إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، اللهم زدنا علماً وعملاً وهدى وتقوى يا رب العالمين، وبعد:
فقد قال المؤلف رحمه الله: [ باب حد السرقة: ومن سرق ربع دينار من العين أو ثلاثة دراهم من الورق أو ما يساوي أحدهما من سائر المال فأخرجه من الحرز قطعت يده اليمنى من مفصل الكف وحسمت، فإن عاد قطعت رجله اليسرى من مفصل الكعب وحسمت، فإن عاد حبس ولا يقطع غير يد ورجل.
ولا تثبت السرقة إلا بشهادة عدلين أو اعتراف مرتين، ولا يقطع حتى يطالب المسروق منه بماله، وإن وهبها للسارق أو باعه إياها قبل ذلك سقط القطع، وإن كان بعده لم يسقط.
وإن نقصت عن النصاب بعد الإخراج لم يسقط القطع، وإن كان قبله لم يجب، وإذا قطع فعليه رد المسروق إن كان باقياً أو قيمته إن كان تالفاً ].
الشرط الأول: أن يكون الشيء مسروقاً، وعلى هذا فالمختلس والمنتهب ليس بسارق، والسرقة: هو أخذ مال على وجه الخفية والاستتار.
الشرط الثاني: أن يكون المسروق نصاباً، وهذا ما أشار إليه المؤلف بقوله: ( ومن سرق ربع دينار من العين أو ثلاثة دراهم من الورق )، والعين هو الذهب، ويُطلق العين على الذهب والورق، وإطلاقه على الذهب تغليباً، قال: (أو ما يساوي أحدهما من سائر المال)، يعني: من العروض مثل ما لو سرق مِجن -آلة من آلات الحرب التي يتقي بها المحارب- فإذا بلغ قيمة المجن ثلاثة دراهم أو ربع دينار فإنه تُقطع يده، ولو سرق مشلحاً من المشالح الغالية من حرزه فإنه إذا كان قيمته أكثر من ربع دينار أو ربع دينار فإنه تقطع يده، فالنصاب في السرقة ربع دينار، واستدلوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في الصحيحين من حديث عائشة : ( لا قطع إلا في ربع دينار فصاعداً )، وروى ابن عمر رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع في رجل سرق مجناً ثمنه ثلاثة دراهم )، والدرهم من الفضة، والدينار من الذهب.
وقال بعضهم وهو القول الثاني: إن النصاب لا حد له، بدليل ما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لعن الله السارق يسرق الحبل فتقطع يده، ويسرق البيضة فتقطع يده )، قالوا: والحبل والبيضة بأقل من ربع دينار، فهذا يدل على أن السارق تقطع يده في القليل والكثير، والراجح هو القول الأول لما جاء في حديث عائشة وحديث ابن عمر السابق، ولما رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الطويل: ( أن رجلاً من مُزينة سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الثمار، يعني: عن سرقة الثمار، فقال: من أخذ بفيه ولم يتخذ خُبنة )، الخُبنة: ما تحمله في حضنك مثل الجيب المُخباة، قال: ( من أخذ بفيه ولم يتخذ خُبنة فلا شيء عليه )، يعني: دخلت مزرعة أناس فبدأت تأكل فلا شيء عليك، ( ومن احتمل فعليه ثمنه مرتين )، يعني: من أخذ فعليه ثمنه مرتين عقوبة وغرامة، ( وضرب ونِكال )، يعني: يُجلد تعزيراً، قال: ( ومن أخذ من الجرين ففيه القطع إذا بلغ ما يؤخذ من ذلك ثمن المجن )، الجرين يسمونه البيدر الذي يداس فيه الطعام، فالتمر يوضع في مكان حتى يُرص، كان في السابق يوضع في البيدر الجرين ويوضع عليه خشبة ويقوم الرجل يطأ هذا الجرين، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: إذا بلغ الجرين هذا حرزه، العوام يسمونه الجرة أو الجصة أو غير ذلك، والآن هي المخازن التي يُخزن فيها التمر، فقوله: ( فبلغ ما يؤخذ ثمن المجن ) دليل على أن العبرة بمقدار النصاب.
وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لعن الله السارق يسرق الحبل فتقطع يده، ويسرق البيضة فتقطع يده )، فله معان:
المعنى الأولى: قالوا: معناه إن الحبل هنا حبل السفينة، وحبل السفينة عريض فهو يساوي أكثر من ثمن المجن، وأما البيضة فليست البيضة هي البيضة التي تُخرج من الدجاجة، ولكن البيضة هنا السلاح فالسلاح يُسمى البيضة، والبيضة مجموعة الأسلحة أكثر من ثمن المجن، هذا المعنى الأول لتفسير هذا الحديث.
المعنى الثاني: قالوا: ويتوجه حمل الحديث على أن من سرق الحبل الصغير أو البيضة الصغيرة فإن مآله إلى أن يعتاد السرقة فربما سرق الكبير فتقطع يده، وأياً كان المعنيين فكلاهما قويان، والله أعلم.
الشرط الثالث: أن يكون المسروق مالاً محترماً أو مالاً معصوماً، فخرج بذلك ما ليس بمال، فالحر ليس بمال سواء كان صغيراً أو كبيراً، فالذين يسرقون الأولاد الصغار أو يخطفونهم من بيوتهم في الليل هذا لا يسمى سرقة وإن كان يسمى نوعاً من الحرابة والغيلة.
وأيضاً قولنا: (معصوماً) فلو سرق مال الذمي فإنها تقطع يده، لكن لو سرق مال الحربي فلا تقطع يده، وقولنا: محترماً، فلو سرق شخص آلة لهو أو كلباً فإنه لا تقطع يده؛ لأن الكلب ليس بمال على قول الجمهور خلافاً لبعض أصحاب أبي حنيفة و مالك .
الشرط الرابع: أن يخرجه من حرزه، وهذا قول أكثر أهل العلم، وقال ابن قدامة : لا نعلم في ذلك خلافاً إلا عن الحسن و النخعي ، وحرز كل شيء على حسبه، والحرز يُعرف بالعُرف، وكل ما أتى ولم يُحدد بالشرع كالحرز فبالعُرف فحدد.
فالقبض والحرز أطلق فيه الشارع، يقول ابن تيمية رحمه الله: والمسميات منها ما يُعرف باللغة كالشمس والقمر، ومنها ما يُعرف على لسان الشارع كالصلاة والزكاة، ومنها ما لا حد له لا في اللغة ولا في الشارع فيُحد بالعرف كالحرز والقبض، وهذا كما قلنا: هو قول عامة أهل العلم، وعليه فمن سرق إبلاً من معاطنها فيُعد سارقاً، ومن سرق غنماً من مرابضها فيُعد سارقاً إذا كان في الليل، وهل إذا سرق السيارة يُعد سارقاً أم لا؟ الحقيقة إلى الآن ما في نتيجة قوية في هذا، ولكني أقول: لو أدخل الرجل السيارة في البيت ووضع فيها علامة التحذير ووضع فيها وسائل الحماية والأمان فسرقها فهذا يعتبر أخذها من حرز والله أعلم؛ لأن صفوان بن أمية لبس بُردة في المسجد وهو نائم فجاء رجل فأخذها منه، فأمسك به صفوان وأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم بعدما علم أن هذه البُردة تساوي أكثر من ثلاثة دراهم قال: ( القطع القطع، قال
الشرط الخامس: أن تنتفي الشبهة عن السارق، فلا قطع بسرقة مال الوالد من الولد، أو بسرقة مال الزوجة، فمثلاً: شخص عنده زوجة معها ذهب وأحياناً يحتاج شيئاً فيأخذه وهي لا تعلم، فهذا لا قطع فيه، وقد روى سعيد بن منصور عن سعيد عن عمر : أن غلام الحضرمي سرق من مال زوجته فقال عمر : هذا غلامكم أو خادمكم أخذ متاعكم، ولم يأمر بقطع يده، وعلى هذا فالزوج لا تقطع يده إذا سرق على زوجته وكذا العكس.
الشرط السادس: ثبوت السرقة، وتثبت السرقة بالإقرار أو الشهادة، فعلى هذا لا تثبت بالقرائن، فلو وجدت بصمات شخص فأنكر والمال مأخوذ، فيُطالب بالمال ولكن لا تقطع يده، لأنه لم يعترف، فالقرائن لا يقام بها الحدود، وهذا قول الجمهور إن لم يكن عامة الفقهاء.
القول الثاني: قالوا: إن القرائن إذا كانت قوية لا يعتريها شك وليس المقصود من الحد الستر فإنه يقام عليه، والقرائن القوية مثل: حمض dna، فهذا قوي لكنه إن كان في الزنا فالمقصود من الشارع الستر، ولهذا اشترط أربعة شهود، أما السرقة فليس المقصود فيها الستر بخلاف الزنا، وعلى هذا فقالوا: يقام حد السرقة بالقرائن، وقد حاول ابن القيم في الطرق الحكمية أن يقوي هذا أو أشار إليه.
قول المؤلف رحمه الله هنا في الاعتراف: (أو اعتراف مرتين) استدلوا بحديث رواه أبو داود وفي سنده ضعف: ( أن رجلاً سرق فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا أخالك سرقت؟ قال: بلى قد سرقت، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم كيف سرق، فأعاد عليه مرتين فأقر )، والأقرب والله أعلم هو قول الجمهور أنه يكفي مرة واحدة.
وقال بعضهم: إذا سرق في الثالثة قُطعت يده اليسرى، وإذا سرق في الرابعة قطعت رجله اليمنى، وإذا سرق في الخامسة قتل، يقول ابن القيم رحمه الله في هذا: وأشار ابن تيمية إلى هذا القول، قال: ولأنه لا حاجة في بقائه؛ لأنه مُضر، فإذا كان في الخمر إذا شرب الرابعة أو الخامسة يقتل، فهذا أولى، أو كلمة نحو ذلك.
وأقول: إن القول الراجح: أن القطع في المرة الثالثة والرابعة راجح إلى اجتهاد الإمام، والله أعلم، فالراجح هو أن قول علي دليل على الاجتهاده وعلى قبول الاجتهاد، ولو قطع أيضاً إنما هو لاجتهاد الإمام، ويكون هذا من باب التعزير وإلا فالظاهر أن الله يقول: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا [المائدة:38]، فإذا ثبتت سرقته فإنه يقام عليه الحد، وكما أنه لو شرب الخمر فجُلد ثم شرب الخمر فجُلد فإنه يقام عليه الحد، فكذلك يقال في السرقة إلا أن قول علي رضي الله عنه يدل على أن بعد الثانية للإمام حق في الاجتهاد، والله أعلم.
القول الثاني: أن يرد مثله ولو كان غير مثلي، والمثلي أي الذي تتساوى أجزاؤه كالحبوب، والقيمي الذي لا تتساوى أجزاؤه، والراجح وهو اختيار ابن تيمية أن له أن يرد ولو كان غير مثلي؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( طعام بطعام وصحفة بصحفة ).
نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الفقه في الدين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
الجواب: القاذف إذا قذف ثم جُلد فإنه تُقبل توبته بأن يُصلح عمله ويقر بخطئه، فإن لم يُقر بخطئه فإنه ما زال فاسقاً، فلا بد من اعتراف بالخطأ، كما صنع حسان رضي الله عنها حينما قال في عائشة ثم دخل عليها يسترضيها:
حصان رزان ما تزن بريبة وتصبح غرثى من لحوم الغوافل.
الجواب: إذا قلنا: إنها أربعون وما زاد تعزيراً، وأن قول أنس : ( نحواً من أربعين، ومنا الضارب بنعله )، دليل على أنه يُحد أربعين لكن لا يلزم السوط، يقال: الحد أربعون، وهذا أقرب.
لكن السؤال: ما هو ضابط التعزير؟ نلاحظ أحياناً في التعزير أن في القضية الواحدة أحدهما يُجلد مائة والآخر يُجلد أربعين، والآخر يُسجن سنة والآخر يُسجن أربعة أشهر، فلا بد من وضع ضابط للتعزير حتى لا تكون شذر مذر، وهناك كتاب للدكتور: عبد العزيز عامر تكلم فيه عن التعزير، وكتب كثيرة عن التعزير، والمسألة مشكلة في باب التعزير، لكن لو وضعت تحت ضوابط لكان حسناً؛ حتى يُعرف ما هو الذي له وما الذي عليه، وكلما اشتهر فشو شيءٍ وتقحم الناس هذا الأمر كلما زيد في العقوبة؛ لعلهم أن يرجعوا ويرتدعوا، والله أعلم.
الجواب: القذف يكون بالكلام ويكون بالكتابة، فلو أرسل شخص من جواله ما لم يدع خلاف ذلك ويثبت منه أنه أرسل لشخصٍ قذفاً قبيحاً لجاز له أن يقيم الحد عليه.
الجواب: إذا كان الورثة أولياء المقتول أربعة وأحدهم تنازل إلى الدية والبقية طلبوا الدم فذهب عامة الفقهاء إلى أنه يسقط الدم إلى الدية، وذهب ابن حزم إلى أنه لا بد من أن يعترف كل الورثة بأنهم لا يريدون الدم؛ لأن الله يقول: فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا [الإسراء:33]، يقول: الولي جنس يُطلق على الواحد ويطلق على العشرة، فإذا رغب بعض الورثة بالدم وبعضهم لم يرغب بالدم فلا بد أن يكون لمن لم يرغبوا بالدم سلطاناً.
الجواب: نعم أجنبية، لكن حينما أذنت له زوجته بوطء جاريتها فإن هذه شبهة، وهو حرام عليه فجُلد مائة جلدة.
الجواب: الذي أعرفه أن زيت الحشيش هذا ليس هو الحشيش المُسكر، اسمه زيت الحشيش.
ولا أظن أنه حشيش، أنا سألت عن زيت الحشيش الذي يُباع في الأسواق الآن هل هو نبتة الشجرة الخبيثة أم لا؟ والذي أعرفه أنه سُمي زيت الحشيش مثل كبار السن عندما يسمون ما ينبت في الأرض من غير ما يطلبونه يسمونه حشيشاً، ولا يقصدون به هذا.
الجواب: لا، هو عصير التفاح يوضع فيه تفاح وبرتقال هذا الذي يسمونه الشنبانيا السعودي، ويوجد في المطاعم وقد سألت عنه: يقولون: عصير التفاح بسفن ثم يُقذف في كأس أو جاركن ويكون هذا عصير الشنبانيا ويوضع فيه نعناع وقطع من البرتقال وقطع من التفاح، لكن تسميته بهذا الاسم فيها إشكال، وبعضهم يسميه شنبانيا إسلامي، ولا يصلح هذا.
الجواب: والله ما أدري، على كل حال الدخان حرام، لكنه هو مفتر ولا يُسكر، حتى لو شرب كرتون كامل ما يسكره، وإن كان بعض المشايخ يرى هذا لكن هذا يختلف، الإسكار يا إخوان! ليس هو اللهف وراء شربه، هناك فرق، الإسكار ليس هو اللهف وراء شربه والاستماتة فيه بحيث ربما أحياناً ينسى كل من بجانبه، القهوة أحياناً يكون فيها من اللهف لشربها وأحياناً ربما ينسى من بجانبه ولا يقال أنها مسُكرة، وسميت قهوة؛ لأن الخمرة كما يقول الكسائي : تُسمى قهوة، ولهذا أول ما جيء بالقهوة اختلف العلماء فيها وهي في القرن التاسع تقريباً حتى قال مرعي صاحب غاية المنتهى يقول: ويتوجه، كلمة (ويتوجه) عند الحنابلة هو اختيار يختاره المؤلف لم يوجد عند المذهب، قال: ويتوجه حل قهوة ودخان والأولى لكل ذي مروءة تركه، ولكن الدخان عُلم ضرره طبياً وواقعياً، وأما قول بعضهم هداهم الله: إنه إذا شرب في اليوم واحدة فلا تضر، وإذا كان تاجراً فاشترى كذا كما يوجد في بعض الفتاوى التي تُنشر الآن في وسائل الإعلام أو في الإنترنت، كل هذا بعيد كل الصحة وعن الواقع الشرعي والواقع الطبي وقد قال الله تعالى في رسوله: وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ [الأعراف:157]، والله أعلم.
الجواب: السوبيا: شراب يحبه أهل الحجاز، وأصله من الشعير ويكون فيه من التمر أو الزبيب ولكن يُطبخ، فأحياناً إذا كثُر يضعونه في قدر كبير يضعون فيه السوبيا، وقبل أن ينتهي يأتون بالجديد فيضعونه على القديم، فأحياناً كما يقولون: القرارة هذه آخر شيء أحياناً تُسكره وهو لا يشعر، ولهذا يقال فيه: إذا غلا فلا يجوز شربه، إذا بقي أكثر من ثلاثة أيام لا يجوز، فإنه كان يُعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم سقاءه من النبيذ فيشربه في الليلة الأولى ثم الثانية ثم الليلة الثالثة يعطيه خادمه وإلا أراقه.
الجواب: الذي أمره يُعزر، والله أعلم.
الجواب: يُعزر كل من أمر صبي بالقذف أو شرب الخمر فإنه يُعزر، لكنه لو أمره بالسرقة وهو يترصد له ويكون له ردءاً، ودخلا جميعاً البيت فإن بعض أهل العلم يرى: أنه في حكم السارق، ويكون الصبي كالآلة.
الجواب: الشهادة في الزنا ذهب جمهور الفقهاء إلى أن من شرط الشهود أن يكونوا رجالاً، هذا هو قول الفقهاء رحمهم الله، واستدلوا على ذلك بأن الله يقول: بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ [النور:4]، وهذا خطاب للرجال دون النساء، وقالوا: وقوله تعالى: أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى [البقرة:282]، إنما هو في الأموال، ووجود النسيان في حق المرأة في الحدود شبهة، والحدود تُدرأ بالشبهات، وقال بعضهم كـابن حزم : إن شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل مطلقاً، فعليه فيُقبل شهادة ثمان نساء في حد الزنا، وقال بعضهم: كل ما له علاقة في التذكر فإنه تكون فيه شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل، وما عدا ذلك فإن المرأة والرجل سواء، واستدلوا بقصة عقبة : ( حينما شهدت امرأة عجوز أنها أرضعت زوجته، فقال يا رسول الله: إنها كاذبة! قال: وقد قيل )، فقُبلت شهادة امرأة واحدة، وأشار إلى هذا ابن القيم في الطرق الحكمية، لكنني أقول: إنه في القصاص والجراحات يقبل شهادة النساء، مثل ما لو أن امرأة في قصر أفراح نسائي ضربت بعض النساء فماتت، فهل نقول: لا تقبل شهادة النساء؟! هذا بعيد، ولهذا قال علي بن أبي طالب : تقبل شهادة الصبيان في الجراحات، وكذلك الصبيان يقبلون إذا شهدوا مثل: مدرسة أطفال فجاء واحد دخل على الأطفال هؤلاء فضرب وضُرب وشهد على ذلك الأطفال فتقبل شهادتهم إذا كانوا مجتمعين غير متفرقين، والعلم عند الله، وعلى هذا فشهادة المرأة لو شهد ثمان نساء بالزنا على شخص فإنه لا بد أن يُعزر تعزيراً يردعه، أما الجمهور فإنه لا يُقام عليه الحد من باب الشبهة.
وأما قوله تعالى: أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى [البقرة:282]، هم يقولون هذا في الحقوق، يعني: شهادة المرأة في الحقوق وأما الحدود فإنه لا تقبل فيه شهادة المرأة، وأنا أقول: إن المرأة على النصف من شهادة الرجل بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ما بال ناقصات عقل ودين، قال: أما نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل )، هذا مطلقاً لم يُفصل النبي صلى الله عليه وسلم في الحقوق وفي غيره، وأشار إلى هذا ابن القيم رحمه الله كما قلنا، وأقول: إن القول هذا له حظ من النظر وهو بحاجة إلى مزيد من البحث، والله أعلم.
حتى لو كانت المرأة تنسى فالله سبحانه وتعالى عالج نسيانها بوجود امرأتين، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( شهادة المرأتين تعدل شهادة رجل )، خلاص هذا في كل امرأتين رجل، فإذا كان في الزنا وشهدت ثمان لا مانع أن يقام عليه الحد، هذا قول ابن حزم وأرى أن هذا القول قوي، وقول الجمهور ليس فيه دليل صريح في هذا، وأما قولهم: إن الحدود تدرأ بالشبهات، فالحنابلة والمالكية قالوا: إنه يقام عليه الحد إذا رؤي يتقيأ أو استنكه فشُم منه رائحة الخمر فإذا كان كذلك وهو قول عمر بن الخطاب فلا مانع من إقامة الحد على من شهدت عليه ثمان نسوة أنه زنى، أنا أقول: المرأة كالرجل إلا ما ورد فيه نص شرعي أن شهادتها على النصف من شهادة الرجل، وهو قول ابن حزم ، وأشار إليه ابن القيم رحمه الله في الطُرق الحكمية، ونقل كلاماً لـابن تيمية رحمه الله في هذا الباب.
والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر