إسلام ويب

عمدة الفقه - كتاب الحج [15]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يتحلل الحاج من إحرامه تحللاً أولياً بعد رميه للجمرات والنحر والحلق يوم النحر -وهنا يحل له كل شيء إلا النساء- ولا حرج عليه في أن يقدم بعضها على بعض، ثم يأتي بعد ذلك التحلل الثاني وذلك بعد طواف الإفاضة والسعي للمتمتع، وهنا يحل له كل شيء حتى النساء.
    المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين، نبينا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة وأتم التسليم.

    أهلاً وسهلاً بكم أيها الأحبة المشاهدون في كل مكان في برنامجكم المتواصل معكم -وبكم دائماً وأبداً بعون الله وقدرته- الأكاديمية العلمية.

    نرحب بكم في هذه الدروس المباركة, ونسأل الله جل وعلا أن ينفعنا وإياكم بما نقول ونسمع، وأن يوفقنا وإياكم لاغتنام أعمارنا وأقوالنا وأعمالنا فيما يرضيه.

    أحبتنا نتواصل في هذا الدرس المبارك درس عمدة الفقه لـابن قدامة المقدسي رحمه الله تعالى.

    ويشرفنا ويسعدنا أن يكون في حضرتنا هذا اليوم المبارك صاحب الفضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور: عبد الله بن ناصر السلمي , الأستاذ المساعد بالمعهد العالي للقضاء، نرحب في مطلع هذه الحلقة بالشيخ عبد الله فحياكم الله.

    الشيخ: حياكم الله وبالإخوة المستمعين والمستمعات.

    المقدم: الترحيب موصول بطلاب الأكاديمية الإسلامية المفتوحة في كل مكان، ويسعدنا أيضاً أن يتواصلوا معنا عبر الموقع الإلكتروني للأكاديمية (www.islamacademy.net).

    نسعد من خلال هذا الموقع بتلقي اقتراحاتكم وملحوظاتكم، كما يسرنا أيضاً تلقي تساؤلاتكم عبر ما يدور في هذه الحلقة المباركة.

    أحبتنا أيضاً نرحب بكم على هواتف هذا البرنامج المبارك، والتي ستظهر تباعاً على الشاشة, نسعد من خلالها بتلقي أسألتكم عما يطرح في هذا الدرس المبارك، نسأل الله جل وعلا أن يوفقنا وإياكم لكل خير, ونطلب من الشيخ عبد الله أن يتفضل مشكوراً مأجوراً في بدء هذه الحلقة.

    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً وعملاً يا كريم، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، اللهم انفعنا بما علمتنا, وعلمنا ما ينفعنا، وزدنا علماً وعملاً يا كريم، وبعد:

    فيا أحبتي الكرام، ها نحن نتواصل في شرحنا لكتاب الإمام الموفق ابن قدامة الموسوم عمدة الفقه.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى في باب صفة الحج: [ ويرفع يديه في الرمي، ويقطع التلبية في ابتداء الرمي، ويستبطن الوادي ويستقبل القبلة, ولا يقف عندها، ثم ينحر هديه، ثم يحلق رأسه أو يقصره، ثم قد حل له كل شيء إلا النساء، ثم يفيض إلى مكة فيطوف للزيارة, وهو الطواف الواجب الذي به تمام الحج، ثم يسعى بين الصفا والمروة إن كان متمتعاً، أو ممن لم يسع مع طواف القدوم، ثم قد حل له كل شيء، ويستحب أن يشرب من ماء زمزم لما أحب، ويتضلع منه، ثم يقول: اللهم اجعله لنا علماً نافعاً، ورزقاً واسعاً، ورياً وشبعاً، وشفاءً من كل داء، واغسل به قلبي, واملأه من خشيتك وحكمتك ].

    المؤلف رحمه الله يقول: (ويرفع يده في الرمي), هذه المسألة الأولى وهي مسألة صفة الرمي، نقول في مسألة صفة الرمي: إنه يرفع يده, وهذا قول عامة الفقهاء؛ لأنه لو وضعها فلا يسمى رمياً؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول, كما عند الإمام أحمد وغيره من حديث ابن عباس : ( بمثل هذا فارموا, وإياكم والغلو )، فإذا وضعها فقد خالف ما ورد؛ ولهذا يجب عليه أن يرميها، ولهذا استحب بعض أهل العلم أن يظهر إبطه بذلك لأنه أدعى وأحرى من جهة فعل الرمي.

    التكبير عند رمي الجمرات وقطع التلبية

    الشيخ: المسألة الأخرى: يكبر مع كل حصاة كما جاء في صحيح مسلم من حديث جابر رضي الله عنه أنه قال كما في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم: ( فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ).

    ويقطع التلبية مع بداية أول الرمي، هذا هو الثابت كما في الصحيحين من حديث ابن عباس عن الفضل بن عباس قال: ( لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة )، ومعنى: (حتى رمى جمرة العقبة) أي: حتى شرع في رمي جمرة العقبة، وتكبيره عليه الصلاة والسلام مع كل حصاة دليل على أن التلبية قد انقطعت.

    وأما ما جاء في بعض الروايات كما عند الإمام أحمد و النسائي و ابن خزيمة و البيهقي من طريق حفص بن غياث عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين عن ابن عباس عن الفضل بن عباس أنه قال: ( قطع التلبية في آخر حصاة )، فهذا الحديث وإن كان ظاهر إسناده الصحة فالأقرب والله أعلم أن هذه الزيادة (آخر حصاة) غريبة، وكذلك فإن هذا الحديث بهذا الإسناد في متنه غرائب:

    الغريبة الأولى: أنه ذكر أن الفضل أردفه النبي صلى الله عليه وسلم في خروجه من عرفة إلى مزدلفة، ومن المعلوم أن الأحاديث الثابتة الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم أردف الفضل من مزدلفة إلى منى, وإنما كان الذي أردفه من عرفات إلى مزدلفة هو أسامة بن زيد رضي الله عنه، فهذه نكارة.

    النكارة الأخرى: هي قوله في آخر حصاة؛ ولهذا ضعف الحافظ البيهقي رحمه الله هذه الزيادة وقال: والأكثر رووه عن ابن عباس عن الفضل بلا ذكر هذه الزيادة، وقال: وقد ذكرها ابن خزيمة واختارها وهي غريبة ليس لها ذكر في حديث ابن عباس عن الفضل بن عباس .

    ثم قال: وتكبيره عليه الصلاة والسلام مع كل حصاة دليل على أنه يقطع التلبية, وهذا هو الأقرب والله أعلم، وما جاء عند ابن ماجه : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع التلبية مع آخر حصاة )، هذا أيضاً, حديث ضعيف في سنده خصيف بن عبد الرحمن .

    موضع رمي الحصى

    الشيخ: من المسائل أيضاً: أن العبرة في الرمي إنما هو مجمع الحصى، وليس الحوض كما يظنه البعض، وهذه فائدة مهمة، الحوض إنما وضع بهذه الطريقة في عهد الدولة العثمانية عام (1292) كما ذكر ذلك كثير ممن كتب في تاريخ مكة المكرمة، وبنوه على المذهب الحنفي حيث إن الأحناف يقولون: إن القطر أو نصف القطر يكون ثلاثة أذرع، فبنوه على هذا.

    وبعض أصحاب الشافعية، وبعض أصحاب الحنابلة، وبعض أصحاب المالكية قالوا: يرميها بمجمع الحصى, وهذه العبارة أرى أنها أدق؛ لأننا حينما نقول: مجمع الحصى, فمجمع الحصى يختلف بكثرة الحجيج من عدمهم, فحجاج مائة ألف ليسوا كحجاج ثلاثة ملايين؛ ولهذا نقول: مجمع الحصى، فإذا رمى الحجاج في الحوض وامتلأ الحوض وسقط بجانبه, ووقع الحصى على ما تحت الحوض وهو ملآن فإن هذا يجزئهم إن شاء الله.

    ولهذا وفق الله سبحانه وتعالى ولاة الأمر حينما زادوا في بناء الحوض، وجعلوه على شكل بيضاوي بحيث يستطيع الحجاج أن يرموا من أي جهة في الصغرى والوسطى, أما الكبرى فإن لهم أن يرمونها من بطن الوادي هذا هو السنة, كما سوف نذكره إن شاء الله. فعلى هذا فالعبرة هو مجمع الحصى، وعلى هذا فالحجاج يختلفون في مجمع حصاهم من قلة وكثرة.

    المسألة الأخرى: ليس العبرة بوجود الشاخص، وقد اختلف العلماء هل الشاخص كان موجوداً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أم لا؟ ولسنا بحاجة إلى ذكر هذا, لكننا نعرف أن الشاخص إنما هو دلالة على أن هذا هو مكان الرمي، ولهذا ليست العبرة بضرب الشاخص؛ ولهذا تجد أن كثيراً من الناس يخطئون كثيراً حينما ينظرون إلى الشاخص من بعيد ثم يقذفون، وكأن العبرة أن يضرب الإنسان الشاخص وهذا خطأ، فالعبرة هو مجمع الحصى.

    فعلى هذا فلو ضربت الشاخص وابتعدت عن مجمع الحصى أو الحوض الموجود الآن وهو بهذا الكبر يكون هو مجمع الحصى، فإنه لا يعد إذا لم تقع في مجمع الحصى أو الحوض بهذا الاعتبار، أما إذا ضربت الشاخص وسقطت في الحوض فإنه يجزئه, ولا يضيره بعد ذلك إذا سقطت بسبب امتلاء الحصى.

    وضرب الشاخص ليس له فضل إطلاقاً، بل إن بعض الناس يقولون: سوف أذهب أرمي إبليس! وهذا ليس له أساس من الصحة، إنما روى ابن خزيمة عن ابن عباس أن إبراهيم عليه السلام حينما رأى الرؤيا أنه يذبح إسماعيل جاءه إبليس أو الشيطان عند الجمرة الصغرى, فرماه إبراهيم عليه السلام، ثم ابتعد, فقال: يا إبراهيم! أتقتل ولدك؟ ثم رماه الوسطى، ثم ابتعد عنه فقال: أتقتل ولدك؟ فرماه الكبرى. هذا من أخبار بني إسرائيل, والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ).

    ومن المعلوم أن المحدثين يقولون: إن ابن عباس كان يأخذ عن بني إسرائيل, وإنما الرمي أخذناه اتباعنا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم وإقامة شريعته, كما روى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها مرفوعاً والصواب وقفه: ( إنما جعل الطواف في البيت، والطواف بين الصفا والمروة, ورمي الجمار لإقامة ذكر الله تعالى ).

    موقف الحاج عند رمي الجمرات

    الشيخ: المسألة الأخرى: هي: قول المؤلف رحمه الله: ( ويستبطن الوادي ويستقبل القبلة، ولا يقف عندها).

    قول المؤلف: (ويستبطن الوادي ويستقبل القبلة)، معنى ذلك أنه يستقبل القبلة ويجعل الجمرة الكبرى عن يمينه ويرميها على حاجبه الأيمن, يعني: يفعل هكذا؛ يستقبل القبلة ويقول: الله أكبر, الله أكبر, الله أكبر بهذه الطريقة, وهذا قد ورد فيه حديث رواه الترمذي من طريق عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود المسمى المسعودي عن جامع بن شداد أبي صخر عن عبد الرحمن بن يزيد رضي الله عنه أنه قال: ( كنا مع ابن مسعود رضي الله عنه, فلما أتى جمرة العقبة استبطن الوادي -كما ذكر ذلك المؤلف-، واستقبل القبلة, وجعل يرمي الجمرة على حاجبه الأيمن، ثم رمى بسبع حصيات, ثم قال: والله الذي لا إله غيره من هاهنا رمى الذي أنزلت عليه سورة البقرة ) .

    يقول المؤلف رحمه الله: وهو حديث صحيح, وهذا فيه نظر, فإن الحديث فيه كلام حيث إنه خالف الروايات الثابتة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في الصحيحين وغيره، وقد روى البخاري و مسلم من حديث إبراهيم النخعي عن عبد الرحمن بن يزيد أنه كان مع عبد الله بن مسعود فأتى جمرة العقبة فاستبطن الوادي فاستعرضها فرماها من بطن الوادي بسبع حصيات ومعنى: (استعرضها) كما يقول العلماء: أتى العقبة من جانبها عرضاً بحيث يكون مستقبل الجمرة, بحيث تكون منى عن يمينه, والبيت عن يساره, بل جاء ذلك نصاً كما عند البخاري وغيره أنه قال: ( حتى انتهى إلى الجمرة الكبرى, فجعل البيت عن يساره, ومنى عن يمينه فرماها فقال: هذا والذي نفسي بيده مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة )؛ ولهذا بوب البخاري رحمه الله في صحيحه قال: باب من رمى جمرة العقبة فجعل البيت عن يساره, وهذا التبويب من البخاري إشارة إلى تضعيفه لهذا الحديث، و المسعودي فيه اختلاط, فقد اختلط بآخره، وإن كان الراوي عنه وكيع , فقد سمع منه وكيع قبل الاختلاط, لكن العلماء يقولون: إن هذا ليس معولاً عليه، والمعول على ما جاء في الصحيحين, فلعل الوهم من المسعودي ، أو الوهم من جامع بن شداد رحمة الله تعالى على الجميع.

    حكم الدعاء عند رمي الجمرات

    الشيخ: المسألة الثالثة: السنة ألا يدعو الإنسان إذا وقف، أو إذا انتهى من جمرة العقبة كما ذكر ذلك ابن عباس و ابن عمر قال: وينصرف ولا يدعو، هذا هو الثابت, وما جاء في بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: ( اللهم اجعله حجاً مبروراً, وسعياً مشكوراً, وذنباً مغفوراً ), فهذا جاء عند الإمام أحمد من طريق جرير بن عبد الحميد الضبي عن ليث عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد عن أبيه أن عبد الله بن عمر كان يرمي الجمرة بسبع حصيات ويقول: ( اللهم اجعله حجاً مبروراً، وذنباً مغفوراً، وسعياً مشكوراً )، ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكره, وهذا الحديث فيه رواية شاذة، فقد جاء في الصحيحين من غير هذه اللفظة, ولعل الوهم من ليث بن أبي سليم , و ليث بن أبي سليم يهم, فهو ضعيف الحديث, والله تبارك وتعالى أعلم.

    وعلى هذا فالسنة ألا يدعو, ولكن لو ذكر ذلك من باب لعل الله أن يقبله ولم يقصد بذلك سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ويدعو بما أحب من خير الدنيا والآخرة فلا بأس وهو في طريقه يذكر الله, وذكر الله سبحانه وتعالى أولى من الدعاء.

    الثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدع؛ وعلى هذا فإن السنة في حقه أنه إذا انتهى من رمي جمرة العقبة فإنه يشرع في التكبير، كما ثبت ذلك بسند صحيح عند الحاكم و البيهقي وغيرهما: أن عبد الله بن مسعود قال: إذا رمى الحاج جمرة العقبة فإنه يكبر حتى غروب شمس يوم الثالث عشر، وثبت ذلك بإسناد صحيح عن عمر و ابن عمر كما ذكر ذلك الحاكم وذكره البخاري معلقاً بصيغة الجزم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088524166

    عدد مرات الحفظ

    777122129