الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.
مشاهدينا الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في درس جديد من دروس عمدة الفقه، ضيفنا في هذا اللقاء هو فضيلة الشيخ الدكتور/ عبد الله بن ناصر السلمي أستاذ الفقه المساعد بقسم الفقه المقارن بالمعهد العالي للقضاء بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
يسرنا باسمكم جميعاً أن نرحب بضيفنا الكريم فحياكم الله يا شيخ عبد الله !
الشيخ: حياكم الله وبالإخوة المستمعين والمستمعات.
المقدم: أيضاً أرحب بالإخوة الحاضرين معنا في الأستوديو وأرحب بالإخوة والأخوات على موقع الأكاديمية من خلال استقبال أسئلتكم واقتراحاتكم وتوجيهاتكم وإجاباتكم أيضاً وعرضها على ضيفنا الكريم، كما أسعد أيضاً بتلقي اتصالات الإخوة والأخوات المشاهدين والمشاهدات على أرقام الهواتف والتي ستعرض تباعاً بين الفينة والأخرى، وعلى بركة الله نستهل درس هذا اليوم.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً وعملاً يا كريم، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل.
وبعد:
أحبتي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فقد وصلنا في باب الفدية إلى نهاية الباب، وقد وصلنا إلى قول المؤلف: [وكل هدي أو إطعام فهو لمساكين الحرم، إلا فدية الأذى فإنه يفرقها في الموضع الذي حلق به. وهدي المحصر ينحره في موضعه، وأما الصيام فيجزئه بكل حال].
في كلام المؤلف هنا مسائل:
القسم الأول: ما كان من هدي كهدي التمتع والقران أو ما كان فيه إطعام من فدية الأذى أو غيره، فالمؤلف رحمه الله يقول: ( فهو لمساكين الحرم ) يعني: يجب على المسلم أن يذبحه في الحرم؛ لقوله تعالى: ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج:33]، ولما جاء عند مسلم وغيره من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( نحرت هاهنا ومنى كلها فجاج ومنحر )، ولقول ابن عباس رضي الله عنه كما رواه البيهقي وغيره قال: ( الهدي والطعام بمكة والصوم حيث شاء ) وعلى هذا فإذا كان على المسلم هدي كهدي التمتع والقران فإنه يجب عليه أن يذبحه في الحرم؛ لقوله تعالى: ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج:33]، وللحديث الذي مر معنا، وكذلك الإطعام، فإذا وجد عليه الإطعام فإنه حينئذ يطعمه فقراء الحرم.
وذهب الحنفية والشافعية إلى أنه يذبحها في الحرم ويوزعها على فقراء الحرم، والأقرب والله أعلم أن له أن يذبحها كيف شاء إلا أن الأفضل أن يذبحها في الحرم؛ لأن ذبحها في الحرم أفضل من غيرها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث الهدي من غير حج ولا عمرة فتذبح في الحرم، إلا أنه يجوز له في فدية الأذى أن يذبحها خارج الحرم، ودليل ذلك: حديث كعب بن عجرة الذي رواه البخاري و مسلم ( أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما رأى القمل يتناثر على وجهه، قال: ما كنت أرى أن الجهد بلغ بك ما أرى، أتجد شاة؟ قال: لا فأنزل الله قوله تعالى: فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة:196]، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يختار أيها شاء )، وفي بعض الروايات: ( أنه ذبح شاة )، ومعلوم أن كعب بن عجرة حينما أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم كان زمنها زمن الحديبية، ومن المعلوم قطعاً عند الكافة والخاصة أن النبي صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية منع من دخول الحرم، فهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره أن يبعث بهذا الهدي ليذبحه في الحرم، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.
ومن المعلوم أن محل النحر في الحرم؛ لقوله تعالى: ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج:33]، وعلى هذا فإن من أحصر له أن يذبحه في المكان الذي أحصر فيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حينما أمروا بالهدي فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196] حينما أمروا ذبحوها، وقد جاء في رواية الإمام أحمد أنهم كانوا في الحل، والله أعلم.
هنا نكون قد انتهينا من باب الفدية، وندخل في باب: دخول مكة.
وأنا أتأسف للإخوة حينما لم نستطلع هذا الكتاب قبل الحج، ولكن عذرنا أننا استفدنا فائدة عظيمة؛ وهي أن نعرف أثر اختلاف أهل العلم وفائدة اختلاف أهل العلم وأنهم كلهم ينحى بما يدل عليه دليل من كتاب أو سنة، ويعرف طالب العلم كيف يحاول أن ينمي قدرته الفقهية، وكيف يستطيع أن يرد على هذه الأقوال؛ لأننا في زمن أصبح العالم قرية واحدة فأصبح الناس يسمعون الدليل الموجب والدليل المحرم، فلا بد أن يعرف كيف يستدل وكيف يناقش.
جماهير أهل العلم ذهبوا إلى أنه يستحب له أن يبيت بذي طوى، وفي بيات النبي صلى الله عليه وسلم بذي طوى حكم، من ذلك: أن ذا طوى كانت هي المكان الذي تحالف كفار قريش فيه لأذى النبي صلى الله عليه وسلم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين من حديث أبي هريرة : ( إنا قاصدون غداً في خيف بني كنانة حيث تحالفوا على الكفر ) وكان النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يبيت قبل أن يدخل، وإذا أراد أن يخرج من مكة أيضاً يبيت بذي طوى وهو المحصب الذي جاء في حديث عائشة رضي الله عنها، وعلى هذا فإذا علمنا مقصد ذلك فإنه يشرع أن يبيت بذي طوى، لكن إذا كان الإنسان في زماننا هذا يشق عليه أن يذهب إلى ذي طوى فيبيت فنقول لهم: لا حرج عليكم أن تدخلوا مكة ولا تبيتوا فيها.
نقول: جماهير الفقهاء من الحنابلة والشافعية والمالكية يستحبون للحاج أو المعتمر أن يدخل مكة نهاراً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة نهاراً كما في الصحيحين من حديث ابن عمر ، وذهب بعض الفقهاء إلى أن ذلك إنما وقع اتفاقاً، وقد دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة ليلاً كما روى محرش الكعبي عند أهل السنن: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ عمرة من الجعرانة ودخل مكة ليلاً )، وهذا الحديث يدل على أن الأفضل أن يدخل الإنسان نهاراً بحيث يتقصد الدخول في النهار؛ ولكن لو دخلها ليلاً فلا حرج في ذلك كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم في عمرته من الجعرَانة أو من الجعرَّانة قراءتان.
وهل دخول النبي صلى الله عليه وسلم من الثنية العليا كان قصداً أم وقع اتفاقاً؛ لأنه كان أسمح لدخوله لأنه جاء من جهته؟
قولان عند أهل العلم، وأرى والله أعلم أن قول أكثر الفقهاء: أن الدخول من الثنية العليا للرسول صلى الله عليه وسلم الله أعلم بما هو مقصده، ومما يدل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من الثنية السفلى، ولو كان دخوله من الثنية العليا أسمح؛ لأنه كان في طريقه فمن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان طريقه الذي دخل منه فخرج منه، فلما فرق عليه الصلاة والسلام بين دخوله وبين خروجه دل على أن الدخول من الثنية العليا والخروج من الثنية السفلى هو السنة، ومما يدل على ذلك ما جاء في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنه، يقول نافع : كان ابن عمر يقول: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل مكة من الثنية العليا ويخرج من الثنية السفلى )، وروت عائشة ( أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة دخل من الثنية العليا ) وعلى هذا فالأفضل أن يقصد فعل النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: ( خذوا عني مناسككم ).
المؤلف رحمه الله يقول: (اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم) وبينا أن الحديث ضعيف.
المؤلف رحمه الله ذكر هنا سنناً: السنة الأولى: أنه إذا رأى البيت رفع يديه، وبمجرد دخوله إلى المسجد -على كلام المؤلف- يرى البيت، وقد ذكر ابن تيمية قبل وجود الأبنية، أما مع وجود الأبنية فإنه يتقدم حتى يرى البيت، فإذا رأى البيت على كلام المؤلف فإنه يرفع يديه، واستدل الحنابلة على رفع اليدين عند رؤية البيت بما رواه الإمام الشافعي في مسنده وفي كتاب الأم وعند البيهقي من حديث سعيد بن سالم عن ابن جريج : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى البيت رفع يديه ) وهذا الحديث ضعيف، وضعفه من وجهين:
الوجه الأول: أن سعيد بن سالم ضعيف لا يحتج بحديثه، الوجه الثاني: أن ابن جريج بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم مسافة تنقطع فيها أعناق الإبل فلم يسمع ابن جريج ولا عن واحد من الصحابة على الصحيح، ولكن هذا مرسل من مراسيل ابن جريج، فعلى هذا فالحديث ضعيف، فلا يصح في رفع اليدين عند رؤية البيت حديث، وقد روى ابن المنذر في الأوسط أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا ترفع الأيدي إلا في سبع: تكبيرة الصلاة واستقبال القبلة وفي الموقفين -يعني: عرفة ومزدلفة- وعند الجمرتين وعلى الصفا والمروة )، ولكن هذا الحديث أيضاً ضعيف، وعلى هذا فإنه إذا رأى البيت فإنه لا يرفع يديه؛ ولكن إذا رأى البيت جاز له أن يقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام، ودليل ذلك ما رواه البيهقي عن سعيد بن المسيب أنه قال: سمعت من عمر رضي الله عنه كلمة لا أرى أحداً غيره يقول إذا رأى البيت: اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام. هذا حسن، ولكن لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن قول عمر ينبغي الاقتداء به؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم كما عند أهل السنن: ( اقتدوا بالذين من بعدي
يقول المؤلف: (فإذا رأى البيت رفع يديه وكبر الله وهلله وحمده ودعاه) وقلنا: إنه لم يرد حديث صحيح أو حسن في أنه إذا رأى البيت يدعو إلا ما ورد عن عمر ، وبالتالي فلا ينبغي للمؤمن أن يبالغ في ذلك، بل يمشي ويقول ما ورد عن عمر بن الخطاب ، ومن المعلوم أنه لو كان ثمة ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم لتناقله الصحابة، كيف لا وهم بسنة النبي صلى الله عليه وسلم كانوا أقدى! وبالاقتداء به كانوا أحرى وأجدر! واتباع السنة خليق بهم وأولى! على كل حال لا ينبغي للمسلم أن يصنع شيئاً إلا ما أمره النبي صلى الله عليه وسلم أو رأى النبي صلى الله عليه وسلم يفعله أو الخلفاء الراشدين.
المؤلف أراد أن أول طواف الحاج لا يخلو من قسمين: القسم الأول: إما أن يكون معتمراً، والاعتمار هنا يصدق عليه أن يكون متمتعاً أو معتمراً في غير وقت الحج.
القسم الثاني: أن يكون قارناً أو مفرداً، المؤلف رحمه الله: قال: (يبتدئ بطواف العمرة إن كان معتمراً) يعني: سواء كان متمتعاً أو معتمراً فإن طوافه هنا طواف عمرة وهو طواف ركن.
القسم الثاني: إن كان مفرداً أو قارناً فطوافه هنا يسمى طواف القدوم، وذهب جماهير أهل العلم خلافاً لـمالك إلى أن طواف القدوم في حق القارن والمفرد سنة، ودليل ذلك: ما رواه مسلم من حديث جابر: ( أن
المؤلف رحمه الله يقول: (ويضطبع بردائه)، يستحب الاضطباع، والاضطباع كما أشار إليه المؤلف قال: (فيجعل وسطه تحت عاتقه الأيمن وطرفيه على عاتقه الأيسر)، وهذا هو قول عامة الفقهاء خلافاً لـمالك رحمه الله، فإن الاضطباع في حق كل من ابتدأ الطواف وهو لابس إحرامه فإنه مشروع، ودليل ذلك ما روى أبو داود و الترمذي وغيرهما من حديث ابن عباس أنه قال: ( إن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لما اعتمروا من الجعرانة رملوا بالبيت، وجعلوا أرديتهم تحت آباطهم، ثم قذفوها إلى عواتقهم اليسرى ) وهذا هو الاضطباع، والاضطباع يشرع في حق المعتمر أو الحاج الذي قدم مكة حين ابتداء الطواف، والذي يخطئ فيه كثير من الحجاج أنهم يضطبعون من حين الإحرام وهذا خطأ، بل الاضطباع مشروع في أول طواف يقدمه الحاج، ثم بعد الطواف يأخذ بردائه فيجعله على عاتقيه، والاضطباع سنة من أول الطواف إلى آخره، لا كما يقول بعض الفقهاء: يضطبع ثلاثة أشواط، فهذا ليس عليه دليل، بل يضطبع حتى نهاية الطواف.
طيب. المؤلف رحمه الله بين صفة الاضطباع، وهو أن يكشف عاتقه الأيمن ويغطي عاتقه الأيسر، وينبغي للإخوة الذين يريدون أن يصلوا فإنه لا يشرع في حقهم أن يصلوا وهم مضطبعون، فالاضطباع كما قلنا: إنما هو في الطواف، والمسنون والواجب في حق الإنسان أن يصلي وعاتقيه قد غطيا؛ لما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يصل أحدكم في ثوب وليس على عاتقه منه شيء )، وفي رواية: ( على عاتقيه منه شيء ).
وهل الاضطباع يشرع في السعي؟
عامة الفقهاء قالوا: إنما يشرع في الطواف فحسب، وأما السعي فلا يشرع فيه الاضطباع، وهذا هو الراجح خلافاً للإمام الشافعي ، ولهذا حينما قيل للإمام أحمد: أيضطبع في السعي؟ قال: ما سمعنا فيه شيئاً، والقياس لا يصح منه إلا ما عقل المعنى، وهذا تعبد محض، كما نقل ذلك ابن قدامة في كتابه العظيم المغني، وهو مغني كاسمه.
بعد ذلك يقول المؤلف: ( ويبدأ بالحجر الأسود ) هذا هو السنة في حق المعتمر والحاج؛ أنه يبتدأ من حين دخوله بالطواف، فلا يشرع في حقه أن يبدأ بسنة تحية المسجد، لكن صحيح أنه إذا جاء والإمام قد شرع في صلاة الفريضة فإنه والحالة هذه يبتدئ بالصلاة، فإذا انتهى الإمام بالصلاة فإنه يذهب فيطوف.
الحال الأولى: أن يستلمه ويقبله، وهذا هو الأفضل، ودليل ذلك ما روى البخاري و مسلم من حديث أسلم قال: ( رأيت
الحال الثانية: أن يستلمه ولا يستطيع تقبيله، ففي هذه الحال إذا استلمه بيده فإنه يقبل يده، كما روى البخاري من حديث نافع قال: ( رأيت
الحال الثالثة: ألا يستطيع أن يستلمه، فإنه إن استطاع أن يستلمه بعود أو بعصا أو بمحجن فله ذلك، ويقبل المحجن الذي مس الحجر، ودليل ذلك ما رواه مسلم في الصحيح من حديث أبي الطفيل عامر قال: ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت واستلم الركن بمحجن، ورأيته يقبل المحجن ).
الحال الرابعة: ألا يستطيع أن يستلمه ولا يستطيع أن يستلمه بشيء، فله أن يشير إليه، وهو السنة، وقد روى البخاري من حديث ابن عباس أنه قال رضي الله عنه: ( طاف النبي صلى الله عليه وسلم على بعير كلما أتى الحجر أشار إليه وكبر ) هذه أربعة أحوال.
وهل يشرع أن يسجد على الحجر؟ الأحاديث الواردة في ذلك ضعيفة، والمؤلف ذكر حديثاً يرويه محمد بن عون عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه قال: ( استقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجر ثم وضع شفتيه عليه ثم بكى طويلاً، ثم التفت إلى
لم ننه مسألة السجود، فالسجود وإن لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم فقد فعله الصحابة؛ فعله ابن عباس وفعله عمر كما في بعض الروايات، وحينئذ نقول: لا حرج أن يسجد عليه الإنسان كما هو مذهب جماهير أهل العلم، وإن كانت السنة أن يقبله، وقد أنكر مالك السجود عليه، ولكننا نعلم أنه يسجد لله على الحجر.
وما الفرق بين السجود على الحجر وتقبيله؟
السجود يعني: يضع جبهته على الحجر، والتقبيل يعني: يضع شفتيه على الحجر، هذا هو الفرق، وحديث ابن عباس المرفوع ضعيف؛ ولكن لو فعل فلا بأس بذلك، وإن كانت السنة أن يقبله فحسب.
الجواب: حديث أبي رافع : هو أنه قال: ( تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم
الجواب: حديث خلاد بن السائب عن أبيه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية والإهلال ) هذا الحديث فيه كلام حيث أن خلاد بن السائب تكلم فيه، والأقرب والله أعلم أن خلاداً غريب الحديث، خاصة أن أهل الحديث قالوا: إن الرجل ولو كان ضعفه يسيراً إذا روى عن قريب منه ملاصق له فإن الأقرب أنه لا يكاد يخطئ فيه، فـخلاد بن السائب إنما يروي عن أبيه، فالأقرب أن حديث خلاد بن السائب حسن.
الجواب: ذو طوى الآن أصبحت داخل مكة، نقول: نعم، يذهب ويبيت، وعلى كل حال المسألة على الاستحباب لكن لو لم يبت ثم بعد الفجر يذهب إلى مكة فلا حرج في ذلك؛ لأن البيتوتة لا تلتزم النوم كما لا يخفى.
الجواب: الأقرب أن مكانها كلها قريبة من بعض، وإن كان ذو طوى قريباً من خيف بني كنانة؛ لأن المقصد هو الوادي، والمحصب والخيف وذو طوى فيما أعلم وأفهم أن كلها تقع في هذا الوادي، والله أعلم.
الجواب: قول النبي : ( يا
دين النبي محمد أخبار نعم المطية للفتى آثار
لا ترغبن عن الحديث وأهله فالرأي ليل والحديث نهار
ولربما جهل الفتى أثر الهدى والشمس طالعة لها أنوار
الجواب: الأولى أن يبرأ المرء ذمته في ذلك، ولكن أيام التشريق لا ينبغي له أن يصوم إلا لمن لم يجد هدياً وهو هدي التمتع والقران، كما جاء عند البخاري من حديث ابن عمر و عائشة لم يرخص في أيام التشريق أن يصم إلا لمن يجد الهدي؛ لأن هذا مما يفوت وقته، أما فدية الأذى فله أن يصوم في أي وقت شاء وفي أي مكان شاء، وإن كان الأولى أن يصومه حيث وجد سببه كما ذكر المؤلف.
الجواب: سؤال جيد، أيها الإخوة! فرق بين الفسخ وبين الإدخال، إذا أنت لبيت بالعمرة ثم أدخلت عليها الحج صرت قارناً؛ لأنك أهللت بالعمرة والحج جميعاً فصرت قارناً كما صنعت عائشة رضي الله عنها.
القسم الثاني: أن تلبي بالحج وتدخل عليها العمرة فجماهير الفقهاء لم يجوزوا ذلك، لأنك إذا أهللت بالحج صرت مفرداً، وإذا أدخلت -ومعنى أدخلت: يعني أنك لم تبطل الأول واستفدت من الثاني- العمرة على الحج لتكون قارناً فإن أكثر الفقهاء منع من ذلك؛ قالوا: لأنه لم يستفد شيئاً؛ لأن الإفراد أفضل من القران الذي لم يسق الهدي فيه.
القسم الثالث: هو أن يكون حاجاً يعني مفرداً، ثم يفسخ الحج ليجعلها عمرة، فهنا جائز، سواء لبى بالعمرة والحج جميعاً ليفسخ القران ويكون معتمراً يعني: متمتعاً، أو يكون ملبياً بالحج مفرداً فيفسخ الحج ويكون معتمراً أي متمتعاً، وأرجو أن يكون هذا التوضيح واضح.
الجواب: من أتى أهله قبل طواف العمرة فقد فعل محظوراً من محظورات الإحرام المغلظة؛ وهو الوطء قبل أن يتحلل التحلل الأول، وحينئذٍ فقد افتى ابن عباس رضي الله عنه أن عليه البدنة، وهذا جيد، ولكن لو ذبح شاة أجزأه إن شاء الله، وإن كان الأحوط أن يذبح بدنة، والله أعلم.
الجواب: العلماء رحمهم الله ذكروا أن المرأة إذا توفي عنها زوجها وقد شرعت في الحج لا يخلو من حالين:
الحال الأولى: أن يموت زوجها في الطريق، فإن أكثر أهل العلم قالوا: لها أن تكمل حجها؛ لأجل أنها لو رجعت فسوف ترجع بلا محرم ولو أكملت فسوف تكمل بلا محرم، وعلى هذا فحكمها سيان فتبدأ بإكمال الحج.
الحالة الثانية: إن توفي عنها زوجها وهي ما زالت في بلدها فإن الأولى أن تبقى في عدتها، وكونها لا تستطيع أن تحج إلا بعد عشر سنين فنقول: كل من لا يستطيع أن يذهب ليحج إلا بناء على أنظمة لخمس سنوات أو عشر سنوات فإنه يعد غير قادر على الحج، فالمرأة إذا لم تجد محرماً فنقول حينئذ: لا يجب عليك، أما الذي هو قادر على الحج ولكنه لا يستطيع بسبب أنه كل خمس سنوات فنقول: لو مات وجب عليه أن يخرج من تركته؛ لأنه وجب عليه الحج، ومسألة الخمس سنوات يسميها العلماء لزوم السير إلى الحج، والله أعلم. فأرى أن تبقى الأخت؛ لأجل العدة، والعدة أعظم من سيرها، والله أعلم.
الجواب: قول ابن عمر (أن النبي صلى الله عليه وسلم أفرد الحج) إنما رواه بكر بن عبد الله المزني عن ابن عمر : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أفرد الحج )، وقد ذكر ابن تيمية أن بكر بن عبد الله المزني إنما رواه عن ابن عمر بالمعنى، وإلا فإن ابن عمر قد بين (أن النبي صلى الله عليه وسلم تمتع بالعمرة إلى الحج وساق الهدي معه، فبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالحج ثم أدخل عليه العمرة)، وهذا يدل على أن قوله: ( أفرد الحج ) يحتمل أن يكون هذا من قول ابن عمر ويحتمل فهم من قول: بكر بن عبد الله المزني الراوي عن ابن عمر ، ولو قلنا: إنه أفرد الحج بمعنى أنه عمل أعمال المفرد، بدليل أن أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم يجمع بعضها بعضاً ولا يترك بعضها ويؤخذ ببعض، و ابن عمر قد روى البخاري و مسلم من طريق الزهري عن سالم عن ابن عمر أنه بين: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم تمتع بالعمرة إلى الحج وأهدى وساق الهدي معه )، فكل من تمتع وساق الهدي فإنه يكون قارناً، وقد بينا وقلنا: إن الصحابة يسمون القارن متمتعاً، كما قال عمران بن الحصين في الصحيحين: ( تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج ).
الجواب: من فاته الوقوف بعرفة إلى الغروب لا يخلو من حالين:
الحال الأولى: أن يكون قد دخل عرفة قبل الغروب، فإنه لو خرج قبل الغروب وجب عليه أن يرجع ليخرج بعد الغروب، فإن جاء بعد غروب الشمس وجب عليه دم.
الحال الثانية: ألا يأتي إلا بعد الغروب فنقول: وقوفك بعرفة صحيح ولا شيء عليك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في قصة عروة بن المضرس : حيث أتى النبي صلى الله عليه وسلم أي وهو يصلي في مزدلفة، فقال: ( يا رسول الله! جئتك من جبل طي، أكللت مطيتي وأتعبت نفسي، فوالله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من شهد صلاتنا هذه وقد وقف قبل ذلك بعرفة أي وقت شاء من ليل أو نهار فقد تم حجه وقضى تفثه )، وبالتالي فنقول: إن الوقوف بعرفة لا يخلو أن يأتيها قبل الغروب أو يأتيها بعد الغروب كما جاء بالتفصيل عليه قبل قليل.
الجواب: عامة الفقهاء يرون أن التكبير في حق المعتمر أو في حق الطائف إنما هو مستحب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، ولم ينقل عن أحد من الصحابة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالتكبير فيدل فعله على الاستحباب.
الجواب: هذا سؤال جيد وكنت سوف أفصل فيه في شرحنا أما وقد ورد في الأسئلة فنقول: إن الأفضل في حق الطائف أن يدعو أي دعاء شاء، يدعو يسبح يهلل، وهل له أن يقرأ القرآن؟ الأقرب والله أعلم أن له يقرأ القرآن خلافاً لبعض السلف كـعبد الله بن المبارك فإنه أنكر ذلك، و ابن تيمية رحمه الله يقول: وكون المعتمر أو الحاج يفعل ما لم يختلفوا عليه أولى من أن يفعل ما اختلفوا عليه، ما هو الذي لم يختلفوا عليه؟ التسبيح والدعاء والتهليل والتكبير وغير ذلك من الذكر، هذا لم يختلفوا عليه، فهو أفضل من أن يقرأ القرآن، لكن لو قرأ القرآن فإنه جائز ولا حرج في ذلك إن شاء الله.
الجواب: رفع اليد عند الحجر فيه مسائل: المسالة الأولى: أنه يشرع أن يرفع يديه واحدة، وما يفعله بعض الإخوة من رفع يديه جميعاً فهذا خطأ، الثاني: أن طريقة الرفع إنما هي الإشارة، أما ما يفعله بعض الإخوة على طريقة الدعاء فهذا خطأ، الأمر الثالث: أنه يشير إليه مرة واحدة ولا يشير إليه مرتين أو ثلاثاً كما يصنعه العامة، والله أعلم.
يقول: السؤال يا شيخ: هل يجب الحج على من عليه دين أو أن يستدين من شخص ليحج بذلك الدين؟ بارك الله فيكم.
الجواب: أحبك الله الذي أحببتنا فيه! فقد روى الإمام أحمد رحمه الله: ( أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم وقد مر رجلاً من الصحابة عندهما، فقال: يا رسول الله! إني والله لأحب فلاناً، قال: اذهب إليه فأخبره أنك تحبه ) فنقول: أحبك الله الذي أحببتنا فيه، ولا شك أن المحبة في الله إذا كانت خالصة لوجهه فإنها من أعظم القربات إلى الله كما قال النبي صلى الله عليه وسلم عند مالك : ( أين المتحابون في جلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي ).
أما سؤال الأخ، فأنا أقول: أن كل من عليه دين لا يخلو من أحوال:
الحال الأولى: إن كان الدين حالاً، فنقول: إن كان عنده ما يفي فلا بأس أن يحج ويعطيه، وإن كان ليس عنده ما يفي فلا يجوز له أن يحج حتى يفي، ولكن لو حج فحجه صحيح مع الإثم.
الحال الثانية: إذا كان دينه مؤجلاً، فإذا كان دينه مؤجلاً وحلوله يحل قبل انتهاء الحج فنقول أيضاً: لا يجوز لك حتى تعطيه حقه، فإن كان الدين سوف يحل بعد رجوع الحاج فنقول: حج ولا حرج عليك، هذا في حق من ليس دينه على التقسيط، أما الذي دينه على التقسيط ويسحب من راتبه فإنه يحج؛ لأنه يعتبر له ما يفي فيه. والله أعلم.
الشيخ: نعم، الأسئلة في الحلقة القادمة كالتالي: السؤال الأول: متى يشرع الاضطباع؟
السؤال الثاني: ماذا يقول الطائف عند استلام الحجر؟
المقدم: أحسن الله إليكم يا شيخنا! وجزاكم الله خيراً.
بعد الشكر لله تعالى أشكركم على حضوركم على هذا الشرح، ثم أشكر الإخوة الحاضرين والإخوة والأخوات على الموقع، وأعتذر عن عرض بقية الأسئلة.
الشكر موصول لكم أيها الأحبة! أينما كنتم وحيثما كنتم، يتجدد اللقاء بكم في الحلقة القادمة إلى ذلكم الحين ابقوا في حفظ الله ورعايته.
استودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر