرفوعاً عند الترمذي ، وهو حديث جيد بمجموع الطرق: ( إن أمتي لا تجتمع على ضلالة )، والدليل على هذه الأشياء: هو ما رواه ابن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن سابط وهو من كبار التابعين، قال: كان السلف -يعني بذلك الصحابة وكبار التابعين- يستحبون التلبية في أربعة مواضع: في أدبار الصلاة، وإذا علوا نشزاً، أو هبطوا وادياً، وعند التقاء الرفاق، الذي أشار المؤلف إليه: أو لقي راكباً.
وروى البيهقي عن نافع : أن ابن عمر كان يلبي راكباً، ونازلاً، ومضطجعاً، وهذا يدل على أن كثرة التلبية وقت الحج أفضل من التسبيح والتحميد والتهليل، وأن التلبية من حين خروج المرء من الميقات إلى البيت أفضل من قراءة القرآن، وهذا يدل على أن الذكر المفضول في مكان أو زمان ربما يكون أفضل من الفاضل، وأنا أعجب من بعض الإخوة الذين يريدون الفضل، ويتركون التلبية، وربما تشاغلوا في أمور مفضولة! بل ربما تكون مباحة، بل ربما تكون مكروهة، أو في أمور محرمة والعياذ بالله، ولهذا ينبغي للحاج أن يكثر من التلبية، وليعلم أن التلبية في وقتها وزمانها ومكانها أفضل.
وقولنا: التلبية في زمانها ومكانها، دليل على أن التلبية إنما تشرع للحاج أو المعتمر دون أهل الأمصار، ومعنى أهل الأمصار هم الذين لم يحجوا ولم يعتمروا، فالأقرب -والله أعلم- كما هو رأي مالك أن التلبية في حق أهل الأمصار الذين لم يحجوا ولم يعتمروا غير مشروعة، ولو قيل بالكراهة كقول مالك لم يبعد؛ لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من الصحابة، وهم بسنة النبي صلى الله عليه وسلم أدرى، وباتباع الفضل والكمال أحرى، فالاقتداء بهديهم أقعد وأبرى.
هنا لم يذكر المؤلف دليلاً على أنه إذا فعل محظوراً ناسياً يلبي، والأقرب -والله أعلم- أن هذا ليس عليه دليل، لا من فعل الصحابة ولا عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكننا نقول: لعل المؤلف ذكر ذلك؛ لأنه فعل محظوراً خطأً، فالاستغفار لأجل هذا هو التلبية، يعني: كأنه قال: إن فعلي لمخالفة أمرك إنما كان عن جهل وعدم علم، فأنا الآن مقيم على طاعتك مرة بعد مرة، فهذا هو مراد المؤلف رحمه الله، ولا بأس، لكنا لا نقول إنه من السنة.
لعلنا هنا نكون قد انتهينا من هذا الفصل، ونبدأ بباب محظورات الإحرام.
الثالث: لبس المخيط، إلا أن لا يجد إزاراً فيلبس سراويل، أو لا يجد نعلين فيلبس خفين، ولا فدية عليه.
الرابع: تغطية الرأس والأذنان منه.
الخامس: الطيب في بدنه وثيابه.
السادس: قتل صيد البر، وهو ما كان وحشياً مباحاً، فأما صيد البحر والأهلي وما حرم أكله فلا شيء فيه، إلا ما كان متولداً من مأكول وغيره ].
محظورات الإحرام أي: الممنوعات في الإحرام؛ لأن الحظر يطلق على المنع، كما قال تعالى: وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا [الإسراء:20] أي: ممنوعاً، والحكمة من منع المحرم من الإتيان بهذه المحظورات التسع: هو الامتثال لأمر الله وأمر رسوله، وأعظم حكمة هي الانقياد، ثم تأتي التماسات الفقهاء بما فتح الله عليهم بذكر بعض المناسبات والعلل والحكم في أحكام الشريعة، لكن أعظم حكمة هي امتثال المأمور على ما أراده الله وأراده رسوله، ومن الحكم أن المرء يتذكر بلباسه هذا قدومه بين يدي الله سبحانه وتعالى؛ لأن الناس في لباسهم وطريقهم وهديهم سواء، لا فرق بين عربي وعجمي، ولا بين سيد أو غيره، ولا بين راع ومرعي، ولا بين قوي وضعيف، ولا بين رئيس ومرءوس، فالناس سواء، ولا تبقى الأفضلية إلا في شيء واحد وهي التقوى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13] ، ولهذا يمنع المحرم من فعل أشياء ربما لا نظن أنها فيها شيء مثل تقليم ظفر، أو قطع شعر، أو تغطية رأس، ولكنها نوع من الامتثال والانقياد لله سبحانه وتعالى.
المؤلف قال: (باب محظورات الإحرام) وذكر تسعة أشياء: وهي حلق الشعر، وقلم الظفر، وتغطية الرأس للذكر، ولبس المخيط، والطيب، وقتل الصيد، وعقد النكاح، والمباشرة دون الفرج، والوطء في الفرج.
المؤلف عمم فقال: حلق الشعر. ولم يقل: حلق الرأس، مما يدل على أن المحرم ممنوع من حلق الرأس وحلق شعر البدن، وأما حلق الرأس فإن الدليل على أنه محظور الكتاب، والسنة، وإجماع سلف هذه الأمة.
أما الكتاب: فقوله تعالى: وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ [البقرة:196].
وأما السنة: فكما جاء في الصحيحين من حديث عبد الله بن معقل قال: أتيت كعب بن عجرة وهو في المسجد فسألته عن قول الله تعالى: فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة:196] ، قال: نزلت في هذه، كان بي أذى في رأسي، فحملت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي، فقال: ( ما كنت أرى أن الجهد بلغ بك ما أرى، أتجد شاة؟ ) قلت: لا، فنزلت قول الله تعالى: فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة:196]، فقال صلى الله عليه وسلم: ( صيام ثلاثة أيام: أو إطعام ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع )، قال: فهذه الآية فيَّ خاصة، وهي لكم عامة، وأما الإجماع: فقد نقل ابن المنذر و ابن قدامة و النووي ، وغير واحد من أهل العلم الإجماع على أن المحرم ممنوع من أخذ شيء من شعره، إلا لحاجة كما سوف يأتي، وهذا لا إشكال فيه.
القسم الآخر وهو حلق شعر البدن، وهي الحواجب وللحية، والشارب، وبقية شعر الجسد الذي يبقى في الجلد، وقد ذهب جمهور الفقهاء من الأئمة الأربعة وغيرهم إلى أن المحرم ممنوع من إزالة الشعر الذي في البدن وفي الرأس وغيره، ونقل بعضهم الإجماع على ذلك، وقد ذكر الحافظ ابن عبد البر في التمهيد عن جماعة أنهم يجوزون أخذ شعر البدن غير الرأس، وهو قول ابن حزم و داود الظاهري ، والأقرب -والله أعلم- أن المحرم ممنوع من أخذ شيء من الشعر سواء كان في الرأس أو في البدن على سبيل العموم، أما الرأس فواضح، وأما البدن: فلما جاء في كتاب ربنا أن الله قال: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج:29]، قال ابن عباس في تفسير التفث: هو أخذ تقليم الأظفار، وحلق العانة، وقص الشارب، ونتف الإبط، وإزالة غير ذلك، فهذا تفسير من ابن عباس ولم يخالفه أحد من الصحابة، والتفث: هو إزالة كل ما منع منه المحرم من الشعر وغير ذلك، ومما يدل على هذا أيضاً أننا نعلم أن المضحي الذي في بلده ممنوع من أخذ شعره، أو شيء من بشره، كما جاء في صحيح مسلم من حديث أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا أهل هلال ذي الحجة، وأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذن من شعره، ولا من بشره، ولا من أظفاره شيئاً )، فهذا يدل: على أن المحرم شابه الحاج في عدم أخذ شيء من ذلك، وشابه الحاج أيضاً في أن الحاج عليه الهدي، وأن المضحي عليه الأضحية، وهذا والله أعلم أقرب، فهذا يقال: من باب الأولى، فإذا منع المضحي من أخذ شيء من شعره في بدنه فلأن يمنع المحرم من باب أولى، وهذا أقوى خلافاً لـابن حزم حيث قال: لم يدل دليل من الكتاب ولا من السنة على أن المحرم ممنوع من أخذ شيء من شعر البدن، والراجح كما قلنا أنه ممنوع.
تقليم الأظفار ممنوع من المحرم كما أشار إلى ذلك المؤلف، ونقل ابن المنذر و ابن قدامة الإجماع على أن المحرم منوع من تقليم الأظفار، وخالف في ذلك ابن حزم ، وتبعه بعض المعاصرين، والراجح كما مر معنا هو أن المحرم ممنوع من تقليم الأظفار، والدليل الأول: تفسير ابن عباس لقوله تعالى: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ [الحج:29] كما مر معنا.
والثاني: أن المضحي ممنوع من أخذ شيء من شعره ومن أظفاره، والمضحي إنما شرع له المنع استجابة وتأييداً وتشبهاً بالمحرم، وهذا الأقرب، والله أعلم، وعليه قول عامة أهل العلم.
يقول المؤلف: (ففي ثلاثة منها)، يعني: ففي قطع ثلاث شعرات، وفي قطع ثلاثة أظفار، (دم، وفي كل واحد) يعني: كل شعرة، أو كل ظفر (مما دونها مد طعام، وهو ربع الصاع)، والصاع هو أربعة أمداد، وهو ملئ اليدين المعتدلتين الطبيعيتين، واليد الواحدة تسمى مدا.
السؤال: لماذا المؤلف فرق بين الثلاث والواحدة والاثنتين؟
قال: لأن الثلاث جمع، والله يقول: وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ [البقرة:196]، والواحدة والاثنتان ليستا جمع، فأقل الجمع عندهم ثلاث، هذا هو المذهب، وهو مذهب الشافعية، قالوا: وأما حلق واحدة أو اثنتين فليس حلقاً للشعر على سبيل الجمع، ولكنه يندب له أن يتصدق بمد؛ لأنه فعل محظوراً من محظورات الإحرام، ولا شك أن هذا التحديد يحتاج إلى دليل، والدليل يخالف ما أشار إليه المؤلف.
ولهذا ذهب الإمام مالك رحمه الله: إلى أن المحرم ممنوع من تقليم ظفر، أو ظفرين، أو ثلاثة، ومن قطع شعرة، أو شعرتين، أو ثلاثة، إلا أن الكفارة لا تجب إلا بما يحصل به إماطة الأذى، ومعنى إماطة الأذى أن يكون إزالة الشعر كثيراً، وتقليم الأظفار كثيراً، بحيث يكون قد ترفه في ذلك، أو بالغ في إزالة هذا الأمر، والدليل: هو ما جاء في الصحيحين من حديث عبد الله بن مالك بن بحينة أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وسط رأسه وهو محرم، قالوا: من العادة أن الإنسان لا يحتجم في رأسه إلا ويحلق المكان الذي سوف يحتجم فيه، وكونه عليه الصلاة والسلام احتجم وسط رأسه قطعاً قد حلق بعض رأسه، قالوا: وهذا الحلق قد أزال أكثر من ثلاث يقيناً، ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة أنه عليه الصلاة والسلام افتدى، فهذا يدل على قوة قول مالك ، ومثله قول أبي حنيفة : أنه لا يفتدي حتى يزيل عضواً يعني: إحدى اليدين، يعني اليد هذه يسميها أبو حنيفة رحمه الله عضواً، فإذا قلم خمسة أظفار ارتكب المحظور، وعليه الكفارة.
هم كلهم متفقون أنه محظور ولو شعرة، أو ظفر، ولكنهم يتكلمون على الكفارة، والأقرب هو قول مالك رحمه الله.
المؤلف تحدث عن الإزالة إذا كانت للترفه أو لاحتياج الإنسان لإزالته فذكر حكم ذلك، ثم عقب عليه بقوله: (وإن خرج في عينه)، يعني: ما حكم إزالة المحظور بعذر إذا كان نفس الممنوع يؤذي في نفسه؟ فمن خرج في عينه شعر، وهذا الشعر المحظور يؤذي، أو انكسر ظفره فتركه، وإبقاؤه سوف يضر به فلا بأس أن يقصه ولا فدية عليه، ولو قطع أكثر من ثلاث، قالوا: أولاً للإجماع، قال ابن المنذر: وأجمع أهل العلم على أن المحرم إذا انكسر ظفره أو خرج في عينه شعر فله إزالته، ولا شيء عليه، واستدلوا على ذلك بأن قالوا: إن العلماء أجمعوا على أن المحرم يجوز أن يقتل الصائل من الصيد إذا أقدم عليه؛ لأنه أصبح مضراً لطبعه، فإذا كان كذلك فيأخذ حكم كل من آذى بنفسه فإنه يزال كما قال الفقهاء: الضرر يزال، وكما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا ضرر ولا ضرار ).
الجواب: المكي: هو الذي من أهل مكة وهو حاضر المسجد الحرام، فإذا خرج عن بلده ثم أراد أن يحج أو يعتمر فلبى بالعمرة أو الحج من الميقات فانه يكون حينئذ -إن كان لبى بالعمرة- متمتعاً إذا تحلل وأهل بالحج يوم التروية، ولكنه لا يلزمه هدي، ولا يشرع له الهدي؛ لأنه من حاضري المسجد الحرام، ومما ينبغي أن نعرفه أن المكي يشرع له التمتع على الراجح والله أعلم، وهو ظاهر النص، وبالنسبة لقوله تعالى: ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:196] ، إنما هو إشارة وعطف على الهدي، وليس على التمتع، فالمكي يجوز له أن يتمتع، ولكنه لا يلزمه هدي، وحينئذ نقول لهذا الشخص: إذا كان من أهل مكة ولم يفارقها ولم يتركها فإنه حينئذ يكون من حاضري المسجد الحرام، ولا يلزمه هدي، والله أعلم.
الجواب: اختلف أهل العلم: هل يصح نحر الهدي أو نحر الأضاحي في الليل، الأقرب والله أعلم أن أيام التشريق كلها وقت للذبح، كما قال صلى الله عليه وسلم: ( أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر الله تعالى )، والشارع إذا أطلق اليوم فإنه يدخل فيه اليوم والليلة، ما لم يرد نص بالتخصيص، وعلى هذا أكثر أهل العلم قد ذهبوا إلى أن المحرم إذا أراد أن يهدي وكذلك غير الحاج أو المعتمر إذا أراد أن يضحي فله أن يذبح هديه أو أضحيته في النهار أو في الليل إلا أن نحره في النهار أفضل وأولى.
الجواب: أولاً: هل يشرع للحاج الأضحية أم لا؟ الأقرب والله أعلم، هو مذهب الجمهور من الحنابلة والشافعية، وهو قول ابن حزم إلى أن المحرم حاجاً أو معتمراً يشرع له الأضحية والهدي معاً؛ لأنها عبادة متقرب بها إلى الله، والله سبحانه وتعالى يقول: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر:2]، وهذا الأقرب والله أعلم، ولم يرد دليل بالمنع، بل جاء عند مسلم ما يؤيد أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى، قال ثوبان رضي الله عنه: فلم أزل أصنع له من أضحيته -هذه رواية البيهقي، ورواية مسلم: من الشاة والرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع لم يذبح إلا هدياً من الإبل، فدل ذلك على أن الرسول ضحى بكبشين، وهذا الأظهر والله أعلم، وعلى هذا، فإذا أمر الحاج أهله أن يضحوا يوم العيد فنقول له: اذهب إلى الميقات، والبس ثياب الإحرام ولا تأتِ شيئاً من المحظورات التي منعت منها لكونك مضحياً، فلا تأخذ من شعرك، ولا من بشرك، ولا من أظفارك شيئاً، ثم أهل بالعمرة، ثم إذا جئت فطفت بالبيت، وسعيت بين الصفا والمروة، تريد أن تحل من عمرتك وكنت متمتعاً، فإنه يجوز في حقك أن تأخذ من شعرك، ولا حرج في ذلك؛ لأنه تعارض في حقك مأمور هو: وجوب الحلق أو التقصير للمعتمر ومنهي وهو أن المضحي ممنوع من أخذ شيء من بشره ومن شعره، فنقول: إذا تعارض مأمور ومحظور فإنه يقدم المأمور وحينئذ نقول: خذ من شعرك فقط، ثم تحلل وأبق على ثيابك حتى يكون يوم التروية فلتهل بالحج، وتكون حينئذ متمتعاً، ولا حرج في ذلك.
الجواب: السائلة هذه من مكة، وتقول: هل يلزمني محرم؟ نقول: إذا كنت من أهل مكة لا يلزمك المحرم، لكن الأفضل أنك لا تكوني في خلوة، وفرق كبير بين المحرم في السفر، والمحرم في الخلوة، فالمرأة مأمورة بالمحرم في السفر، أما في الخلوة فانتفاؤها يحصل بالمحرم من الذكور أو جمع من النساء، فلا حرج للمرأة أن تذهب مع حملة إذا كانت من أهل مكة؛ لأنها غير مأمورة بالمحرمية هنا؛ لأنها لم تسافر، والذهاب من عرفة ومن مزدلفة لا يسمى سفراً، أما سؤالها: أي الأنساك أفضل؟ فنقول: الأفضل لك التمتع، بمعنى أن تهلي بعمرة من التنعيم، ثم تتحللي منها في أشهر الحج قبل يوم الثامن، فإذا جاء يوم الثامن -ضحى يوم التروية- فلتهلي بالحج فتقولي: لبيك حجاً، وتكوني حينئذ متمتعة، ولا يلزمك هدي كما يظن بعض الإخوة خطأ أنها إذا كانت مكية فلا تتمتع، نقول: تتمتع ولكن لا يلزمها هدي.
هل تحج مع هذه الحملة أو لا تحج؟ نقول: الحملات التي فيها من طلبة العلم ومن العلماء ومن المرشدين والذين يهتمون اهتماماً بالغاً في تثقيف الحجيج كثيرة والحمد لله، فلتسأل أهل الخبرة وأهل الشأن، ولا ينبغي لها أن تترك الحج؛ لأنها لم تجد غير هذه الحملة.
ولعلي بهذه المناسبة أن ألفت وأهمس في أذن كل صاحب حملة أن يتقي الله سبحانه وتعالى في هؤلاء الحجيج، وليعلم أن ظلم الحاج من أعظم المحرمات كما قال تعالى: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الحج:25] ، فمن ظلم الحاج في الحرم فإنه قد خفر ضيوف الرحمن كما جاء عند البزار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الحجاج والعمار وفد الله، دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم )، فإياك إياك أن يكون الحاج يدعو عليك فيستجيب الله دعاءه فتهلك في دينك ودنياك، واعلم أخي! أن أعظم ما تسدي إلى الحجيج هو أمنهم، وراحتهم، واطمئنانهم بأن يؤدوا العبادة على وجهها، وكذلك أن تثقفهم في أمر دينهم ودنياهم، والله أعلم.
الجواب: أولاً: هل إعطاء البنك الإسلامي، أو شركة الراجحي كما تسميها يعد سوق هدي؟ يقال: ينظر إن كان الهدي الذي يشتريه البنك موجوداً في مكة أو في منى فهو لا يعد سوق هدي، ولهذا ذهب أكثر أهل العلم إلى أن سوق الهدي يساق من خارج الميقات أو من خارج الحرم، فإن كان يساق من خارج الميقات وهم أخبروها بذلك وسوف يأتون به إلى الحرم ويذبحونه فحينئذ يعد سوق هدي، وعليه نفهم سؤال: هل شراء الهدي من عرفات يعتبر سوق هدي؟ نقول: لا يعتبر سوق هدي، إلا إذا كان من أهل مكة فأراد أن يسوق فله ذلك، لكن الأولى ألا يسوق؛ لأن الله يقول: ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:196] ، ومن اشترى الهدي من عرفة فقد لبى بالحج والعمرة قبل أن يسوق الهدي.
الجواب: أقول: لا مشاحة، لبي بما تستطيعين، فإن شق ذلك عليك فاقرئي القرآن، وختم القرآن من أعظم القربات، خاصة في هذه الأيام الفاضلة، فلا معارضة بينهما.
مداخلة: لدينا مسألة: الذي يؤدي عمرة في أشهر الحج ثم يسافر بعد ذلك، سواء سافر مسافة قصر أو رجع إلى بلده، المسألة لم يذكرها المؤلف، ما هو القول الراجح فيها؟
الجواب: أما التلبية الجماعية فأكثر أهل العلم لم يروا مشروعيتها، لكن إن وقع اتفاقاً فهذا لا بأس به، ولا يشرع أن يلبي واحد ويلبي خلفه الناس؛ لأن هذه عبادة، والعبادة توقيفية، ومناطها على اتباع أمر الله وأمر رسوله.
الحال الأولى: أن يرجع إلى بلده، فحينئذ ينقطع إحرامه وهو قول عامة الفقهاء، وهو قول عمر بن الخطاب كما صح إسناده كما رواه ابن حزم وغيره.
الحال الثانية: أن يسافر إلى بلد غير بلده مثل الذين يأتون من بلد بعيد فيذهبون لأداء عمرة من مكة، ثم يذهبون إلى المدينة، أو يذهبون إلى الطائف، أو الشخص يذهب إلى مكة ثم يخرج من مكة، فحينئذ نقول: أنت ما زلت متمتعاً.
أما الذي -وهذا مهم جداً- تبع أصحاب الحملات الذين يدخلون مكة قبل يوم التروية، فيؤدون عمرة، فيذهب بعد ذلك إلى البلد الذي هم فيها ليأخذوا أصحاب الحملات فنقول: أنتم إن دخلتم يوم الثامن أو جئتم من الميقات يوم الثامن فأهلوا، فالأفضل في حقكم أن تهلوا بالعمرة والحج جميعاً، يعني: تأخذون عمرة ثانية، أما لو أخذتم حجاً واحداً تقول: لبيك حجاً، فتكونون مفردين؛ لأن عمرتكم رجعتم بها إلى بلدكم، فينقطع التمتع، والله أعلم.
أما مسألة شروط التمتع سوف نذكرها إن شاء الله، ولو لم يذكرها المؤلف.
السؤال الأول: ما حكم إزالة شعر الجسد للمحرم؟
السؤال الثاني: ما حكم ما لو قلم المحرم ثلاثة أظفار من أظفاره؟ والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر