الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
مشاهدينا الكرام أينما كنتم, السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً مرحباً بكم في درس جديد من دروس متن عمدة الفقه.
في هذا الدرس نتشرف وإياكم بالسماع لفضيلة شيخنا الدكتور: عبد الله بن ناصر السلمي ، قبل أن أرحب بضيفنا لعلي أعتذر عما كنت وعدتكم به في الحلقة الماضية أن هذه الحلقة ستكون عملية عن صفة الحج, لكن لعلنا نعرض هذه الصفة نظرياً, ثم بعد ذلك يكون من المناسب أن نبينها عملياً في حلقة أخرى تعلن لكم على الشاشة وتعلن لكم أيضاً على موقع الأكاديمية الإسلامية المفتوحة.
باسمكم جميعاً أرحب بضيفنا فحياكم الله يا شيخ عبد الله .
الشيخ: حياكم الله وبالإخوة المستمعين والمستمعات.
المقدم: الترحيب موصول لجميع من يشاهدنا من خلف الشاشات أو من يسمعنا من على موقع الأكاديمية أو حتى الحضور معنا في الأستديو, نسعد بمداخلاتكم ومشاركاتكم بالاتصال على أرقام الهواتف التي ستعلن خلال الحلقة بين الفينة والأخرى، أيضاً من خلال موقع الأكاديمية الإسلامية التي طالما أسعدتمونا من خلاله بمشاركاتكم ومداخلاتكم ودعمكم لهذا البرنامج الذي بكم ومن أجلكم انطلق ويستمر بإذن الله تعالى.
في هذه الحلقة نبدأ في صفة الحج، ولعلنا نعرضها كما ذكرت في البداية نظرياً ثم نعاود عرضها علمياً في حلقة أخرى، فعلى بركة الله نبدأ درسنا.
الشيخ: جزاك الله خيراً يا شيخ عبد الرحمن !
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً وعملاً يا كريم! اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:
أحبتي الكرام وصلنا إلى قول المؤلف: (باب صفة الحج)، وصفة الحج هي أهم ما في باب كتاب الحج؛ لأنها هي عمود أعمال النسك التي يفعلها الحاج أيام الحج العظمى, وهي من يوم التروية إلى آخر غروب الشمس من اليوم الثالث عشر.
[باب صفة الحج]. يقول المصنف رحمه الله تعالى: [وإذا كان يوم التروية فمن كان حلالاً أحرم من مكة وخرج إلى عرفات فإذا زالت الشمس يوم عرفة صلى الظهر والعصر يجمع بينهما بأذان وإقامتين, ثم يروح إلى الموقف، وعرفات كلها موقف إلا بطن عرنة، ويستحب أن يقف في موقف النبي صلى الله عليه وسلم أو قريباً منه عند الجبل قريباً من الصخرات، ويجعل حبل المشاة بين يديه, ويستقبل القبلة ويكون راكباً، ويكثر من قول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير، ويجتهد في الدعاء والرغبة إلى الله عز وجل إلى غروب الشمس، ثم يدفع مع الإمام إلى مزدلفة عن طريق المأزمين, وعليه السكينة والوقار، ويكون ملبياً ذاكراً لله عز وجل].
يقول المؤلف: (إذا كان يوم التروية فمن كان حلالاً أحرم من مكة).
هذا الكلام فيه فوائد ومسائل: المسألة الأولى: أن من كان حلالاً وهو المعتمر الذي تحلل من عمرته وأصبح حلالاً، وكذلك كل من كان بمكة من أهلها أو من غيرها ممن أخذ عمرة وجلس في مكة، فإن هذين الشخصين يستحب لهما يوم التروية أن يهلا بالحج.
ويوم التروية هو اليوم الثامن, سمي يوم التروية بذلك على الأشهر لأن الناس كانوا يتروون الماء إلى منى ويحتاجون إليه في عرفة أيضاً.
وقيل في سبب تسمية يوم التروية بذلك لأن إبراهيم عليه السلام حينما رأى في اليوم الثامن أنه يذبح ابنه فلم ير أنها وحي أم لا، حتى تيقن ذلك في عرفة, وعرف أنها رؤيا حق، فسمى يوم التاسع يوم عرفة ويوم الثامن يوم التروية، والأقرب والله أعلم هو المعنى الأول؛ أنه سمي يوم التروية؛ لأن الناس كانوا يتروون الماء في يوم الثامن.
يقول المؤلف: (إذا كان يوم الثامن، فمن كان حلالاً).
أفادنا المؤلف في قوله: (حلالاً) ليخرج بذلك القارن والمفرد؛ لأن القارن والمفرد يلزمهما بقاء الإحرام في حقهما بعدما طافا للقدوم، وسعيا سعي الحج، أو الحج والعمرة إذا كان قارناً، ويبقيان على إحرامها إلى يوم العاشر، ولهذا قال المؤلف: (فمن كان حلالاً) والحلال هو المتمتع الذي أخذ عمرته، وكذلك من كان من أهل مكة فإنه يهل يوم الثامن.
هذا هو الأشهر وهو الراجح أن الإهلال يكون يوم الثامن, وهذا قول أكثر أهل العلم، ودليل ذلك ما رواه جابر في صحيح مسلم قال رضي الله عنه: ( فحل الناس كلهم إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدي فإنهم لم يحلوا من إحرامهم، فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج، ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى منى فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم مكث )، الحديث.
المؤلف رحمه الله يقول: (فمن كان حلالاً أحرم من مكة)، بل بالغ بعض الحنابلة فقال: والأفضل أن يحرم من تحت الميزاب، ولا شك أن إحرامه بمكة جائز، لكن أن يكون الأقرب للسنة والله أعلم هو اختيار أبي العباس بن تيمية رحمه الله، وهو أن الأفضل أن يحرم من المكان الذي هو فيه، فإن كان بمنى فإنه يحرم بمنى، وإن كان بمكة فإنه يحرم بمكة، وإن كان في بيته فإنه يحرم ببيته،كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ( حتى أهل مكة يهلون منها ).
ومما يدل على ذلك هو ما جاء في صحيح مسلم من حديث جابر : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يهلوا يوم التروية, قال
يقول المؤلف: (وخرج إلى عرفات).
الأفضل في حق المتمتع ومن كان من أهل مكة أن يذهبوا إلى منى، وأن يدخلوا في النسك ضحى يوم التروية، بحيث إذا زالت الشمس من اليوم الثامن يكونون محرمين، ومن الأخطاء التي تحصل عند كثير من الحجاج أنهم لا يهلون إلا ليلة عرفة أو صبيحة عرفة أو ضحى يوم عرفة، ولا شك أن هذا مخالف للسنة.
أولاً: الإقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم.
الثاني: لأنك لو ذكرت الله سبحانه وتعالى وأنت محرم فإن ذلك أفضل مما لو ذكرت وأنت غير محرم.
الثالث: أنك إذا أحرمت فإنه يشرع في حقك أن تلبي, والتلبية في حقك أعظم قربة من الأذكار الأخرى، وأنت إذا لم تكن قد أحرمت فإنه تفوتك هذه السنة.
الأمر الرابع: وهو مهم، أن صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء وأنت محرم، أو وأنت محرمة أختي الفاضلة! أقرب عند الله وأفضل مما إذا لم تكن محرماً. هذه أربع.
الخامس: وهذا مهم جداً أيضاً، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر كما في الصحيحين من حديث ابن عباس في الرجل الذي وقصته ناقته وهو محرم قال: ( اغسلوه بماء وسدر، ولا تحنطوه وكفنوه في ثوبيه فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبياً )، فالرجل الذي أحرم ومات اليوم الثامن فإنه يكون يوم القيامة مهلاً وملبياً، أما لو كان لم يحرم فإنه قد فاته هذا الفضل العظيم بلا شك.
نقول: سنة، وهذا قول عامة الفقهاء، بل نقل ابن المنذر الإجماع على أن المبيت بمنى ليلة عرفة سنة، خلافاً لبعض أهل الظاهر حيث أنهم أوجبوا المبيت بمنى ليلة عرفة, ولا شك أن هذا القول بعيد، ومما يدل على قول عامة الفقهاء أنه سنة هو أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله, وفعله إذا خرج بياناً لمجمل القول دل على أنه مأمور به، وهذا المأمور إما أن يكون سنة وإما أن يكون واجباً.
وقولنا: إنه سنة دليله هو حديث عروة بن مضرس كما رواه أهل السنن أنه قال: ( يا رسول الله جئت من جبل طي أكللت مطيتي وأتعبت نفسي, فوالله ما تركت من حبل -وفي رواية: من جبل- إلا وقفت عليه, فهل لي من حج؟ فقال صلى الله عليه وسلم: من شهد صلاتنا هذه, وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه ).
ومن المعلوم أن عروة هل بات ليلة عرفة في منى أم لم يبت؟ الظاهر أنه لم يبت، وهذا هو الأقرب، فعلى هذا فالأفضل أن يبقى في منى ويبيت فيها، فإذا صلى الفجر جلس يذكر الله سبحانه وتعالى حتى تطلع الشمس, والسنة في الخروج إلى عرفة أن يكون بعد طلوع الشمس.
لكن في شدة الزحام أرى أنه يجوز للإنسان أن يترك السنة رفقاً بالحملة, وربما يثاب إثابة عظيمة؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لـعائشة : ( ولولا حدثان قومك بالكفر لرأيت أن أنقض البيت فأجعل لها بابين ) .
ومن المعلوم أن ترك النبي صلى الله عليه وسلم هذا الأمر إرفاقاً بحديث عهد بالإسلام وألا يشق عليهم، هذا أفضل من أنه يبني مع أن البناء هو سنة؛ ولهذا ذهب بعض أهل العلم إلى أن الأخذ بالرفق بالناس ربما يكون أعظم من فعل الشيء نفسه، وهذا ليس على إطلاقه بل ينبغي أن يكون بتأن وتروٍ، فلا يفتح المجال إلا لعالم خبير بالآثار.
ولهذا كانت قريش لا تشك إلا أنه واقف عند المشعر الحرام؛ لأن الرسول من قريش، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم خالفهم وخالف عاداتهم فوقف بنمرة.
إذاً: وقوف النبي صلى الله عليه وسلم بنمرة، قال: فوجد القبة قد ضربت له بنمرة, فأقام فيها حتى كان زوال الشمس. السؤال: هل الجلوس بنمرة على سبيل الاستحباب أم هو راحة؟ قولان عند أهل العلم، وأقربها هو أن البقاء في نمرة سنة لمن قدر على ذلك؛ ودليله أمران:
الأول: أن هذا هو فعله عليه الصلاة والسلام, وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( خذوا عني مناسككم ) .
الثاني: ما جاء في الحديث عنه عليه الصلاة والسلام: ( ثم أمر بقبة من شعر تضرب له بنمرة )، فهذا يدل على أنه أمر من النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا اتخذها الأمراء كما يقول عبد الله بن عمر ، ولا شك أن نمرة ليست من عرفة على الراجح, وهو قول عامة الفقهاء، لكن الإنسان بسبب شدة الزحام لو أنه ذهب من منى إلى عرفة ابتداء, وبقي في مخيمه فأرى أن هذا لا حرج فيه خلافاً لمن جعل ذلك من البدع، كما في بعض الكتب المتأخرة التي تحكم أن هذا من البدع، ولا شك أن هذا ليس من البدع؛ لأن هذا أسمح للإنسان.
ولا شك أن الذي يذهب إلى عرفة ابتداء لا يقول: أنا فعلت السنة, إنما يقول: أنا فعلت الأسمح لي، ولو طلب من الناس أن يطبقوا السنة في كل أمر لشق ذلك عليهم, ولكننا نقول: كل من استطاع أن يطبق السنة فنعما هي.
ذهب عامة الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية ورواية عند أحمد , بل نقل ابن حزم في مراتب الإجماع و ابن عبد البر في التمهيد الإجماع على أن بداية الوقوف بعرفة من بعد زوال الشمس، يعني: من بداية وقت الظهر، هذا قول عامة الفقهاء، واستدلوا على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقف بعرفة إلا بعد زوال الشمس.
وذهب الحنابلة إلى أن وقت الوقوف بعرفة يبدأ من طلوع الشمس, أو من طلوع الفجر إلى طلوع الفجر من ليلة العيد، واستدلوا على ذلك بحديث عبد الرحمن بن يعمر الذي رواه الثوري عن بكير بن عطاء الليثي عن عبد الرحمن بن يعمر أن ناساً من أهل نجد أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: ( يا رسول الله! كيف الحج؟ قال: الحج عرفة، فمن أتى عرفة قبل ذلك ليلاً فقد تم حجه وقضى تفثه )، قالوا: فهذا يدل على أن وقوفها ينتهي إلى قبل الفجر، وأما بدايته فقالوا: لحديث عروة بن مضرس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من شهد صلاتنا هذه وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً )، قال المجد أبو البركات في كتابه المنتقى: وفي هذا دلالة على أن الوقوف بعرفة يبدأ من الفجر أو كلمة نحوها، دليله: ( وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهارا )، فالنهار يطلق عليه قبل الزوال أو بعد الزوال.
وقول الحنابلة قوي إلا أننا نقول: إنه يجب عليه أن يقف بعد الزوال أولاً للأحوط, ولكنه لو لم يقف إلا قبل الزوال ثم خرج فأرى -والله أعلم- أن قول الحنابلة هو ظاهر النص, ولكن يجبره بدم؛ لأنه لم يبق إلى غروب الشمس.
يقول المؤلف: (وأما انتهاؤه فواضح).
وهو قول عامة الفقهاء أن وقت عرفة ينتهي من طلوع فجر يوم العيد, كما في حديث عبد الرحمن بن يعمر .
يستحب للإمام يوم عرفة أن يأتي الموقف, وعرفة كلها موقف, كما سوف يأتي بيانه، فيقف الموقف ثم يخطب الناس كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم, يذكرهم مسائل الحج من الوقوف في عرفة ومن أحكام مزدلفة, ومن أحكام منى, ومن أحكام رمي الجمار, والطواف وغير ذلك كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم.
ويذكر ما أهم الناس من أمر دينهم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا ) الحديث.
ومن المسائل أيضاً: أنه يشرع للحجاج المقيمين والمسافرين أن يجمعوا في عرفة بين الظهر والعصر جمع تقديم، هذا قول عامة الفقهاء، بل نقل بعض أهل العلم كـابن عبد البر الإجماع، وإن كان بعض أصحاب الحنابلة منع من الإجماع إلا في حق المسافرين, والصواب: أن الجمع ليس لأجل السفر بل الجمع لأجل الحاجة, فيجوز للإنسان أن يجمع وهو مقيم, ويجوز أن يجمع وهو مسافر، وإن كان الأصل أن السفر مظنة الحاجة فلو جمع وهو مسافر من غير حاجة جاز له ذلك؛ لأن السفر هو بحد ذاته من الحاجات، لكن له أن يجمع وهو مقيم كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ( أنه جمع بالمدينة من غير خوف ولا مطر ) وفي رواية: ( من غير خوف ولا سفر ).
وهذا الجمع ثابت في عرفة بين الظهر والعصر في وقت الظهر، حتى أهل مكة يجمعون.
السؤال الثاني: هل يقصر أهل مكة؟ أما المسافرون فإنهم يقصرون, وهذا هو قول الأئمة الأربعة لا إشكال في ذلك, لكن هل المكي يقصر أم لا؟ الجمهور من الحنابلة والشافعية والأحناف يرون أنهم لا يقصرون, والأحناف لهم قولان, لكن المشهور أنهم لا يقصرون فيما أذكر.
وذهب مالك رحمه الله إلى أنهم يقصرون، وهو اختيار ابن تيمية , لكن مالكاً قال: يقصرون لأجل النسك، و ابن تيمية قال: يقصرون لأجل أن أهل مكة إذا خرجوا من مكة فإنهم مسافرون، ولا شك أن دعوى أن أهل مكة مسافرون في هذا الزمان دعوى بعيدة؛ لأن منى ومزدلفة وعرفات أصبحت من مكة.
وبالتالي إما أن يقال: لا يقصرون لأنهم غير مسافرين, أو يقال: يقصرون لأنه نسك، ولا شك أنهم غير مسافرين.
السؤال: هل ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر أحداً من أصحابه أن يقصر لأجل النسك؟
نقول: لا, بل بين عليه الصلاة والسلام أن القصر إنما هو لأجل المسافر؛ كما روى أنس بن مالك الكعبي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله وضع عن المسافر شطر الصوم والصلاة )، فشطر الصلاة لأجل السفر, ثم إن قول المالكية: إنه يقصر لأجل النسك، قلنا: لو كان لأجل النسك فإنه يشرع له القصر من حين إحرامه في الحج ولا قائل به.
يعني: لو أن المكي وهو في بيته قام فلبس الإحرام وقال: لبيك عمرة وحضر وقت الظهر فإنه يقصرها ولا قائل به من أهل العلم المتقدمين فيما أعلم إلا بعض العلماء المتأخرين، وهذا بلا شك قول لم يقله أحد من أهل العلم المتقدمين. إلا مالكاً قال: يقصر بعرفة وبمزدلفة وبمنى, فلو صلى المكي خارج عرفة قال مالك : لا يقصر.
والراجح -والله أعلم- أن المكي يجمع في عرفة وفي مزدلفة ولكنه لا يقصر، أما في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فإنه ربما يقال: إنهم كانوا مسافرين، وربما كان النبي صلى الله عليه وسلم قد بين لهم، ولا يلزم أن يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبين لهم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد بين لهم أحكام العبادات مطلقاً، ولو قيل بذلك لقيل: إن المكي الذي صلى خلف النبي صلى الله عليه وسلم في مكة لم يقل له النبي صلى الله عليه وسلم: ( أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر ) وهذا الحديث لم يصح مرفوعاً, رواه عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يصح, إنما صح وقفه عن عمر , كما رواه مالك في موطئه.
يقول المؤلف: (صلى الظهر والعصر يجمع بأذان وإقامتين)، السنة أن يؤذن المؤذن أذاناً واحداً ويقيم إقامتين, هذا الذي رواه جابر في صحيح مسلم , وأما ما رواه ابن عمر : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن أذاناً وحداً وإقامة واحدة ) فإن هذا وهم من ابن عمر رضي الله عنه، وقد وافق جابراً غير واحد من الصحابة رضي الله عنه كـأسامة بن زيد ، ولعل ابن عمر سمع الإقامة الأولى ولم يسمع الإقامة الثانية لأجل البعد, والله أعلم.
الموقف هنا هو عرفة, ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( وقفت ها هنا وعرفة كلها موقف ) كما رواه أبو داود وغيره, والأفضل أن يقف المسلم بنحو ما وقف به النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال جابر في صحيح مسلم قال: ( ثم أمر بناقته القصواء فركبها, ثم جعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات، وجعل حبل المشاة بين يديه, واستقبل القبلة, وجعل يرفع يديه يدعو )، ولكن هذا ليس دليلاً على وجوب الوقوف في هذا المكان, بل كل عرفة موقف, لما روى يزيد بن شيبان كما رواه الترمذي , وقال: حديث حسن صحيح قال: ( أتانا
المؤلف رحمه الله قال: (وعرفة كلها موقف).
عرفة موقف كلها, أما عرنة فليست بموقف وهو المسيل الذي ترونه (الوادي), وكذلك نمرة على الأقرب والله أعلم, ودليل أن عرنة ليست بموقف ما رواه ابن خزيمة بسند جيد من طريق أبي الزبير عن أبي معبد عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم قال: ( ارفعوا عن بطن عرنة, وارفعوا عن وادي محسر )، أو قال: بطن محسر، ورواه ابن خزيمة أيضاً موقوفاً عن ابن عباس بلفظ كان يقال: ( ارتفعوا عن وادي محسر, وارتفعوا عن بطن عرنة )، هذا قول عامة الفقهاء، بل نقل ابن عبد البر الإجماع على أن عرنة ليست بموقف.
قال: إلا ما حكي عن مالك أنه إن وقف فإنه يصح حجه ويريق دماً, وفي هذا نظر, والله أعلم.
سبق وأن بينا موقف النبي صلى الله عليه وسلم وهو أن يجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات وحبل المشاة بين يديه وأن يستقبل القبلة، ومعنى حبل المشاة: طريق جبل المشاة الذي يمشون عليه أو الوادي الذين يمشون عليه.
قول المؤلف: (ويستقبل القبلة ويكون راكباً).
أيهما أفضل للواقف في عرفة أن يكون راكباً أم يكون غير راكب؟ المؤلف يقول: يكون راكباً؛ ودليله أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا وهو راكب.
والقول الثاني: أن الأفضل أن يجلس، قالوا : وأما النبي صلى الله عليه وسلم فإن ذلك لأجل أن يشرفوه يعني: يطلع عليه الناس، فالرسول صلى الله عليه وسلم مشرع بأبي هو وأمي، وكل من كان على حالة النبي صلى الله عليه وسلم معلماً للناس ومرشداً فإنه يصنع مثل فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وأما إذا لم يكن مرشداً ولا معلماً إنما هو من عامة الناس، أو وجد إمام للحج فإنه يجلس.
وذهب ابن تيمية رحمه الله إلى أن ذلك على حسب الأرفق به، فإن كان الأرفق به الركوب دعا راكباً, وإن كان الأرفق به الجلوس دعا ربه جالساً، وهذا بلا شك قول وسط، إلا أننا نقول: إنه إن كان يقتدى بفعله وفعاله فإنه ينبغي له أن يبرز للناس حتى يقتدوا به ويسألونه.
أفضل ما يدعو الحاج بقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير، كما روى البيهقي و الطبراني وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( خير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير )، فعليه أن يكثر من ذلك, بحيث يجعل قول: لا إله إلا الله أكثر من ألف مرة، ألفين حتى يتشجع, ولا يعني قولنا: ألفاً أو ألفين أن هذا تحديد, ولكن الحاج أو الإنسان إذا جعل له هدفاً سهل تحقيقه، فهو يقول: سأفعل ألفاً, فإذا قالها ألفاً قال: سوف أفعل ألفين, فإذا قالها ألفين قال: سوف أفعل ثلاثة حتى لا يكل ولا يمل ولا يكسل, فهذا هو معناه, فيكثر من قول: لا إله إلا الله, وهو في أثناء قول: لا إله إلا الله يكثر من الدعاء والتضرع والابتهال والانطراح والانكسار بين يدي الله.
وليستشعر العبد في هذا الموطن كرم الله ورجاءه وعفوه؛ ولهذا كان سفيان الثوري جالس مطأطئ رأسه, وكان معروفاً عنه الخوف، وكان وجلاً في كثير من عباداته, ولكن عبد الله بن المبارك أتاه فوجده يبكي وهو مطرح ساكن ذليل مخبت منيب. قال عبد الله بن المبارك وقد جثى على ركبتيه: يا أبا عبد الله ! -يعني: بذلك سفيان - من الخاسر في هذا اليوم؟ فرفع سفيان الثوري رأسه, وقد خضلت لحيته من الدمع قال: إن الخاسر من ظن أن الله لا يغفر له.
و الفضيل بن عياض رحمه الله رأى الحجيج وهم ما بين قائم وقاعد وساجد وباك وداع وقارئ, فنظر إلى أصحابه فقال: أترون هؤلاء الحجيج لو وقفوا عند ملك من ملوك الدنيا كريم وسألوه دانق -الدانق يا إخوان سدس درهم، والدرهم يقدر بريالين ونصف، سدس الدرهم تقريباً ربع إلا أو ربع وزيادة- أترونه يردهم؟ قالوا: والله لا يردهم، لا يردهم وأنت تقول: كريم، قال: لله أكرم من هذا الملك بدانقه، والله, لله أكرم بهذا الملك من دانقه، نعم إن العبد كلما استشعر عظمة الله, واستشعر فقره إليه واستشعر غنى ربه عنه, واعترف بذنوبه وتقصيره, فإن الله سبحانه وتعالى كريم، وإن أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد؛ لأن هذه صفة الذل والخضوع والإخبات، والعبد كلما كان كذلك كلما كان ذلك أنفع لدعائه، وليكثر من الدعاء وقول: لا إله إلا الله.
وأذكر أن سفيان بن عيينة جاءه رجل فقال: أي الدعاء أفضل يوم عرفة؟ قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير, فقال: يا أبا عبد الله ! هذا ثناء وأنا أريد دعاء, قال: أوما سمعتم قول الأعرابي:
أأذكر حاجتي أم قد كفاني حياؤك إن شيمتك الحياء
إذا أثنى عليك المرء يوماً كفاه من تعرضه الثناء
فهذا يدل على أن العبد إذا أثنى على الله ووصفه بصفات الكمال والإجلال والعظمة استفاد أمرين:
الأمر الأول: أنه أثنى على الله. والثاني: أنه دعا؛ لأن هذا دعاء وعبادة, كما بين أهل العلم ذلك.
بعدما يدعو العبد ربه ويستمر على ذلك إلى غروب الشمس, يجب على كل من دخل عرفة نهاراً أن يبقى إلى غروب الشمس ليجمع بين الليل والنهار، هذا هو قول أكثر أهل العلم, بل إن مالكاً رحمه الله قال: لا يصح حجه حتى يجمع بين الليل والنهار؛ لأن مالكاً يرى أن الليل هو أهم شيء، واستدل على ذلك بحديث رواه ابن عمر : ( من أدرك عرفة بليل فقد أدرك الحج, ومن لم يدرك عرفة بليل فلم يدرك الحج, وعليه أن يتحلل بعمرة, وعليه الحج من قابل ) هذا رواه ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وفي سنده ضعف، فيه رحمة بن مصعب , وهو ضعيف, هذا الذي أذكره, وقد ضعفه غير واحد من أهل العلم.
على هذا نقول: إن الوقوف بعرفة ينتهي في حق من دخل من النهار بعد غروب الشمس، أما إن خرج قبل ذلك فيجب عليه أن يرجع, فإن رجع قبل الغروب فلا شيء عليه، وإن رجع بعد غروب الشمس وجب عليه دم؛ لأنه خرج قبل وقته, والله أعلم.
ولا شك أن التلبية هنا أفضل؛ كما قال عبد الله بن مسعود : ما شأن الناس أنسوا أم أخطئوا؟ سمعت الذي أنزلت عليه البقرة يلبي في مثل هذا الموطن.
أما أسامة فهو رديف النبي صلى الله عليه وسلم من عرفة إلى مزدلفة.
قال المؤلف: (ثم يدفع مع الإمام إلى مزدلفة على طريق المأزمين).
على طريق المأزمين بكسر الزاي على الأشهر فيما أعلم.
يقول المؤلف: (وعليه السكينة والوقار).
هذا هو السنة أن الإنسان يمشي بسكينة ووقار وهو يلبي؛ كما في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: ( فجعل حبل ناقته القصواء إلى مورك رحله وهو يقول بيده: أيها الناس! السكينة, السكينة! )، وكما عند البخاري من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم بعدما سمع ضرباً بالسوط, يعني: يضربون النوق حتى تسرع فقال: ( أيها الناس! عليكم بالسكينة, فإن البر ليس بإيضاع الإبل )؛ لأن بعض الناس يحاول أن يصل مزدلفة قبل الناس، وإذا انتهى الحج أو صار أيام منى قال: أنا وصلت مزدلفة وقت كذا, وأنا وصلت مزدلفة وقت كذا, فهنا ينبغي للإنسان أن يخلص النية لله, وألا يؤذي عباد الله، وليعلم أنه كلما كان حجه من غير فسق ولا جدال كلما كان ذلك أقرب إلى الله سبحانه وتعالى وأدعى للقبول.
ولهذا قال عروة : ( سألت
يقول المؤلف: (ويكون ملبياً ذاكراً لله عز وجل, فإذا وصل مزدلفة صلى المغرب والعشاء قبل حط الرحال، يجمع بينهما). نقف عند هذا الموقف, ونسمع أسئلة الإخوة والأخوات, وتتفضل فضيلة الشيخ مشكوراً.
السؤال الأول يقول: ما هو الذكر الوارد عند الصفا والمروة؟ هذا سؤالكم في الحلقة الماضية.
السؤال الثاني: ما هي السنة في الركن اليماني في حق الطائف؟
وردت إجابات كثيرة الإجابات بمجملها لعلها تتلخص في إجابة السؤال الأول تقول: الذكر الوارد عند الصفا والمروة عندما يدنو إليها يقول: إن الصفاء والمروة من شعائر الله, أبدأ بما بدأ الله به.
وعندما يرى البيت ويستقبل القبلة يوحد الله ويكبره ويقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك, له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده أنجز وعده, ونصر عبده, وهزم الأحزاب وحده, ثم يدعو، ثم يكرر هذا الدعاء, ثم يدعو مرة أخرى، ثم يكرر هذا الدعاء, ثم ينصرف.
أما بالنسبة للسؤال الثاني فتقول: السنة في الركن اليماني في حق الطائف أن يستلمه فقط من غير تكبير ولا تهليل، وإن لم يستطع لا يشير إليه, ثم يقول: ربنا آتنا في الدنيا حسنة, وفي الآخرة حسنة, وقنا عذاب النار، ثم يدعو في سائره بما يريد من خير الدنيا والآخرة.
الشيخ: الإجابة صحيحة لكن نقص منها أنها لم تذكر أن التكبير يكون تسعاً, وأن التهليل يكون ستاً, كما بينا ذلك, فيرفع الحاج أو الحاجة يديها أو يديه ويقول: الله أكبر, الله أكبر, الله أكبر, لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده, أنجز وعده, ونصر عبده, وهزم الأحزاب وحده, ثم يدعو, ثم يقول مثل ذلك، ثم يدعو، ثم يقول مثل ذلك, ثم ينصرف.
الجواب: سؤال جميل! الراجح أن فسخ الإحرام من المفرد والقارن إلى تمتع يشرع قبل الوقوف بعرفة، ودليل ذلك هو حديث جابر في صحيح مسلم قال: ( حتى إذا كنا في آخر طواف على المروة قال النبي صلى الله عليه وسلم: أحلوا من إحرامكم, قلنا: أي الحل؟ قال: الحل كله )، وهذا يدل على أنهم طافوا طواف القدوم, وهو السنة في حق المفرد والقارن, وسعوا سعي الحج في حق المفرد، أو سعي الحج والعمرة في حق القارن، وأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعلوها عمرة, فدل ذلك على أن طوافهم للقدوم انتقل إلى طواف عمرة يعني ركن, ويستمر على هذا إلى وقت الوقوف بعرفة, أما عرفة فإن الأفضل في حقه أن يذهب إلى عرفة ولا يفسخها، والله أعلم، ولكن لو فسخ في نهار عرفة ثم لبى بعد ذلك بحج جاز له ذلك, والله أعلم.
الجواب: أما حديث الارتفاع عن بطن عرنة فالحديث رواه ابن ماجه من حديث جابر , وفي سنده القاسم بن عبد الله العمري وهو ضعيف, ورواه ابن خزيمة من طريق أبي الزبير عن أبي معبد عن ابن عباس موقوفاً, وهو أحسنها، ونحن نقول: لو لم يثبت من الأحاديث إلا حديث أبي داود : ( وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف ) لكفى ذلك؛ لأن عرنة ليست من عرفة.
وما دام أن قول النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف ) فكل ما سمي عرفة فإنه موقف وما عداه فليس بموقف، وهذا إجماع كما مر معنا حكاه ابن عبد البر .
وأما قول بعضهم: إن الحديث ضعيف فعلى هذا تكون عرنة موقفاً نقول: ما الذي خص عرنة؟ لماذا لا يكون أيضاً الوقوف بمزدلفة وقوفاً, أو قريباً من عرنة وقوفاً وهو خارج عرفة؟ فدل ذلك على أن عرفة على الخصوص هي الموقوف المعروف في عهد النبي صلى الله عليه وسلم, وأما عرنة فليست من عرفة.
الجواب: أما تقوية حديث: ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير )، هذا الحديث في سنده ضعف، لكن أجمع أهل العلم على أن أفضل الدعاء هو الثناء, وأفضل الثناء هو لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
وأنا لا أحب أن أشير إلى هذا, ولكن ينبغي أن نعرف قاعدة: أن طريقة المتقدمين من أهل العلم حينما يضعفون الحديث لا يلزم بالضرورة ألا يعملوا به، ففرق بين تضعيف الحديث والاحتجاج به، فهم يضعفونه خوفاً من أن ينسبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يقل، لكن مع ذلك يحتجون به ويرون أن العمل به خير من الرأي أو من الحديث الذي هو أشد منه وهناً.
فينبغي أن يعرف خاصةً طلاب العلم أن الأئمة أحياناً يضعفون الحديث ولكن يعملون به، وليس معنى العمل الوجوب, أما الإيجاب فهذا يحتاج إلى دليل صحيح, أما العمل من باب الرغائب فهذا الذي أشار الإمام أحمد أن الحديث الضعيف أحب إلي من الرأي أو من القياس كما قال.
سؤالي: هل المسجد توسع، لأن المسجد الآن أوله ليس من عرفة وآخره من عرفة، فهل كلام الشيخ عبد الله على المسجد حقيقة موجود اليوم، أو لا؟ يعني أشكل علي كلام الشيخ عبد الله الجاسم هنا؟
الجواب: الأخ يسأل عن مسجد نمرة، وكلام الشيخ عبد الله الجاسم . الله أعلم هل المسجد هذا داخل كبر، يعني أزيد فيه أو لم يزد فيه؟ لكن الذي نعرفه أن المسجد هذا قديم وما زال، الشيخ عبد الله الجاسم توفي قريباً قبل تقريباً عشرين سنة أو زد عليه قليلاً.
السؤال الثاني يا شيخ! أنت ذكرت في الشرح في المحاضرة السابقة قلت: بالمناسبة بعض الناس يقول: أنا مفرد, تقول له: ما معنى مفرد؟ فيقول: أنا ما أريد أن أذبح هدياً، فيطوف ويسعى ويحلق أو يقصر ويلبس ثيابه، قلت: فهنا يكون تقصيره ولبسه لثيابه محظوراً من محظورات الإحرام، وعندي إشكال يا شيخ لأنه ما تصورت موضع الخطأ هنا؟
الجواب: سؤال الأخت: لماذا قيل: القران بسوق الهدي أفضل، نقول: هذا هو فعل النبي صلى الله عليه وسلم, وأن الله سبحانه وتعالى لم يكن ليختار لنبيه إلا ما هو أفضل, فهذا قاعدة.
أما مسألة التعب والمشقة، فنقول: هو أخذ عمرة وحجة بلا شك أليس كذلك؟ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( طوافك بالبيت وسعيك بين الصفا والمروة يجزئ عن حجك وعمرتك جميعاً )، هذه العمرة غير منفصلة يعني ليست كاملة، وهذا الحج غير كامل؛ لأن قد شارك معه طواف وسعي في العمرة, ولكن سوق الهدي الذي فيه تعظيم لشريعة الله سبحانه وتعالى وتعظيم للحرم كان السبب في كون القران أفضل من العمرة المستقلة والحج المستقل، هذا الذي يظهر، وهذه حكمة نلتمسها، وإلا فطاعة الله وطاعة رسوله خير لنا.
الجواب: نقول: الإفراد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم, وأما القران من غير سوق هدي فقد اختلف العلماء فيه، ثم إن الهدي هذا اختلف العلماء فيه هل هو دم جبران أم دم شكر؟
ثانياً: أن طوافه هنا طواف للعمرة والحج, وسعيه سعي للعمرة والحج، ولا شك أن الإشراك أقل من التأكيد والتأسيس والله أعلم.
أما أن يقصر لأنه رأى أصحابه قصروا فهذا التقصير هل هو في وقته ومكانه؟ نقول: لا، فيكون حينئذ محظوراً من محظورات الإحرام, ثم يأتي بعد ذلك هل فعله عن علم أم بغير علم؟ فإذا كان قد فعله عن غير علم فإنه معذور ولا شيء عليه، فيكون فعل محظوراً ولكن لا فدية فيه؛ ( لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل الذي لبس الجبة وعليها أثر طيب, اغسل الطيب الذي بك, واخلع عنك جبتك, واصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجك )، وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي فيه ضعف ولكن عليه العمل: ( رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ).
الجواب: سؤال الأخت البقاء في نمرة، تقول: كيف نقول: البقاء في نمرة مستحب ويجب علينا الاستماع إلى الخطبة؟ لا يجب علينا الاستماع إلى الخطبة, لكن هو الأفضل، وقد بين الإمام أحمد أن الأفضل لمن لم يستمع الخطبة أن لا يصلي حتى يصلي إمام الحج، فعلى هذا نقول: استمعوا إليه عبر الراديو أو عبر وسائل الإعلام, فإذا انتهى الإمام وصلى، فإن من لم يصل معه، الأفضل أن يصلي بعده، كما أشار إلى ذلك أهل العلم، وعلى هذا فليس استماع الخطبة بواجب كما لا يخفى.
الجواب: أما مسألة الوتر, فإن عائشة رضي الله عنها تقول كما في الصحيح: ( ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة الفجر ولا الوتر في حضر ولا سفر )، وعلى هذا فيشرع للإنسان أن يوتر في سفره، حتى ليلة العيد في جمع.
وأما قول جابر : ( ثم صلى الرسول صلى الله عليه وسلم المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم يسبح بينهما شيئاً ثم اضطجع حتى الفجر )، فهذا الذي بلغ جابراً , وإنما أخبر بما بلغه علمه، وإلا فإن النبي صلى الله عليه وسلم قام قبل الليل, وأمر سودة بنت زمعة أن تخرج, وخاطب الصحابة وخاطب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فهذا يدل أن جابراً ربما لم يدرك كل فعله عليه الصلاة والسلام إلى الفجر، ولكن عائشة قالت: ( ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الوتر في سفر ولا حضر )، وقد أدركت حال النبي صلى الله عليه وسلم في مزدلفة.
وعلى هذا فنقول: يصلي المسافر الوتر, وله أن يصلي الليل, ولكن الوتر آكد، والوتر هو الركعة أو الثلاث الركعات المتواصلة أو التسع الركعات المتواصلة دون الركعتين، فإنها من صلاة الليل ولكنها ليست من الوتر.
الجواب: الصحيح أن وقت عرفة الواجب يبدأ من بعد دخول وقت الظهر من يوم عرفة, وينتهي إلى طلوع الفجر من يوم العيد العاشر، ولكن من جاء عرفة قبل الغروب فيجب عليه أن يبقى إلى الغروب، ومن خرج قبل الغروب فإنه يؤمر أن يرجع إلى عرفة ليخرج مع الناس ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ [البقرة:199]، وهذا أمر, فإذا أفاض قبل الناس فقد ترك واجباً, فعليه أن يذبح دماً؛ لأنه ترك واجباً، فإن رجع بعد غروب الشمس فقد رجع بعد إفاضة الناس وترك الواجب حينئذ.
الجواب: الأقرب والله أعلم أنها لا تقرأ الآية كاملة، إنما تقرأ أولها: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ [البقرة:158]، فقط.
الجواب: الصواب والله أعلم وهو اختيار أبي العباس بن تيمية أن كل من قدم إلى بلد ليس هي بلده (الموطن التي يستوطنها) فإن له أن يقصر حتى يرجع إلى بلده, هذا الأقرب، والله أعلم.
ولا حد لأربعة أيام أو ثلاثة أيام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سافر سفرات كثيرة ولم يثبت عنه عليه السلام أنه أتم بعدما جلس أربعاً، ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما جاء إلى فتح مكة يعلم أنه سوف يبقى فيها أكثر من أربع ليال، والله أعلم.
الجواب: نعم, المسافر يجوز له أن يجمع أيام منى الظهر والعصر في وقت أحدهما أو المغرب والعشاء في وقت أحدهما؛ لأنه مسافر, والمسافر يجوز له أن يجمع، ولكن الأفضل أن يصلي كل صلاة في وقتها, والله أعلم.
الجواب: أما مسألة (هل فعلنا هذا صحيح؟) فنقول: الأولى (هل فعلنا هذا صواب على الراجح؟).
الأولى أن أهل مكة يتمون, وهذا قول جماهير أهل العلم، الأولى بأهل مكة أن يتموا إلا في عرفة ومزدلفة فإنهم يجمعون مع الإتمام, والله أعلم.
الجواب: هذا سؤال جيد، أقول: المسألة فيها تفصيل، التفصيل هو أنها إذا كان لها عادة، عادتها ستة أيام أو سبعة أيام فإنها تستمر على عادتها مالم يستمر بها الدم فإنها تعتبره حيضاً، وتبقى حائضاً حتى يمر عليها خمسة عشر يوماً, فبعد ذلك تغتسل وتصلي وتكون بعد خمسة عشر يوماً مستحاضة تصلي وتتوضأ لكل صلاة، وتكون في عداد الطاهرات.
أما إن استمر بها الدم حتى جاء الشهر الثاني والدم ما زال مستمراً فنقول: هل تميزين الدم أو لا تميزينه؟ يعني تعرفين الدم هل هو أسود أم ليس بأسود؟ هل هو ثخين أو ليس بثخين؟ هل له رائحة أو ليس له رائحة؟ فإن كنت لا تميزين فإننا نقول: اعتبري بهذا التمييز ستة أيام أو سبعة أيام, ثم بعد ذلك إذا خف الدم أو احمر ولم يسود فإنك بعد ذلك تغتسلين، ثم تتوضئين لكل صلاة وتكونين طاهراً، فلو فرض أنك طفت زمن الاستحاضة فإن طوافك يعد صحيحاً, أما لو طفت زمن الحيض فإن طوافك لا يصح لأنك طفت وأنت حائض, والله أعلم.
الجواب: الحديث أولاً رواه الترمذي من حديث علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يصح مرفوعاً, إنما صوابه عن علي بن أبي طالب : ( ولا يخلق على كثرة الرد )، طبيعة كلام البشر -ولله المثل الأعلى- أن الناس يملون منه، أما كتاب ربنا سبحانه وتعالى فإنه كلما ازددت قراءة له, كلما جاءتك من الإشراقات الإلهية والنفحات الربانية ما لم تكن قد استفدته قبل ذلك فأصبح هو لا يخلق من كثرة الرد, بل يزيد إمعاناً وإتقاناً وجمالاً وحلاوة.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن نكون ممن وفق لحج هذا العام, وأن يكون حجنا مبروراً, وسعينا مشكوراً, وذنبنا مغفوراً، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا الفقه في الدين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر