قال المؤلف رحمه الله: [الضرب الثاني: على الترتيب، وهو المتمتع يلزمه شاة فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع. وفدية الجماع بدنة فإن لم يجد فصيام كصيام المتمتع، وكذلك الحكم في دم الفوات. والمحصر يلزمه دم فإن لم يجد فصيام عشرة أيام، ومن كرر محظوراً ..].
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.. وبعد:
المؤلف رحمه الله بعدما قسم باب الفدية إلى قسمين: قسم على التخيير, وقسم على الترتيب، وآخر ما جاء في القسم الأول -وهو التخيير- قال: [وجزاء الصيد] وجزاء الصيد معناه: هو ما يستحق بدله على من قتل هذا الصيد إما بمباشرة أو تسبب: كالدلالة أو الإعانة أو غير ذلك.
والصيد هنا ينقسم إلى قسمين:
مثال على ذلك: الحمامة مثلاً شابهت الشاة من حيث إن الحمامة إذا أرادت أن تشرب الماء فإنها تشرب ورأسها إلى جهة الماء، ولا ترفع رأسها وتضع الماء في الحويصلة مثل الدجاج وغيرها من الطيور ثم ترجع فتشرب، فشابهت الشاة -كما حكم بذلك الصحابة- بطريقة شرب الماء، فالحمامة إذا أرادت أن تشرب الماء فإنها تبع بعاً، بمعنى أنها لا تجمع الماء ثم ترفع رأسها وتبتلعه، بل إنها تشرب وما زال رأسها إلى الماء فشابهت الشاة من هذا الوجه، ولهذا نقول: لا يلزم في المماثلة المماثلة الكلية, بل ولو كان الشبه في صورة واحدة جاز أن يكون لهذا الصيد مثل.
وحكم ما له مثل ذكره الله سبحانه وتعالى بثلاثة أشياء، قال: وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ [المائدة:95]، هذا القسم الأول: جزاء بالمثل، فإن لم يكن فله أيضاً أن ينتقل إلى كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ، ومعنى كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ يعني: يقوّم هذا المثل بدراهم ويشتري بها طعاماً، فلو أنه قتل حمامة وقلنا: إن الحمامة تقدر بالشاة، فكم قيمة الشاة إذا أراد ألا يذبح شاة، قلنا: قيمة الشاة ثلاثمائة ريال، فيشتري بثلاثمائة ريال طعاماً، وهذا هو معنى قوله تعالى: أو كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ، وهذا القسم الثاني الذي له الخيار فيه: إما أن يذبح مثله وهو الشاة، فإن لم يجد أو لم يستطع أو أحب أن يطعم فنقول: قدر الشاة بدراهم وتشتري بها طعاماً ويقسم هذا الطعام.
فالمؤلف يقول: إن كان براً -يعني قمحاً- فلكل مسكين مد بر، والمد هو ملء الكف المعتدلة المليئة، هذا هو المد إن كان براً، وإن لم يكن براً كغيره من الأطعمة فإنه يطعمه نصف صاع، والصاع هو: أربعة أمداد، ونصفه مدان، وربعه مد، فإذا كان الطعام غير بر فإن المؤلف رحمه الله يقول: يطعم نصف صاع لكل مسكين.
وإذا أحب ألا يطعم وأحب الصيام فالمؤلف يقول: يقدر كل مد فيصوم عنه يوماً، فلو قدر أني اشتريت بثلاثمائة ريال مائة صاع شعيراً أو مائة صاع أرزاً، والصاع فيه أربعة أمداد، وأربعة في مائة يساوي أربعمائة، فعلى كلام المؤلف يصوم الإنسان عن كل مدين؛ لأنه أرز وليس قمحاً، وفي المثال معنا أربعمائة مد فكم يصوم على كلام المؤلف؟ الجواب: مائتي يوم؛ لأن كل مدين يقدر بصيام يوم إذا كان الطعام غير بر، وإن كان الطعام براً صام أربعمائة يوم، وهذا هو معنى قوله: كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا [المائدة:95]، عدل الطعام لكل مسكين مد بر أو غيره من الطعام نصف صاع، هذا كلام المؤلف رحمه الله، وسوف نأتي إليه قريباً، لكن هذا شرحنا له في الجملة.
والصيد الذي له مثل هو الصيد المثلي، ومعنى المثلي هو ما له مثل من بهيمة الأنعام، ويقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أن يتقدم فيه حكم من النبي صلى الله عليه وسلم، فالمرجع إلى ما حكم به النبي صلى الله عليه وسلم، مثال ذلك: ما رواه ابن ماجه و الدارقطني وإن كان في سنده ضعف: أن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: ( حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الضبع شاة ) هذا حكم من النبي صلى الله عليه وسلم، فلو قتل رجل ضبعاً فإننا نقول: المرجع فيه إلى حكم النبي صلى الله عليه وسلم.
القسم الثاني: أن يتقدم فيه حكم من الصحابة رضي الله عنهم، فالمرجع في ذلك إلى ما حكم الصحابة رضي الله عنهم، من ذلك: ما رواه البيهقي وغيره أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه و علي بن أبي طالب و عثمان حكموا في الظبي -وهو أكبر من الغزال- بشاة, وفي الغزال بماعز، فيجب علينا أن نصير إلى ما صار إليه الصحابة رضي الله عنهم.
القسم الثالث: ألا يتقدم فيه حكم عن النبي عليه الصلاة والسلام ولا عن الصحابة، فالمرجع هنا ما ذكره الله بقوله: يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ، فيقوم رجلان خبيران فيقدران هذا الصيد بشيء مثله، فإن لم يكن له مثل فهذا هو القسم الثاني، وقد قسمنا الصيد إلى قسمين: ما له مثل، والثاني: ما ليس له مثل، وقلنا: إن ما له مثل يقدر بمثله من النعم، فإن أحب أن يفتدي بالنعم الشاة مثلاً وإلا قلنا له: قدر قيمة الشاة دراهم تشتري بها طعاماً وهذا القسم هو النوع الثاني من التخيير، فإن قال: أنا لا أريد أن أطعم؛ لأنه ليس عندي مال قلنا له: هذا الطعام قسمه على كلام المؤلف مداً إن كان براً، أو نصف صاع إن كان شعيراً أو أرزاً فقسم هذا الطعام لكل مسكين نصف صاع، ثم صم عن كل نصف صاع يوماً، والمؤلف رحمه الله ذكر أنه يطعم لكل مسكين مداً من بر أو يصوم عن كل مد يوماً، هذا مذهب الحنابلة، وذهب الحنفية وهو قول ابن عباس كما رواه البيهقي وغيره: إلى أن الطعام يقدر على أنه نصف صاع، لكل نصف صاع يوم يصومه الإنسان، ولا فرق في ذلك بين البر وبين غيره، وهذا هو فتوى ابن عباس رضي الله عنه، وهذا القول أقوى: أولاً: لأنها فتوى ابن عباس ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قدر كفارة الأذى إطعام ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع، كما ثبت ذلك في الصحيحين من حديث كعب بن عجرة، وعلى هذا فيقال: كل كفارة فيها طعام فيقدر لكل مسكين نصف صاع، وعلى هذا فإذا مر معنا في الكفارات في كلام المؤلف الحنبلي أو كلام الشافعية؛ لأنهم وافقوا الحنابلة إذا قالوا: مداً لكل مسكين قلنا: الراجح هو مذهب أبي حنيفة أن يقدر بمدين لا بمد.
قال المؤلف: (إلا الطائر فإن فيه قيمته)؛ لأن الله يقول: أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ وهذا هو القسم الثاني من أنواع الصيد مما ليس له مثل، فالطائر ليس له مثل، فلو قتل شخص مثلاً صفارة أو قتل قمرياً من الطيور التي تصاد، أو صاد حجلاً, فالحجل ليس له مثل من بهيمة الأنعام قال المؤلف: (إلا الحمامة)، فالحمامة مثلها تقدر بشاة كما حكم بذلك الصحابة؛ لأنها شابهت بهيمة الأنعام في طريقة شربها للماء.
أما لو قتل حجلاً أو قمرياً فإن المؤلف يقول: ليس له مثل، ولكن له القيمة، والسؤال: هل يقدر قيمة الصيد أم المثل؟ نقول: يقدر الصيد؛ لأنه ليس له مثل، فإذا قتل مثلاً حجلاً فإننا نقدر قيمته، فنقول مثلاً: قيمته مائة ريال .. مائة وخمسون ريالاً .. مائتا ريال تقريباً.
أما لو قتل شخص جراداً في الحرم، فالجرادة تقدر تقريباً بريال، فيطعم بريال، فإذا قال: والله أنا ما عندي ريال، فنقول: قدر هذا الريال طعاماً، -وقلنا: إن الراجح أنه يقدر الطعام نصف صاع لكل مسكين- والريال ما يأتي إلا بأقل من المد، والعلماء قالوا: إذا كان الطعام نصف صاع أو أقل يقدره على أنه يصوم بدله يوماً واحداً، فلو أننا قلنا: إنه يطعم عن كل مسكين نصف صاع ولكنه مع القسم صار بعض نصف الصاع يعني مد، أو صار بعض المد، فإن العلماء يقولون: يصوم عن بعض المد على أنه مد كامل أو على أنه نصف مد على الخلاف.
أعيد: فلو أنه قسم الطعام وبقي آخر الطعام -على كلام المؤلف- بعض المد، المؤلف يقول: يصوم عن كل مد يوماً، لكن لو كان بعض المد، فقال العلماء: يصوم أيضاً يوماً؛ قالوا: لأنه لا يتجزأ الصوم فيصوم يوماً سواء وعن مد أو عن نصف صاع.
المؤلف هنا قال: (ويخير بين إخراج المثل أو تقويمه بطعام فيطعم لكل مسكين مداً من بر)، وقلنا الراجح: أن يطعم لكل مسكين نصف صاع؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم حكم بالإطعام في فدية الأذى بنصف صاع لكل مسكين كما في حديث كعب بن عجرة قال: ( صم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع أو اذبح شاة ) فنقول: المعول عليه هو ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في فدية الأذى.
أولاً نقول: هدي التمتع يجب بشروط:
الشرط الأول: ألا يكون من حاضري المسجد الحرام؛ لأن حاضري المسجد حرام ليس عليهم الهدي لقوله تعالى: ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:196]، وحاضرو المسجد الحرام على الراجح هم أهل مكة والحرم، خلافاً للمؤلف: حيث إن الحنابلة ذكروا أن حاضري المسجد الحرام هو ما دون مسافة القصر، ومسافة القصر عندهم أربعة برد، والأربعة برد تقدر في زماننا بثمانين كيلو.
الشرط الثاني: ألا يسافر بينهما سفراً إلى أهله، هذا الراجح -أنا أذكر الشروط هنا على الراجح- فلو أنه أخذ عمرة وهو من أهل الرياض، فسافر إلى المدينة ثم أهل بالحج من المدينة، فإننا نقول هنا: هل ينقطع تمتعه أو لا ينقطع؟ نقول: لا ينقطع تمتعه؛ لأنه لم يرجع إلى بلده، ودليل ذلك: ما رواه ابن حزم في المحلى و البيهقي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: (إذا أهل بالعمرة في أشهر الحج ثم أقام حتى حج فعليه هدي، وإذا رجع إلى أهله فلا هدي عليه)، وهذا الحديث إسناده جيد.
الشرط الثالث: أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج، فلو أحرم بالعمرة في رمضان -ورمضان ليس من أشهر الحج- ثم فرغ منها في شوال وبقي في مكة فهل يعد متمتعاً أو مفرداً؟ يعد مفرداً؛ لأنه لم يهل بالعمرة في أشهر الحج لقوله تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ [البقرة:196].
الشرط الرابع: أن يحج من عامه، فلو أخذ عمرة في أشهر الحج, وبقي في مكة حتى كان العام القادم، ثم أهل بالحج فهل يكون حجه مفرداً أم متمتعاً؛ لأنه أخذ عمرة في أشهر الحج في العام الماضي؟ نقول: انقطع تمتعه حينئذ وإهلاله بالحج يكون مفرداً.
الشرط الخامس: أن يحل من العمرة قبل إحرامه من الحج، فلو أنه أحرم بالعمرة فقال: لبيك عمرة. أو قال على كلام الفقهاء: لبيك بعمرة متمتعاً بها إلى الحج، وإن كان هذا اللفظ لم يذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا على أحد من الصحابة فيما أعلم، إنما ذكره الفقهاء، فإذا أراد أن يتمتع يقول: لبيك عمرة، ومن لم يستطع أن يطوف، مثل المرأة الحائض إذا لبت بالعمرة ثم حاضت قبل طواف عمرتها، فإنها تنتظر حتى إذا كان يوم عرفة ولم تطهر فنقول: أدخلي الحج على العمرة فتكونين قارنة، فلو لم تكمل العمرة فإن المؤلف يقول: إنه يحل بالعمرة قبل إحرامه من الحج.
هذا هو هدي التمتع، وهذه شروطه، وكذا القران.
القارن هو الذي لبى بالحج والعمرة جميعاً، وكذلك من لبى بالعمرة فأدخل عليها الحج فإنه يكون قارناً وأيضاً يلزمه هدي لأمور:
أولاً: لما روى جابر في صحيح مسلم : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذبح عن
ثانياً: لإجماع الصحابة: على أن معنى قول الله تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ [البقرة:196] هو أن يأخذ عمرة وحجة في سفرة واحدة، ونقل الإجماع ابن عبد البر في التمهيد والاستذكار، ومن المعلوم أن القارن حينما يقول: لبيك عمرة وحجة يكون سعيه بين الصفا والمروة, وطوافه بالبيت عن حجه وعمرته جميعاً لأجل نيته، كما قال صلى الله عليه وسلم: ( طوافك بالبيت وسعيك بين الصفا والمروة يجزئ عن حجك وعمرتك جميعاً ) هذا هو الراجح والله أعلم.
وذهب ابن حزم إلى أن القارن ليس عليه هدي إلا إن ساق الهدي، والراجح هو قول جماهير أهل العلم؛ لأن الصحابة يسمون القارن متمتعاً، كما جاء في الصحيحين من حديث ابن عمر قال: ( تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج وأهدى وساق الهدي معه ) وكونه تمتع بالعمرة إلى الحج, وأهدى وساق الهدي معه هذا هو القران، بدليل قوله: ( فبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالحج ثم أدخل عليه العمرة ).
يقول المؤلف: (يلزمه شاة) للآية، (فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع) هذا الواجب عليه الترتيب، فلا يجوز له أن يصوم إلا إن لم يجد الهدي، وقوله رحمه الله: (ثلاثة أيام في الحج) يبدأ الصيام من حين إحرامه بالعمرة، فلو أنه أهل يوم الثاني من شوال بالعمرة فله أن يصوم إذا كان يقول: أنا ليس عندي هدي, وأنا أريد أن أكون متمتعاً, وليس عندي من المال ما أذبح به شاة، قلنا له: إذا لم تجد شاة فإنك تنتقل إلى الصيام لقوله تعالى: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ [البقرة:196]، فإذا قال: أنا ليس عندي ما أشتري به شاة، قلنا: فصم، فإذا قال: متى أبدأ بالصيام؟ قلنا: تبدأ بالصيام من حين شروعك وإحرامك بالعمرة، هذا هو مذهب الحنابلة ومذهب الحنفية، فلو أنه يوم الثاني من شوال أهل بالعمرة على أنه متمتع فله أن يبدأ الصوم يوم الثاني من شوال، مع العلم أنه لن يهل بالحج إلا في اليوم الثامن من ذي الحجة، ودليل ذلك: أن إحرامه بالعمرة في أشهر الحج سبب لوجوب الهدي عليه، ومتى وجد السبب جاز تقديمه على وقت الوجوب، مثل: قول الفقهاء: من ملك نصاباً ولم يبلغ الحول فله أن يعجل الزكاة؛ لأنه وجد سببها وهو ملك النصاب ولو لم يوجد وقت الوجوب وهو تمام الحول، فيجوز أن يعجل الزكاة، وكذلك يقال هنا.
قال ابن تيمية : ولأن الصحابة الذين أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بأن يجعلوا حجهم عمرة ويكونوا متمتعين كانوا أهلوا صبيحة رابعة، ولكنهم بقوا على فرض يوم رابعة، فصام من لم يجد الهدي يوم الرابع والخامس والسادس قبل يوم الثامن، وقد أهلوا يوم الثامن كما أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا يدل على أن من لم يجد الهدي فإنه يجوز له أن يصوم في الحج من حين إحرامه بالعمرة.
يقول المؤلف: ( وسبعة إذا رجع ) وله أن يصوم إذا رجع إلى وطنه وهذا لا خلاف فيه، وله أن يصوم أيضاً إذا أنهى جميع أعمال الحج، فلو طاف للوداع مثلاً وهو في طريقه فله أن يصوم، وهو قول جماهير أهل العلم خلافاً للشافعي ؛ لأنه يصدق أن يسمى أنه رجع إلى أهله.
قال المؤلف: (فإن لم يجد فصيام كصيام المتمتع) هذه مسألة الذي وجبت عليه فدية الجماع، وقلنا: فدية الجماع فدية مغلظة، وهي بدنة، فإذا لم يجد بدنة قال: أنا جامعت أهلي قبل التحلل الأول ولكن ليس عندي بدنة، فالمؤلف يقول: (فإن لم يجد فصيام كصيام المتمتع) يعني: ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع، هذا هو مذهب الحنابلة، ودليلهم في هذا أنه صار بإحرامه كالمتمتع إذا لم يجد الهدي.
والقول الثاني في المسألة: هو قول ابن حزم و أبي حنيفة قالوا: كل من وجب عليه هدي غير هدي التمتع كمن ترك واجباً أو المحصر إذا لم يجد الهدي فإنه يبقى في ذمته إلى حين الوجوب، ولا ينتقل إلى الصيام كما هو مذهب الحنابلة، وهذا القول كما قلنا: هو مذهب أبي حنيفة و ابن حزم ، قالوا: لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يوجب على من لم يجد الهدي في الإحصار أن ينتقل إلى الصيام، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة وهذا القول قوي، غير أننا وجدنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه -كما روى البيهقي بسند جيد- أمر هبار بن الأسود حينما فاته الحج فلم يدرك عرفة وقد أهل بالحج، قال: إذا كان عام قابل فاحجج فإن وجدت سعة فاهد، فإن لم تجد فصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعت إلى أهلك، فـعمر رضي الله عنه أمره بالهدي، والهدي هنا يسمى هدي الفوات، وهدي الفوات مثل هدي الإحصار، وقد قاس عمر بن الخطاب رضي الله عنه هدي الفوات بهدي التمتع، وإذا كان عمر بن الخطاب قاس هدي الفوات بهدي التمتع فنقول: هؤلاء أعلم منا بالقياس وبالفقه، ومما يدل على ذلك على قول الحنابلة: أن ابن عمر رضي الله عنه حكم المحصر إذا لم يجد الهدي أن يصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع، وهذا قياس آخر من الصحابة حكم به ابن عمر بن الخطاب ولا يعلم لهم مخالف، فيكون قول الحنابلة أقعد وأقوى، فكل من وجب عليه دم كدم الفوات أو دم الإحصار أو ترك واجباً إذا لم يجد فهو بالخيار: إما أن يبقى في ذمته، وإما أن يصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع، والله أعلم.
قال: (ودم الفوات) ودليله حديث عمر بن الخطاب حينما أمر هبار بن الأسود فقال له: إذا كان عام قابل فاحجج فإن وجدت سعة فاهد، فإن لم تجد فصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعت. وهذا الحديث رواه البيهقي.
(فإن لم يجد فصيام عشرة أيام) هذا لم يذكره الله سبحانه وتعالى في القرآن ولهذا جعل أبو حنيفة بقاء الهدي في ذمته، وقال في بعض رواياته: لا يتحلل من إحصاره إلى أن يجد الهدي، وفي هذا كلفة ومشقة، ولهذا نقول: إذا لم يجد الهدي وهو محصر فإنه يصوم عشرة أيام ثم بعد ذلك يتحلل من حجه أو من عمرته.
القسم الأول: كرر محظوراً من جنس واحد؛ بأن لبس سراويل ثم لبس الخفين ثم لبس قفازين، فالمؤلف يقول: هذه الأشياء الثلاثة كلها محظور واحد، وهو لبس المخيط، فإن كان لم يكفر للأول حتى فعل الثاني والثالث فإن المؤلف يقول: يلزمه كفارة واحدة، ودليل ذلك: أن الله تعالى أمر من حلق رأسه بفدية واحدة، ولم يفرق الشارع الحكيم بين أن يحلقه متفرقاً أو يحلقه مرة واحدة؛ لأنه إذا حلقه متفرقاً صار كأن فعل المحظور مرتين، ومع ذلك لم يأمر إلا بفدية واحدة وهذا لا شك فيه، وهو قول عامة الفقهاء مع اختلاف بينهم، ولكن لا داعي لذكر بعض التفاصيل التي ليس لها دليل قوي.
يقول المؤلف: ( غير قتل الصيد ) الصيد استثني، فلو قتل شخص غزالاً ولم يكفر, ثم قتل غزالاً آخر ولم يكفر, ثم آخر ولم يكفر فيلزمه ثلاث كفارات؛ لأن الله يقول: وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ [المائدة:95]، فقوله: فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ [المائدة:95] أي: فعليه جزاء مثل النعم التي قتلها، فإذا قتل غزالة فيلزمه شاة، وإذا قتل غزالة أخرى فيلزمه مثلها, وهلم جراً، بخلاف فعل المحظور وهذا أقرب، فدلت الآية في الصيد على أن من قتل صيداً وجب عليه مثله، فلو قتل صيدين وجب عليه مثله مرة ثانية، وكل صيد له حكم مستقل عن الآخر, بخلاف محظورات الإحرام الأخرى.
يقول المؤلف: (إلا أن يكون قد كفر عن الأول, فعليه للثاني كفارة)، مثال ذلك: لو فرض أنه لبس السراويل ثم كفر, ثم أحس ببرد فلبس جبة أو جاكيت فنقول: يلزمك فدية أخرى، قال: أنا فعلت محظوراً واحداً وهو أني لبست سراويل ولبست جاكيت وكلها من جنس واحد، قلنا: ولكنك كفرت عن الأول فتكون كفارة الأول كأن لم يكن محظوراً، فوجود الكفارة عن المحظور الأول محى هذا المحظور فكأنك لم تفعل محظوراً قط.
يقول المؤلف: (وإن فعل محظوراً من أجناس فلكل واحد كفارة)، (من أجناس) يعني: لو أنه تطيب ثم لبس خفيه فإن المؤلف يقول: الطيب جنس ولبس المخيط جنس آخر فيلزمه كفارتان، قالوا: لأن هذه المحظورات لا تتداخل. إذاً: لو أن شخصاً غطى رأسه, ولبس قميصاً نهل يلزمه كفارتان أو يلزمه كفارة واحدة؟
الجواب: الحنابلة والشافعية قالوا: يلزمه كفارة واحدة؛ لأن تغطية الرأس, ولبس المخيط, ولبس الخفين كلها بمعنى اللبس فيلزمه كفارة واحدة؛ لأنها من جنس واحد، هذا هو مذهب الحنابلة والشافعية.
وذهب علماؤنا المعاصرون أمثال شيخنا عبد العزيز بن باز والشيخ عبد الرزاق عفيفي والشيخ عبد الله الغديان متمثلين باللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، وهو رأي شيخنا محمد بن عثيمين قالوا: إن تغطية الرأس جنس، ولبس المخيط جنس آخر فعلى هذا فيلزمه كفارتان.
والقول الثاني أحوط؛ لأن تغطية الرأس شيء, ولبس المخيط شيء آخر.
القسم الأول: أن يفعله عالماً مختاراً ذاكراً ولكنه لعذر وحاجة، المؤلف رحمه الله يقول: إذا كان لعذر فيلزمه الفدية ويسقط الإثم، والأقرب أن يقال: أن من فعل محظوراً من محظورات الإحرام عالماً مختاراً ذاكراً فيلزمه الفدية إلا السراويل لمن لم يجد الإزار وإلا الخفين لمن لم يجد النعلين لورود النص بعدمه، أما المحتاج إذا لبس القميص فإنه يلزمه الفدية ويرفع الإثم كما روى الطحاوي من حديث عمرو بن دينار عن أبي معبد مولى ابن عباس عن ابن عباس أنه قال: يا أبا معبد ناولني طيالستي، قال: أولست كنت تنهى عن ذلك؟ قال: نعم، ولكني سأفتدي. فـابن عباس لبسها للحاجة ومع ذلك أمره بالفدية، وروى مالك نحو ذلك عن ابن عمر رضي الله عنه، قال ابن عمر في الرجل الذي جرح: فإن احتاج إلى شيء من الثياب فعل وافتدى.
القسم الثاني: أن يفعله عالماً ذاكراً مختاراً من غير عذر، فنقول: يلزمه الفدية وعليه الإثم، فالقسم الأول ليس عليه إثم، والقسم الثاني عليه إثم.
القسم الثالث: أن يفعله جاهلاً أو ناسياً، فالمؤلف رحمه الله يقول: من فعل الحلق أو تقليم الأظفار أو وطئ امرأته أو قتل الصيد سواء نسي أو جهل أو تعمد كله سواء، فيلزمه الفدية المنصوصة عليه، فلو حلق يلزمه فدية الأذى الحلق، ولو قلم يلزمه كذلك، ولو وطئ يلزمه كذلك، وكذلك قتل الصيد.
والقول الثاني في المسألة: أن كل محظورات الإحرام لو فعلها المرء جاهلاً أو ناسياً فلا حرج عليه سواء في ذلك الحلق والتقليم والوطء وقتل الصيد أو غيرها من محظورات الإحرام مثل اللبس والطيب ونحو ذلك.
وقول المؤلف: أنها ثمة فرقاً بين الحلق والتقليم والوطء وقتل الصيد قال: لأن الحلق والتقليم والوطء وقتل الصيد فيه إتلاف، والإتلاف يضمن صاحبه ولا فرق بين العامد والمخطئ، ولكن الراجح هو التفريق؛ لأن الله قال في الكتاب: وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا [المائدة:95]، فمفهوم المخالفة أنه من قتله غير متعمد فلا حرج عليه، وهذا هو أحد القولين عند الحنابلة، وهو اختيار ابن تيمية رحمه الله، وهو رأي شيخنا محمد بن عثيمين، وهو الأقرب والله أعلم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن الله تجاوز لأمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) ولا فرق بين الحلق ولا بين التقليم ولا بين قتل الصيد، ولقوله تعالى: وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ [المائدة:95]، وعلى هذا فالقسم الثالث: من فعله جاهلاً أو ناسياً لا حرج عليه ولكنه يلزم بترك المحظور، ودليل ذلك ما رواه البخاري و مسلم من حديث يعلى بن أمية : ( أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو جاهل، قال: يا رسول الله! ما ترى أصنع في عمرتي وقد لبس جبة وعليها أثر الطيب، فقال النبي: اخلع جبتك واغسل عنك أثر الطيب، واصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجك ) ولم يأمره بفعل الفدية؛ لأنه كان جاهلاً، هذا هو الأقرب والله أعلم.
الجواب: المرأة في وقت الحج هي من الضعفاء كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم ( أذن للضعن أن ينفرن من مزدلفة قبل الوقت ) يعني: قبل شروق الشمس، وإذا كان الأمر كذلك فالأقرب والله أعلم -وهو من باب السعة- أن المرأة يجوز أن يرمي عنها وليها أو وكيلها أو زوجها فلا بأس بذلك، وكون المرأة لم تأذن له بذلك لا حرج في ذلك أيضاً؛ لأن الصغير يجوز أن يرمى عنه من غير نيته، فإذا رضيت بعد ذلك فلا حرج، ثم إن السائلة تقول: إن زوجي رمى في الظهر ولم ينو التعجيل، فلما جاء المطر -وهذا في العام الماضي- رمى مرة ثانية، نقول: لا يلزمك، وكل من رمى يوم الثاني عشر ولم ينو التعجيل ثم بدا له بعدما رمى أن يعجل ويخرج لا يخلو الحال من حالين: إن كنت قد نويت التعجيل قبل غروب الشمس فلك أن تخرج ولا حرج عليك ولا ترمي مرة ثانية، وإن كنت لم تنو إلا بعد غروب الشمس فيلزمك البقاء إلى اليوم الثالث عشر، والله أعلم.
الجواب: أهل جدة لو أحبوا أن يأخذوا عمرة ثم يرجعوا في أشهر الحرم إلى بيوتهم هل ينقطع بذلك تمتعهم أم لا؟ هذا مبني على الخلاف من هم حاضري المسجد الحرام، فالحنابلة يقولون: حاضري المسجد الحرام هم الذين دون مكة مسافة قصر، وجدة على هذا ليست بمسافة قصر وبالتالي يكونون من حاضري المسجد الحرام، والراجح هو أن حاضري المسجد الحرام هم أهل مكة ومنطقة الحرم، وإذا كان الأمر كذلك فإن أهل جدة لو أخذوا عمرة ثم رجعوا إلى بيوتهم فإن تمتعهم حينئذ ينقطع، فلو أهلوا يوم الثامن بالحج صاروا مفردين والله أعلم؛ لفتوى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو قول الحنفية.
الجواب: العلماء يفرقون رحمهم الله -وهذا هو اختيار ابن تيمية - بين فعل المحظور وترك الواجب، فعل المحظور يجوز أن يتركه جاهلاً أو ناسياً، أما ترك الواجب فلا يجوز تركه ألبتة، لكن لو تركه ناسياً يرفع عنه الإثم ولكن يؤمر بأن يفعله؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك ) فكل من ترك واجباً من واجبات العبادات سواء كانت حجاً أو صلاة أو غير ذلك فإنه يجب عليه أن يفعله أو يجبره بما له مثل، فالصلاة إذا ترك واجباً من واجباتها فإنه إن كان عالماً أثم، وإن كان جاهلاً فإنه يجبره بسجود السهو، وكذلك يقال في الحج، من ترك واجباً فإن كان جاهلاً أو ناسياً فيرفع عنه الإثم ولكن يجب عليه أن يجبره، فإن كان وقته ما زال باقياً مثل الرمي قبل أيام التشريق فيلزمه أن يرمي، فإن كانت خرجت أيام الرمي فيلزمه البدل وهو الدم الذي قال عنه ابن عباس : من ترك نسكاً فليهرق دماً، وسوف نتحدث في الدرس القادم على حكم ترك الواجب هل يلزمه دم أم لا يلزمه ذلك كما سوف يأتي إن شاء الله.
وأيضاً أجاب عن السؤال الثاني الأخ سراج يقول: المرأة كالرجل في محظورات الإحرام لقول النبي صلى الله عليه وسلم في ما معناه: ( النساء شقائق الرجال ) إلا ما خصها الدليل به أو خص الرجل به، ومن ذلك: أن لها أن تلبس ما شاءت لا النقاب والبرقع واللثام والقفازين؛ لأن إحرام المرأة بوجهها وكفيها، ولقول عائشة رضي الله عنها: ولا تتبرقع ولا تتلثم، والله أعلم وجزاكم الله خيراً.
الجواب: الكنادر وهي الخفاف المقطوعة دون الكعبين ذكرنا الخلاف في ذلك، وقلنا: إن العلماء اختلفوا في ذلك على قولين:
القول الأول: أنه يجوز لهم لبس ذلك ولو مع وجود النعلين، والقول الآخر: وهو مذهب الجمهور: أنه ليس لهم لبس الكنادر إذا كانوا قد وجدوا النعلين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( فمن لم يجد النعلين فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين ) وإذا قطع أسفل من الكعبين فهذه هي الكنادر التي يلبسها الناس في عادتهم، والرسول صلى الله عليه وسلم جوز لبس الكنادر مع عدم وجود النعلين؛ لقوله: ( فمن لم يجد النعلين فليلبس ) وهذا في حال وجود النعلين فلا يجوز له لبس الكنادر، والكنادر هو كل ما لبس على قدر القدم، فالذي يغطي العقب يمنع، كذلك السرموز الذي يسموه العلماء السرموز وهو المداس، إذا كان على شكل مداس نصف فهذا أيضاً يمنع؛ لأنه نوع من تغطية القدم، والله أعلم.
الجواب: قلنا: فائدة الاشتراط أنه إذا اشترط الإنسان في حجه أو في عمرته فإن له أن يتحلل بلا دم؛ لأن المحصر لو تحلل فعليه دم، أيضاً له أن يتحلل متى شاء، فلو أن حائضاً اشترطت ثم عجزت أن تكمل عمرتها فلها أن تتحلل، وقلنا: من غير إحصار؛ لأن الإحصار إما بعدو أو عدم إدراك الحج أو العمرة، فله أن يتحلل من غير إحصار؛ لأن الله يقول: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196]، فلو أن امرأة لم تشترط وحاضت فإنها لا تعد محصرة؛ لأن الإحصار إما بعدو أو مرض لا يرجى برؤه أو مرض لا يستطيع معه الإكمال, أو عرج فلا يستطيع، فحينئذ يكون محصراً، أما من جاءه عمل في بيته أو توفي له قريب في بلده فأحب أن يرجع فهذا لا يعد محصراً ومع ذلك لو اشترط نفعه اشتراطه ولا يكمل من غير إحصار، هذا هو معنى من غير إحصار.
الجواب: للمحرم أن يغطي جسمه ولكن تغطية من غير طريقة لبس، فإن غطى جسمه بما يلبس في العادة فإنه يمنع، فلو -مثلاً- نام ولبس مشلحه بطريقة فجعل أعلاه أسفله وأسفله أعلاه فلا بأس بذلك، ولو أخذ مثلاً من البطانيات وتغطى فلا بأس بذلك، ولكنه لو جاء بالرداء ومزقه بالوسط ولبسه على رأسه وتغطى نقول: هذا يعد لباساً؛ لأنه في حكم القميص.
الجواب: رائحة الطيب إن كان له رائحة زكية لكن لا يتطيب فيها بالعادة فنقول: لا بأس بذلك، الآن غالب الدهان وضع فيها الرائحة لإزالة نفس الدهن، أما إن كان هذا الدهان فيه تعطير -يعني طيب المسك- مثل الدهان الذي يسمى دهن المسك فنقول: تمنع منه المرأة؛ لأن هذا يتطيب فيه في العادة، أما إذا كان فيه رائحة بسيطة تذهب بعد دقيقة أو خمس دقائق أو ربع ساعة ولا يقصد منه الطيب فحيئنذ لا بأس بذلك، والله أعلم.
الجواب: إن كانت هي من أهل مكة وأحبت أن تحج لقريب لها فإنه ينظر حالها، فإن كانت من أهل مكة لا يلزمها الهدي إذا كانت متمتعة أو قارنة، فالعبرة بالمكلف الذي يفعل العبادة، ولا عبرة بالموكل.
الجواب: هذه المسالة مسألة اختلاف أهل العلم، العلماء رحمهم الله ذكروا هذه المسألة، وأنا ذكرت هذا الخلاف حتى يعرف طالب العلم وخاصة في الحج أنه ربما يأتي والناس أكثر من مليوني حاج، فهذا يسمع عالماً، وهذا يسمع عالماً حتى يعذر بعضنا بعضاً، فإذا عرف أن أبا حنيفة ربما يكون قوله أقوى من مذهب الحنابلة أو مذهب الحنابلة ربما يكون أقوى من مذهب مالك ، وكلهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم يستقي ويأخذ علمه، ونحن حينما نذكر هذا الأقوال ونردها ونذكر القول الراجح فنقول لهذا الطالب المبتدئ: أنت انظر من هو أعلم في نظرك، فإن كنت ترى أن هذا أعلم فخذ بقوله، وإن كنت ترى أن كليهما عالمان عندك وقد اختلفا في الفتوى فنقول: خذ أيسرهما لك، كما قالت عائشة : ( ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً )، ولكن اختيارك لما هو أرفق بحالك ليس على سبيل التشهي بل على سبيل اختيار الرفق، ولكنك لو رأيت عالماً يقول: حرام، وعالماً يقول: حلال، وأنت ترى في قرارة نفسك أن القول بالتحريم أقرب فلا يسوغ لك ولا يجوز لك أن تذهب إلى القول بالإباحة بحجة أن عالماً أفتاك بذلك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( الإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس وإن أفتاك الناس وأفتوك ).
المقدم: أحسن الله إليكم يا شيخ عبد الله ! لعلي أختم بهذا التقعيد الجميل جزاكم الله خيراً.
الشكر لله تعالى ثم لكم ولجميع الإخوة على الموقع، وأعتذر عن عرض بقية الأسئلة نظراً لانتهاء الحلقة، أشكر نيبال من سوريا و أسماء الشاعر من مصر، عبد القادر من الجزائر، أم صالح من الجزائر، ميمونة من لبنان، و منال السيد من مصر.
الشكر الأكمل والأوفى للإخوة الحاضرين معي في الأستوديو، أعلم أن بين أيديكم الكثير من الأسئلة لكن أعتذر لانتهاء الوقت.
مشاهدينا الكرام بهذا أصل وإياكم إلى نهاية هذا الدرس كنا وإياكم بصحبة شيخنا الدكتور/ عبد الله بن ناصر السلمي عضو هيئة التدريس في المعهد العالي للقضاء، في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، يتجدد لقاؤنا بشيخنا يوم الإثنين القادم إلى ذلكم الحين ابقوا في حفظ الله ورعايته.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر